طـريـق
الاتحـــاد
أو
دراسة
وتمحيص روايات النص على الأئمة
بقلم:
حيدر
علي قلمداران القمّي
قدم
له:
آية
الله العلامة السيد أبو الفضل بن الرضا البرقعي
ترجمه
عن الفارسية وحققه وعلق عليه
محمود
علي زين العابدين
1428هـ-2007
م
v
إلى
أرواح الأئمة الهداة من عترة المصطفى وآل خير الأنام، مصابيح الدجى وأعلام التقى
وورثة الأنبياء عليهم السلام.
v
إلى
أرواح صحابة خاتم المرسلين،
الأبرار
الصادقين والأخيار المنتجبين، الذين آمنوا وهاجروا، وجاهدوا وصبروا، وآوَوْا
ونَصَروا، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
v
إلى
كل ساع وطامح للتقارب والتآلف ووحدة الصفّ بين جميع
المسلمين.
بسم الله
الرحمن الرحيم، الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى،
وبعد،
فمما لا شك
فيه أن كل مؤمن مهتم بأمور المسلمين، يحزنه انقسام الأمة الإسلامية إلى فرق ومذاهب
وطوائف مختلفة وأحياناً متنازعة قد يصل الأمر لحد أن يكفِّر بعضها الآخر، ويقاتل
بعضها الآخر، لذا يتمنى الحريصون على وحدة كلمة المسلمين أن يوجد سبيل لإنهاء هذه
الخصومات المذهبية أو الحد منها، وذلك عبر نشوء تفهُّم متبادل بين علماء طوائف
المسلمين، يتعرّف به كلّ منهم على حقيقة مذهب الآخر، ويتفقون من خلاله على الأصول
الأساسية للإسلام، مستقاةً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم
يعذر بعضهم البعض الآخر في الاجتهادات الفرعية، وفي رؤاهم لحوادث التاريخ الإسلامي،
وغير ذلك من الأمور التي لا تمت لجوهر الدين بصلة، ويكون نتيجة ذلك اعتراف كل فريق
بإيمان وإسلام ونجاة الفريق الآخر والكفّ نهائياً عن تلقين الأتباعِ كُفْرَ
المخالفين أو هلاكَهم في النار، وبذلك تتوحّد صفوف الأمّة وتتآلف قلوب أبنائها
تآلفاً حقيقياً لا مصلحياً ظاهرياً، وهو أمرٌ يحتاجه المسلمون أكثر من أيّ وقت مضى
في هذا الوقت الذي يواجه فيه المسلمون أعتى التحديات وأشرس العداوة والحروب من
أعداء الإسلام وخصومه المعروفين في الشرق والغرب.
ولقد شعر
بهذه الحاجة للتقريب الصحيح بين مذاهب الأمة الإسلامية الكبرى - باعتبار أنها نابعة
جميعاً في الأصل من الإسلام الحنيف تتحرّك فيه وتتمسّك بأصوله وأن انقسامها لم يكن
في الواقع إلا نتيجة لاختلافات أو صراعات سياسية قديمة أكل عليها الدهر وشرب -
رجالٌ عقلاءٌ من أهل العلم والفضل وأهل الخير والحرص على الإسلام والمسلمين،
فأدركوا ضرورة بذل الجهود لرأب الصدع وإزالة سوء التفاهم الناجم عن جهل أبناء
الطوائف الإسلامية ببعضهم البعض، فقاموا بجهود طيبة في هذا المجال، تجَلَّت بتأليف
الرسائل والكتب ونشر المقالات حول ضرورة الوحدة الإسلامية، كما تجلّت في دار
التقريب التي نشأت في القاهرة - والتي لم تستمرّ لأسباب سياسية - وما كان يصدر عنها
من مجلّة تضمّ مقالات ممتازة يكتبها علماء الفريقين، وتلك الموسوعة الفقهية التي
جمعت بين دفّتيها آراء المذاهب الفقهية الإسلامية الثمانية، ولا زالت تصدر، ثم
تجلّت بمراسلات ولقاءات بين بعض علماء الفريقين السنة والشيعة في العراق وسوريا
ولبنان، وفي تجمّع علماء المسلمين في لبنان، وفي دار التقريب التي أنشئت مؤخراً في
إيران وفي لبنان وفي ندوات التقريب بين المذاهب الإسلامية التي تتمّ في بعض الدول
العربية والإسلامية سواء في آسيا أو شمال أفريقيا، وفي غير ذلك من الجهود الطيبة
المشكورة.
و هذا
الكتاب، في رأيي، محاولة طيبة في هذا المجال، من أستاذ فاضل عصامي منصف، من إيران،
رأى أن من الأسباب الرئيسية لتباعد وافتراق أتباع مذهبه عن
سائر المسلمين، عقيدة النص الإلهي على الأئمة: التي ترى أن الأئمة الاثني عشر من آل
البيت عليهم السلام، منصوبون ومعينون من قِبَلِ الله تعالى لإمامة
المسلمين
السياسية والدينية، مفترضو الطاعة على
العالمين بأمرٍ مُنَـزَّلٍ من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي
فالإيمان بهم ومعرفتهم أصلٌ من أصول الدين يساوق أصل الإيمان بالله واليوم
الآخر وبنبوّة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، مما يعني بالنتيجة الضرورية، أنه لن تكون هناك نجاة أخروية كاملة
لأي
مسلمٍ أو لأي إنسان دون معرفة أولئك الأئمة والإيمان بأنهم
حكَّام الناس الشرعيين بأمر الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم)
وأنهم
معصومون مفترضو الطاعة على العالمين!(1).
فأراد أن
يمحِّص صحّة هذه العقيدة ويرى
سندها، فتبيّن له أن مستندها مجموعة من الأحاديث والروايات
الواهية سنداً ومتناً،
المروية من قبل غلاة أو وضَّاعين لا تقوم برواياتهم أي حجة مهما كثرت، ثم تبين له
أن القرائن الخارجية من آيات القرآن ووقائع التاريخ وسير الأئمة أنفسهم تؤكد عدم
صدور تلك الأحاديث والروايات وبالتالي عدم صحة العقيدة التي انبنت عليها، فضمَّن
نتيجة بحثه هذا الكتاب، مبتغياً بذلك إزالة السبب الرئيسي للتباعد
العقائدي
بين المسلمين من الشيعة الإمامية
عن
سائر مذاهب
المسلمين،
وسماه
بالفارسية: "شـاهراهِ
اتحاد"، أي طريق الاتحاد الواسع، ونشره سنة 1978
م.
و مما يجدر
ذكره في هذه المقدمة بأن مؤلف هذا الكتاب - حسبما عرفته شخصياً - كان وبقي
إلى آخر حياته شيعي
المذهب
جعفري الفقه، متيَّماً بعشق
الأئمة من آل الرسول رضوان الله وسلامه عليهم أجمعين، وله كتاب يحكي فيه خواطره
ولواعجه لدى زيارته قبر سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام وما زرفه من دموع
وما ألقاه من خطبة مؤثرة في الصحن الحسيني، وهو يفتخر بأنه جعفري من مقلدي أئمة
العترة وأتباع مذهبهم، ويرى أن مذهب العترة هو، بنص حديث الثقلين، أحق المذاهب
وأولاها بالاتباع، فلم يكن هدفه من هذا الكتاب - في الحقيقة - نقد
أصل
التشيع أو ترجيح مذهب آخر
عليه،
بل المؤلف كان وبقي شيعياً جعفرياً. وهو وإن رأى أن
الإمام علياً عليه السلام لم يُنَصَّ بالتصريح
والتعيين على حكومته المباشرة
أي خلافته السياسية للرسول صلى الله عليه وسلم من قِبَل الله
ورسوله، إلا أنه يرى - كما هو واضح في كتابه هذا - النص على إمامته الروحية، فهو
مولى المؤمنين وإمام التقين وملاذ الموحدين ومن تجب محبته ونصرته على كل مسلم، ويرى
بأنه أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاهم بخلافته وإمامة المسلمين
من بعده، لمقامه ومرتبته في الإسلام التي لا يرقى إليها أحد، كل ما في الأمر أنه
رأى أن القول بالنص الصريح، من قِـبَل الله تعالى ورسوله، على إمارته وحكومته
المباشرة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وحكومة سائر الأئمة من أولاده إلى يوم
القيامة، فكرة لا تثْبُت - في رأيه - وسندها إما روايات غير صحيحة أصلاً أو روايات
صحيحة ولكن لا تدل على المعنى المراد.
و لذلك
أهيب بكل من يطالع هذا الكتاب، سواء اتفق مع مؤلفه أو اختلف، أن يأخذ بعين الاعتبار
قصد صاحبه، وأنه رجل مجتهد يحق له أن يبدي وجهة نظره التي انشرح صدره إليها
مستنداً إلى
الأدلة والبراهين التي ساقها، ولمن أراد أن يردَّ عليه فله أيضا كل الحق بذلك،
فلا كلام المؤلف ولا كلام غيره سيكون الكلمة النهائية في هذا الموضوع
الشائك، وعلى أي حال فالكتاب بحث عقائدي روائي فقهي محض وليس له أي غرض
سياسي، وفي رأيي أن مثل هذه الأبحاث العلمية، من أي طرف كانت، لا يصح اعتبارها
مثيرةً للفتنة، لأنها لا تتعارض أبداً مع الحفاظ على وحدة المسلمين وتماسكهم، ما
دامت قد اعتمدت أسلوب البحث العلمي الرصين بعيدا عن الشتائم والتشنج والمهاترات،
وكما يقال: الاختلاف لا يفسد للودِّ قضية.
عملي في
الكتاب:
أما عملي
في هذا الكتاب فلم يقتصر على مجرد الترجمة فحسب، بل قمت بتوثيق اقتباساته، ورجعت
لمصادره العربية لأنقل الاقتباسات من أصولها بعين حروفها، وأحياناً لم يتوفر لديّ
نفس المصدر الذي رجع المؤلّف إليه فوثَّقْتُ من مصدر مشابه فيه نفس الاقتباس وأحلت
إليه، كما
هذَّبت بعض عباراته التي كان فيها شيء من الحدّة أو الألفاظ الساخرة، كما أعدت
ترتيب بعض فقرات الكتاب التي رأيتها تحتاج لترتيب، واختصرت قليلاً في بعض المواضع
القليلة التي رأيت فيها تكراراً أو خروجاً عن الموضوع، ووضعت لبعض فقرات
الكتاب عناوين توضيحية أو أصلحت عنوان بعض فقراته لأن العنوان الذي ذكره
المؤلف لم يكن واضح الدلالة على ما تحته، فاخترت له عنواناً أوضح، وأحياناً أضفتُ
مثالاً آخر أو وسَّعت الاقتباس حيث رأيت أن اقتباسه كان مختصراً وأن الأولى نقله
بتمامه من المصدر لأن ذلك يوضح أكثر فكرة المؤلف قيد العرض. كما ترجمت في الحاشية
لأغلب الأعلام المذكورين في المتن.
ومن الجدير
بالذكر أنني ترجمت الكتاب من نسخةٍ جديدةٍ أرسلها لي أحد الأصدقاء من إيران وذكرَ
لي أن بعض أصدقاء المؤلِّف المرحوم كانوا قد أخرجوها منذ سنتين أو ثلاث مصحّحةً
ومنقحةً ومحلاةً بحواشي وإضافات قيّمة كان قد دونها على الكتاب مرجع مرحوم هو آية
الله البرقعي (الذي قدم للكتاب أيضاً) والعلامة المجتهد الحسيني، فصارت الحواشي
كالتالي:
§
التي لم تٌذَيَّل بأي
رمز هي للمرحوم مؤلف الكتاب نفسه أعني قلمداران.
§
والمذيَّلة برمز (ت)
هي للمترجم أي راقم هذه السطور.
§
والمذيَّلة برمز
(برقعي) هي للمرحوم المرجع آية الله السيد أبو الفضل بن الرضا البرقعي، الذي قدم
للكتاب.
§
والمذيَّلة برمز
(م) للمرحوم العلامة المجتهد الحسيني
(من أصدقاء المؤلف).
والخلاصة
أن هذا الكتاب الذي بين يديك هو دراسة اجتهادية تشارك فيها أكثر من كاتب وإن كان
المتن الأصلي هو للسيد حيدر علي قلمداران.
و أخيراً
فمما يلزم أن أذكره في هذا المقام أيضاً، أن ترجمتي للكتاب لا تعني، بالطبع، أنني
أتفق، بالضرورة، مع المؤلف في كل ما ذهب إليه. غاية ما في الأمر أنني رأيت في كتابه
بحثاً اجتهادياً جديداً ووجهةَ نظرٍ شيعية جديرةً بأن تطرح في ساحة الحوار، وكما
قلت ليس كلامه آخر المطاف في هذه المسألة، ولا هو أول من ذهب إلى هذا الرأي فيها،
فرأي المؤلف في هذه المسألة قريب
من وجهة نظر الزيدية من
الشيعة ويتفق
في أحد مناحيه مع وجهة نظر عامة
المسلمين من أهل السنة والجماعة
في موضوع الإمامة، ولا شك أن جمهور
علماء الشيعة سيختلف معه فيما قاله، ولهم الحق في مناقشته فيما كتب، وأتمنى أن يحصل
هذا لأنه إن حصل فسيغني ويثري الفكر الإسلامي في هذا المضمار ويصقل المسألة
ويبلورها أكثر، وعلى كل حال للمجتهد إن أصاب أجران وإن أخطأ أجر، والحمد لله على
رحمته.
و قبل
اختتام المقدمة لا بد من نبذة مختصرة عن مؤلف هذا الكتاب، ملخصة من رسالة أعطاني
إياها أحد معارفه، فقد ولد المرحوم حيدر علي بن إسماعيل قلمداران في قرية
"ديزيجان" من أعمال مدينة قـم في إيران سنة 1913 م. من أبوين قرويين
فقيرين، وبدأ دراسته بتعلم القرآن الكريم في كتَّاب القرية، وكان شغوفاً جداً بتعلم
الكتابة والقـراءة وإتقانها، حتى كان يصنع أقلام الكتابة بنفسه لعجزه عن شرائها
لفقره، فسمّوه بـ"قلمداران"، التي ترجمتها: صاحب القلم! كما كان كثير الشغف
بالقراءة والبحث ومطالعة الكتب الإسلامية منذ صغره، وما لبث - وهو لا يزال في ريعان
الشباب - أن قرض الشعر وأصبح كاتباً في عدد من المجلات التي كانت تصدر في عصره في
قم وطهران، وعمل في سلك التدريس في مدارس مدينة قم، وكان يسخِّر قلمه لكتابة
المقالات الإسلامية التي يدافع فيها عن تعاليم الدين الحنيف، ويردّ على مخالفي
الإسلام، ويدعو لإصلاح الأوضاع وإيقاظ همم المسلمين، وقد جمع هذا الاتجاه الديني
الإصلاحي بينه وبين مفكري إيران الإسلاميين التجديديين المنوَّرين في عصره لا سيما
المرحوم المهندس مهدي بازركان(2)
والمرحوم المعلّم
الشهيد الدكتور علي شريعتي، ولكن الشخص الذي تأثّر به المؤلف أكثر من أي شخصية أخرى
كان المرجع العراقي المجاهد، والمصلح الكبير آيـة اللـه الشيـخ محمد مهدي الخالصي
(رحمه الله) الذي كان آنذاك منفياً إلى إيران من قبل السلطات الإنجليزية في العراق،
وكان بدءُ تعرُّفِ المرحوم قلمداران على الشيـخ الخالصي (رحمه الله) عبر ترجمته
لكتبه التي أعجب بها كثيراً مثل ترجمته لكتاب "الإسلام سبيل السعادة
والسلام" وكتاب "إحياء الشريعة" وهو دورة فقهية عقائدية عصرية في المذهب
الجعفري في ثلاثة مجلدات، ثم أعقب ذلك مراسلات بينه وبين الشيخ الخالصي، سعى بعدها
الأستاذ قلمداران للقاء الشيخ الخالصي وحظي بذلك أكثر من مرة، ولكن المرحوم
قلمداران قال لي، وهو يروي قصّة تعرفه على الشيخ الخالصي وأفكاره الإصلاحية، أنه
وجد الشيخ الخالصي رغم وافر علمه وجرأته في الحق وإصلاحاته العظيمة قد توقف عند
حدود الأصول المسلّمة المجمع عليها لمذهب الإمامية، أمّا هو فلم يجد داعياً - على
حد قوله - لهذا التهيُّب، بل تجاوز شيخه ومقتداه الخالصي بخطوات للأمام وخرج عن
إجماع الإماميّة في
بعض المسائل كقوله بعدم وجوب
أداء خمس المكاسب والأرباح في عهد الغيبة، وبأن الأئمة الاثني عشر ليس منصوصاً
عليهم من قبل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل هم علماء ربانيون وفقهاء
مجتهدون، وأفضل أهل عصرهم وأولاهم بالاتباع والتقليد بنص حديث الثقلين وبالنظر
لكفاءاتهم الذاتية وعلو مقامهم وقربهم من جدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً
ونسباً، وكذلك قال بأنه لا ثبوت لإمامٍ غائبٍ مستترٍ إلى الآن ولا رجعة
ولا عصمة مطلقة لأحد إلا عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالات
ربه، ورأى كذلك، من خلال دراسته لتاريخ زيارة القبور في الإسلام، عدم صحة نصب
القباب وإقامة المساجد على أضرحة الصالحين سواء من أئمة آل البيت أو أولادهم
وأحفادهم، وخطأ زخرفتها وجعلها معابد لها سدنة وحجاج وطائفين يطوفون بها داعين
مستغيثين بأصحابها، وكان يرى ذلك مظهراً من مظاهر الإشراك في العبادة، وأذكر أنه
قال لي عندما زرته قبل سبع وعشرين سنة، وهو يشير إلى الضريح الكبير للسيدة فاطمة
المعصومة بنت الإمام موسى الكاظم في قم (عليهم السلام)، والواقع أمام بيته، أن
هذا المزار على الصورة التي آل إليها وما يفعله العوام عنده صار مثل
"بتخانه" أي معبد صنم! وقد ألّف
في هذا المضـمار كـتاب "راه نجات از شر غلاة " أي: طريق النجاة من شر
الغلاة، المؤلَّف من خمسة أجزاء: هي "علم غيب إمام"، "بحث در ولايت
وحقيقت آن" (ولم تتيسر طباعتهما)، "بحث در شفاعت" أي بحث حول الشفاعة،
"بحث در غلوّ وغاليان" أي بحث حول الغلو والغلاة (و طُبِعا مع بعضهما بكتاب
واحد)، و"بحث در حقيقت زيارت وتعمير مقابر" أي بحث حول حقيقة زيارة القبور
وتشييد الأضرحة (ولم يطبع أيضاً).
هذا وعلاوة
على الكتب التي أشرنا إليها، أفاد المؤلف مسلمي عصره، الذين كانوا يتطلعون للفكر
الإسلامي العصريّ الناهض والمتنوِّر، كتباً قيمةً إسلاميةً وإصلاحيةً أخرى نشير هنا
لأهم ما طبع منها:
1. "آيين دين يا
احكام اسلام" وهو ترجمة للفارسية لكتاب "الإسلام سبيل السعادة والسلام"
للعلامة الخالصي (رحمه الله) وهو رسالة فقهية عقائدية مختصرة.
2. "أرمغان
آسمان" أي: هدية السماء، وهو مجموع مقالاته التي كانت تنتشر في جريدة
"وظيفة " في طهران.
3. "أرمغان إلهي"
أي: الهدية الإلهية، وهو ترجمة للفارسية لكتاب "الجمعة" للعلامة الخالصي
(رحمه الله) الذي بين فيه الوجوب العيني لصلاة الجمعة في كل الأعصار خلافا لفتوى
القائلين بوجوبها التخييري في عصر الغيبة.
4. "حج يا كنگره عظيم
إسلام" أي: الحج أو مؤتمر الإسلام العظيم.
5. "حكومتِ
اِسلامي" أي: الحكومة الإسلامية، في مجلدين، وهو من أهم كتب المؤلف، وكان
سبَّاقًا لهذا الموضوع في عصره، وقد ذَكَرَ لي أن الشيخ الفقيه المجاهد حسين علي
المنتظري كان يقوم بتدريس هذا الكتاب سرَّاً لتلامذته في نجف آباد، وقد أوقع
الكتابُ المؤلفَ تحت ملاحقة مخابرات الشاه الإيراني المقبور.
6. "بحثي در باره مسائل واجب بعد از
نماز" أي: بحث حول أهم واجب بعد الصلاة أي فريضة الزكاة، أثبت فيه وجوب الزكاة
في كل أنواع الأموال والزروع والممتلكات وعدم انحصارها في الأجناس التسعة، خلافاً
للمشهور من مذهب الإمامية.
7. "الخمس" وهو بحث روائي رجالي فقهي
ضخم أثبت فيه عدم وجوب أداء خمس أرباح المكاسب في عهد الغيبة، خلافا لمذهب الإمامية
الأصوليين.
وتوفي
الأستاذ قلمداران عام 1989م. عن عمر ناهز السادسة والسبعين، أفاد فيه المسلمين
بدراساته وتحقيقاته القيَّمة فرحمه الله وغفر له وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير
الجزاء. هذا ما أردنا ذكره في هذه المقدمة والحمد لله أولاً وآخراً، ﴿ إِنْ
أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾.
المترجم
5/ شعبان/1428 هـ.
ق.
تقديم سماحة المرجع
آية الله العلامة الفـقيه السيد
أبو الفضل بن الرضا البرقعي
القمي (رحمه الله)
بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي علَّم الإنسان ما لم يعلم، وصلَّى الله على
النبي المكرَّم وآله وأصحابه وأتباعه المؤمنين بكتابه المعظَّم،
وبعد:
لا
يخفى أن الشيعة الإمامية درجت على اعتبار الإمامة من أصول الدين، واعتقدت أن الأئمة
الاثني عشر مفترضو الطاعة، منصوص عليهم ومنصوبون من قبل الله تعالى ورسوله
(صلى
الله
عليه وآله) للعالمين، واعتبرت أن
من جحد ذلك
عَمْداً
وعِناداً، خرج عن
حقيقة الإيمان وصار
محروماً
من السعادة
الأبدية،
ولو
كان مؤمناً
ببقية
العقائد الإسلامية كإيمانه بالله
تعالى ورسوله،
وقائماً
بسائر
الفرائض الدينية،
وذلك لكونه ينكر أصلاً من أصول الدين ألا وهو أصل الإمامة، بعد أن قامت عليه الحجة
فيه.
و
مستند الشيعة الإمامية في عقيدتهم هذه، ليس إلا الأحاديث والأخبار التي جاءت في
كتبهم وقالوا بتواتر مضمونها تواتراً معنوياً. وإلا فليس في كتاب الله تعالى ذكرٌ
صريحٌ ولا خبرٌ عن إمامة الأئمة الاثني عشر، اللهم إلا بالتأويل والتقدير بالقوّة
لبعض الآيات، لحملها على مفاد الأخبار الواردة، لكن مثل هذا التأويل، وطبقاً لصريح
آيات القرآن، لا يجوز أبداً، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى جعل القرآن كتاباً بيِّناً
مفصلاً ونوراً مُبِيْنَاً وهدىً للناس، ويسَّره للذكر واعتبره قابلاً للفهم
والتدبر، وفرقاناً يفرق بين الحق والباطل، ومعنى ذلك كله أن القرآن الكريم كتابٌ
واضحٌ بيِّنٌ على المسلمين أن يرجعوا إلى بيانه ويتدبّروا معانيه الظاهرة ويفهموه
لكي يميزوا به بين الحق والباطل، فما وافقه من حديثٍ أو خبرٍ قبلوه، وما خالفه
تركوه، فيجب فهم معاني الأخبار على ضوء ما يقوله القرآن الكريم، لا أن تُحْمَل آيات
القرآن ويلوى عنقها لتنطبق على مفاد الأخبار!
ولذلك،
فيجب القيام بدراسة وتمحيص كاملين للأحاديث والأخبار المتعلقة بالإمامة والنصّ على
الأئمة، إذ كيف يسوغ لأحد أن يقلّد في أمر هو من أصول الدين وعليه (كما يُقال) مدار
السعادة أو الشقاء الأبديين؟ ولكننا نتساءل ابتداءً: إذا كان القرآن الكريم، رغم
كونه تبياناً لكل شيء ورغم ذكره لعديد من فروع المسائل العقائدية والفقهية، ليس فيه
أيّ ذكر للأئمة ولنصبهم من قبل الله عز وجل حكَّاماً على العالمين، فكيف يمكن أن
يعذب سبحانه أو يثيب على شيء لم يُبَيِّنْه؟ وهو القائل جل جلاله: ﴿ وَمَا
كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾
[الإسراء:15]، والقائل أيضاً: ﴿ وَمَا
كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا
يَتَّقُونَ ﴾
[التوبة:115]؟!
ولذلك
منذ مدة مديدة وأنا أفكر بالقيام بدراسة وبحث شامل حول الأحاديث والأخبار المتعلقة
بموضوع الإمامة والنص على الأئمة، لأقدم نتيجة بحثي للأخوة والأصدقاء من أهل
التحقيق، الطالبين للحق والباحثين عن الحقيقة، إلا أن صعوبة مثل هذا البحث من جهة،
والمشاغل الكثيرة من جهة أخرى، والتعصبات التي ليست في محلها، علاوة على الخوف من
هجمات المقلدين، كل ذلك حال بيني وبين ذلك العمل، إلى أن قيض الله تعالى لهذا الأمر
الأستاذ الفاضل والمحقق المتتبع حيدر علي قلمداران دامت بركاته، الذي يتمتع
حقّاً بهمة عالية، رغم كونه مجهولاً بين كثير من معاصريه، فتجشّم عناء هذا البحث،
واستطاع، بحمد الله، أن يوفيه حقه، ووضع أمام أنظار القراء، في هذا الكتاب، النتائج
القيمة لبحثه وتحقيقه.
ونحن
نهيب بكل من يطالع هذا الكتاب أن يتذكر دائما الهدف العظيم لمؤلفه، ألا وهو إزالة
سبب أساسي من أسباب الاختلاف والشقاق بين المسلمين وإيجاد الوحدة والتفاهم بينهم،
لذا سمى كتابه "طريق الاتحاد".
وندعو
القارئ لهذا الكتاب أن يطالعه بروحٍ مشبعة بالتجرد والإنصاف والإخلاص في طلب
الحقيقة، بعيداً عن التأثُّر بأفكارٍ أو أحكامٍ مسبقة، وعن التعصّب والعناد، لأن
التعصّب والعناد يغشيان على البصيرة ويَحُولان دون رؤية الحقائق، وأحياناً يجرّ
التعصبُ الإنسانَ إلى مواقف تخالف مبادئه دون أن يشعر، كما هو حاصل لكثير من عوام
الشيعة الإمامية الذين جرّهم تعصّبهم لمخالفة حتى أئمتهم من عترة النبي
صلى الله عليه وآله
وسلم في
عديد من أعمالهم وعقائدهم! ومن جملة ذلك تفرقهم وابتعادهم عن سائر فرق المسلمين
وإساءة القول في حقهم، وهو أمر مخالف لسلوك وكلام أمير المؤمنين علي عليه السلام
(الذي ورد في الخطبة 127 من نهج البلاغة) حيث قال: [...والزموا السواد
الأعظم فإن يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة! فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما
أن الشاذ من الغنم للذئب. ألا ومن دعا إلى هذا الشعار (أي شعار الخروج والتحزب
والتفرقة في الدين) فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه (أي ولو كنت أنا)].
ولقد
كان عليه السلام في حياته تجسيداً حيّاً لهذا المبدأ، فلقد حافظ على علاقة طيبة مع
الخلفاء الذين سبقوه وشارك في صلاة جمعتهم وجماعاتهم وقدم لهم معونته الفكرية في
حلّ ما طرأ من المستجدات والحوادث، وتعامل معهم التعامل الإسلامي الأخوي الذي
تقتضيه الأخوَّة في الإيمان، وليس هذا فحسب، بل سمَّى ثلاثةً من أولاده بأسمائهم،
فأحد أولاده سماه عمر بن علي والآخر عثمان بن علي وثالث أبا بكر
بن علي، كما هو مسطور في كتبنا ككتاب الإرشاد للشيخ المفيد
(رحمه
الله)
وسائر كتب الحديث والتاريخ، وكذلك زوَّجَ ابنته أم كلثوم من الخليفة
الثاني عمر رضي الله عنه(3)،
وكذلك
أثناء محاصرة الثوار لعثمان، كان يحمل له الماء بيده وجعل ابنيه الحسن والحسين
يلزمان حراسته، كما أنه كان يذكر الخلفاء بكلماته بالخير ولم يكن أبدا فحّاشاً ولا
سبّاباً، لا يمنع ذلك أنه كان يرى نفسه أولى وأعلم وأحق وأليق بخلافة رسول الله
صلى الله عليه
وآله
وسلم منهم، إلا أنه مع ذلك لم يعتبر خلافتهم غصباً أو كفراً أو باطلاً!.
ونذكر
هنا بعض ما جاء في كتبنا من كلماته عليه السلام عن الشيخين (رضي الله عنهما)، ففي
رسالته التي بعث بها إلى أهالي مصر مع قيس بن سعد بن عبادة واليه على مصر، كما
أوردها إبـراهيم بن هلال الثقفي فـي كتـابـه: "الغارات" (ج1/ص210) والسيد
علي خان الشوشتري في كتابه " الدرجات الرفيعة " (ص 336) والطبري في تاريخ
الأمم والملوك (ج3/ص550) قال: [.. فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله عز وجل
صلى الله عليه ورحمته وبركاته ثم إن المسلمين استخلفوا به أميرين صالحين عملا
بالكتاب والسنة وأحسنا السيرة ولم يعدُوَا لِسُنـَّتِهِ ثم توفّاهما الله عز وجل
رضي الله عنهما].
وفي
الخطبة 228 من نهج البلاغة قال عليه السلام عن الخليفة الثاني عمر بن
الخطاب: [..فلقد قوَّم الأود وداوى العمد وأقام السنة وخلَّف الفتنة، ذهب نقيَّ
الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرَّها، أدَّى إلى الله طاعته واتَّقاه
بحقِّه.]. وجاء كذلك في الخطبة 164 من نهج البلاغة، أنه لما اجتمع الناس
إليه وشكوا ما نقموه على عثمان وسألوه مخاطبته لهم واستعتابه لهم، فدخل عليه فقال:
[إن الناس ورائي وقد استسفروني بينك وبينهم، ووالله ما أدري ما أقول لك! ما أعرف
شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه. إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء
فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلغكه، وقد رأيتَ كما رأينا، وسمعتَ كما سمعنا،
وصحبتَ رسول الله - صلى الله عليه وآله - كما صحبنا. وما ابن أبي قحافة ولا
ابن الخطاب بأولى بعمل الحق منك...] فشهد لهما بأنهما عملا
بالحق.
بل
أكثر من ذلك، فقد جاء في نهج البلاغة أيضاً (الخطبة 206) أنه لما سمع قوماً له
يسبّون أهل الشام (من أتباع معاوية) أيام حربهم في صفين، نهاهم عن ذلك وقال:
[إني أكره لكم أن تكونوا سـبَّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان
أصـوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سـبّكم إيّاهم: اللّهم احقن دماءنا
ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من
جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به].
فما
أبعد بعض العوام الجهلة من مدّعي التشيع لآل البيت، الذين لا يتحرّجون في مجالسهم
ومنابرهم عن الطعن وإساءة القول بحق الخلفاء وأئمة سائر فرق المسلمين، وتكرار ما
وضعته أيدي الغلاة المفرقين المثيرين للفتنة بين المسلمين من أحاديث وأخبار، عن
سيرة وتعاليم الأئمة الهداة عليهم السلام!.
ومن
جملة ما يخالف
به فريقٌ
من المنتسبين للتشيع لأئمة
آلِ
بيتِ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
سيرةَ الأئمة عليهم السلام،
نسبة عديد
من الأحكام
الفقهية المخالفة لسائر المسلمين إلى الأئمة عليهم السلام ورفض ما نُقِل عنهم في
ذلك مما وافق سائر مذاهب المسلمين بحجة أنهم إنما أفتوا به من باب التقية، فحيثما
وجدوا نقلين عن أئمة الآل أحدهما يوافق مذاهب السنة وآخر يخالفها أخذوا بالثاني
عملا برواية لا
تصح وقاعدة
خاطئة تقول "خذ ما خالف العامة!"، هذا مع أنهم هم أنفسهم يقررون بأنـه:
«... إنما شرعت التقية لحفظ الدين والمذهب، حتى
أن الإمام في حالة هتك الدين ونشر البدعة، يقوم بمحاربة ذلك مقدِّماً روحه في هذا
الطريق.. لأن الإمام إنما وجد أصلاً لحفظ الدين، فأهمية بقاء الدين أهم من بقائه.
فإذا جاز لعوام الناس ارتكاب بعض المعاصي أو ترك بعض الواجبات اضطراراً من باب
التقية (أي تفادياً لأذى الأعداء الذي لا يحتمل)، لم يجز ذلك أبداً لمن هو في مقام
الإفتاء والإرشاد والمرجعية الدينية للناس لأن تقيته ستؤدي لضلال الناس وفساد
عقيدتهم... وقد جاءت روايات كثيرة في كتبنا تبين: أن على العلماء وأئمة الدين أن
يحاربوا البدع إذا ظهرت ويظهروا علمهم وإلا فعليهم لعنة الله...»(4)،
لكنهم عند الإفتاء ينسون هذه القاعدة الذهبية ويحملون كثيراً من أقوال أئمة الآل
عليهم السلام التي لا تعجبهم على أنها إنما كانت منهم من باب التقية! فلا يأخذون
بها، ولا يفكرون بأن كل عاقل - فضلاً عن أئمة آل البيت العظام - إنما يكفيه، في
موضع الخطر والخوف، السكوت، ولا أحد يضطره للإفتاء بعشرات الفتاوى المخالفة لحكم
الله تعالى ورسوله وإيقاع أتباعه في الحيرة والضلال!
ومن
جملة ما خالف به كثير من عوامّ
المتبعين للأئمةِ
من آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أئمتَهم عليهم السلام أيضاً، ابتداع شعائر
وأعمال لا أصل لها في تعاليم الشرع بحجة تعظيم أئمة أهل البيت، واعتبارهم معرفة
الأئمة ومحبتهم والاعتقاد بهم كافية للنجاة، في حين أن الأئمة من آل البيت عليهم
السلام لم تكن دعوتهم لأنفسهم ولا لتمجيد
أشخاصهم، بل كانت دعوتهم، إحياءً لدعوة نبي الإسلام عليه وآله الصلاة والسلام في
الدعوة إلى الله تعالى وتعريف الناس بعقائد الإيمان وتشريعات الدين، وأن طريق
النجاة منحصر بالإيمان والتقوى والعمل الصالح لا غير.
وحاصل الكلام أننا نأمل أن يقوم طالبوا الهداية
والحق، بمطالعة هذا الكتاب القيِّم ليستيقظوا من غفلتهم، ولا ينخدعوا بتهويلات بعض
المغالين،
أو بعض المتاجرين
بالدين،
الذين
يسارعون إلى تكذيب وتكفير كل من يجتهد
ويبدي رأياً جديداً خلاف المشهور أو يكتب
أو يقول كلمة حق، ونهيب بكل من يملك القدرة، أن يساعد على طبع هذا الكتاب ونشره،
لينصر بذلك دين الله، ويساهم في إصلاح ذات بين المسلمين، وإزالة أهم سبب من أسباب
سوء الظن والعداوة والبغضاء فيما بينهم، تلك العداوة التي لا يعلم
إلا الله كم جرت من الويلات على المسلمين وكم أشعلت بينهم من حروب وكم شغلتهم في
صراعات وكتابات وعصبيَّات لا طائل تحتها عبر تاريخهم الطويل.
و
في الختام نقول، بكلام موجز، إن كتاب الله المنزَّل المبارك، إنما نزل ليبين
للإنسان طريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، وهو إن اكتفى في بعض فروع الدين
بالإشارة، موكلاً لسنة النبي صلى
الله عليه وسلم العملية
تفصيل ما أوجزه وبيانه، فإنه - ولا بد
- بيَّن وكرَّر بكل وضوح: أصول الدين وأركان الإيمان التي هي مناط الكفر أو الإيمان
وعليها مدار النجاة أو الهلاك، فقال عزّ من قائل: ﴿ آمَنَ
الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ
بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن
رُّسُلِهِ..
﴾
[البقرة:285]، وقال أيضاً: ﴿ وَلَكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ..
﴾
[البقرة:177]، وقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ
آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ
رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ..
﴾
[الحديد:19] وقال جلّ شأنه: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي
نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ
بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلاَلاً بَعِيدًا ﴾
[النساء:136]. فهذه هي أركان الإيمان التي أمرنا الله عز وجل بالإيمان بها وجعل
منكر أحدها كافراً من الضالين وهي أن نؤمن بالله تعالى الواحد الأحد وباليوم الآخر
وبملائكته وكتبه ورسله لا نفرق
بين أحد من رسله.
ولم
يأت الله عز وجل، في كتابه، الذي وصفه بأنه تبيانٌ لكل شيء، على الإمامة
ولا على
الإيمان بأئمَّةٍ معينين مخصوصين بأي ذكرٍ، فلا يحقّ لأي أحدٍ بعد ذلك أن
يأتي ويزيد هذه الأمور على ما ذكره الله من أصول الدين وأركان اليقين، إذ من
البديهي أن لو كان الإيمان بخلفاء أو أئمة معينين (سواء كانوا منصوصاً عليهم
ومنصوبين من قبل الله أم غير منصوص عليهم) أمراً أساسيّاً من أمور الدين ومعرفتُهُم
شرطاً لازماً للإسلام والإيمان، لَذَكَرَ اللهُ سبحانه وتعالى ذلك بكل صـراحة
ووضـوح في كتابه الحكيم، فلما لم يفعل عـُلِمَ أن مـعـرفةَ ذلـك والإيمانَ به ليس
من أصول الدين اللازمة. والسلام على من اتبع الهدى.
خادم
الشريعة
أبو الفضل بن الرضا البرقعي
+
+
+
بسم الله
الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وأتباعه، والسلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين.
عقل
وتفكير جميع بني الإنسان وتجربة وخبرة البشر وليس هذا فحسب بل كذلك وحي خالق العالم
وتعاليم الأنبياء والمختارين تدل جميعها بأوضح بيان وأصرح لسان على وجوب الاتحاد
ووحدة الكلمة واتفاق الأمة والجماعة واتفاق كل شعب ومجتمع يعيش أفراده بجوار بعضهم
البعض، إذ أن بركات الاتحاد ومحاسن الاتفاق أوضح من أن تحتاج لذكر أو بيان، فأدنى
ذي شعور يحكم بعظيم فائدتها وحسن عاقبتها. وقد دعا خالق العالم، في آيات متعددة من
كتابه المحكم، المسلمين، للوحدة والاتحاد والاجتماع والاتفاق، فقال سبحانه في سورة
الأنبياء/92: ﴿ إِنَّ
هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ
فَاعْبُدُونِ ﴾
وفي سورة المؤمنون/52: ﴿ وَإِنَّ
هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ
فَاتَّقُونِ ﴾
فذكّرهم بكلمة التوحيد لتتوحد كلمتهم وتتحد جماعتهم قائلا: بما أنني أنا وحدي ربكم
جميعا فكونوا أنتم أيضاً أمة واحدة واعبدوني وحدي جميعا ولا تخافوا إلا
إيّاي.
وبرغم
أن هيئة ونظام الخليقة بحد ذاته دليل واضح على أن خالقها واحد، وهذه حقيقة واضحة
وبرهان متقن، لكن إذا لم تكن ثمرة هذه الحقيقة ونتيجتها توحيد الكلمة والاتفاق، فإن
ذلك يعتبر فقداناً كبيراً وخسارةً عظيمةً، تماثل أن نكون عمياناً ونحن بجوار بحر
النور، أو عطاشى ونحن بجوار شريعة الكوثر الزلال. لقد حذرنا الحق تعالى من الاختلاف
والتشتت ودعا الناس للاعتصام بحبل الله الذي هو القرآن المجيد ودين الإسلام المبين
فقال: ﴿ وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ﴾
[آل عمران:103]، وقال كذلك: ﴿ وَلا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ
الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[آل عمران:105]، وقال أيضاً: ﴿ وَأَنَّ
هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ ﴾
[الأنعام:153]. وقال:
﴿ إِنَّ
الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ
إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى الله ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ ﴾
[الأنعام:159]، وقال كذلك: ﴿ شَرَعَ
لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا
وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ
وَلا تَتَفَرَّقُوا
فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ الله يَجْتَبِي
إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ(13)وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا
مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ..
﴾
[الشورى:13-14]. وعلينا أن ننتبه أنه لما أخبرنا الله تعالى عن الكفار أنهم:
﴿ تَحْسَبُهُمْ
جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾
سورة الحشر/14، فمعناه أن المؤمنين عليهم أن يعتبروا من ذلك ويكونوا على خلاف تلك
الحال بأن يكونوا متَّحدي القلوب في وحدة حقيقية صادقة، عاملين بحكم قرآن رب
العالمين الذي نهاهم عن التفرق وأمرهم بالاجتماع ووحدة الكلمة، لا أن يتحدوا مجرد
اتحاد صوري فاقد للحقيقة والأصالة، بل أن تكون وحدتهم متجذّرةً
في قلوبهم.
إن
التفرقة في الدين مذمومةٌ إلى درجة أن قوم موسى لما عبدوا العجل بتضليل السامري،
ورجع سيدنا موسى عليه السلام غاضباً وأخذ بلحية أخيه ورأسه، كان مما قاله سيدنا
هارون عليه السلام معتذراً عن عدم تركهم: ﴿ ..
إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ
بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلي ﴾
[طه:94]. وأخيراً فقد بين سبحانه وتعالى في كتابه أن التفرق والتنازع والاختلاف في
الآراء يؤدّي إلى ضعف شوكة المسلمين وذهاب عزتهم وقوتهم فقال: ﴿ وَأَطِيعُوا
الله وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا
إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
[الأنفال:46].
ويوجد
في السنة النبوية ما لا يكاد يحصى من الأحاديث الصحيحة في وجوب الالتزام بالجماعة،
من جملة ذلك الحديث المشهور الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فارقَ
الجَمَاعَةَ قيْدَ شِبْرٍ فقد خلَعَ رِبْقَةَ الإسْلامِ مِن عُنُقِهِ إلاَ أن
يَرْجِعَ..»(5)
والحديث الآخر الذي قال فيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من خرج من
الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية»(6).
ومثل هذا ما جاء في الخطبة رقم 127 من نهـج البلاغة عن سيدنا مولى الموحدين وأمير
المؤمنين حيث قال: «والزموا السواد الأعظم فإن يد الله مع
الجماعة، وإياكم والفرقة فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب،
ألا من دعا إلى هذا الشعار (أي شعار التفرقة والانشقاق) فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه» أي أنني أنا نفسي أمير المؤمنين لو دعوتكم للفرقة
والتحزُّب فاقتلوني! والحقيقة أن السيرة الشريفة لذلك الإمام، نفسها، أوضح دليل على
وجوب ملازمة الجماعة واجتناب الفرقة، إذْ إنه عليه السلام رغم كل الحوادث المؤلمة
والآلام التي تحملها، بقي دائماً ملازماً لجماعة المسلمين.
+
+
+
أسباب وبواعث اختلاف
وتفرّق الأمّة
الإسلاميّة
أهم وأعظم
علة لتفرّق المسلمين
وانشقاقهم، وسبب وقوع الاختلاف والخصومة
فيما بينهم، مسألة خلافة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم). لقد نشأت بذور هذا
الاختلاف في صدر الإسلام في الأيام الأولى التي تلت رحلة رسول الله (صلّى الله عليه
وآله وسلّم)، ونمى وقوي فيما بعد بواسطة جهل المسلمين وتعصبهم وتحريك أعداء
الإسلام، إلى أن اشتدَّ في القرون التالية قرناً بعد قرن حتى جعل المسلمين أعداء
ألدّاء في مواجهة بعضهم البعض وأدى إلى مشاهد مشينة من الحرب والجدال والخصام
والاقتتال سوَّدت صحائف التاريخ بالعار إلى الحد الذي أصبحت فيه فرق المسلمين أقدر
على الاختلاط والعشرة مع اليهود والنصارى منها على التعايش مع بعضها البعض مع أنهم
بنص كتابهم السماوي أخوة متساوون.
ورغم
أن غباراً
غليظاً
مغطياً
للحقيقة أوجدته قرون من الجدال والاقتتال، أصبح مانعاً كبيراً وصعباً يحول دون
إظهار وجه الحقيقة كما ينبغي وتعرُّف كل فرقة على الأخرى وإعادة المياه إلى مجاريها
فيما بينهم، لكننا بعون الله سنقوم بمحاولتنا وسعينا في هذا الطريق مستخدمين كل ما
أتيح لنا من طاقة مادية ومعنوية، عسى أن ننير بفضل الله سراجاً نيِّراً في هذا
الطريق المظلم الضيق، ونطلع إخواننا المؤمنين، الذين يطلبون الحق ويبحثون عن
الحقيقة إلى ما هدانا الله إليه بفضله ورحمته، عسى أن يعودوا لأنفسهم بعد هذا الزمن
الطويل وبعد اطلاعهم على حيل وسياسة الأعداء وتذوقهم لمرارة كل تلك البلايا
والمصائب التي حلت بهم نتيجة تلك الاختلافات، فيسيروا إلى الأمام نحو العزة
والسعادة والشوكة والسيادة ويستعيدوا وحدتهم فيكونوا مصداقاً للآية الكريمة:
﴿ كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ ﴾.
أما لو لم تؤثر فيهم - لا سمح الله - صخب السيول الجرّارة
لكل حوادث التاريخ هذه ولا الأمواج المهلكة لكل أعاصير القرون والعصور هذه، وما
تحويه من صفير الإنذار والتحذيرات الصريحة، بل استمرت العصبيَّات الجاهلية والتفرقة
القومية والعنصرية التي تغذيها الأهواء ووساوس الشيطان ودسائس الأعداء الماكرين
تعمل عملها في إضلالهم، فإننا سنكون معذورين لدى ربنا سبحانه وتعالى بكتابة هذا
الكتاب ومأجورين إن شاء الله على سعينا لهذا الهدف وما سنلقاه من آلام نتيجة
الاتهامات والسب والبهتان والافتراء بحقِّنا: ﴿ وَإِذْ
قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَو
مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَّقُونَ ﴾
[الأعراف:164].
+
+
+
علة
الاختلاف
الأصلية
المادّة
الأصلية والأساسية لاختلاف الأمة الإسلامية هو - كما
قلنا - مسألة الخلافة
والإمامة، ومن هذه المسألة تشعَّبت سائر الاختلافات الأخرى، وقد أخذت مسألة
الإمامة، بمعنى الحكومة وزمام الأمور، والتي محركها الأصلي لدى أغلب الأفراد ليس
إلا حب المقام وحب الرئاسة، في هذه الأمة، شكلاً وصورةً قلّما يوجد لها نظير في
الشعوب والأمم السابقة!
كمقدّمة ينبغي
القول بأن حبّ العلو والرئاسة أمر فطريّ في
كلّ نفس، وكل
إنسان يطلب بغريزته التفوق على أقرانه، وإذا تمت هداية هذه الغريزة بشكل صحيح، أمكن
أن نستخرج منها أفضل النتائج، وذلك أنه من لوازم وجود وحياة المجتمع البشـري أنه
لا يمكن لأي شعب أو أمة أن تستمر في حياتها المدنية دون امتلاك حكومة ونظام
اجتماعي، وليس هذا لدى الإنسان فقط، بل إن كثيراً من الحيوانات شعرت بهذا الأمر
وأوجدت في حياتها نظاماً وتشكيلات اجتماعية، كما نجد ذلك واضحاً في عالم النمل
والنحل والحشرات الآكلة للخشب (النمل الأبيض) وعديد من الطيور والحيوانات الأخرى.
ولا شك أن دين الإسلام الذي يحتوي على أفضل القوانين الاجتماعية التي تضمن السعادة
الدينية والدنيوية لأتباعه، لم يبق هذه المسألة مسكوتاً عنها ولا مجهولة، بل بيَّن
الوظائف والأحكام والأوامر والقواعد في هذا الشأن بشكل إجمالي. وقد أوضحنا ذلك في
كتابنا " الحكومة في الإسلام" الذي طبع في مجلدين فيمكن للراغبين الرجوع إليه
لمعرفة هذه الحقيقة.
أما
الذي يمكن قوله هنا فهو أنه من المحتَّم واليقيني أن سيدنا خاتم النبيين صلى الله
عليه وسلم أتى في شريعته الإسلامية المتقنة بمقررات وأحكام وإرشادات تتعلق بمسألة
الحكومة وزمام الأمور، ذلك أن دين الإسلام الذي زيَّنَهُ الله سبحانه بوسام ووشاح
قوله المقدس: ﴿ الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلامَ دِينًا ﴾
لا يمكن أن يكون خالياً من مسائل وأحكام تتعلق بالحكومة والقيادة التي هي من ألزم
لوازم الحياة البشرية، بل إن هذا الأمر، كما سيأتي بيانه في محله، هو من أهم أهداف
وأقدس أحكام الإسلام.
أما
الزوائد والحواشي الناشئة، بلا شك، من أغراض وأمراض عدة من الأعداء المغرضين أو
الأصدقاء الجاهلين فلا سبيل لها على الأحكام السماوية والقوانين الإلـهية الواضحة
البينة. وسنبين، بمشيئة الله تعالى، كيف أن هذه الزوائد والأهواء المبتدعة قد
بدَّلت الصورة الناصعة للأحكام الإلـهية المتعلقة بالحكم والحكومة وحوَّلتها لصورة
بشعة مكروهة ينفر منها العقلاء وينزجر منها الأحباء.
إن الذي
يعيننا على معرفة وإدراك حقيقة تعاليم الإسلام السامية حول هذه القضية هو دراسة
قضية سقيفة بني ساعدة التي وقعت بعد ساعات من انتقال روح رسول الله المقدسة صلى
الله عليه وسلم إلى الملأ الأعلى، فإذا تتبعنا ودرسنا ملابسات هذه الواقعة، بدقة
مشبعة بطلب الوصول للحقيقة، سندرك، لا محالة، كثيرا من القضايا المهمة، وستظهر
الحقيقة لطالبها المخلص رغم كل ما أحاط بها من أغشية.
ولهذا
فسننقل للقارئ الكريم في رسالتنا المختصرة هذه، باختصار، قصة سقيفة بني ساعدة التي
حضرها وشارك فيها كبار صحابة الرسول المختار (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى تتضح
حقيقة الأمر لطلاب الحق، إن شاء الله.
+
+
+
بحث عميق في قضية
سقيفة بني
ساعدة
كانت
سقيفة بني ساعدة مكانا يجتمع فيه أهل المدينة ليتخذوا قراراتهم في شؤونهم المهمة من
خلال الشورى بين رؤسائهم. وبعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مباشرة
اجتمع أهل المدينة، الذين كانوا قد أسلموا دون إكراه ولا إجبار ودعوا رسول الله
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل هجـرته أن يأتي إليهم وكثيرون منهم أعانوه ونصروه
وعرفوا بالأنصار، في هذه السـقيفة، ورشَّحوا "سـعد بن عبادة"(7)
زعيم
قبيلة الخزرج (إحدى أهم قبيلتين في المدينة)، والذي كان مريضاً، لمنصب الإمامة
والخلافة، ولفوه في حصير أو بساط وأتوا به إلى السقيفة كي يأخذوا له البيعة من
المسلمين. وسننقل هنا باختصار أحداث هذا الاجتماع من كتب التاريخ الموثقة دون أن
نحذف باختصارنا النقاط التاريخية لهذه القصة. ونلفت أنظار القرَّاء في البداية، إلى
أن الكتب التاريخية التي ذكرت هذه القصة هي مؤلفات خلَّفها علماء المسلمين الكبار
للأمة الإسلامية. وقد دُوِّنت هذه المؤلفات بشكل عام بعد القرن الثاني الهجـري
وغالباً في القرن الثالث وما بعده، ونذكِّر أيضاً أنه في ذلك الزمن لم تكن مسألة
السنة والشيعة قد
تطوَّرت إلى الصورة
التي هي عليها اليوم، بمعنى
أنه لم يكن التمايز بين الفريقين في الفكر والتراث والتأليفات قد أخذ شكله المتمايز
الفاصل الذي صار إليه فيما بعد، ولا
كان المؤلفون في مسألة الإمامة قد انقسموا
فريقين متخاصمين بعد.
والسبب في ذلك أن فرقة الشيعة، التي أصبحت اليوم تختص لنفسها - ولله
الحمد - أعداداً
كبيرة
من المسلمين وأصبح لها دولة ونظام ومؤلفات وتصانيف
خاصة بها،
إنما كانت في ذلك العهد لا
تزال جماعة
قليلة العدد
ومضطرة - في
أغلب
أحوالها - للعيش في حالة من التكتُّم
والسرِّيَّة، كونها
كانت تمثل حزباً
معارضاً لحكومة
الوقت الأموية،
فلم يكن للشيعة
من الكثرة والقوة
ما يدفع
مخالفيهم من علماء
ذلك الزمن لتأليف كتب ومصنفات ضدها من باب العناد والخصومة وكتمان الحقيقة،
ليختلقوا
مثل
هذه القصة التي لم يوافَقُ فيها على حق لهم! وأيا كان الأمر فليس بين أيدينا اليوم
لفهم الحقائق إلا الكتب والمؤلفات التي بقيت لنا منذ ذلك العهد، ولا يوجد لدينا أي
شيء يجعلنا نتشكك أو نرتاب في صحة هذه الكتب والتواريخ، اللهم إلا الاكتفاء بالحدس
والظن والتخمين.
هذا
بالإضافة إلى أننا سنرجع إلى المؤلفات والآثار التي وثَّقها وصوَّبها علماء الشيعة
الكبار، لننقل منها أحداث تلك الواقعة بأمانة تامة، ونضعها أمام طالبي
الحقيقة.
وأقْدَمُ
الكتب في هذا الباب [سـيرة ابن هشـام]
المعتمدة من قبل عامة المسلمين والتي ليس لقضية الشيعة والسنة فيها دخل، ومؤلفها
"عبد الملك بن هشام المعافري"، وقد
استخرج سيرته ورواها عن "محمد ابن اسـحق
المطلبي" وهو من مؤرخي القرن الهجـري الأول والثاني، إذْ كانت وفاته في أوائل
القرن الهجـري الثاني، وابن هشام نفسه كانت وفاته سنة 213هـ، ورجعنا بعد ذلك لكتاب
[تاريخ الإمامة والسياسة] لابن
قـُتَيْبة وهو "عبد الله بن مسلم بن قتيبة
الدينوري" المتوفى سنة 270 هـ.، ثم [تاريخ اليعقوبي] ومؤلفه "أحمد ابن يعقوب بن جعفر بن وهب الكاتب"،
مؤرخ شيعي المذهب توفي سنة 292 هـ.، ثم [مروج الذهب ومعادن الجـوهر] و[التنبيه والإشراف] وهما "لعلي بن الحسين المسعودي"، المعروف
بالتشيُّع والمتوفى سنة 345هـ. وليس لأي ممن ذكر مصلحة خاصة في روايته لحديث سقيفة
بني ساعدة. ولن نتجاوز في عرضنا لهذه القصة، إن شاء الله، ما اتفقت عليه تلك الكتب
الخمسة المذكورة، والتي عرفنا أن ثلاثة منها هي من تأليف مؤلِّـفَيْن
شيعيين.
+
+
+
جاء
في سيرة ابن هشام: [قال ابن اسحق: قال
الزهري: وحدثني "عبد الله بن كعب بن مالك" عن "عبد الله بن عباس" قال: خرج يومئذ
علي بن أبي طالب رضي الله عنه على
الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الناس: يا أبا حسن، كيف أصبح رسول
الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أصبح
بحمد الله بارئا، قال: فأخذ العباس بيده ثم قال: يا علي، أنت والله عبد العصا بعد
ثلاث، أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كنتُ أعرفه في وجوه بني عبد المطلب،
فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه، وإن كان في
غيرنا، أمرناه فأوصى بنا الناس. قال: فقال له علي: إني والله لا أفعل، والله لئن
مُنِعْناه، لا يؤتيناه
أحدٌ بعده](8)
هذه
الرواية ذكرتها أيضاً عدة مصادر تاريخية أخرى(9).
ما اتفق
عليه جميع المؤرخين وكتَّاب السيرة هو أنه لما ارتحل رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، شُغِل أهل بيته بأمر تجهيزه وتكفينه وكان في مقدمتهم حضرة علي بن أبي طالب
والعباس عم الرسول صلى الله عليه وآله وأولاد العباس، كما كان حاضراً معهم في بيت
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، وقد
أغلق باب البيت أمام الآخرين. أما بقية المهاجرين وبعض الأنصار مثل أُسَيْد بن
حُضَيْر فقد اجتمعوا حول أبي بكر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ
جاءهم رجل، على غير انتظار، يخبرهم أن طائفةً من الأنصار على رأسهم "سعد بن عبادة"
قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وأنهم في صدد تعيين خليفة لإمامة وحكومة المسلمين
فإن كان لكم بأمر الناس (أي بأمر الرئاسة والحكم) حاجة فأدرِكوا الناس قبل أن
يتفاقم أمر الأنصار(10)، عند ذاك
ترك عمر وأبو بكر (رضي الله عنهما) حضور مراسم الدفن وأوكلوه لمن له الكفاية لذلك
من أهل بيته صلى الله عليه وآله - إذ لم يكن بعد قد فُرِغَ من تجهيزه ودفنه (صلى
الله عليه وآله) وكان أهل بيته قد أغلقوا باب بيته (صلى الله عليه وآله) دون الناس
- وهرعا مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة إثر وقوفهما على خبر اجتماع جماعة الأنصار
فيها، وسرعان ما وصلا إلى السقيفة ليجدوا الأنصار قد عصَّبوا "سعد بن عبادة " رضي
الله عنه بعصابة وأجلسوه في وسط السقيفة، وكان يخطب فيهم، إلا أن صوته كان ضعيفا
لشدة مرضه، فكان ابنه قيس بن سعد، ينقل كلامه جملة جملة بصوت مرتفع
للمجتمعين(11).
لما
سمع عمر
رضي الله عنه قول
الناس بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم صعق ولم يستطع تصديق الخبر وامتشق
سيفه وصاح: بل إن رسول الله لم يمت وكل من زعم ذلك أدبته بسيفي هذا بل قد ذهب إلى
ربه كما ذهب موسى وليرجعن ثانية ليكمل دينه!، أما
أبو
بكر رضي الله عنه فلما رأى جسد
النبي صلى الله عليه وسلم وتأكد
من وفاته، بكى
وقبله وقال له بنفسي أنت وأبي وأمي طبت حياً وميتاً، ثم صاح رضي
الله عنه في
المسلمين المجتمعين في مسجد النبي (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) والمصعوقين
بهذا الخبر الفاجع، قائلا:
[أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا
قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت] ثم
لما علم بأن الأنصار مجتمعون في السقيفة سارع في الخروج برفقة عمر رضي الله عنهما
متجهين من
مسجد رسول الله إلى السقيفة.
والآن
نعود إلى السقيفة لننقل نص خطبة سعد بن عبادة كما أوردها ابن قتيبة في كتابه
"الإمامة والسياسة"، قال: «فكان مما قاله رضي الله عنه، بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه: يا معشر
الأنصار إن لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب، إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لبث في قومه
بضع عشرة سنة، يدعوهم إلى عبادة الرحمن، وخلع الأوثان، فما آمن به من قومه إلا
قليل، والله ما كانوا يقدرون أن يمنعوا(12)
رسول
الله صلى
الله عليه وسلم، ولا يعرفوا
دينه، ولا يدفعوا عن أنفسهم، حتى أراد الله تعالى لكم الفضيلة، وساق إليكم الكرام،
وخصَّكم بالنعمة، ورزقكم الإيمان به وبرسوله صلى
الله عليه وسلم والمنع له ولأصحابه
والإعزاز لدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشدّ
النّاس
على من تخلّف
عنه منكم، وأثقله على عدوكم من غيركم، حتى استقاموا لأمر الله تعالى طوعا وكرها،
وأعطى البعيد المقادة(13)
صاغراً
داحراً،
حتى أثخن الله تعالى لنبيه بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفَّاه الله
تعالى وهو راض عنكم قرير العين، فشدوا أيديكم بهذا الأمر، فإنكم أحق الناس وأولاكم
به. قال: فأجابوه جميعا: أن قد وُفِّقْتَ في الرأي، وأصبت في القول، ولـن نعدو، ما
رأيت، توليَتَكَ هذا الأمر، فأنت مَـقْـنَع ولِصَالِح المؤمنين رضا»(14).
و
بعد أن أكمل سعد كلمته وسكت، أراد عمر رضي الله عنه أن يتكلم، كما يروى ذلك عنه ابن
هشام في سيرته، فقال عمر رضي الله عنه: «...فلما سكت (أي سعد) أردتُ أن أتكلم وقد
زَوَّرْتُ في نفسي مقالة قد أعجبتني، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر رضي الله
عنه وكنت أداري منه بعض
الحد(15)،
فقال أبو بكر: على رسلك يا عمر، فكرهت أن أغضبه، فتكلَّمَ، وكان أعلم مني وأوقر،
فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته، أو مثلها أو أفضل،
حتى سكتَ. قال: أما ما ذكرتم فيكم من خير، فأنتم له أهل، ولن تعرف العرب هذا الأمر
إلا لهذا الحيّ من قريش، هو أوسط العرب نسباً(16)
وداراً(17)
قد
رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة الجراح،
قال
(عمر):
وهو جالس بيننا، ولم أكره شيئاً مما قاله (أي أبو بكر) غيرها، كان والله أن
أُقَدَّمَ فتُضْرَبَ عنقي، لا يُقَرِّبني ذلك إلى إثم، أحب إليَّ من أن أتأمَّرَ
على قوم فيهم أبو بكر»(18).
و
قد أورد اليعقوبي في تاريخه نص ما قاله أبو بكر في ثنائه وتزكيته لعمر ولأبي عبيدة
رضي الله عنهم فقال: [... وهذا عمر بن
الخطاب الذي قال رسول الله: اللهم أعز الدين به! وهذا أبو عبيدة الجراح الذي قال
رسول الله: أمين هذه الأمة، فبايعوا أيهما شئتم. فأبيا (أي عمر وأبو عبيدة) عليه
وقالا: والله ما كنا لنتقدمك، وأنت صاحب رسول الله وثاني اثنين. فضرب أبو عبيدة على
يدي أبي بكر، وثنَّى عمر، ثم بايع من كان معهم من قريش](19).
أما
ابن قتيبة فقد أورد - في "الإمامة والسياسة" - خطبة أبي بكر رضي الله عنه بشكل أكثر
تفصيلا على النحو التالي [... فتشهد أبو
بكر رضي الله عنه وانتصب له الناس، فقال: إن الله جل ثناؤه بعث محمدا صلى الله عليه
وسلم بالهدى ودين الحق، فدعا إلى الإسلام، فأخذ الله تعالى بنواصينا وقلوبنا إلى ما
دعا إليه، فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاماً والناس لنا فيه تبع. ونحن عشيرة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن مع ذلك أوسط العرب أنساباً، ليست قبيلة من
قبائل العرب إلا ولقريش فيها ولادة. وأنتم أيضاً والله، الذين آوَوْا ونصروا. وأنتم
وزراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم أيضاً إخواننا في كتاب الله تعالى
وشركاؤنا في دين الله عز وجل وفيما كنا فيه من سرّاء وضرّاء، والله ما كنا في خير
قط إلا كنتم معنا فيه، فأنتم أحب الناس إلينا وأكرمهم علينا، وأحق الناس بالرِّضا
بقضاء الله تعالى والتسليم لأمر الله عز وجل ولما ساق لكم ولإخوانكم المهاجرين رضي
الله عنهم، وهم أحق الناس فلا تحسدوهم وأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة،
والله ما زلتم مؤثرين إخوانكم من المهاجرين وأنتم أحق الناس أن لا يكون هذا الأمر
واختلافه على أيديكم وأبعد ألا تحسدوا إخوانكم على خير ساقه الله تعالى إليهم وإنما
أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر وكلاهما قد رضيت لكم ولهذا الأمر وكلاهما له أهل. فقال
عمر وأبو عبيدة رضي الله عنهما: ما ينبغي لأحد الناس أن يكون فوقك يا أبا بكر رضي
الله عنه، أنت صاحب الغار وثاني اثنين وأمَرَكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالصلاة فأنت أحق الناس بهذا الأمر](20).
و
الآن لنر ماذا كان موقف الأنصار تجاه أبي بكر رضي الله عنه؟ ذكرت جميع كتب التواريخ
والسير أن جواب الأنصار كان - كما يروي ابن قتيبة ـ: [فقال الأنصار: والله ما نحسدكم على خير ساقه
إليكم وإنا لكَمَا وصفتَ يا أبا بكر والحمد لله، ولا أحد من خلق الله تعالى أحبَّ
إلينا منكم، ولا أرضى عندنا ولا أيمن ولكنا نشفق مما بعد اليوم، ونحذر أن يغلب على
هذا الأمر من ليس منا ولا منكم، فلو جعلتم اليوم رجلا منا ورجلا منكم بايعنا ورضينا
على أنه إذا هلك اخترنا آخر من الأنصار فإذا هلك اخترنا آخر من المهاجرين أبداً ما
بقيت هذه الأمــة، كان ذلك أجدر أن يُعْدَل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن
يكون بعضنا يتبع بعضا فيشفق القرشي أن يزيغ فيقبض عليه الأنصاري ويشفق الأنصاري أن
يزيغ فيقبض عليه القرشي. عندئذ قام أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن الله
تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى خلقه وشهيداً على أمته ليعبدوا الله
ويوحدوه وهم إذ ذاك يعبدون آلهة شتى يزعمون أنها شافعة لهم وعليهم بالغة نافعة،
وإنما كانت حجارة منحوتة، وخُشُبَاً منجورة، فاقرؤوا إن شئتم ﴿ إِنَّكُمْ
وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا
وَارِدُونَ ﴾
﴿ وَيَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ الله مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ
شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ الله ﴾
وقالوا: ﴿ مَا
نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى ﴾،
فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص الله تعالى المهاجرين الأولين رضي الله
عنهم بتصديقه، والإيمان به، والمواساة له، والصبر معه على الشدة من قومهم، وإذلالهم
وتكذيبهم إياهم، وكل الناس مخالف عليهم، زارٍٍ(21)
عليهم،
فهم أول من عبد الله في الأرض، وأول من آمن بالله تعالى ورسوله، وهم أولياؤه
وعشيرته، وأحق الناس بالأمر من بعده، لا ينازعهم فيها إلا ظالم، وأنتم يا معشر
الأنصار، من لا ينكر فضلهم ولا النعمة العظيمة لهم في الإسلام، رضيكم الله تعالى
أنصاراً لِدِينه ولرسوله وجعل إليكم مهاجرته، فليس بعد المهاجرين الأولين أحد عندنا
بمنزلتكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا نفتات(22)
دونكم
بمشورة ولا تنقضي
دونكم الأمور.
فقام
الحباب بن المنذر بن زيد بن حرام رضي الله عنه فقال: يا معشر الأنصار املكوا عليكم
أيديكم، فإنما الناس في فيئكم وظلالكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولن يصدر الناس
إلا عن رأيكم، أنتم أهل العز والثروة، وأولو العدد والنجدة، وإنما ينظر الناس ما
تصنعون، فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم، وتقطع أموركم، أنتم أهل الإيواء والنصرة
وإليكم كانت الهجرة ولكم في السابقين الأولين مثل ما لهم، وأنتم أصحاب الدار
والإيمان من قبلهم، واللهِ ما عبدوا الله علانيةً إلا في بلادكم ولا جُمِعَت الصلاة
إلا في مساجدكم ولا دانت العرب للإسلام إلا بأسيافكم، فأنتم أعظم الناس نصيباً في
هذا الأمر، وإن أبى القوم فمنا أمير ومنهم أمير.
فقام
عمر رضي الله عنه فقال: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد، إنه والله لا ترضى العرب
أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا ينبغي لها أن تولي هذا الأمر إلا من كانت
النبوة فيهم وأولو الأمر منهم، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجة الظاهرة
والسلطان المبين، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مُدْلٍ
بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة.
فقام
الحباب بن المنذر رضي الله عنه فقال: يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا
مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم ما سألتم فأجْلوهم
عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم فأنتم والله أولى بهذا الأمر منهم دان لهذا الأمر
من لم يكن يدين له بأسيافنا أما والله إن شئتم لنعيدنها جزعة(23)،
والله لا يرد علي أحد ما أقول إلا حطَّمتُ أنفه بالسيف. قال عمر بن الخطاب رضي الله
عنه: فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام لأنه كان بيني وبينه
منازعة في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فنهاني عنه، فحلفت أن لا
أكلمه كلمة تسوءه أبداً. ثم قام أبوعبيدة (الجراح) فقال: يا معشر الأنصار أنتم أول
من نصر فلا تكونوا أول من يبدل ويغير. قال (أي الراوي الذي يروي عنه ابن قتيبة هذا
الحديث): وإن بشيرا (و هو بشير بن سعد من أقرباء سعد بن عبادة) لما رأى ما اتفق
عليه قومه من تأمير سعد بن عبادة قام حسدا لسعد، وكان بشير من سادات الخزرج، فقال:
يا معشر الأنصار أما والله لئن كنا أولي الفضيلة في جهاد المشركين والسابقة في
الدين، ما أردنا إن شاء الله غير رضا ربنا وطاعة نبينا والكرم لأنفسنا، وما ينبغي
أن نستطيل بذلك على الناس، ولا نبتغي به عوضا من الدنيا، فإن الله تعالى ولي النعمة
والمنة علينا بذلك، ثم إن محمداً صلى الله عليه وسلم رجل من قريش، وقومه أحق
بميراثه وتولي سلطانه وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبداً فاتقوا الله
ولا تنازعوهم ولا تخالفوهم.
قال
(الراوي): ثم إن أبا بكر رضي الله عنه قام على الأنصار فحمد الله تعالى وأثنى عليه،
ثم دعاهم إلى الجماعة ونهاهم عن الفرقة وقال: إني ناصح لكم في أحد هذين الرجلين أبي
عُبيدة الجرَّاح وعُمر فبايعوا من شئتم منهما. فقال عُمر: معاذ الله أن يكون ذلك
وأنت بين أظهرنا، أنت أفضل المهاجرين وثاني اثنين وخليفته على الصلاة، والصلاة أفضل
أركان دين الإسلام، فمن ذا ينبغي أن يتقدمك ويتولى هذا الأمر عليك؟ أبسط يدك
أبايعك، فلما ذهبا (أي عُمر وأبو عُبيدة) يبايعانه، سبقهما إليه بشير بن سعد
الأنصاري فبايعه، فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير بن سعد عقُّك
عِقاقٌ(24)
ما
اضطرك إلى ما صنعت؟ حسدت ابن عمك على الإمارة؟ قال: لا والله، لكني كرهت أن أنازع
قوما حقا لهم، فما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، وهو من سادات الخزرج، وما دعوا
إليه المهاجرين من قريش، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض
وفيهم أسيد بن حضير رضي الله عنه: لئن وليتموها سعدا عليكم مرة واحدة لا زالت لهم
بذلك عليكم الفضيلة ولا جعلوا لكم فيها نصيبا أبداً، فقوموا فبايعوا أبا بكر رضي
الله عنه، فقاموا إليه فبايعوه! فقام الحباب بن المنذر إلى سيفه فأخذه، فبادروا
إليه فأخذوا سيفه منه، فجعل يضرب بثوبه وجوههم، حتى فرغوا من البيعة، فقال:
فعلتموها يا معشر الأنصار، أما والله لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا
يسألونهم بأكفهم ولا يسقون الماء، قال أبو بكر: أمِنَّا تخاف يا حباب؟ قال: ليس منك
أخاف ولكن ممن يجيء بعدك، قال أبو بكر: فإذا كان ذلك كذلك فالأمر إليك وإلى أصحابك
ليس لنا عليكم طاعة، قال الحباب: هيهات يا أبا بكر إذا ذهبت أنا وأنت جاءنا بعدك من
يسومنا الضيم. فقال (عندئذ) سعد بن عبادة: أما والله لو أن لي ما أقدر به على
النهوض لسمعتم مني في أقطارها زئيرا يخرجك أنت وأصحابك، ولألحقتك بقوم كنت فيهم
تابعا غير متبوع، خاملا غير عزيز، فبايعه الناس جميعا حتى كادوا يطؤون سعدا. فقال
سعد (بن عبادة) قتلتموني، فقيل: اقتلوه قتله الله، فقال سعد: احملوني من هذا
المكان، فحملوه وأدخلوه داره وتُرِكَ أياما، ثم بعث إليه أبو بكر رضي الله عنه أن
أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك، فقال: أما والله حتى أرميكم بكل سهم في
كنانتي من نبل وأخضب(25)
منكم
سناني ورمحي وأضربكم بسيفي ما مَلَكَتْهُ يدي وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي،
ولا والله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم
حسابـي، فلما أتى بذلك أبو بكر من قوله، قال عمر: لا تدعه حتى يبايعك، فقال لهم
بشير بن سعد: إنه قد أبى ولجَّ وليس يبايعك حتى يُقتل، وليس بمقتول حتى يُقتل ولده
معه وأهل بيته وعشيرته، ولن تقتلوهم حتى تُقْتَلَ الخزرج، ولن تُقْتَل الخزرج حتى
تُقْتَلَ الأوس، فلا تفسدوا على أنفسكم أمرا قد استقام لكم، فاتركوه فليس تركه
بضاركم وإنما هو رجل واحد. فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد
واستنصحوه(26)
لما
بدا لهم منه، فكان سعد بن عبادة لا يصلي بصلاتهم ولا يجتمع
بجماعتهم(27)
ولا
يفيض بإفاضتهم ولو يجد عليهم أعوانا لصال بهم، ولو يبايعه أحد على قتالهم لقاتلهم،
فلم يزل كذلك حتى تُوُفِّيَ أبو بكر رحمه الله ووَلِيَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فخرج (أي سعد) إلى الشام فمات بها ولم يبايع لأحد رحمه الله](28).
+
+
+
موقف بقية أصحاب رسول
الله (صلّى الله عليه وآله
وسلّم)
من
المسلَّم به أن أمير المؤمنين علي عليه السلام كان في ذلك الحين مشغولاً بتجهيز
جثمان رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أغلق أهل بيته باب البيت وجلسوا في عزائهم،
قائمين بأمر غسله وكفنه ودفنه صلوات الله وسلامه عليه وآله، في الوقت الذي كانت
تدور فيه حوادث السـقيفة التي انتهت كما رأينا بمبايعة الأنصـار لأبي بكر رضي الله
عنه.
ويواصل
ابن قتيبة عرضه لما جرى فيقول: «وإن بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار، إلى
علي بن أبي طالب، ومعهم الزبير بن العوام رضي الله عنه - وكانت أمه صفية بنت عبد المطلب فكان يعد نفسه من بني هاشم وكان علي
كرم الله وجهه يقول: ما زال الزبير منا حتى نشأ بنوه فصرفوه عنا - واجتمعت بنو أمية
إلى عثمان، واجتمعت بنو زهرة إلى سعد (بن أبي وقاص) وعبد الرحمن بن عوف، فكانوا في
المسجد الشريف مجتمعين، فلما أقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة وقد بايع الناس أبا
بكر، قال لهم عمر: ما لي أراكم مجتمعين حلقاً شتى(29)،
قوموا فبايعوا أبا بكر، فقد بايعتُهُ وبايعه الأنصار، فقام عثمان بن عفان ومن معه
من بني أمية فبايعوه، وقام سعد (بن أبي وقاص) وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني
زهرة فبايعوا. وأما علي والعباس بن عبد المطلب ومن معهما من بني هاشم فانصرفوا إلى
رحالهم ومعهم الزبير بن العوام، فذهب إليهم عمر في عصابة فيها أُسَيْد بن حُضَيْر،
وسلمة بن أسلم، فقالوا: انطلقوا فبايعوا أبا بكر، فأبوا، فخرج الزبير بن العوام
بالسيف فقال عمر: عليكم بالرجل فخذوه فوثب عليه سلمة بن أسلم فأخذ السيف من يده
فضرب به الجدار، وانطلقوا به فبايع، وذهب بنو هاشم أيضاً فبايعوا»(30).
+
+
+
كيفية مبايعة أمير
المؤمنين علي لأبي بكر
لقد
اختلفت الروايات التاريخية في كيفية وزمن مبايعة علي عليه السلام لأبي بكر رضي الله
عنه. فبعض الروايات تحكي أن عليّاً بايع أبا بكر فوراً ودون توقف، كما أخرج ذلك
الطبري في تاريخه حيث قال:
«حدثنا
عبد الله بن سعيد قال أخبرني عمي قال أخبرني سيف عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن
أبي ثابت: قال: كان عليٌّ في بيته إذ أُتِيَ فقيل له قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج
في قميصٍ ما عليه إزارٌ ولا رداءٌ عجِلاً كراهية أن يبطئ عنها حتى بايعه ثم جلس
إليه، وبعث إلى ثوبه فأتاه، فتجلله ولزم مجلسه»(31).
و
لكن هذه الرواية منفردة لا يوجد ما يؤيدها، بل المسَلَّم به الذي اتفقت عليه أكثر
التواريخ أن علياً عليه السلام كره البيعة وتوقف في مبايعة أبي بكر رضي الله عنه
ردحاً من الزمن إلى أن بايعه في النهاية، حسبما سيأتي شرحه، وذلك - على ما يظهر -
بعد وفاة فاطمة عليها السلام. روى ذلك الطبري نفسه في تاريخه المذكور حيث قال:
«وكان
لعلي وجه من الناس حياة فاطمة، فلما توفيت فاطمة، انصرفت وجوه الناس. فمكثت فاطمة
ستة أشهر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توفيت. قال معمَّر: فقال رجل
للزُّهري: أفلم يبايعه علي ستة أشهرٍ؟ قال: لا، ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي،
فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه، ضرع إلى مصالحة أبي بكر رضي الله عنه فأرسل
إلى أبي بكر رضي الله عنه أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد، وكره أن يأتيه عمر لما علم
من شدة عمر، فقال عمر: لا تأتهم وحدك، قال أبو بكر: والله لآتينهم وحدي، وما عسى أن
يصنعوا بي؟ قال: فانطلق أبو بكر فدخل على عليٍّ وقد جمع بني هاشم عنده، فقام عليٌّ
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه لم يمنعنا من أن نبايعك يا
أبا بكر إنكارٌ لفضيلتك ولا نفاسةٌ عليك بخير ساقه الله إليك ولكنا كنا نرى أن لنا
في هذا الأمر حقاً، فاستبددتم به علينا، ثم ذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم وحقهم، فلم يزل علي يقول ذلك حتى بكى أبو بكر، فلما صمت عليٌّ، تشهد أبو بكر
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فوالله لَقَرَابة رسول الله أحب
إلي أن أصل من قرابتي، وإني والله ما آلوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم
غير الخير، ولكني سمعت رسول الله يقول " لا نُورَثُ، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل
محمد في هذا المال " وإني أعوذ بالله، لا أذكر أمرا صنعه محمد رسول الله إلا صنعته
فيه إن شاء الله، ثم قال (علي): موعدك العشيّ للبيعة. فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل
على الناس ثم عذر عليّاً ببعض ما اعتذر، ثم قام علي فعظَّم مِن حق أبي بكر رضي الله
عنه وذكر فضيلته وسابقته ثم مضى إلى أبي بكر رضي الله عنه فبايعه. قالت (أي عائشة،
وهي التي أخرج الطبري عنها هذه الرواية): فأقبل الناس إلى علي فقالوا: أصبت
وأحسـنت، قالت: فكان الناس قريباً إلى عليٍّ حين قارب الحق
والمعروف»(32).
عند ذاك ذكر الطبري الرواية التي تبين مجيء أبي سفيان لحضرة علي عليه السلام يحرضه
على أبي بكر رضي الله عنه ويقول له: [ما
بال هذا الأمر في أقل حي من قريش؟ وأيم الله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا،
قال: فقال عليٌّ: يا أبا سفيان طالما عاديت الإسلام وأهله فلم تضرّه بذاك شيئا، إنا
وجدنا أبا بكر لها أهلاً].
وجاء
في كتاب "الأخبار الموفقيات" (ص 585) أن عليّاً عليه السلام قال في رفضه لعرض أبي
سفيان هذا: "لي عهدٌ مع رسول الله ونحن
جميعاً ملزمون به".
و
روى المسعودي الشيعي في تاريخه "مروج الذهب" قصة سقيفة بـني ساعـدة (في الجزء
الأول، ص 412 من طبعة عام 1316 هـ)، كما أورد القصة مختصراً في تاريخه "التنبيه
والإشراف" في ص 247 حيث قال: [وبويع أبو
بكر في اليوم الذي تُوُفِّيَ فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يوم
الإثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة 11 من الهجرة وقد كانت الأنصار نصبت
للبيعة سعد بن عبادة بن دُلَيْم الأنصاري ثم الخزرجي، فكانت بينه وبين من حضر من
المهاجرين في السقيفة منازعة طويلة وخطوب عظيمة، وعلي والعباس وغيرهم من المهاجرين
مشتغلون بتجهيز النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه، وكان ذلك أول خلاف حدث في الإسلام بعد
مضي النبي صلى الله عليه وسلم،
وارتدَّ أكثر العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كافر، ومانع للزكاة والصدقة، وكان
أعظمهم شوكة وأخوفهم أمرا مسيلمة الكذَّاب الحنفي باليمامة وطليحة بن خويلد الأسدي
في أسد بني خزيمة، وقد عاضده عُيَيْنة بن حصن الفزاري في غطفان فوجَّه أبو بكر
إليهم وإلى جميع من ارتد من ضاحية مضر، خالدَ بن الوليد...(إلى أن قال في آخر ذلك
الفصل) ولم يبايع علي عليه السلام أبا
بكر رضي الله عنه إلى أن توفيت (يعني
فاطمة) وتُنُوزِع في كيفية بيعته إيَّاه](33).
وبهذا
النحو أورد "اليعقوبي"، المؤرخ
الشيعي، في تاريخه، تفاصيل قصة سـقيفة بني ساعدة، فقال تحت عنوان: خبر سقيفة بني
ساعدة وبيعة أبي بكر: «واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، يوم
توفي رسول الله........(34)
يُغْسلُ، فأجلست سعد بن عبادة الخزرجي، وعصَّبَتْه بعصابة، وثنت له وسادة. وبلغ أبا
بكر وعمر بن الخطاب وأبا عبيدة الجراح فقالوا: يا معشر الأنصار! منا رسول الله،
فنحن أحق بمقامه. وقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير! فقال أبو بكر: منا الأمراء
وأنتم الوزراء. فقام ثابت بن قيس ابن شمَّاس، وهو خطيب الأنصار، فتكلم وذكر فضلهم.
فقال أبو بكر: ما ندفعهم عن الفضل، وما ذكرتم من الفضل فأنتم له أهل، ولكن قريشا
أولى بمحمد منكم وهذا عمر بن الخطَّاب الذي قال رسول الله: اللهم أعز الدين به!
وهذا أبو عبيدة الجراح الذي قال رسول الله: أمير هذه الأمة، فبايعوا أيهما شئتم!
فأبيا عليه وقالا: والله ما كنا لنتقدمك، وأنت صاحب رسول الله وثاني اثنين. فضرب
أبو عبيدة على يدي أبي بكر، وثنى عمر، ثم بايع من كان معه من قريش.
ثم
نادى أبو عبيدة: يا معشر الأنصار إنكم كنتم أول من نصر فلا تكونوا أول من غير
وبدَّل. وقام عبد الرحمن بن عوف فتكلم فقال: يا معشر الأنصار، إنكم وإن كنتم على
فضل، فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي، وإن فيهم رجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه
فيه أحد، يعني، علي بن أبي طالب. فوثب بشير بن سعد من الخزرج، فكان أول من بايعه من
الأنصار، وأُسَيْد بن حُضَيْر الخزرجي، وبايع الناس حتى جعل الرجل يطفر وسادة سعد
بن عبادة، وحتى وطئوا سعدا. وقال عمر: اقتلوا سعدا، قتل الله سعداً!
و
جاء البراء بن عازب، فضرب الباب على بني هاشم وقال: يا معشر بني هاشم، بويع أبو
بكر. فقال بعضهم: ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه، ونحن أولى بمحمد. فقال
العباس: فعلوها ورب الكعبة.
و
كان المهاجرون والأنصار لا يشُكُّون في عليٍّ، فلما خرجوا من الدار قام الفضل بن
العباس، وكان لسان قريش، فقال: يا معشر قريش، إنه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه،
ونحن أهلها دونكم، وصاحبنا أولى بها منكم.
و
قام عتبة بن أبي لهب فقال(35):
ما
كنت أحسب أن الأمر منصرفٌ
عـن هاشم ثم منها عن أبي الحسنِ
عن
أوَّلِ الناس إيـمانـا وسابقـةً(36) و أعلم
الناس بالقرآن والسـننِ
و
آخر الناس عهدا بالنـبي، ومَنْ
جبريل عون له في الغَسْل والكفنِ
مَـنْ
فيـه ما فـيهمُ لا يمترون به
وليس في القوم ما فيه من الحَسَـنِ
ما
ذا الذي ردهم عنـه فتـعلمه
ها إن ذا غبننـا مـن أعظم الغبن(37)
فبعث
إليه علي فنهاه(38).
وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب،
منهم: العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام بن العاص، وخالد
بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر،
والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطَّاب وأبي عبيدة
الجراح والمغيرة بن شعبة، فقال: ما الرأي؟ قالوا: الرأي أن تلقى العباس بن عبد
المطلب، فتجعل له في هذا الأمر نصيباً يكون له ولعقبه من بعده، فتقطعون به ناحية
علي بن أبي طالب حجة لكم على علي، إذا مال معكم، فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن
الجراح والمغيرة حتى دخلوا على العباس ليلاً، فحمد أبو بكر اللهَ وأثنى عليه، ثم
قال: إن الله بعث محمداً نبياً وللمؤمنين ولياً، فمنَّ عليهم بكونه بين أظهرهم، حتى
اختار له ما عنده، فخلى على الناس أموراً ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم مشفقين،
فاختاروني عليهم والياً ولأمورهم راعياً، فوليت ذلك وما أخاف بعون الله وتشديده
وهناً، ولا حيرة ولا جبنا، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وما انفكَّ
يبلغني عن طاعن يقول الخلاف على عامَّة المسلمين، يتخذكم لجأً فتكون حصنه المنيع
وخطبه البديع. فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه، وإما صرفتموهم عما مالوا
إليه، وقد جئناك ونحن نريد أن لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك، ويكون لمن بعدك من
عقبك إذ كنت عم رسول الله، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان
صاحبك…...(39)
عنكم
وعلى رسلكم بني هاشم فإن رسول الله منا ومنكم.
فقال عمر
بن الخطَّاب: إي والله وأخرى، إنا لم نأتكم لحاجة إليكم، ولكن كرها أن يكون الطعن
فيما اجتمع عليه المسلمون منكم، فيتـفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لأنفسكم.
فحمد الله
العباسُ وأثنى عليه وقال: إن الله بعث محمداً كما وصفت نبياً وللمؤمنين ولياً،
فمنَّ على أمته به، حتى قبضه الله إليه واختار له ما عنده، فخلَّى على المسلمين
أمورهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين الحق، لا مائلين بزيغ الهوى، فإن كنت برسول الله
فحقاً أخذت، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم، فما تقدمنا في أمرك فرضاً ولا حللنا
وسطاً ولا برحنا سخطاً، وإن كان هذا الأمر أنما وجب لك بالمؤمنين، فما وجب إذ
كنا كارهين. ما أبعد قولك من أنهم طعنوا عليك من قولك إنهم اختاروك ومالوا إليك،
وما أبعد تسميتك بخليفة رسول الله من قولك خلَّى على الناس أمورهم ليختاروا
فاختاروك، فأما قلت إنك تجعله لي، فإن كان حقا للمؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن
كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض، وعلى رِسْلِكَ، فإن رسول الله من شجرةٍ نحن أغصانها
وأنتم جيرانها. فخرجوا من عنده.
و كان فيمن
تخلَّف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب، وقال: أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا
الأمر عليكم غيركم؟ وقال لعلي بن أبي طالب: امدد يدك أبايعك، وعلي معه قَصيّ، وقال:
بني
هاشم لا تُطْمِعوا
الناس
فيكُمُ
و
لا سيما تَيْمَ بن مـرَّةَ أو عـديّ
ما
الأمـر إلا فيكم وإليكُمُ
وليس لهـا
إلا أبـو حسنٍ علـيّ
أبا
حسن، فاشدد بها كف حازمٍ
فإنك
بالأمر الذي يُرْتَجـى مَلِـيّ
وإنَّ
أمرأً يرمي قصـيٌّ وراءه
عزيز
الحمى، والناس من غالب قصي
وكان
خالد بن سعيد غائبا، فقدم فأتى عليَّاً فقال: هلمَّ أبايعك، فوالله ما في الناس أحد
أولى بمقام محمد منك. واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له، فقال
لهم اغدوا على هذا مُحَلِّقين الرؤوس. فلم يغد عليه إلا ثلاثة نفر...»(40).
ثم يذكر
"اليعقوبي" بعد ذلك فصلا في خلافة أبي بكر يشير فيه إلى أن الأنصار اعتزلوه أول
الأمر، فغضبت لذلك قريش فتكلم خطباؤها، وقدِم عمرو بن العاص فقالت له قريش: قم
فتكلم بكلام تنال فيه من الأنصار! ففعل ذلك، فقام الفضل بن العباس فرد عليهم، ثم
صار إلى علي، فأخبره وأنشده شعرا قاله، فخرج عليٌّ مغضبا حتى دخل المسجد، فذكر
الأنصار بخير، وردَّ على عمرو بن العاص قوله(41)، فلما
علمت الأنصار ذلك سرها وقالت: ما نبالي بقول من قال مع حُسْنِ قول عليٍّ. ثم اجتمعت
الأنصار إلى حسان بن ثابت فقالوا: أجب قريشا وسألوه أن يذكر ويمدح في شعره عليّاً
ففعل(42).
أما
"الزبير بن بكار" فيروي، في كتابه "الأخبار الموفقيات" (الصفحة 58)، ندَمَ
كثيرٍ من الأنصار على بيعتهم لأبي بكر على النحو التالي:
«حدثنا
محمد بن موسى الأنصاري المعروف بابن مخرمة قال: حدثني إبراهيم بن سعيد بن إبراهيم
بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قال: لما
بويع أبو بكر واستقر أمره ندم قوم كثيرٌ من الأنصار على بيعته ولامَ بعضهم بعضا
وذكروا علي بن أبي طالب وهتفوا باسمه وإنه في داره، فلم يخرج إليهم. (أي لم
يؤيدهم في ذلك واستمر على بيعته لأبي بكر»(43).
+
+
+
بيعة أمير المؤمنين
عليٍّ لأبي بكرٍ كما يرويها ابن
قتيبة
ينقل
ابن قتيبة في " الإمامة والسياسة" مبايعة الإمام علي لأبي بكر رضي الله عنه على
النحو التالي: يقول: «... ثم إن علياً كرَّم الله وجهه أتي به إلى أبي
بكر رضي الله عنه وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، فقيل له: بايع أبا بكر، فقال:
أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لأخذتم هذا الأمر من
الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم، وتأخذونه منا أهل
البيت غصباً؟ ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم
فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الأمارة، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على
الأنصار، نحن أولى برسول الله حيا وميتا، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون وإلا فبوءوا
بالظلم وأنتم تعلمون. فقال له عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع، فقال له علي: احلب
حلباً لك شطره(44)
واشدد
له اليوم أمره يردده عليك غداً. ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولك ولا
أبايعه(45).
فقال
له أبو بكر: فإن لم تبايع فلا أكرهك، فقال أبو عبيدة الجراح لعلي كرم الله وجهه: يا
ابن عم إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ولا
أرى أبا بكر إلا أقدر على هذا الأمر منك، وأشد احتمالاً واضطلاعا به، فسلِّم لأبي
بكر رضي الله عنه هذا الأمر فإنك إن تعش ويطُلْ بك بقاء، فأنت لهذا الأمر خليق وبه
حقيق، في فضلك ودينك وعلمك وفهمك، وسابقتك ونسبك وصهرك. فقال علي كرم الله وجهه:
الله الله يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره،
وقـعر
بيته، إلى دوركم وقعور بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا
معشر المهاجرين، لنحن أحق الناس به، لأنا أهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم ما
كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع
بأمر الرعية، المدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله إنه لَفِينا
فلا تتبعوا الهوى فيضلكم عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بعدا. فقال بشير بن سعد
الأنصاري: لو كان هذا الكلام سمعَتْهُ الأنصار منك قبل بيعتها لأبي بكر رضي الله
عنه، ما اختلف عليك اثنان(46).
وخرج عليٌّ كرَّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على دابة
ليلاً في مجالس الأنصار، تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت
بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجكِ وابن عمكِ سبق إلينا قبل أبي بكر رضي الله عنه ما
عدلنا عنه، فيقول علي كرم الله وجهه: أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلا ما
كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم»(47).
هذه
هي قصة سقيفة بني ساعدة كما روتها كتب السيرة والتواريخ الإسلامية القديمة
المعتمدة، ولا خلاف لها فيما روته كتب الشيعة القديمة اللهم إلا النذر اليسير، وليس
في أي منها أي ذكر لغدير خم ولا لاحتجاج الإمام علي به!، إلى أن ظهر ذلك في كتاب
شيعيّ
(متأخر)
هو كتاب "الاحتجاج على أهل اللجاج" للطبرسي(48)
ضمن
رواية، تتضمن
خطأ تاريخيا واضحا،
حيث يقول: [...فقال بشير بن سعد الأنصاري
الذي وطَّأ الأرض لأبي بكر رضي الله عنه وقالت جماعة الأنصار: يا أبا الحسن لو كان
هذا الأمر سمِعَتْهُ منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر رضي الله عنه ما اختلف فيك اثنان، فقال علي عليه السلام: يا هؤلاء! أكنت أدع رسول الله مسجى لا
أواريه، وأخرج أنازع في سلطانه؟ والله ما خفت أحدا يسمو له، وينازعنا أهل البيت
فيه، ويستحل ما استحللتموه، ولا علمتُ أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ترك يوم غدير خُم لأحد حجة، ولا
لقائل مقالا، فأُنشِدُ اللهَ رجلا
سمع النبيَّ يوم غدير خم يقول "من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله" أن يشهد الآن بما سمع. قال زيد بن
أرقم: فشهد اثنا عشر رجلاً بدرياً(49)
بذلك
وكنت ممن سمع القول من رسول الله فكتمتُ الشهادة يومئذ فدعا علِيٌّ علَيَّ فذهب
بصري](50).
قلتُ:
نسبة احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بقضية غدير خم، الذي رواه زيد بن أرقم، إلى
عهد أبي بكر، أمر يخالف التواريخ المسلّمة التي يبدو أن واضع هذه الرواية كان عديم
الاطلاع عليها، فقد ذكرت المصادر التاريخية الموثقة - (كما جاء ذلك مفصلاً في بحار
الأنوار:ج22/ص32، والجزء الأول من كتاب الغدير) - أن استشهاد علي بواقعة الغدير
وكتمان أو عدم كتمان زيد بن أرقم(51)،
إنما حدث في رحبة الكوفة بعد ثلاثين عاما (من قصة السقيفة) في زمن خلافة أمير
المؤمنين أثناء نزاعه مع معاوية، بهدف إثبات أن الحق معه وليس مع معاوية (لا بهدف
إثبات النص الإلهي على خلافته!) وبهدف تشجيع المؤمنين على النهوض في قتال ابن أبي
سفيان الذي نصب الحرب لعلي بغير حق، فذكَّرهم بواقعة الغدير كدليل وشاهد نبوي قاطع
على أنه صلى الله عليه وسلم أمر بنصرته وموالاته ومعاداة من عاداه وحاربه: «اللهم وال
من والاه وعاد من عاداه و..».وليس لهذا أي
علاقة بموضوع النص على علي بالخلافة من قِبَلِ الله تعالى.
هذا
بالإضافة إلى أن كتاب "الاحتجاج" الذي ذكر في تلك الرواية الضعيفة(52)
أن
اثني عشر بدرياً قاموا وشهدوا بما استشهدهم عليه أمير المؤمنين، ذكر رواية أخرى
تخالفها حيث تبين احتجاج أولئك الاثني عشر (على أبي بكر) دون أن يأت في كلام أي
واحد منهم أي ذكر أو احتجاج بغدير خم بل كل ما جاء في كلامهم أنهم بعد استئذانهم من
أمير المؤمنين بالكلام قالو له: "يا أمير المؤمنين! تركت حقا أنت أحق به وأولى
منه لأنا سمعنا رسول الله يقول: "علي مع الحق والحق مع علي" وهذه الجملة بحد
ذاتها لا تؤدي
الغرض ولا تثبت النص على عليٍّ بالإمامة، بل أكثر ما يفيده ظاهرها أنه أكثر
استحقاقاً ولياقةً بذلك المنصب من أي أحدٍ آخر.
+
+
+
ما جاء في هذا الباب
في كتبنا
الشيعية
1
- كما ذكرنا، يتفق ما رواه الطبرسي في كتابه الاحتجاج - وهو من كتب الشيعة - عن قصة
السقيفة وبيعة المهاجرين والأنصار لأبي بكر، مع ما جاء في كتاب الإمامة والسياسة
لابن قتيبة المقبول عند أهل السنة أيضاً.
2
- كما رُوِيَت قصة السقيفة والبيعة لأبي بكر في كتاب "إثبات الوصية" المنسوب للمسعودي، والذي يعتبرونه من كتب الشيعة
المعتمدة، كما نقل عنه ذلك العلامة المجلسي(53)
(محمد باقر بن محمد تقي) في "بحار الأنوار"(54)
فقال: «واتصل الخبر بأمير المؤمنين بعد فراغه من
غسل رسول الله وتحنيطه وتكفينه وتجهيزه ودفنه بعد الصلاة عليه مع من حضر من بني
هاشم وقوم من صحابته مثل سلمان وأبو ذر ومقداد وعمار وحذيفة وأُبيّ بن كعب وجماعة
نحو أربعين رجلاً. فقام (أي علي) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن كانت الإمامة في قريش فأنا أحق بها من
قريش وإن لم تكن في قريش فالأنصار على دعويهم، ثم اعتزلهم ودخل بيته»(55).
و
إذا لاحظنا بدقّة ما جاء في هذا الكتاب الذي عنونه صاحبه بـِ"إثبات الوصية" أي الوصية بالخلافة لعلي،
لا نجد فيه أي ادعاء من علي بأنه قد نصب لمقام الخلافة من قبل الله ورسوله، بل كان
الاستناد في الدعوى لموضوع قبلي فحسب حيث قال: إن كانت الخلافة في قريش فأنا أحق
بها من أي أحد من قريش، في حين يجب القول أن عليّاً أولى بها من جميع الناس على
الإطلاق لا لكونه منصوباً من جانب الله والرسول بل لكونه أليق وأعلم وأتقى وأسخى
وأشجع من سائر الصحابة، وهي الصفات المطلوبة في كل خلفاء
المسلمين.
3
- ويروي الشيخ الطوسي(56)
في
ص 394 من كتابه: "تلخيص
الشافي"(57)
- (كما نقل ذلك عنه المجلسي في ص 63 من المجلد الثامن من "بحار
الأنوار"(58)
- قصة السقيفة والبيعة لأبي بكر فيقول: «...عن
أبي مخنف عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمر الأنصاري قال: أن النبي صلى الله
عليه وآله لما قُبِضَ اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة فقالوا: نُوَلِّي هذا
الأمر من بعد محمد صلى الله عليه وآله: سعدَ بن عبادة، وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض
فلما اجتمعوا قال لابنه أو لبعض بني عمه: إني لا أقدر
لشكواي أن أسمع القوم كلامي ولكن تلقَّ مني قولي فأَسْمِعْهم، فكان يتكلم، ويحفظ
الرجلُ قولَه فيرفع به صوته ويسمِع أصحابه، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه، يا
معشر الأنصار إن لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من
العرب....(إلى آخر كلامه)»، ثم لما شعر الأنصار
باحتمال عدم قبول قريش لذلك قالوا: «منا أمير
ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا أبداً، فقال سعد بن عبادة لما سمعها: "هذا أول الوهن"
وأتى عمرَ الخبرُ فأقبل إلى منزل النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى أبي بكر وأبو
بكر في الدار وعلي في جهاز النبي صلى الله عليه وآله... إلخ.»
و يروي نفس قصة السقيفة التي انتهت بالبيعة لأبي
بكر، دون أن نجد في القصة أي كلام عن نصب الإمام علي خليفة من قبل الله ورسوله أو
عن قصة الغدير.
و لقد جاءت في بعض كتب الشيعة الأخرى قصص وروايات
مختلفة أخرى أيضاً عن قضية السقيفة وموضوع الخلافة والبيعة لأبي بكر ومعارضة علي
ورد فعل مؤيدي أبي بكر تجاه معارضة علي وسنتعرض لهذه الروايات في حينها إن شاء
الله. أما ما يلزم التذكير به هنا، أنه خلال حادثة السقيفة والمحاججات التي جرت
فيها وبعدها (طبقاً لما روته كتب الشيعة والسنة)، لم يأت أي ذكر لقضية غدير خم أو
لكون علي منصوب من قبل الله ورسوله للإمامة وخلافة الرسول، لا مِنْ قِبَل أصحاب
الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا من قِبَل المتحزِّبين لعليٍّ، مع أن المدة
بين حادثة غدير خم ووفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم تزد عن 70 يوماً
فقط! حيث أن قضية الغدير - طبقاً لكل التواريخ ولإجماع الشيعة - وقعت في 18 من ذي
الحجة سنة 10 للهجـرة أثناء عودة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حجة
الوداع، مع اتفاقهم على أن وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقعت في 28
من صفر سنة 11 للهجرة(59).
فلو أن حادثة الغدير كانت حقَّاً على النحو الذي
يدَّعيه المدَّعون من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قام خطيباً في غدير
خم، فيما يزيد على مائة ألف من أصحابه الذين
جاؤوا معه لحجَّة الوداع، فخطب بهم خطبةً طويلةً مفصّلةً نصب فيها عليّاً خليفة له
وإماماً للمسلمين وأخذ له البيعة من الحاضرين جميعاً، بل حتى في بعض الروايات
الشيعية
أنه
توقف في ذلك المكان ثلاثة أيام، ليأخذ البيعة له من جميع أفراد الأمّة حتى من
النساء، وأن حسان بن ثابت أنشد أبياتاً من الشعر في هذه المناسبة(60)،
بالإضافة إلى قولهم إن رسول الله ذكَّرَ أكثر من مرَّةٍ بنصبه للإمام علي - بأمر
الله تعالى - أميراً وخليفة له عليهم، وأكَّد ذلك الأمر حين وفاته (صلّى الله عليه
وآله وسلّم)، ليزيده استحكاماً، ورغم كل ذلك وبمجرد وفاته (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) لم يأْبَهْ أصحابه - باستثناء قلة نادرة لا يزيد تعدادها على أحسن الأقوال
عن أربعين رجل - لكل هذه التأكيدات والأوامر الإلـهية ولم يُعِيْروها أي اهتمام ولا
أشاروا إليها أدنى إشارة، بل سارعوا للعمل على اختيار خليفة من بينهم، ففي البداية
رشّح الأنصار وأهل المدينة سعد بن عبادة رضي الله عنه لخلافة رسول الله (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) وتحركوا لنصبه فتقدَّم المهاجرون بدورهم وقَلَبوا الأمر على
الأنصار معتبرين أنفسهم أليق وأحق بمقام الخلافة منهم وحازوا فعلا منصب الخلافة بعد
احتجاجاتهم التي تقدم ذكرها، ولم يأتوا في كل ذلك بأي ذكر على الإطلاق للإمام علي
وخلافته المنصوص عليها ولا لقضية غدير خم وأخذ الرسول البيعة منهم لعليّ؟؟! إنها
قصة يصعب
على العقل قبولها وتخالف منطق الأمور ويصعب أن تجد لها نظيراً في التاريخ. إذ
كيف
يمكن
لمائة ألف أو يزيدون،
اجتمعوا
في مكان واحد أمر على هذه الدرجة من الأهمية كالبيعة التي لها عند المسلمين والعرب
بشكل خاص أهمية لا يضاهيها في أهميتها شيء، أن يتناسوها تماماً أو يجحدوها بعد
سبعين يوم فقط لدرجة أن أحداً منهم لا يذكر شيئاً منها طوال عمره؟ إن مثل هذا
الاتفاق لم يحدث في أي ملة من الملل.
والأعجب
من ذلك أنه حتى أولـئك الأربعين شخصاً مورد الادعاء الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر
رضي الله عنه، لم يتكلموا أبداً عن شيء اسمه نصٌّ على عليٍّ عليه السلام أو تعيين
له من قبل الله ورسوله ولا احتجوا أصلاً بشيء من هذا القبيل، بل لم تكن حجتهم إلا
أنهم اعتبروا عليّاً أحق وأولى بهذا المقام، وحتى أولـئك البدريين الاثني عشر الذين
احتجوا على أبي بكر رضي الله عنه - طبقاً لما ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج -
واعترضوا على خلافته، لم يحتجُّوا بغدير خم. وكذلك لم ينقل عن أحد من الذي انفصلوا
عن القافلة المتجهة للمدينة - بعد سماعهم خطبة الغدير - وانطلق كل منهم في طريقه
إلى موطنه، ولم يكن لهم دوافع المهاجرين المقيمين في المدينة، لم يسمع عن أحد منهم
اعتراضاً عندما وصل إليهم نبأ اختيار أبي بكر للخلافة أو تعجباً من أنه كيف صار
خليفة مع أن علياً هو الذي نصبه الرسول صلى الله عليه وسلم للخلافة؟ لماذا لا نرى
في كتب التاريخ أي أثر لمثل هذا الاعتراض أو رد الفعل؟!
مثل هذا الاتفاق على الكتمان والتوحُّد على
النسيان الذي ادُّعي حصوله في أمة الإسلام بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) ليس له حقاً نظيرٌ في أي أمة في التاريخ! والأعجب من ذلك أن علياً عليه
السلام نفسه أيضاً لم يُشِر إلى شيء من هذا الباب عند
إعراضه في بداية الأمر عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه ولا
احتج به! فهذا
كله يضع علامات سؤال كبيرة حول كون واقعة الغدير
كانت
فعلاً نصَّاً نبوياً صريحاً وأمراً
إلـهياً يفرض الإمارة
الزمنية أي الخلافة السياسية
المباشرة لعليٍّ عليه السلام على المسلمين.
+
+
+
نظرة إلى روايات
ارتداد جُلِّ أصحاب الرسول
(صلى الله عليه
وآله وسلم)
أخرج
الشيخ المفيد(61)
في
كتابه الاختصاص بسنده: «عن محمد بن الحسن الصفَّار عن محمد بن الحسين
عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القاسم الحضرمي عن عمرو بن ثابت: قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول: إن النبي صلى الله عليه وآله لما
قُبِضَ ارتد الناس على أعقابهم كفاراً إلا ثلاثاً: سلمان والمقداد وأبو ذر الغفاري،
إنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، جاء أربعون رجلاً إلى علي بن أبي طالب
عليه السلام فقالوا: لا والله لا نعطي
أحداً بعدك طاعة أبداً، قال: ولم؟ قالوا: إنا سمعنا من رسول الله صلى الله عليه
وآله فيك يوم غدير [خم]، قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم، قال: فأتوني غدا مُحَلّـِقِين،
فما أتاه إلا هؤلاء الثلاثة! قال: وجاءه عمار بن ياسر بعد الظهر، فضرب يده على صدره
ثم قال له: ما لك أن تستيقظ من نوم الغفلة، ارجعوا فلا حاجة لي فيكم، أنتم لم
تطيعوني في حلق الرأس فكيف تطيعوني في قتال جبال الحديد؟»(62).
قبل أن
نتعرض لرواة هذا الحديث المفترى، من الضروري أن ننبه إلى أن متنه يتضمن إشكالا
كبيراً جدا لا يتفق حتى مع الروايات التاريخية المسلمة عند الشيعة، ذلك أنه لم يذكر
في عداد الذي استثناهم من الارتداد، العباس بن عبد المطلب عم علي عليه السلام ولا
أبناء العباس عبد الله والفضل وقُثَـم، ولا خالد بن سعيد بن العاص والبراء بن
العازب وحذيفة بن اليمان وأبو الهيثم التيهان و... والكثيرين الآخرين الذي تروي نفس
كتب الشيعة أنهم كانوا - في موضوع الخلافة بعد رسول الله - من المؤيدين لخلافة علي
ومن المخالفين - في ابتداء الأمر - لخلافة أبي بكر، لدرجة أن بعضهم اعتصم في بيت
فاطمة عليها السلام إظهاراً لرفضه وعدم رضائه عما تم(63)! فما ندري
ما هو ملاك الارتداد وعدمه عند واضع هذا الحديث؟؟! فإن قيل إن هؤلاء
إنما اعتبروا مرتدين لأنهم إنما أيدوا عليّاً لسبب آخر غير الاعتقاد بأنه منصوص
عليه؛ لوجب إذن في هذه الصورة اعتبار سلمان والمقداد أيضاً من المرتدين لأنهم - كما
سنرى فيما بعد(64) - لم
يكونوا يعتقدون بالنص على علي! أما لو كان ملاك الإيمان وعدمه (أي الارتداد) هو
مساندة وتأييد خلافة علي وعدمه، فإن عدد غير المرتدين لا يتناسب مع عدد الثلاثة أو
السبعة المذكور في الحديث! حقا إن حبل الكذب لقصير كما يقولون. والآن لنأت لفحص سند
هذا الحديث وأضرابه:
إن
راوي هذا الحديث الموضوع المكذوب
هو
"عبد الله بن القاسم الحضرمي" الموصوف
عموماً في كتب رجال الشيعة بأنه: [كذاب
غال يروي عن الغلاة لا خير فيه ولا يُعْتَدُّ بروايته].
1-
أما رواة ورجال هذا الحديث من أوائل علماء الشيعة بعد الغيبة فلن نبحث فيهم الآن
وسنبدأ من "موسى بن سعدان"، الذي
عرَّفَتْه كتب الرجال الشيعية بما يلي:
أ - في كتاب "الرجال"،
للنجاشي(65)،
في الصفحة 317: [موسى بن سعدان الحناط،
كوفي روى عن أبي الحسن في مذهبه غلوّ.]
ب
- في كتاب "مجمع الرجال" للقهبائي(66)
قال:
[(غض)(67)
موسى
بن سعدان الحناط: كوفي روى عن أبي الحسن، ضعيف في مذهبه غلـوّ.]
ج - في كتاب "خلاصة الأقوال في معرفة الرجال" للعلامة الحلي(68):
جاء ذكر موسى بن سعدان في الصفحة 375 من القسم الثاني من الكتاب المخصص للضعفاء
والغلاة وقال عنه الحلي: [ضعيف في مذهبه
غلو].
د
- في كتاب "الرجال"،
لابن داوود الحلي(69):
ذكر
المؤلف اسمه في الصفحة 545 في عِداد الضعفاء والمجروحين
والمجهولين.
هـ-
وأخيراً ذكره الشيخ محمد طـه
نجف(70)
في
الصفحة 376 من كتابه "إتـقان المقال في
أحوال الرجال" في القسم الثالث المخصص للضعفاء.
2
- أما عن الحال الوخيمة للمدعو "عبد الله
بن القاسم الحضرمي" فجاء ما يلي:
أ-
قال النجاشي عنه في الصفحة 167 من
كتابه الرجال: [عبد الله بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل،
كذاب غال يروي عن الغلاة، لا خير فيه ولا يُعتَدُّ
بروايته]
ب-
وقال القهبائي في الصفحة 34 من الجزء
الرابع من كتابه "مجمع الرجال":
[(غض)
عبد الله بن القاسم البطل الحارثي، كذاب، غال، ضعيف، متروك الحديث، معدولٌ عن ذكره.
وأيضا عن (الغضائري): عبد الله بن القاسم الحضرمي: كوفي ضعيف أيضاً غال متهافت لا
ارتفاع به.]
ج-
وقال الشيخ الطوسي في الصفحة 357 من
كتابه "الرجال": [عبد الله بن القاسم الحضرمي،
واقفي].
د-
ويقول العلامة الحلي في "الخلاصة": [عبد الله بن القاسم الحضرمي من أصحاب الكاظم
واقفي، وهو معروف بالبطل وكان كذابا، روى عن الغلاة، لا خير فيه ولا يُعتَدُّ
بروايته وليس بشيء ولا يُرْتَفَع به].
هـ-
وقال ابن داود في "الرجال": [عبد الله بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل،
واقفي كذاب غال يروي عن الغلاة ولا خير فيه ولا يعتد بروايته، ليس
بشيء].
و-
وقد وُصِفَ بعين هذه الأوصاف في "إتقان
المقال" لطـه نجف (صفحة 361) و"نقد الرجال"
للتفرشي(71)
(الصفحة204)
و"منهج المقال" للميرزا الإسترآبادي(72).
3-
أما عمرو بن ثابت الذي روى عبد الله
هذا، عنه، هذا الحديث:
أ-
فقال عنه القهبائي في مجمع الرجال (ص 257): [(غض)
عمرو بن ثابت بن هرمز أبو المقدام مولى بني عجل، كوفي ضعيف جدا].
ب-
وذكره العلامة الحلي في الصفحة 241 من "خلاصة الرجال" في القسم الثاني المخصص
للضعفاء وقال: [عمرو بن ثابت ضعيف جدا،
قاله الغضائري]، أما باقي كتب الرجال فقد توقفت في شأنه، وعلى أي حال يكفي
للحكم بوضع وكذب ذلك الحديث وجود عبد الله بن القاسم الكذاب في سنده.
وهناك
رواية أخرى في هذا
الباب أخرجها أيضاً المفيد في كتابه المذكور نفسه
فقال:
[عن
الحرث بن المغيرة قال: سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد الله عليه السلام فلم
يزل يسأله حتى قال: فهلك الناس إذا؟ فقال: إي والله يا ابن أعين، هلك الناس أجمعون،
قلت: أهل الشرق والغرب؟ قال: إنها فُتحت على الضلال، إي والله هلكوا إلا ثلاثة نفر:
سلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد، ولحقهم عمَّار، وأبو ساسان الأنصاري، وحُذَيفة،
وأبو عمرة فصاروا سبعة](73).
قلتُ:
أصل هذه الرواية عند الكِشِّي(74)
في
كتابه "الرجال"(75)
(ص
13) بالسند التالي: «محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن الحسن بن
فضال قال: حدثني العباس بن عامر وجعفر بن محمد بن حكيم عن أبان بن عثمان عن الحرث
بن المغيرة البصري قال: سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد الله..إلخ الحديث
بعينه»(76)
فلنر حال
رجال سندها:
أما
"علي بن الحسن بن فضال"، فقد بينا في كتابنا الزكاة(77)
سوء حاله وطعن علماء الرجال فيه وتضعيف فقهاء الشيعة له، إلى درجة أن صاحب
"السرائر"(78)
قال عنه في باب تقسيم الخمس من كتابه (الصفحة 115): [واقفي(79)
وكافر
وملعون! هو وأبوه رأس كل ضلال].
أما
"جعفر بن محمد بن حكيم"، فقد ذكر الشيخ الماماقاني(80)
في الصفحة (223) من كتابه "تـنـقيح المقال" عن رجل من أهل الكوفة أنه قال: [و
أما جعفر بن محمد بن حكيم فليس بشيء!].
و
أما "أبَّان
بن عثمان":
أ-
فقال عنه العلامة الحلي في الصفحة 21 من الخلاصة أنه [فاسد المذهب لأنه من
الناووسية(81)].
ب-
وقال المحقق الحلي(82)
في
كتابه "المعتبر": [في أبَّان بن عثمان
ضعفاً].
ج-
كما اعتبره الكشي في كتابه "الرجال" (الصفحة 3) من
الناووسية.
د-
ونقل فخر المحققين(83)
عن
أبيه العلامة الحلي أنه كان يقول: [الأقرب
عدم قبول روايته لقوله: إن جاءكم فاسـقٌ بنبأ فـتبيَّنوا، ولا فسق أعظم من عدم
الإيمان].
كذلك أورد المجلسي في المجلد الثامن من بحار
الأنوار (ص 47) نقلا عن رجال الكشـي: «عن علي بن
الحكم عن ابن عمـيرة عن أبي بكر الحضـرمي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ارتدَّ الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذر
والمقداد!. قال: قلت: فعمّار؟ قال (أي أبو جعفر الباقر) قد كان حاص حيصةً ثم
رجع...»(84).
سند هذا
الحديث أيضاً ليس بأحسن حالا من سند الحديثين السابقين، ومن المسلم به أن مثل هذه
الأحاديث، من وضع الغلاة بل ربما تكون من وضع أعداء الإسلام، ليس لإثارة العداوة
وبث الاختلاف والفرقة بين المسلمين فحسب بل ربما بهدف اجتثاث جذور الإيمان بالله
تعالى وبرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالقرآن الكريم أي برسالة الإسلام من
الأساس، كما سيأتي توضيح هذا المدعى عن قريب.
فبالإضافة
إلى السند الواهي لتلك الأحاديث، كما رأينا، فإن متنها أيضاً موضع إشكال كبير، لأنه
يتعارض مع صريح آيات القرآن وحكم العقل والوجدان، ذلك أن رب العالمين، مدح وأثنى
على مسلمي الصدر الأول، أعني أصحاب النبي المختار الذين يشكل المهاجرون والأنصار
أعلامهم وزبدتهم، في أكثر من خمسين آية من آيات القرآن، كما أن سيرة وحياة أولـئك
الكرام تدل على أن عامتهم إنما دخلوا في الإسلام عن إيمانٍ قلبيٍّ ورغبةٍ صادقةٍ،
وقدموا في سبيل نصرته أكبر التضحيات إلى حدّ بذل الروح وترك الديار والعشيرة
والأقرباء والهجـرة والبعد عن الوطن واللجوء لبلدان مخالفة لدينهم كما لجأ
المهاجرون إلى الحبشة التي كانت بلدا نصرانيا مخالفا للإسلام ظاهرا، وكم من المصاعب
والمشقات تحملوها في سبيل إيمانهم وعقيدتهم وإسلامهم مما سيأتي شرحه عن قريب إن شاء
الله. فكيف يجتمع هذا، مع القول بأن مثل أولـئك الرجال المؤمنين الأبطال، لم
يهتمُّوا بعد رحلة رسول الله بنصّ الله ولا بأمر رسوله الصريح الواضح، بل تحدوا كل
ذلك وجحدوا حق عليٍّ القطعي والمعين من الله، وأعطوه لأبي بكر، ولماذا؟
لا لأجل شيء أبداً سوى
لسواد عيني أبي بكر رضي الله عنه - كما يُقال (!)ـ، حيث لم يكن لأبي بكر رضي الله
عنه آنذاك أي قوة مادية أو سلطان قبائلي أو قوة عشائرية أو ارتباط (ودعم) من دولة
أجنبية! أي أنه لو فرضنا أنه كان لأبي بكر رضي الله عنه مصلحة في القضية، فما هي
مصلحة أصحاب رسول الله الكرام من الأنصار والمهاجرين في أن يصرفوا الخلافة عن
صاحبها الشرعي ويعطوها لغيره؟!.
وقد حاول
بعض العلماء حل هذا الإشكال وتبرير صرف الأصحاب الإمارة عن علي بأن سببها يعود لكون
عليٍّ كان قد قتل عددا كبيراً من المشركين العرب في معارك فجر الإسلام إبان حياة
النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم حتى كانوا يسمُّونه (قـتَّال العرب)، فلم يكن بيت
من بيوت العرب لم يصب بأحد أفراده على يده عليه السلام، لهذا السبب عملت الأحقاد
والثارات التي بقيت في الصدور عملها بعد رحلة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)
وجعلت الكثير من أصحابه يغمضون أعينهم عن نص الله ونصوص رسوله على عليّ، ويغصبون
حقه في الإمارة والخلافة، وقد يبدو هذا الحل مقنعاً في البداية لكنه عند التحقيق
والتمحيص يتبين أنه ادعاء يفتقر إلى أساس علمي صحيح ويتناقض مع الشواهد التاريخية،
ذلك لأن علياً عليه السلام إذا كان قد قتل كثيراً من المشركين فإن أيا ممن قتلهم لم
يكن من ذوي المهاجرين والأنصار الذين كانوا هم المؤسِّـسين لبيعة أبي بكر رضي الله
عنه، وحتى لو فرضنا أن بعض المهاجرين كان لهم أقرباء قَتَلَهم عليّ عليه السلام -
مع أننا لا نعلم أحداً كذلك - فإنه من المحال أن يحقد المؤمنـون المهاجرون -
الذين كانوا هم أنفسهم يقتلون آباءهم وإخوانهم بأيديهم في سبيل رضا الله ولبقاء
الإسلام - على عليٍّ لقتله بعض قرابتهم من المشركين!
نعم كان عليٌّ قد قتل
من كفار قريش بعضاً ممن التحق أقرباؤهم بالنهاية بالمسلمين، ومثل هؤلاء يحتمل أن
يكون قد بقي في صدورهم حقد تجاه ذلك الجناب، ومن أعلام هؤلاء أبو سفيان الذي قتل
عليٌّ أبا زوجته وأخاها؛ لكن مثل هؤلاء لم يكن لهم حق
ولا دور في انتخاب الخليفة
لأن ذلك الحق كان خاصّاً بالمهاجرين والأنصار ومجاهدي بدر وأحد وما كان لأولـئك
الطلقاء أن يدخلوا في صفوفهم، هذا بالإضافة إلى أن أبا سفيان كان على العكس، من
الذين عارضوا بيعة أبي بكر وتحزَّبوا - حسب الظاهر - لعلي!
إذن،
القول
بأن المهاجرين والأنصار، الذين كانوا المؤسسين للبيعة لأبي بكر، قد أنكروا نصاً
إلـهياً على علي
عليه
السلام،
ولم يذكروا اسمه في هذه القضية عمداً وارتدوا بذلك بعد رسول الله إلا ثلاثة نفر -
(مع أن اثنين من أولـئك الثلاثة ليسا لا من المهاجرين
ولا من
الأنصار!) -
قولٌ
لا ينسجم
مع
آيات القرآن، ولا أعتقد أن أيَّ مؤمن يسمح لنفسه
بمعارضة
القرآن
ومخالفته.
+
+
+
الآيات التي نزلت في
مدح أصحاب الرسول
(صلّى الله عليه وآله
وسلّم)
1-
قال الله
سبحانه
وتعالى:
﴿ وَمِنَ
الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ
قُرُبَاتٍ عِنْدَ الله وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ
سَيُدْخِلُهُمُ الله فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ
(99)
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أبداً ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ ﴾
[التوبة:99-100].
يقول
الشيخ الطوسي عند تفسيره لهذه الآية
في تفسيره "التبيان": [أخبر الله تعالى أن الذين سبقوا أولا إلى
الإيمان بالله ورسوله والإقرار بهما من الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وإلى
الحبشة ومن الأنصار الذين سبقوا أوَّلاً غيرهم إلى الإسـلام من نظرائهم من أهـل
المدينة والذين تبعوا هؤلاء بأفعال الخير والدخول في الإسلام بعدهم وسلوكهم
منهاجهم...](85).
قلت:
أيُّ مؤمنٍ بالـقـرآن يمكنه - بعد أن يرى هذه الآيات الطافحة بالبشـارة بالرحمة
والرضوان والوعد بالجنة والفوز العظيم للمهاجرين والأنصار، الذين هم أنفسهم
المؤسسون الأصليون لبيعة أبي بكر
رضي
الله عنه
في
السقيفة - أن يصدق مثل ذلك الحديث القائل:[ارتد الناس على أعقابهم كفارا إلا
ثلاثة!]؟
الآن لنر بعض أولئك
المهاجرين الذين كانوا في بيعة السقيفة وبايعوا أبا بكر
رضي
الله عنه
وبقوا أوفياء لبيعتهم،
ممن مدحهم الله تعالى في هذه الآيات: فأحدهم "عمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب"
رضي
الله عنه
من بني سعد، كان من
المهاجرين الأوائل إلى الحبشة، وكانت هجـرتهم أول هجـرة في الإسلام، واستشهد في
معركة القادسية في خلافة عمر
رضي
الله عنه
مجتهدا في سبيل الله
تحت إمرة سعد بن أبي وقَّاص
رضي
الله
عنه(86)، ومنهم "هبَّار بن
أبي سفيان بن عبد الأسد بن مخزوم"
رضي
الله عنه
وقد استشهد (على أصح
الأقوال) في معركة أجنادين في الشام في خلافة أبي بكر
رضي
الله
عنه(87)، ومنهم أخو هبار
الأخير "عبد الله بن
سفيان"
رضي الله عنه
الذي استشهد في الشام
في معركة اليرموك في خلافة عمر
رضي
الله
عنه(88)، وغيرهم الكثير ممن
لا يتسع المجال هنا لشرح
حالهم.
2-
ويقول سبحانه:
﴿ الَّذِينَ
ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ الله وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ *
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا
نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أبداً إِنَّ الله عِنْدَهُ أَجْرٌ
عَظِيمٌ ﴾
[التوبة:20-22].
فكيف
ينسجم القول بارتداد الكثير من الأصحاب
بعد رسول
الله
مع هذه الآيات
البينات؟! ولكي نعرف من هؤلاء
الموعودون بهذا الثواب العظيم نأتي بآيات أخرى تضمنت نفس العبارات
والألفاظ:
3
- يقول الله رب العالمين:
﴿ إِنَّ
الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي
سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ ءَاوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ ﴾
[الأنفال:72]. فهؤلاء الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا، هل هم إلا المهاجرون إلى الحبشة
ثم إلى المدينة ثم المجاهدون مع رسول الله؟ وكذلك الذين آووا ونصروا، هل هم إلا أهل
المدينة؟ أي أنهم مؤسسو بيعة السقيفة أنفسهم. فهل هؤلاء ارتدوا على أعقابهم كفاراً
بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟! لنسمع إجابة سورة الأنفال هذه نفسها
على افتراء أولـئك المفترين وأعداء الإسلام والمسلمين، حيث يقول سبحانه:
﴿ وَالَّذِينَ
ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ ءَاوَوْا
وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ
كَرِيمٌ ﴾
[الأنفال:74]. الله الخالق، الذي يعلم الظاهر والباطن، يقول"أولـئك هم المؤمنون حقاً"، ولكن
كتابي
"الاحتجاج على أهل اللجاج" و"البرهان" في تفسير القرآن
(لمؤلفيهما:
الطبرسي(89)
والبحراني(90)
على
الترتيب)
مليئان
مع
الأسف
بروايات الغلاة التي تقول: أولـئك ارتدُّوا بعد رسول الله إلا ثلاثة! ومن المفارقات
العجيـبة أن اثنين من أولـئك الثلاثة لا تشملهم الآية الكريمة من ناحية الهجـرة
والجهاد بالمال وإيواء المهاجرين! لأن سلمان وأبا ذر لم يكونا لا من المهاجرين ولا
من الأنصار، فلا هم من الذين أُخْرِجوا من ديارهم وأُجبِروا تحت ضغط العذاب والفتنة
في الدين على ترك أهلهم وديارهم ووطنهم، ولا هم من الذين أنفقوا أموالهم في سبيل
الله، لأنهم كانوا فقراء، ولا هم من أهل المدينة الذين آووا ونصروا المهاجرين، وهذا
أمر لا يخفى على من له معرفة بتاريخ الإسلام وسيرة أولـئك الكرام، إذ لكل منهم
تاريخ معروف وسيرة واضحة يُعْلَم منها أنهم لم يكونوا من المهاجرين ولا من
الأنصار(91)،
وإليكم نبذة من سيرتهم:
1
- أما سلمان الفارسي
رضي
الله عنه
فكان
من أهل أصفهان وترك وطنه وابتعد عن أهله بحثاً عن الدين الحق، ولم يكن عند ذاك
متشرِّفاً بنعمة الإسلام بعد، لذلك
لا يصـح
اعتباره مصـداقاً لقوله تعالـى: "الذين
آمنوا وهاجروا"، ثم سكن آخر الأمر في المدينة حيث صار عبداً لامرأة أو رجل
يهودي، ثم اشتراه نبي الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في السنة الثالثة أو
الرابعة للهجرة بعد غزوة أحد
وأعتقه(92).
لذا فإنه
رضي
الله عنه
ليس
فقط لم يكن مصداقاً واضحاً
لـ﴿ الذين
آمنوا
وهاجروا ﴾
بل كذلك لم يكن مصداقا لـ
﴿ وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم
وأنفسهم ﴾
(93)،
ولما لم يكن من الأنصار أيضاً، لم يكن مصداقاً لبقية الآية أي
لـ﴿ الذين
آووا
ونصروا ﴾.
وهذا لا يمنع أنه كان على أعلى درجات الإيمان بل كان في قمة الإيمان رضي الله عنه
وأرضاه.
2
- وأما أبو ذر
رضي
الله عنه
فكان
من قبيلة غفار، وبعد أن بُعِثَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واشتهر نبؤه بين
العرب ووصل خبره لأبي ذر، ذهب إلى مكة ليستطلع الأمر بنفسه، فلقي رسول الله (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) فأسلم، وأمَرَه رسول الله بكتمان إيمانه والعودة إلى بلده
إلى حين قوة الإسلام، فلما هاجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة
لحق به أبو ذر
رضي
الله عنه
طائعا
مختارا دون أن يضطره أحد إلى الهـجـرة من
وطنه(94).
3
- وأما المقداد
رضي
الله
عنه،
فمع أنه من السابقين الأولين الذين آمنوا برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
في مكة، إلا أن هجـرته تمَّـت بطريقة خاصة وهي أنه لما خرج كفار مكة لقتال رسول
الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن معه من المسلمين في المدينة، خرج المقداد
متنكرا مع عتبة بن غزوان ضمن صفوف كفار قريش، واتجه للمدينة ولحق بالمسلمين فيها.
نعم كان المقداد من المهاجرين الأوائل إلى الحبشة، لذلك تشمله الآية الكريمة، ولكن
سيرة المقداد
رضي
الله عنه
تدل
على أنه لم يكن يعتقد بنص الله
عز
وجل
على
علي بالخلافة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يدل على ذلك ما نقله
الطبري في تاريخه حين قال: [وقال (أي عمر
بن الخطاب
رضي
الله عنه
لما
طُعِن) للمقداد بن الأسود: إذا وضعتمـوني في حفرتي فأجمع هـؤلاء الرهـط في بيـت
حتـى يختاروا رجلا منهم،و قال لصهيب: صَلِّ بالناس ثلاثة أيام، وأدخِل عليّاً
وعثمان والزبيـر وسـعدا وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة إن قدم، وقم على رؤوسهم فإن
اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة
فرضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما...(إلى قوله): فلما دُفِنَ عمر جمع
المقداد أهل الشـورى في بيت المسـور بن مخرمة ويُقال في بيت
المال..إلخ](95).
فقبول المقداد
رضي
الله عنه
لهذه
المهمة دليل على عدم اعتقاده بالنص على علي بالخلافة. طبعا هذا لا يمنع أن مقدادا
كان من مؤيدي وأنصار علي
عليه
السلام
وسعى
لنقل الخلافة إليه بعد عمر
رضي
الله
عنه.
لا شك أن أولـئك
الكرام الثلاثة كانوا من كبار أصحاب الرسول المختار وأجلتهم، ومن المشمولين بثناء
الله ورحمته ورضوانه، لكن اثنين منهم على الأقل ليسا مصاديق واضحة لتلك الآية
المذكورة، وإنما ذكرنا ذلك لكي نبين فضـيحـة ذلـك الحديث
الكاذب والمـخالـف للـوجدان
والمتعارض
مع
آيات الله، فالقول
بارتداد
جلّ الصحابة على أعقابهم
إلا ثلاثة
بسبب
انصرافهم عن بيعة علي عليه السلام
ليس إلا هراء
وافتراء(96).
4
- وقال
سبحانه
وتعالى:
﴿ لَقَدْ
تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ
فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ
رَحِيمٌ ﴾
[التوبة:117].
يقول
الشيخ
الطوسي
في تفسيره: [أقســم اللـه تعالى في هذه
الآية، لأن لام لقد لام القسم، بأنه تعالى تاب على النبي والمهاجرين والأنصار بمعنى
أنه رجع إليهم وقبل توبتهم، الذين اتبعوه في ساعة العسرة، يعني في الخروج معه إلى
تبوك، والعسرة صعوبة الأمر وكان ذلك في غزاة تبوك لأنـه لحقهم فيها مشـقّـة شديدة
من قلة الماء حتى نحروا الإبـل وعصروا كروشها ومصوا النوى وقل زادهم
وظهرهم،..(إلى قوله): وقيل من شدة ما
لحقهم هَمَّ كثير منهم بالرجوع فتاب الله عليهم...أي رجع عليهم بقبول توبتهم إنه
بهم رؤوف
رحيم.](97).
قلت: ففي هذه الآية
يضع الله تعالى المهاجرين والأنصار في صف واحد مع النبي (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) ويشملهم جميعاً بالتوبة والرأفة والرحمة، إعلاما لنا أن مقام المهاجرين
والأنصار في توبة الله عليهم مثل مقام النبي المختار (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فهل مثل هؤلاء صاروا
مرتدين؟؟
5-
﴿ كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِالله..
﴾
[آل عمران:110].
قال
الشيخ الطوسي عليه الرحمة في تفسير التبيان: [واختلف المفسرون في المعـنـِيِّ بقوله كنتم
خير أمة، فقال قوم: هم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وآله، ذكره ابن عباس
وعمر بن الخطاب والسُدِّي، وقال عكرمة نزلت في ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة
وأُبَيّ بن كعب ومعاذ بن جبل، وقال الضحاك: هم من أصحاب رسول الله
خاصة...](98).
وأيَّاً
كانوا فإنهم عند الله خير أمة، أمّا عند
جماعة
الغلاة
واضعي
الحديث،
فإنهم
كانوا
أسوأ
أمة!(99).
فأيهما نقبل: قول الرب سبحانه أم قول الغلاة المخالفين للقرآن؟
6-
يقول تعالى بدأً من الآية الرابعة من سورة الفتح:
﴿ هُو
الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا
مَعَ إِيمَانِهِمْ......... لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الله فَوْزًا
عَظِيمًا ﴾
إلى الآية 18 حيث يقول:
﴿ لَقَدْ
رَضِيَ الله عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ
مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا
قَرِيبًا ﴾
إلى الآية 26 حيث يقول:
﴿ إِذْ
جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ
فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ
كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ الله بِكُلِّ
شَيْءٍ
عَلِيمًا ﴾
ثم يختتم السورة بقوله:
﴿ مُحَمَّدٌ
رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ
بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله
وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ
فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ
فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ
بِهِمُ
الْكُفَّارَ..الآية ﴾
[الفتح:29].
من كان هؤلاء المشار
إليهم في هذه الآيات؟ هل كان لهذه الآيات مصاديق في الخارج أم لا؟ هل مات جميعهم
قبل وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أم بعد وفاته؟ هل تدخلوا في اختيار
الخليفة بعده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أم لم يتدخلوا؟ هل جميع هذه الآيات نزلت
في أولئك الثلاثة أم أنها تشمل آخرين؟..إنها أسئلة تطرحها هذه الآيات، والذي يحق له
الإجابة عنها هو المؤمن، لا الغالي
المفرط
في
التعصب مثل "عبد الله بن
القاسم الحضرمي"! الذي يجب أن يجيب عن هذه الأسئلة هو المؤمن بالقرآن المعتقد أنه
تنزيل رب العالمين العالم بالظواهر والبواطن، لا عبد الله بن القاسم الحضرمي (و
أمثاله) الغالي الكذاب الذي يفتري على لسان إمام من
الأئمة
أنه
قال: ارتد الناس على
أعقابهم كفارا إلا
ثلاثة!.
7
- وهناك آيات عديدة أخرى في مدح أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نشير
لبعضها مثل قوله تعالى:
﴿ ءَامَنَ
الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ
بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ..
﴾
[البقرة:285]. هل ارتد أولئـك المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله؟ هل كان لهذه
الآية الكريمة عندما نزلت مصاديق أم لا؟ إن كان لها مصاديق فمن كانوا؟، أو قوله
تعالى:
﴿ لَقَدْ
مَنَّ الله عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ
مُبِينٍ ﴾
[آل عمران:164].
هل كان هناك مؤمنون
منَّ الله عليهم بما ذكر؟ وفي حال وجودهم فهل ماتوا جميعاً قبل رحلة رسول الله
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ)؟ هل يستطيع أحد أن
يدعي مثل هذا الادعاء؟
8
- وتلك الآية الكريمة التي نزلت بحق المؤمنين المجاهدين في واقعة حمراء الأسد التي
يقول الله تعالى فيها:
﴿ ..
وَأَنَّ الله لا يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا
لِـلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا
وَقَالُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ
الله وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ الله وَالله ذُو
فَضْلٍ
عَظِيمٍ ﴾
[آل
عمران:171-174].
هل مثل هؤلاء المؤمنين
كان لهم وجود أم لا؟ وإن كان لهم وجود فمن كانوا؟ هل كانوا أولـئك الثلاثة فقط
الذين لم يرتدوا بعد رسول الله، أي سلمان والمقداد وأبو ذر؟! هذا في حين أن سلمان
لم يكن في ذلك الحين بين أولئك المؤمنين المشار إليهم في الآية أصلاً لأنها نزلت في
شأن مجاهدي غزوة أُحُد وسلمان لم يلتق برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
ويُسْـلِم على يديه إلا بعد أُحُد، كما أن وجود أبي ذر
رضي
الله عنه
بينهم ليس مؤكداً، إذن
مَن هم الذين يمدحهم الله في هذه الآيات كل هذا المديح؟ وهل ماتوا جميعاً قبل وفاة
النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ الحقيقة أن اسم مجاهدي بدر وأحد مسجل في
التاريخ وأكثرهم كانوا أحياء في زمن الخلفاء بعد رسول الله وسيرتهم المليئة بالفخار
والعظمة مدونة
معروفة.
9
- أو الآيات الكريمة:
﴿ فِي
خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ
لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى
جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا
خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ......(إلى
قوله تعالى): فَاسْتَجَابَ لَهُمْ
رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثَى
بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ الله وَالله عِنْدَهُ حُسْنُ
الثَّوَابِ ﴾
[آل
عمران:190-195].
يقول
الشيخ الطوسي في تفسيره الشريف "التبيان": [وقال (الطبري): الآية مختصة بمن هاجر من أصحاب
النبي (صلّى الله عليه وآله) من وطنه وأهله مفارقا لأهل الشرك بالله إلى رسول الله
(صلّى الله عليه وآله) وغيرهم من تُبَّاع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الذين
رغبوا إليه تعالى في تعجيل نصرهم على أعدائهم وعلموا أنه لا يخلف الميعاد بذلك، غير
أنهم سألوا تعجيله وقالوا لا صبر لنا على أناتك وحلمك، وقوَّى (أي الطبري) ذلك بما
بعد هذه الآية من قوله فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى
بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا
وقتلوا...الآيات بعدها،(يقول الطوسي) وذلك لا يليق إلا بما ذكره
ولا يليق
بالأقاويل الباقية وإلى هذا أومأ البلخي لأنه قال في الآية الأخرى والتي قبلها
(نزلت) في الذين هاجروا إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)، ثم (نزلت) في جميع من سلك
سبيلهم واتبع آثارهم من
المسلمين...](100).
نسأل ثانية: من هم هؤلاء الذين قال الله تعالى
عنهم أنهم هاجروا وأُخْرِجوا من ديارهم وأموالهم وأوذوا في سبيله وقاتلوا وقتلوا
وأنه سيدخلهم جناته؟ إنهم
المهاجرون
والأنصار أي
نفس أولئك الذين يقول
ذلك الحديث
الموضوع
عنهم: ارتدّ الناس على
أعقابهم كفارا إلا ثلاثة. أي قلب يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر يمكنه أن يقبل
بعد
ذلك
بمثل
ذلك
الحديث الموضوع الذي وضعه الغلاة
المنحرفون؟
10
- والآية الكريمة:
﴿ لِلْفُقَرَاءِ
المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ
فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ
يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا
أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ
يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
المُفْلِحُونَ ﴾
[الحشر:8-9].
من كان هؤلاء الذين
أُخْرِجوا من ديارهم واضطروا لترك أموالهم طلباً لرضا الله تعالى وفضله، الذين
نصروا الله ورسوله وسماهم الله بالصادقين؟ ألم يكونوا هم أنفسهم الذين حضروا
السقيفة؟ وهل كان هؤلاء الذين تبوَّؤا الدار والإيمان، والذين أحبوا المهاجرين
إليهم وآووهم في بيوتهم وآثروهم على أنفسهم، إلا الأنصار الذين أتوا بسعد بن عبادة
رضي
الله عنه
بعد وفاة رسول الله
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى السقيفة وأرادوا أن يجعلوه خليفة ويبايعوه؟
+
+
+
هذه الآيات وعشرات من
الآيات
الأخرى(101)
التي نزلت في كتاب
المسلمين السماوي في مدح
وتمجيد أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأبرزهم المهاجرون والأنصار،
أمام عيني كل مسلم عالم بالقرآن ومؤمن بما فيه؛ تعارض بشدة تلك الأحاديث التي تدعي
ارتداد
أغلب المسلمين وعودتهم إلى
الكفر، فور رحلة رسول الله ومفارقته للدنيا، إلا
بضعة أفراد منهم فقط! أي
الثلاثة
أو
السبعة
الذين بقوا على
إيمانهم بالخلافة المنصوصة
لعلي!
إن
المحقق
المنصف المتجرّد عن العصبية
والتقليد لا يمكن أن يصدق تلك
الأحاديث ولا ما قيل عن مخالفة المهاجرين والأنصار للخلافة المنصوص عليها، لأنه إما
أن تكون هذه الآيات من عند الله أو لا تكون، فإن لم تكن من عند الله فالقرآن -
والعياذ بالله - من اختلاق وتلفيق غير الله، وإذا صار القرآن من اختلاق وتلفيق غير
الله فمعنى هذا انهدام الإسلام، المبتني على القرآن، من أساسه، وإذا انهدم وانهار
الإسلام، الذي هو الأصل، فما قيمة إثبات الخلافة المنصوص عليها أو غير المنصوص
عليها وما هي إلا فرع لذلك الأصل؟ هل هذا إلا كما قال الشاعر:
خانه
از
باي
بست ويران اسـت
خواجه در بند نقش
ايوانست
أي: البيت خَرِبٌ من
قواعده
و الخواجه مشغول بزخرفة
شرفته!
و
أما إن كان القرآن من عند الله، وهو قطعا كذلك، وإن كان الله سبحانه وتعالى عالم
بالغيب والشهادة عليم بذات الصدور، وهو قطعا كذلك، إذن فهو يعلم بحقيقة من يمدحه في
كتابه ويبشره بالفوز والفلاح، عندئذ يجب أن يكون موقفنا واضحا من الآيات الكثيرة
مثل قوله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ
ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ ءَاوَوْا
وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ
كَرِيمٌ ﴾
[الأنفال:74]،
﴿ و
أُوْلَـئِكَ هُمُ
الفَائِزُونَ ﴾
﴿ وأُوْلَـئِكَ
هُمُ
الصَّادِقُونَ ﴾
﴿ وأولـئك
لهم الخيرات وأولـئك هم
المفلحون ﴾
﴿ كنتم
خير
أمـة ﴾
﴿ وألزمهم
كلمة التقوى وكانوا أحق بها
وأهلها ﴾
[الفتح:26]
﴿ وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أبداً ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ ﴾
[التوبة:100]، وعشرات الآيات الأخرى.. ونعود فنسأل هل كان لتلك الآيات مصاديق في
عالم الخارج أم لا؟ فإن كان يوجد لها مصاديق فمن هم؟ ألم يكونوا نفس الذين اجتمعوا
في سقيفة بني ساعدة لنصب الخليفة؟ فهل كان الله تعالى، الذي امتدحهم وأثنى عليهم،
عالما بسرائرهم وضمائرهم خبيرا بماضيهم ومستقبلهم أم لا؟ بديهي أن الشق الثاني من
السؤال لا يمكن لمؤمن بالله أن يلتزم به "تعالى الله عما يقول الظالمون علواً
كبيراً"! وأما إن كان عليماً خبيراً، وهو قطعاً كذلك، فمن يستطيع أن يدعي أن
الله العليم الخبير مدحهم وأثنى عليهم (وشهد لهم بصدق الإيمان ووعدهم بالجنات
والرضوان) لكنهم ارتدوا، فور وفاة نبيهم، على أعقابهم كفاراً (خونة) وجحدوا أمر
الله تعالى بتأمير علي عليه السلام
عليهم؟!(102).
ذلك لأن الله تعالى، الذي يعلم الغيب ويعلم فيما إذا كان
عبدٌ
من عباده سيرتكب من الأعمال في المستقبل ما يحبط أجره ويبطل سوابقه الصالحة، إذا
قال عن فلان أنه مفلح وفائز وأعددت له الجنات، كان ذلك دليلاً قاطعاً على أن ذلك
العبد لن يرتكب عملا يمنعه من الدخول في الجنة وأن عثراته ستكون
مغفورة.
ألم يكن الله تعالى
الحكيم العليم الخبير يعلم أن أصحاب نبيه لم يكونوا مهتمين بصدق بحقائق الدين بل
قبلوه قبولا ظاهريا سطحيا ومتزلزلا - كما تدعيه
الروايات التي وضعها الغلاة
المندسّين
بين
شيعة
آل البيت
الأطهار - بل طبقاً لبعض
رواياتهم كان أولـئك الصحابة في نفس زمن حياة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد
شكلوا
زمراً
ومجموعاتٍ
سريةً وعقدوا فيما بينهم
عهوداً وكتبوا
صحيفةً
ملعونةً أودعوها الكعبة!،
وأنه منذ أول يوم تظاهروا فيه بالدخول في الإسلام لم يكن لهم هدف سوى الوصول
للإمارة والحكومة! وأن قلبهم كان
طافحاً ببغض أهل البيت
وبمجرّد أن ارتحل النبي
ارتدوا على أعقابهم وأنكروا أهم أصل من أصول الدين وهو الإمامة المنصوص عليها من
الله؟! فكيف إذن أنزل تعالى في شأنهم كل آيات الثناء والمديح والشهادة بالإيمان
والفوز والفلاح تلك؟! آيات تبقى خالدة إلى يوم القيامة يتلوها المؤمنون آناء الليل
وأطراف النهار يحبون بسببها المهاجرين الأنصار ويغبطونهم على إيمانهم وفلاحهم.
أجل إن تصديق رواية
«لما قبض النبي ارتد الناس إلا ثلاثة (أو
سبعة)...» وأمثالها يؤدي إلى تكذيب جميع الآيات
القرآنية الكريمة السابقة، أو إلى اتباع البدعة التي وضعها بعض أعداء الإسلام
لإسقاط الكتاب المجيد عن الحجية، بادعائهم أن كتاب الله غير قابل للفهم البشري
وأننا لا نستطيع أن نفهم المراد الحقيقي منه!
وأن
ظواهره غير مرادة،
وعندئذ يفتح الباب
للباطنية الذين يفسرون القرآن على أهوائهم فيأتون
بغرائب
وأباطيل لم
ينـزّل الله بها من
سلطان!
أجل
إن الإصرار على صحّة أمثال تلك الروايات، يلزم منه اعتبار تلك الآيات القرآنية
الكريمة إما خاطئة - والعياذ بالله - أو غير مفهومة، وبالتالي ففاعل ذلك يغفل - أو
يتغافل - عن أنه بإصراره على إثبات الإمامة المنصوص عليها لعلي عليه السلام أثبت -
والعياذ بالله - بطلان معجزة الرسالة الكبرى وبالتالي أثبت كذب الإسلامِ ونبوةِ
خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)!! (و وقع في المثل القائل جاء ليكحِّلها
فأعماها!). لأنه إذا كان رد خلافة علي ارتداداً كما تصرِّح به تلك الروايات التي
تقول: لما قُبِضَ النبيّ ارتـدّ الناس على أعقابهم كفَّاراً إلا ثلاثة، ونعلم أن
أكثر صحابة النبي بل كلهم بقوا على بيعتهم لأبي بكر، أي بقوا على ذلك
الارتداد
المزعوم(!) - والعياذ بالله - وماتوا عليه، فطبقاً لقوله تعالى:
﴿ وَمَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُو كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا
خَالِدُونَ ﴾
[البقرة:217]، سيكونون جميعاً قد حبطت أعمالهم وسيصيرون إلى نار جهنم خالدين فيها
أبداً، إلا ثلاثة نفر!! أولـئك الثلاثة الذين تدل سيرتهم، للأسف أو لحسن الحظ، على
أن موقفهم ورأيهم في المسألة كان نفس رأي وموقف سائر أصحاب رسول الله (صلّى الله
عليه وآله وسلّم)!! وذلك أن المقداد رضي الله عنه الذي ذكر في بعض الروايات أنه كان
أثبت قدما من سلمان وأبي ذر (رضي الله عنهما) في أمر خلافة علي بعد النبي (صلّى
الله عليه وآله وسلّم)، هو الشخص ذاته الذي - طبقاً لوصية عمر رضي الله عنه - كان
عليه مهمة التعاون والإشراف على أبي طلحة (زيد بن سهل) الأنصاري في أمر تعيين
الخليفة من بين الستة: علي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وعثمان، حيث أمر عمر رضي
الله عنه أبا طلحة أن ينظرهم ثلاثة أيام فإن اتفقوا على رجل منهم وأبى واحدٌ أن
يَضرِبَ عُنُقَه وإن اتفق أربعة وأبى اثنان أن يضرب عُنُقَهما وإن اختلفوا جميعاً
بعد المدة المحددة أن يضرب أعناقهم
جميعاً(103).
كما أن سلمان رضي الله
عنه كان والياً على المدائن من قِبَلِ عمر رضي الله عنه لعدة سنين ولم يُؤْثَر عنه
من سيرته المعروفة الواضحة، أدنى اعتراض على خلافة الشيخين (رضي الله عنهما).
فبعد كل ذلك هل يمكن
لأي مسلمٍ مؤمنٍ بالقرآن أن يعير مفاد تلك الروايات أدنى التفات؟ ألا ينبغي على كل
مؤمن بالقرآن، بينه وبين الله وأمام حكم وجدانه ودينه، - وعملا بالأمر الصريح لأئمة
آل البيت عليهم السلام الذين أكدوا مراراً أن ما خالف القرآن من الأخبار المنقولة
فهو زخرف وليس عنهم وينبغي أن يضرب به عرض
الحائط(104)
-
أن يحارب ويكذِّب بشدة
وبكل ما أوتي من طاقة ووسع أمثال تلك
الأحاديث
الموضوعة
المكذوبة.
لو ألقيت نظرة، أيها
القارئ الكريم، على التاريخ الدموي المخزي المليء بالعداوة والخصومة والفرقة، الذي
أوجدته تلك الروايات وأمثالها بين المسلمين، لأدركت أن واضعي أمثال تلك الروايات،
ومختلقي مثل تلك الأحاديث، هم بلا شك ولا ريب من أشد أعداء الإسلام، أو أنهم أشخاص
جهلة كان يحركهم ويحرضهم أعداء الإسلام ليوقعوا الفرقة بين المسلمين، حتى يأتي مثل
هذا اليوم الذي نرى فيه المسلمين، على كثرة عددهم وكون معظمهم يسكن في أفضل نقاط
المعمورة، ومع وجود كل الوصايا والتأكيدات الإلـهية الآمرة بالاتحاد والاتفاق
الناهية عن الفرقة والخلاف، على هذه الدرجة من الذلة والمهانة والضعف والتأخُّر،
التي يندر أن يكون لها نظير لدى أي شعب من شعوب الدنيا تملك ما يملكه المسلمون،
وأصغر نموذج على ذلك سيطرة حفنة من اليهود عليهم واغتصابهم أرضهم...
أجل، إن كل هذا من
بركات أو بالأحرى من الآثار المدمِّرة لأمثال تلك الروايات التي وضعها متطرفون غلاة
بعيدون عن الإسلام الحقيقي وروح الدين! روايات أوجدتها وابتدعتها السياسات
والأهواء، أو
بثها أعداء الإسـلام
وغـذّوها وروَّجوا
لها.
+
+
+
سِـِيَرُ الصحابة
أيضاً مصدِّقة للآيات ومكذِّبة
للروايات
نظرة
إجمالية أو تفصيلية أيضاً على سِيَر صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
تبين بوضوح أنهم كانوا أهلاً حقّاً لمديح رب العالمين وثنائه، فحياتهم المليئة
بالفخار تدل على أنهم كانوا زبدة بني آدم. لقد كانوا رجالاً دخلوا في الإسلام دون
أي تطميع أو تهديد من قِبَلِ مبلغ الإسلام والصادع به (صلّى الله عليه وآله وسلّم)،
ثم لم يؤثر فيهم ويصرفهم عن عقيدتهم أي ترغيب أو تهديد، بل كانوا ثابتي الأقدام على
عقيدتهم كالجبال الشوامخ، وبالرغم من جميع أنواع التعذيب والآلام والاضطهاد الذي
كانوا يتعرضون له من قِبَلِ مخالفيهم الذين كانوا أصحاب قدرة وثروة وسلطة، حيث كان
أكثر أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من طبقة الفقراء والعبيد الذين
يعيشون تحت وطأة وسلطان أسيادهم المخالفين لهم في الدين، فكانوا يُهَدَّدون من
قِبَلِ أسيادهم ومالكي رقابهم بالتعذيب إلى درجة الموت، وطبقا لبعض الروايات كانوا
يصبون الماء الحار على أجسامهم العارية، ويجلدونهم بأسواط الحديد حتى يتفتَّت
جلدهم، أو كانوا يُدخِلون رؤوسهم في الماء حتى ينقطع نفسهم، أو كانوا يخرجونهم إلى
الفلوات في حر الشمس ويضعون فوق صدورهم الصخر الثقيل ويتركونه فوقهم ثم يأمرونهم
بالرجوع عن الدين الذي قبلوه أو على الأقل البراءة من محمد ودينه، ولو تقية،
لينقذوا أنفسهم من العذاب (فيأبون)، وكان يوقَـد لبعضهم النار ثم يُمَرُّون عليها
فلا يطفئها إلا ودك (أي شحم) بدنهم.
خبَّاب
بن
الأرتّ
رضي الله عنه من المسلمين الذين تحمّلوا أنواعاً من العذاب في سبيل عقيدتهم
وإيمانهم بدين الإسلام، فهو من المُعَذَّبين في الله، ولعله من أكثر من تحمل
العذاب، يقول عنه ابن الأثير: [خبَّاب بن الأرتّ...مولاته أم أنمار، وهو من
السابقين الأولين إلى الإسلام وممن كان يُعـَذَّب في الله تعالى كان سادس ستة في
الإسلام…قال
مجاهد: أول من أظهر إسلامه رسول الله
صلى
الله عليه وسلم وأبو بكر وخبَّاب وصهيب وعمار وسمية أم عمار، فأما رسول الله
صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه قومه،
وأما الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ثم صهروهم وهم في الشمس فبلغ منهم الجهد ما شاء
الله أن يبلغ من حر الحديد
والشمس.… وقال الشعبي: إن
خبّاباً
صبر ولم يعط الكفار ما سألوا فجعلوا يلصقون ظهره بالرَّضَف (أي الحجارة التي حميت
بالشمس أو النار) حتى ذهب لحم متنه،.. وقال أبو صالح: كان خبَّاب قيِّنا (أي
حدَّاداً) يطبع السيوف، وكان رسول الله
صلى
الله عليه وسلم يألفه ويأتيه فأُخْبِرَت مولاته بذلك فكانت تأخذ الحديدة
المحمَّاة فتضعها على
رأسه… توفي سنة 37، قال زيد بن وهب: سرنا مع علي حين رجع من صِفِّين حتى
إذا
كان
عند باب الكوفة إذا نحن بقبور سبعة عن أيماننا فقال: ما هذه القبور؟ فقالوا: يا
أمير المؤمنين إن خبَّاب بن الأرتّ توفي مخرجك إلى
صفين…فقال
عليٌّ رضي الله عنه: رحم الله خبِّاباً، أسلم راغباً وهاجر طائعاً وعاش مجاهداً
وابتُليَ في جسمه ولن يضيِّع الله أجر من أحسن
عملاً...](105).
صهيب
بن سنان
الرومي
رضي الله عنه صحابيٌّ آخر من المعذبين في الله والمهاجرين المجاهدين في سبيل الله
وقد عاش إلى ما بعد وفاة رسول الله وبايع وأيد الخلفاء قبل الإمام علي عليه السلام.
يقول عنه ابن الأثير في كتابه "أسد الغابة
في معرفة
الصحابة":
[وأسلم
صهيب ورسول الله في دار الأرقم، بعد بضعة وثلاثين رجلاً، وكان من المستضعفين بمكة
المعذبين في الله
عز
وجل...ولما هاجر صهيب إلى المدينة تبعه نفر من المشركين، فنثل كنانته وقال يا
معشر قريش، تعلمون أني من أرماكم، ووالله لا تصلون إليَّ حتى أرميكم بكل سهم معي،
ثم أضربكم بسيفي ما بقي بيدي منه شيء، فإن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه، قالوا:
فدلنا على مالك ونخلي عنك، فتعاهدوا على ذلك فدلهم عليه ولحق برسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ربح البيع أبا يحيى!"
فأنزل الله تعالى
﴿ ومِنَ
النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ واللهُ رَؤُوفٌ
بِالعِبَادِ ﴾
وشهد صهيب بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله
صلى
الله عليه
وسلم.
وعن
مجاهد قال: أول من أظهر إسلامه سبعة: النبي
صلى
الله عليه وسلم وأبو بكر وبلال وصهيب وخباب وعمار بن ياسر وسمية أم عمار، ثم
يقول فأما
النبي
صلى
الله عليه وسلم فمنعه الله وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأما الآخرون (و منهم صهيب)
فأُخِذُوا وأُلْبِسوا أدراع الحديد ثم أُصْهِروا في الشمس..وكان عمر بن الخطاب
رضي
الله عنه
محبّاً
لصهيب حسن الظن فيه حتى إنه لما ضُرِبَ أوصى أن يصلي عليه صهيبٌ بجماعة المسلمين
ثلاثاً حتى يتفق أهل الشورى على من سيخلف وتوفي صهيب بالمدينة سنة ثمان وثلاثين
وقيل سنة تسع وثلاثين وهو ابن 73
سنة](106).
و
جاء في سيرة ابن هشام
أيضاً:
[قال ابن اسحق: وحدَّثني حكيم بن جبير عن سعيد
بن جبير، قال قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم من العذاب ما
يُعذَرون في ترك دينهم؟ قال: نعم والله، إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه
ويعطِّشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به، حتى يعطيهم ما
سألوه من الفتنة، حتى يقولوا له: أللات والعزَّى إلـهك من دون الله؟ فيقول: نعم،
حتى إن الجُعَل (صرصار الصحراء) ليمر بهم، فيقولون له: أهذا الجعل إلـهك من دون
الله؟ فيقول: نعم، افتداء منهم مما يبلغون من
جهده](107).
لكنهم
كانوا بكل شجاعة وشهامة ورشد يرفضون الانصياع لما يريده منهم أرباب القدرة والسلطان
عليهم ويصيحون تحت ضربات سياط الحديد الملهبة: أشهد أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا ورسول
الله، مسجلين بذلك أسمى آيات الفخار. وبعضهم كان ذا مال وثروة ونفوذ واقتدار،
لكن بسبب دخولهم في الإسلام اضطروا ليس للتخلي عن أموالهم ومكانتهم فحسب، بل لأن
يغمضوا أعينهم عن الأهل والديار والوطن والأقرباء، ويهاجروا لبلاد غريبة، أيا كانت
في هذه الأرض الواسعة حتى لو كانت بلاداً لا تدين بدينهم كالحبشة، مسلِّمين أنفسهم
لمصير مجهول، وذلك كجعفر بن أبي طالب ومصعب بن عمير وعبد الله بن مسعود وعتبة بن
غزوان رضي الله عنهم وو و...، ومع ذلك كانوا يقبلون على الهجـرة مسرورين راضين
ويصرفون نظرهم عن الوطن والقرابة والأصحاب، ولا ينحرفون ذرة عن
دينهم.
أجل
هؤلاء هم الذين يذكر القرآن الكريم لنا بأفضل صورة كيفية إيمانهم وتحملهم للعذاب
وتعرضهم للاضطهاد والإيذاء ويثني على تحملهم الأذى وهجرتهم في سبيله فيقول:
﴿ وَالَّذِينَ
هَاجَرُوا فِي الله مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَو كَانُوا يَعْلَمُونَ.الَّذِينَ صَبَرُوا
وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُون ﴾
[النحل:41-42]،
ويقول:
﴿ .. فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ
دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ..
﴾
[آل عمران:195]، ويقول كذلك:
﴿ لِلْفُقَرَاءِ
المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ
فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ ﴾
[الحشر:8]، حيث يتفق جميع المفسرين بلا خلاف أن هذه الآيات نزلت في المهاجرين إلى
الحبشة ثم إلى المدينة.
و
لا
ننسَ
ذلك الدعاء الجميل من أدعية حضرة الإمام
زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين عليه السلام المسطور في "الصحيفة السجادية" الذي - بدلاً من
اعتباره الصحابة المهاجرين والأنصار مرتدين! - يدعو فيه لأصحاب رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) من أنصار ومهاجرين فيقول: «اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة
والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى
دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار
كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به. ومن كانوا منطوين على
محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته. والذين هجرتهم العشائر أن تعلقوا بعروته،
وانتفت منهم القرابات أن سكنوا في ظل قرابته. فلا تنس اللهم لهم ما تركوا لك
وفيك…و
اشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى
ضيقه»،
ثم الأهم من ذلك أنه عليه السلام يدعو عقب ذلك للتابعين الذين ساروا على هدي أولـئك
الصحابة فيقول: «اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين
يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان خير جزائك. الذين تحروا
سمتهم وتحروا وجهتهم ومضوا على شاكلتهم. لم يثنهم ريب في بصيرتهم، ولم يختلجهم شك
في قفو آثارهم، والائتمام بهداية منارهم. مكانفين مؤازرين لهم، يدينون بدينهم،
ويهتدون بهديهم، ويتفقون عليهم، ولا يتهمونهم فيما أدوا إليهم..»(108).
فأي إنسان، حتى ذلك الذي لا يؤمن ولا يعتقد بالإسلام، يمكنه أن
يقبل
منطقياً
أن هؤلاء ارتدوا فور رحيل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟.
لقد
عرضنا في كتابنا هذا بتوفيق الله، بعضاً من سيرة الذين تحمّلوا أنواع المشقات
واستقبلوا بصدر رحب، في سبيل المحافظة على دينهم، صنوف المصائب والبليَّات، وبقوا
ثابتين مستقيمين على التضحية والوفاء إلى آخر رمق، ومع ذلك ما كان موقفهم عقب وفاة
نبيهم في سقيفة بني ساعدة إلا اتباع سبيل سائر المؤمنين، ولم يتكلموا بكلمة اعتراض
خلافاً لما تم، وقد اكتفينا بما ذكرنا كنموذج فقط، وإلا فإن كل أصحاب رسول
الله(109)
كانوا
كذلك، وعانوا في صدر الإسلام المشقات وشهدوا الحروب والغزوات. هذا كان من ناحية
النقل الذي يبين كذب الروايات، فلنأت الآن إلى العقل لنرى حكمه في هذه القضية؟
+
+
+
1-
إن القول بأن الله تعالى هو الذي نصب وعيَّن الأئمَّة وفرض طاعتهم على العالمين
وحرم الجنة على من لم يعرفهم أو لم يتبعهم، مع نسبة صفات الأنبياء لهم مثل أن الوحي
يأتيهم وأن عند كل منهم صحيفة خاصة من الله تعالى يؤمر بالعمل بها، وأنهم شجرة
النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، يأتيهم الملاك ويسمعون صوته وإن كانوا لا
يرونه، وأن روح القدس الذي يكون للنبي ينتقل بعده للإمام.. الخ - كما نجد ذلك في
عدد من الروايات في كتبنا الحديثية الأساسية خاصة أحاديث كتاب الحجة من كتاب أصول
الكافي(110)
حيث نُسِبَتْ إليهم في بعض الروايات صفات تفوق حتى صفات الأنبياء، أي لا يوجد في
القرآن مثلها حتى للأنبياء أولي العزم من الرسل أصحاب التشريع، فضلاً عن الأنبياء
ذوي النبوّة التبليغيّة فقط!(111)
- أقول إن مثل هذا القول لا يتناسب
مع قاعدة ختم النبوة التي هي موضع
اتفاق جميع فرق المسلمين وإجماع الأمة قاطبة.
إذ إن نصبَ
الله تعالى وتعيينه أئمةً بمثل تلك الخصائص التي هي من خصائص الأنبياء وفرضَ طاعتهم
على كل بني الإنسان، سيكون بمثابة بعث أنبياء جدد بعد نبينا محمد (صلى الله عليه
وآله وسلم)، بل إن تلك الخصائص المذكورة للأئمة عليهم السلام أعلى وأهم من خصائص
الأنبياء المبلغين الذين كانوا يبعثون لتأييد وتبليغ رسالة النبي الذي
ســبقهم(112)، أو على
الأقل ليست دونهم مرتبة، وهذا لا يتفق أبداً مع مبدأ ختم النبوّة، فإذا كانت
العهود التي سبقت نبينا الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) احتاجت لمثل أولئك
الأنبياء المبلغين بعد أنبيائهم، فإن عهد الرشد الذي وصلت إليه البشرية بعد خاتم
النبيين وسد باب النبوة والرسالة نهائياً، برسالة سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) لم يبقِ مجالاً لبعث أنبياء بعده. فإن قيل: لا أحد يعتبر أو يسمي الأئمةَ
أنبياءَ، بل رواياتنا تمنع وتكره تسميتهم بذلك بشدة، قلنا إن ذلك لا يغير من حقيقة
الأمر شيئاً، فالعبرة ليست بالاسم بل بالمعنى، فإذا نسبت لأولـئك الأئمة كل أوصاف
الأنبياء وخصائصهم الإلـهية مثل التعيين من الله تعالى وفرض طاعتهم على العالمين
ووحي الله تعالى إليهم بواسطة الملاك وروح القدس الخاص بالأنبياء وعصمتهم المطلقة
وأن كل واحد منهم عنده كتاب خاص من الله تعالى يعمل به، وأن معرفتهم والإيمان بهم
شرط النجاة الأبدية يوم القيامة... الخ، فهم كالأنبياء بكل معنى الكلمة وإنكار ذلك
مجرد تلاعب بالألفاظ.
وأنا أعتقد
أن الذين يصرّون كل هذا الإصرار على الإمامة المنصوص عليها من الله، لم يدركوا كما
يجب معنى ختم النبوة.
و
قد ألف أحد الفضلاء المعاصرين وهو العلامة
الشيخ الأستاذ "مرتضى
مطهري"
كتاباً قيّماً باسم "ختم النبوة" شرح
فيه بشكل ممتاز فلسفة ختم النبوة - هذا رغم أنه بقي على القول بالإمامة بالنص دون
أن ينتبه إلى أنها تتناقض مع لوازم نظريته ـ، ومن المفيد هنا أن ننقل بعض العبارات
من كتابه ذاك، قال: «إن رسالة نبي الإسلام تختلف
عن رسالات سائر الأنبياء الذين سبقوه بأنها من نوع القانون لا البرنامج المفصل، أي
أنها دستور عام للبشرية (ص 26). «وحي هذا النبي
هو في مستوى دستور كلي أبدي» (ص 30). «النبي الخاتم هو الذي طوى جميع المراحل ولم يبقِ - من
ناحية الوحي الإلـهي - أي طريق لم يُـطرَق أو نقطة لم تُكـتَشـف» (ص34). «الوحي
الإلـهي أعلى مظاهر الهداية وأرقى درجاتها. الوحي يتضمن إرشادات خارجة عن متناول
الحس والخيال والعقل والعلم، ولذلك لا يمكن لشيء من هذه الأمور أن يحل محل الوحي.
ولكن الوحي الذي له تلك الخواص هو الوحي التشريعي لا التبليغي، أما الوحي التبليغي
فعلى العكس. طالما لم تصل البشرية بعد إلى درجة النضوج الكامل في العقل والعلم
والمدنية بحيث يمكنها أن تقوم بنفسها بحمل رسالة الله والقيام بمهمة الدعوة
والتعليم والتبليغ والتفسير والاجتهاد، فإن الحاجة للوحي التبليغي تكون لا زالت
باقية. ظهور العلم والعقل وبعبارة أخرى وصول الإنسانية لمرحلة الرشد والبلوغ، ينهي
تلقائياً مرحلة الوحي التبليغي، حيث يصبح العلماء هم ورثة الأنبياء» (ص 47). «في
الواقع، أحد أركان الخاتمية هو البلوغ الاجتماعي للبشر إلى الحد الذي يصبحون معه
قادرين على حفظ مواريثه العلمية والدينية والقيام بنشرها وتعليمها وتفسيرها» (ص 13).
و
إذا رأينا أن نبياً من أنبياء بني إسرائيل يقوم - بأمر الله تعالى - بتعيين "طالوت" ملكاً عليهم (البقرة/ آية 246)،
وهو ما يدّعي مثله القائلون بالإمامة بالنص بالنسبة للأئمة عليهم السلام، فإنّ هذا
إنّما تمّ (بالنسبة لطالوت) لأنه كان من الأمور التي - على حد قول الأستاذ مطهري ـ:
«لا بد أن تتم بالوحي في مرحلة طفولة
البشرية» (ص 87) أي المرحلة التي تكون البشرية
فيها لا تزال بحاجة لكلا نوعي النبوة: التشريعي والتبليغي. «فقد كانت البشرية، قبل عدة آلاف من السنين، غير
متمكّنة من الحفاظ على مواريثها الدينية والعلمية ولم يكن من الممكن توقع خلاف ذلك
منها» (ص 12) لأنها لم تبلغ في إمكانياتها
ووسائلها ورشدها الاجتماعي والسياسي والفكري إلى الحد الذي يمكنها من المحافظة على
تراث الأنبياء نقياً بلا تغيير ولذا كانت «التحريفات والتبديلات تظهر في تعاليم الأنبياء وكتبهم
المقدسة... وبالتالي كانت تلك الكتب والتعاليم تفقد صلاحيتها لهداية الناس» (ص:11). ولكن بعد نزول قوله تعالى ﴿ إنا
نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾
[الحجر:9] «انتفى الداعي الرئيس للرسالات
الجديدة ولبعث أنبياء جدد» (ص 12). وعلى حد قول
المفكر الباكستاني محمد إقبال اللاهوري: «لا
يمكن للبشرية أن تبقى للأبد بمرحلة الطفولة والحاجة للإرشاد من الخارج. إلغاء
الكهانة والملك الوراثي في الإسلام، والتأكيد الدائم في القرآن الكريم على العقل
والتجربة، والأهمية التي أولاها ذلك الكتاب المبين للطبيعة والتاريخ كمصادر للمعرفة
البشرية، كل هذا مظاهر مختلفة لفكرة واحدة هي ختم الرسالة»(113).
لذلك نرى -
في ضوء ما ذكر أعلاه - أن النص من جانب الله، على إمامة وحكم أفراد معينين، إن تم
مثله قبل ختم النبوة، - مع أننا لم نجد مثل تلك الأوصاف الخارقة التي تنسَب للأئمة
عليهم السلام حتى للأنبياء المبلغين السابقين! - فإنه ليس معقولا ولا يمكن أن
يتم بعد ختم النبوة والرسالة بنوعيها التشريعي والتبليغي.
2 - إن
تعيين ونصب عدد معين من الأشخاص سواء اثنا عشر أو إحدى عشر أو سبع..الخ لحكم
البشرية وسياستها لمدة مئات آلاف السنين إلى يوم القيامة أمر مخالف للعقل وللمنطق
ولواقع الحياة، لأن المدة التي يمكن لهؤلاء الاثني عشر شخصاً أن يعيشوا فيها
ويحكموا الناس فعلا، لن تتجاوز المائتين وسبعين إلى ثلاثمائة عام! في حين أن
الإسلام دين أبدي خالد، والمسلمون يحتاجون لحاكم فعلي يسوسهم وينفذ فيهم أحكام الله
تعالى في جميع الأزمنة والأعصار، حيث لا يجوز تعطيل أحكام الشرع ولا لحظة واحدة.
فلا بد أن يكون الشارع المقدس قد بين الطريق والمنهج الكلي في قضية الحاكم واختياره
عندئذ، لأنه لا يمكن أن يترك الشرع هذا الأمر الحياتي دون أن بيان إطاره أو خطوطه
العريضة الكلية للناس وهو الدين الأبدي الكامل.
فإذا أقر
القائلون بالنص على وجود مثل هذا التعليم لكن قيدوه بما بعد انتهاء عهد ظهور الأئمة
المنصوبين المنصوص عليهم، أرجعنا نحن نفس هذا التعليم إلى كل الفترة الزمنية التي
تتلو رحلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يوم القيامة بلا استثناء، لأنه لا
يمكن أن يكون هناك تفاوت في تعاليم الشرع بين فترة زمنية وفترة أخرى، أي
لا يمكن أن
يكون هناك تعليم خاصٌّ بالنسبة إلى جزء من الزمن بعد النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم)، وتعليم آخر مختلف بالنسبة إلى بقية الزمن بعد ذلك إلى يوم القيامة، إلا
بدليل، ولا دليل لدينا تقوم به الحجة القاطعة.
3
- النص من جانب الله تعالى على أشخاص معينين بأسمائهم ليكونوا حكاماً زمنيين على
الناس، في العصر الذي بلغت فيه البشرية سن الرشد وختمت به النبوات وحُفِظ فيه
الكتاب السماوي الخالد بلا تغيير أو تبديل أو زيادة أو نقصان، أمر لا ينسجم مع
فلسفة التشريع وهدف الخلق الذي هو ابتلاء الناس وامتحانهم. فقد صار على المسلمين
الآن أن يديروا مجتمعاتهم بأنفسهم ويُمْـتَـحنوا في مدى التزامهم بالعمل بمشيئة
الله وتعاليم كتابه. عليهم - بالرجوع إلى أوامر الشرع المقدس ونواهيه - أن ينتخبوا
رئيسهم وأن يميزوا بين الصالح والطالح وبين المتقي والفاجر، ثم يكونوا رقباء عليه
يطيعوه ويعينوه إذا أصاب ويسددوه ويقوموه إذا انحرف، أما إذا عين الله تعالى فرداً
أو أفراداً مخصوصين لحكم وسياسة المسلمين على الدوام، فإن كل فلسفة ابتلاء الناس
وامتحانهم وفتنتهم هذه تبطل، وتصبح كل أوامر ونواهي الشرع التي تبين من تجب طاعته
ومن يتوجب عصيانه، بلا معنى، حيث يخرج الاختيار من يد الفرد والجماعة عندما يتوجب
عليهم الطاعة العمياء للقائد الحاكم الذي له القدرة، بسلطته، على إجبار الناس على
تنفيذ أقواله واتباع أوامره، خاصة أن القائلين بالنص يعتقدون أن المنصوص عليهم
معصومون مطلقاً فلا مجال للسؤال والنقاش عند إطاعة أوامرهم. هذا في حين أننا نرى أن
في القرآن الكريم آيات عديدة تحدد من تجب طاعته ومن تجب
معصيته:
فأوَّلاً:
ليس في القرآن الكريم أمر بالطاعة المطلقة إلا لِـلَّـه ورسوله فقط، وذلك في قوله
تعالى: ﴿ قل
أطيعوا الله والرسول...
﴾
[آل عمران:32]، ﴿ وما
أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله...
﴾
[النساء:64]، ﴿ من
يطع الرسول فقد أطاع الله...
﴾
[النساء:80]. أما ما عدا الله تعالى ورسوله فطاعته مشروطة بالعمل بكتاب الله وسنة
رسوله: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله
وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾
[النساء:59].
وثانيا:
حددت كثير من الآيات صفات من تجب طاعته كقوله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ...
﴾
[التوبة:100]، ﴿ أَفَمَنْ
يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ
يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ ﴾
[يونس:35]، ﴿ وَاتَّبِعْ
سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾
[لقمان:15]، ﴿ وَقَالَ
الَّذِي ءَامَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ
الرَّشَادِ ﴾
[غافر:38]. ونحوها من الآيات الكريمة.
في
حين بينت آيات عديدة أخرى صفات من تجب معصيتهم وتحرم طاعتهم، مثل: ﴿ ولا
تتبع سبيل المفسدين ﴾
[الأعراف:142]، ﴿ وَلا
تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾
[الكهف:28]، ﴿ وَلا
تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا
يُصْلِحُونَ ﴾
[الشعراء:151-152]، ﴿ ولا
تتبع أهواء الذين لا يعلمون ﴾
[الجاثية:18]، ﴿ فَلا
تُطِعِ المُكَذِّبِينَ. وَدُّوا لَو تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ. وَلا تُطِعْ كُلَّ
حَلافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ
أَثِيمٍ. عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾
[القلم:8-13]، ﴿ فَاصْبِرْ
لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِمًا أَو كَفُورًا ﴾
[الإنسان:24]، ﴿ وَمَنْ
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ
مَصِيرًا ﴾
[النساء:115].
فلو كان
ثمة أئمة حكامٌ منصوصٌ عليهم ومعصومون، وبالتالي الوحيدون الذين تجب طاعتهم المطلقة
على المؤمنين، لقال الشارع عليكم طاعة فلان وفلان فقط، ولما كان هناك حاجة لمثل تلك
الأوامر والنواهي الكلية! في حين أن هذه التعاليم تعتبر دستوراً تسترشد به الأمة في
تعيينها لحاكمها، وتميّز به بين
اللائق لهذا المقام ومن لا يليق به، أي أن زمن المسؤولية ابتدأ مع ابتداء عهد ختم
النبوَّة، وفي الواقع إن الإسلام لديه حسن ظن بالبشرية أكثر من القائلين بالإمامة
المنصوصة(114).
4
- لم يكن لأي نبي من الأنبياء السابقين ولا في أي شريعة من الشرائع الإلـهية
الماضية أوصياءُ منصوصٌ عليهم للإمامة والحكم، معصومون يجب على الأمة طاعتهم تعبداً
وديانةً. والادعاء بأن لكل نبيٍّ وصيٌّ نصَّ عليه ليخلفه في شأن الحكم واستلام زمام
الأمور ادعاء عار من الحقيقة ولا أساس له، ولا غرو فمثل هذا لو حصل يكون، كما
أوضحنا سالفاً، نقضاً للغرض المراد من وراء تشريع الشرائع، أعني امتحان الناس
واختبارهم، إذ يسلب من الناس (المحكومين) مجال الاختيار والتمييز بين الصواب والخطأ
في كل فعل وأمر، والقرآن المجيد والعقل السليم لا يصدقان مثل هذا الادعاء، كما لا
يوجد في التاريخ ما يؤيده.
نعم يمكن
للنبي أن يعين وصياً أو أوصياء للقيام بأمور شخصية خاصّة مثل غسله وكفنه ودفن
جثمانه وأداء ديونه أو القيام بشأن عياله وأولاده الصغار ونحو ذلك، أما تعيين وصي
ليكون إماماً وحاكماً ورئيس سلطة مفروضاً
من الله ويحكم بأمر الله، فهذا -
في
تصورنا ورأينا - ما لا يفعله لأنه
لا
ينسجم مع جوهر الدين القائم على الامتحان الإلـهي للعباد.
5-
فور وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قام المهاجرون والأنصار، دون إضاعة
للوقت، بالاجتماع في سقيفة بني ساعدة لتعيين الرئيس الذي سيكون حاكما عليهم، وأخذوا
يتناقشون ويتشاورون لتحقيق هذا الغرض مما يفيد أن هذا الأمر سبيله، في نظرهم، هو
البحث والتشاور، وأن إقامة الحاكم هو بلا شك واجب شرعي ضروري على المسلمين، ولم يأت
خلال المناقشات، كما بينا، أي ذكر لكون الحاكم لا يُختار بل هو منصوص عليه من الله،
ومن البديهي أنه لو كان للحكومة أي ارتباط بالنص والتعيين الإلـهي، لوقعت الإشارة
لذلك ولذكَّر به البعض على الأقل، مع أن أحداً لم يتكلم بمثل هذا أبداً، ولا أحد
طلب من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن ينصب لهم الحاكم بنفسه لأنهم كانوا
يدركون أن هذا مناف لأصل التكليف.
6-
في تاريخ الأديان
السماوية،
وجدت
حالات قليلة لحكام عينهم الله تعالى نفسه للحكم
في ظروف محددة معينة، مثال ذلك تعيين الله تعالى لطالوت ملكاً على بني
إسرائيل، ليقودهم
في محاربة الوثنيين الذين كانوا لا يتوقفون عن شن الغارات عليهم ويخرجونهم من
ديارهم ويقتلون أبناءهم.. كما
أخبرنا الله تعالى في سورة البقرة
(انظر الآيات: 246 إلى 251).
ولكن طالوت الملك على الرغم من أن الله تعالى اصطفاه لهم لما أوتي من بسطة في العلم
والجسم، إلا أنه لم يكن معصوماً، بل عندما قَتـلَ داودُ جالوتَ، وكان طالوتُ قد وعد
من قَتل جالوت أن ينكحه ابنته، لكن بعد أن صارت لداود شعبية وأصبح محبوباً في بني
إسرائيل خشي طالوت منه على ملكه فسعى في قتله فعلم داود ذلك ففر منه... إلى آخر ما
جاء في التواريخ التي ذكرت هذه القصة. فتبين أنه بالنسبة لذلك الحاكم الذي
ابتدأ تعيينه ونصبه بأمر من الله لم تكن هناك عصمة مطلقة!
أما
بالنسبة لتواريخ سائر الأمم والشعوب من أتباع الأديان غير السماوية فقد حصلت
ادعاءات للحكم بأمر الله وبتعيينٍ منه بل اعتبرت بعض الشعوب حكامها ممثلين لِـلَّهِ
تعالى في الأرض أو ظل الله في أرضه، يحكمون بإرادته وأمره وتجري في عروقهم دماء
زرقاء تختلف عن دماء سائر البشر، مثل فراعنة مصر وملوك فارس
وأباطرة
اليونان والرومان، وأباطرة اليابان
والصين الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أبناء الشمس ووارثي سلطان
الله على الدنيا (و أن
الملك حقهم الإلهي) تتوارثه ذريتهم جيلا بعد جيل،
وهذا النوع من الحكم أطلق عليه اسم الحكم الثيوقراطي. وإذا
كان مثل هذا النوع
من الحكم الثيوقراطي من الممكن أن يلقى
قبولا في العصور
القديمة والقرون الوسطى
وعهود الظلام والجهل
القديمة، أما اليوم وبفضل نور الدين والعلم
وتقدم البشر في الحقوق الاجتماعية والإنسانية، لم يعد لمثل هذه
الادعاءات رونق ولا قبول، سيما أن الناس رأت كيف أنه عندما يصبح
المُلْكُ مطلقاً
ووراثياً فإنه
يتحول إلى آلة فساد واستبداد ويأتي إليه من لا يتصف
بالصفات الضرورية للحاكم كالعلم والعدل
والمساواة والنـزاهة والاستقامة وحسن التدبير والشجاعة.
+
+
+
أحد
القضايا التي يغفلها الكثيرون ولا يميلون للبحث فيها في موضوع الإمامة بالنص هو
دراسة خلفية حادثة الغدير،
أي الأمور التي حدثت في السنة العاشرة للهجرة وكانت الخلفية
الأساسية التي أدت لواقعة الغدير، في حين أن الاطلاع على هذه الخلفية ضروري جدَّاً
للفهم الصحيح لخطبة غدير خم.
خلاصة قصة الغدير، طبقاً لما روته كتب التاريخ
الإسلامي مثل سيرة ابن هشام (ج 4/ص 274) التي هي أقدم كتب السيرة المتوفرة، وتواريخ
وتفاسير الفريقين الشيعة والسنة، كتفسير جمال الدين أبي الفتوح
الرازي(115)
وتفسير
ابن كثير وتاريخ البداية والنهاية لابن
كثير أيضاً، وكتاب مجالس المؤمنين
(ج1/ص43) للقاضي نور الله
الشوشتري(116)
وغيرها
من كتب الرواية والحديث لدى الفريقين(117)،
ما يلي:
في
السنة العاشرة للهجـرة توجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى مكة المكرمة ليؤدي
مناسك الحج الإسلامي ويعلّمها الناس ولتكون فرصة يعطي فيها المسلمين الذين انضووا
تحت رسالته آخر وصاياه، وأرسل (صلّى الله عليه وآله) رسائل إلى رؤساء القبائل
العربية وعماله في نواحي الجزيرة العربية يدعوهم فيها إلى المجيء لمكة في أيام الحج
ليؤدوا المناسك معه، وكان من جملة الرسائل كتابٌ بعث به إلى علي بن أبي طالب عليه
السلام الذي كان في ذلك الحين في اليمن، حيث كان (صلّى الله عليه وآله) بعثه لجمع
أموال الزكاة فيها، دعاه فيه كذلك إلى الحضور لمكة أيام الحج، فوصل الكتاب لعليٍّ
وهو في اليمن أو في طريقه من اليمن إلى المدينة حاملاً أموال الزكاة، فرأى عليه
السلام أنه لو أراد أن يأتي مكة بما معه من أموال بيت المال - التي كان أغلبها في
ذلك الوقت من المواشي كالإبل والبقر والغنم - لما استطاع الوصول إلى الحج في الوقت
المطلوب، لذا اضطر أن يوكل أمر حمل أموال الزكاة إلى الذين كانوا برفقته، كأبي
بريدة الأسلمي وخالد بن الوليد وغيرهما، وينطلق بمفرده مسرعاً إلى مكة، فوصل مكة
ولقي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم السابع أو الثامن من ذي الحجة، وبعد أداء
مناسك الحج، قـفل راجعاً إلى طريق اليمن ليكمل مهمته في حمل أموال بيت المال، فلقي
القافلة وهي في طريقها إلى المدينة، ووجد بريدة الأسلمي وخالد بن الوليد تصرّفا في
بعض أموالها، سيما بعض الحلل اليمنية، فغضب، كما هي عادته تجاه أي تصرف شخصي ليس في
محله في بيت مال المسلمين، فنهر بريدة وخالداً ووبخهم على صنيعهم، وفي بعض التواريخ
أنه عليه السلام سبهم وضربهم، فكبر ذلك عليهم، لا سيما أنهما كانا من الوجهاء
والأكابر في قومهما، فحملا في قلبهما بغضاً لِعَليٍّ واستعدّا للانتقام لأنفسهما
فأرسلا شخصاً إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، الذي كان في طريق عودته من مكة
إلى المدينة، وفي بعض التواريخ أنهم ذهبوا إليه بأنفسهم، واشتكوا إلى رسول الله
(صلّى الله عليه وآله) عنف وشدَّة علي معهم، إلى درجة أن بعض التواريخ تذكر أنهم
سبُّوا علياً في محضر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلما رأوا علامات الغضب على
وجهه (صلّى الله عليه وآله) وظنوا أنه غضب لأجلهم من علي، واصلوا الشكوى بلهجة أكثر
حدة، عند ذلك نهاهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومنعهم من هذا الكلام وذكر
طرفاً من فضائله، وكان مما قال: "ارفعوا ألسنتكم عن علي فإنه خشن في ذات الله
غير مداهن في دينه"، أو:
"أيها الناس لا تشكو علياً فوالله إنه
لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله، من أن يُشكَى"(118)،
أو "ما لكم ولعلِيّ! علِيٌّ منّي وأنا منه وهو
وليّ كلّ مؤمن بعدي"(119)،
أو
"من كنت مولاه فعلِيٌّ
مولاه"(120).
لكن خالداً
وبريدةَ والآخرين كانوا قد أساؤا القول من قبل بحق عليٍّ أمام الصحابة الآخرين بما
فيه الكفاية، ولعلهم استمروا في ذلك حتى بعد نهي رسول الله (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) لهم، مما شـوّه صورة علي في ذهن عديد من الصحابة، لا سيما أن عدداً منهم لم
يكن قد تعرّف على عليٍّ بعد، فلما رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك،
شعر أنه لا بد من الدفاع عن شخصية حضرة عليّ البارزة المتميزة ويعرّف المسلمين بعلو
مقامه وذلك قبل أن يتفرق المسلمون هنا وهناك عائدين إلى بلدانهم(121)، ثم
بالإضافة لكون الدفاع عن شخصية مؤمن مسلم ممتاز أمراً لازماً
وواجباً
شرعاً، فإنه مما
لا شك فيه أيضاً أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يميل في قلبه إلى أن
يرتضي المسلمون من بعده علياً لولاية
أمرهم وإمامتهم وحكمهم، لهذا كله قام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - أثناء توقفه
لصلاة الظهر بجوار غديرٍ يُدْعى خُـمَّاً - بإلقاء
كلمة عقب الصلاة أشار فيها لدنو رحيله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولمقام أهل بيته
ثم عرَّف المسلمين بذلك الجناب (أي علي) وبيّن وجوبَ موالاته ومحبته على
كلّ مسلم، لكن
ما قاله وبيّنه لم يكن
معناه أبداً فرضَ إمارته والنصّ على
خلافته بأمر الله تعالى وحكمه، وذلك للدلائل العقلية والنقلية التي سبقت والتي
ستأتي إن شاء الله.
+
+
+
هل أُريد بحديث الغدير
النص على عليٍّ بالإمارة
والخلافة؟
للدلائل
التالية نعتقد
أن هذا الحديث ليس نصّاً
على عليٍّ
بالإمارة
السياسية:
1-
أوّل
دليل على ذلك أن أحداً
من الذين شهدوا ذلك الاجتماع وسمعوا تلك الخطبة لم يفهم منها هذا المعنى، ولهذا لم
يأت أحدٌ
على
حديث الغدير بذكر في سقيفة بني ساعدة ولا حتّى
أُشير إليه مجرّد إشارة، ولا استند إليه أحدٌ
بعد ذلك في تمام عهد الخلفاء الراشدين، إلى أن جاء المفرِّقون بعد عهدٍ
طويلٍ
فاستندوا إليه وقالوا ما قالوا.
2-
لم يأت أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام نفسه ولا أنصاره من بني هاشم وغيرهم في
السقيفة وبعد نصب أبي بكر رضي الله عنه للخلافة، على حديث الغدير بذكر ولا استندوا
عليه لإثبات النص على علي، وحتى الاثني عشر نفراً من أصحاب رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) الذين - طبقاً لادعاء بعض الروايات - احتجوا على أبي بكر رضي الله
عنه مؤيدين لحق علي في الخلافة، لم يستندوا إلى هذا الحديث لإثبات أولويته عليه
السلام بأمر الخلافة، وعندما جاء في كلمات بعضهم ذكر لهذا الحديث، كان على سبيل ذكر
الفضائل والمناقب لا على أساس أنه نص إلهي قاطع من جانب الله، هذا بغض النظر عن أن
حديث احتجاج النفر الاثني عشر يحتاج لتمحيص أكثر للتأكد من صحته أو سقمه لأن احتمال
وضعه قوي جدَّاً بل يقيني.
3-
قوة إيمان أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومدح القـرآن لهم يتناقض
تماماً مع ادعاء كتمانهم للإمامة وردهم للخلافة المقررة من قبل الله عز وجل، خاصة
أنه كما تبين معنا لم يكن لدى الكثير منهم أي مانع أو اعتراض على زعامته حيث صرّحوا
أنهم لو سمعوا كلام علي قبل تمام بيعتهم لأبي بكر لما تخلفوا عن بيعته، مما يؤكد
عدم وجود أي دافع لهم لكتمان خطبة الغدير أو للإعراض عن العمل بها لو كانوا قد
فهموا منها حقَّاً النصب الإلـهي لعلي خليفةً وإماماً.
4-
كون قصة الغدير - كما تبين - أوجبتها قضية تصرف خالد وبريدة بأموال الزكاة بلا وجه حق والتي
أدت لغضب علي عليه السلام وتعنيفه لهم(122)
مما
أثار سخطهم عليه وشكايتهم إياه إلى رسول الله،
يبين أن مراده (صلى الله عليه وآله وسلم) من خطبته تلك أن يؤكد على المسلمين محبة
ونصرة وتقدير علي عليه السلام.
5-
الجملة المهمة والحاسمة في حديث غدير خم والتي يتفق جميع المسلمين على صحة صدورها
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هي قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): [من كنت مولاه فهذا علي مولاه].
والانتباه
الدقيق لمعنى هذه الجملة من شأنه أن يرفع كثير من الإشكالات.
فهذه الجملة لا تفيد بالضرورة
معنى الخلافة والإمامة لعلي بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للدلائل
التالية:
أ
- ذكر العلامة عبد الحسين الأميني في
كتابه "الغدير" - نقلا عن علماء اللغة
- لكلمة "المولى" سبعة وعشرين معنى
وهي:
6-
المعتِـق 7- المعتَق 8- العبد 9- المالك 10- التابع
11-
المنعَم عليه 12- الشريك 13- الحليف 14- الصاحب 15- الجار
16-
النـزيل
17- الصهر 18- القريب 19- المنعِم 20- الفقيد
21-
الولي 22- الأولى بالشيء 23- السيد غير المالك والمعـتِق 24-
المحب
25-
الناصر 26- المتصرِّف في الأمر 27- المتولي في الأمر.
و
رغم كل ما بذله العلامة الأميني من
جهد، لم يُوَفَّق في استخراج معنى: الخليفة أو الحاكم أو الأمير... لكلمة "المولى"، واعترف أن لفظ "المولى" من الألفاظ المشتركة وأنه أكثر
ما يقصد به هو "الأولى بالشيء" (أي
المعنى الثاني والعشرون). وعليه فلا يمكن فهم المعنى المراد من "المولى" بدون قرينة. فإذا انتبهنا لقرينة
السبب الذي أوجب إلقاء هذه الكلمة، وإلى القرينة اللفظية المتجلية في تتمة الحديث:
«اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره...» لم يعد من الصعب أن نعرف أن المعنى المراد من "المولى" هنا هو شيء يجمعه المعاني: الصاحب (الصديق) المحب الناصر (المعاني: 14 و24 و25)، لأن
معنى التتمة هو: اللهم صادق وأحب ووالي
كل
من يصادق ويحب ويوالي
علياً
وعاد كل من يبغض ويعادي علياً(123).
ب
- كان الرسول
صلى الله عليه وسلم يريد
من الناس محبة علي، حيث أن الباعث لكلمته تلك كان موقف خالد وأبي بريدة وبعض
الصحابة من علي كما بينّا.
ج
- لا يُفْهَم أبداً من كلمة المولى معنى الخليفة والإمام ولم تأت هذه الكلمة في لغة
العرب بهذا المعنى.
6
- في جملة "من كنت مولاه فعلي مولاه"
نقطة ذات دلالة مهمة جدَّاً، كثيراً ما حالت غوغاء الجدال والعصبية المذهبية من
التنبه إليها رغم وضوحها الشديد، وهي أن كلمة "مولاه" أيا كان المعنى المراد منها، فإن
معنى الجملة لن يكون إلا أنه: كل من أنا الآن مولاه فإن عليّاً الآن أيضاً مولاه، وبعبارة أخرى أن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) بكلمة "فعلي
مولاه" يريد تأكيد الثبوت المتزامن لعلي لنفس الأمر الذي هو ثابت
للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الآن. فلو فرضنا جدلا أن المقصود من كلمة "مولاه": حاكمه وإمامه (رغم عدم مساعدة
اللغة على ذلك)، للزم أن يقيّدها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقيد: [بعدي]، لأنَّ علياً لا يمكنه أبداً
أن يكون إمام المسلمين وحاكمهم مع وجود الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)!، مع أن
مثل هذا القيد لا يوجد
في أيٍّ من روايات الحديث.
7-
طبقاً للروايات والأحاديث الضعيفة
الواهية السند
الكثيرة للقائلين بالنص، فإن خلافة وولاية علي عليه السلام أهم غرض ومراد لرب
العالمين! إذ يدَّعون أن جميع رسل الله تعالى وأنبيائه الكرام من لدن آدم إلى النبي
الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، بينوا لأقوامهم مسألة إمامة علي وولايته، كما
بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك الأمر أكثر من ألف مرة منذ بداية
بعثته وإلى رحلته (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكّر به في كل مناسبة، في مجالس فردية
أو جماعية، كما نزلت أكثر آيات القرآن في هذا الأمر، رغم كل ذلك لم يول أحد هذا
الأمر عناية بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكأن الله تعالى -
والعياذ بالله - عجز عن تحقيق إرادته، مع أنه القائل: ﴿ كتب
الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ﴾
[المجادلة:21]. فكيف تأتَّى أن يُهْجَرَ مثل ذلك الأمر ويُنْسَى نهائيا على ذلك
النحو؟؟ ألا يدل ذلك على أنه لم يكن على الصورة التي ذكروها؟
8
- تشير سنة الله تعالى إلى أنه عندما يريد أن يختار أحداً من عباده ويبعثه للدعوة
والإصلاح، فإنه يصطفيه من بين الضعفاء والفقراء ويخلع عليه خلعة النبوة، ثم يؤيده
وينصره على جبابرة الدنيا وعتاتها، ليحقق بذلك إرادته. ومن هنا نرى أن الله سبحانه
يجتبي إبراهيم عليه السلام من عائلة وثنية تنحت الأصنام، فيبعثه سبحانه ليشيد بنيان
التوحيد على ذلك النحو، ورغم اضطهاده وإجباره على الهجرة والخروج من بيته وموطنه،
كانت إرادة الله تعالى هي الغالبة في نهاية المطاف، ووصل إبراهيم لذلك المقام
العظيم الذي قال فيه سبحانه: ﴿ ...فَقَدْ
آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا
عَظِيمًا ﴾
[النساء:54]. وأرسل موسى عليه السلام بلباس الراعي ونعله وعصاه، إلى فرعون، مدّعي
الألوهية ومالك ملك مصر، فنصره عليه ومنحه قوة وقدرة جعلت فرعون وآله يصيرون إلى
قاع البحر، وغدا موسى بعصاه ويده البيضاء مؤسساً لسلطان ملوك كبار من بعده (من بني
إسرائيل)، ويأتي بدين وكتاب بعث الله تعالى بعده أكثر من سبعين ألف نبيٍّ لتجديده
وإحيائه.
وكذلك
اصطفى محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يتيم أمي من أم أرملة فقيرة توفي زوجها
قبل أن يولد وما ترك لها إلا وليدها الصغير وأربع عنزات وبغلة، فأضفى عليه سبحانه
عظمة وقدرة وأصبح دينه أبدياً خالداً، وأخضع له رقاب كبار الطغاة في عصره، فإذا به
يكتب، خلال المدة القصيرة لبعثته، رسائل لستةٍ من كبار سلاطين الدنيا في عصره الذين
كانوا ملوك العصر الذين لا يُنازَعون، يدعوهم فيها للدخول في دينه، ثم لا تمضي مدة
قصيرة إلا وتنضوي جميع تلك البلدان، التي كتب لملوكها الرسائل، تحت سلطان الدولة
الإسلامية التي أسسها، ويبقى دينه خالداً ما بقي الدهر.
فلو
أن خلافة علي وولايته كانت حقاً غاية إلهية عظيمة من
وراء خلق الكون، وكان
الله ورسوله يريدان ذلك كما
تشير إليه كل
تلك الأحاديث الواهية
والروايات
الضعيفة السند،
فلماذا لم يستطع الله(!) - تعالى الله عن ذلك - حتى بيان ذلك المطلب بشكل قاطع
وصريح في كتابه الكريم وبواسطة نبيه الكريم أو أي أحد آخر من عباده لتتحقق إرادته
وينتصر هدفه ولا يضل الناس ذلك الضلال المبين؟، هذا إن كان عدم توليته ضلالاً
مبيناً حقاً، أوليس هو تعالى القائل:
﴿ والله غالبٌ على أمره ﴾
والقائل: ﴿ ألا
إن حزب الله هم الغالبون ﴾؟
فكيف نفسر هذا الفشل في تحقيق ذلك المراد الخطير؟ اللهم إلا أن نعترف بأنه لم يكن
هناك مثل هذا الهدف والقصد وأن تلك الادعاءات العريضة ادعاءات لا أساس
لها.
9-
والأهم من ذلك هو تلك الطريقة العجيبة التي ليس لها سابقة والتي لا يمكن أبداً
تبريرها التي يدعون أن الشارع تعالى بين بها أصل "الإمامة المنصوص عليها"، رغم أهميته
العظيمة. وهذه قضية جديرة بأن تفتح الطريق أمام المنصفين والمتجردين
لطلب الحق لاكتشاف
حقيقة القضية.
فإن في القرآن الكريم مئات الآيات البينة المحكمة
التي تقرر أصل "التوحيد" وكذلك عشرات
بل مئات الآيات التي تتكلم عن "اليوم
الآخر"، وكذلك ليست قليلة الآيات
الواضحة التي تقرر أصل "النبوة
العامة" وتبين وتستدل على أصل "نبوة
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الخاصة"، وهكذا حول بقية أصول الدين وأركان
الإيمان، بل لقد بين القرآن أيضاً كثيراً من الفروع (حتى الجزئية الصغيرة منها
كلزوم رد التحية بأحسن منها والتوسع في المجالس.. إلخ)، وقد بين القرآن كل تلك
الأصول بعبارات واضحة جلية محكمة لا مجال للبس أو الاحتمال أو الغموض فيها، يفهم
منها المراد مباشرة - بنحو الإجمال على أقل تقدير - بدون الحاجة للاعتماد على
الحديث. ولكن لماذا ترك القرآن هذه الطريقة في بيانه أصل "الإمامة" الخطير الذي هو مناط السعادة
وحفظ الدين كما يقولون؟؟! وأما الآيات التي يذكرونها على أنها تنص على موضوع
الإمامة فهي آيات يقتضي قبول ارتباطها بموضوع الإمامة أن نغمض النظر عما قبلها وما
بعدها من آيات أي عن سياقها، بل أحياناً يقتضي أن لا نكمل الآية إلى آخرها أي أن
نقصّ العبارة من الآيات قصّاً!! علاوة على الإشكال الأكبر وهو أنها آيات لا تفيد
المدعى إلا بمساعدة الحديث، وبدونه لا تدل على المطلوب أبداً؟!! حقّاً إنه لعجيب
جدَّاً هذا الاستثناء في طريقة الشارع المقدّس في بيانه لأصول الدين، حيث بدلاً من
الصراحة والوضوح المعهودين دائماً منه، يختار هنا - في هدايته الأمة لهذا الأصل
العظيم - الإبهام والغموض. وحتى عندما نأتي للحديث الذي يدعون أنه نص على الإمامة
نجده غير قاطع في المراد، ونجده يستخدم كلمة "مولى" التي يعترف المؤيدون للإمامة
بالنص، أن لها على الأقل سبعة وعشرون معنى في اللغة العربية!!! ونجد سياق الحديث
وملابساته وقرائنه تدل على أن المراد بالمولى أمر غير الإمامة والإمارة. هذا في حين
أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان شديد الحرص على هداية
قومه(124)
وكان
"أفصح من نطق بالضاد"، فلا شك أنه لو أراد هداية أمته وإتمام الحجة عليها ببيان أصل
أساسي وخطير من أصول الدين لبينه بعبارات واضحة جلية لا لبس فيها، لا بعبارات
مشتبهة مشتركة يعسر فهم المراد منها!!(125).
هل أهمية أصل "الإمامة" أقل من قصة "زيد بن حارثة" رضي الله عنه الذي ذُكِر
اسمه صريحاً في القرآن؟! هل يمكن قبول هذا التفاوت إلى هذا الحد في طريقة بيان أصول
الدين؟! ليت شعري هل فكَّر القائلون بالإمامة المنصوصة من الله تعالى بهذه القضية
أنه لماذا لا يوجد في القرآن الكريم أي أثرٍ لأصل هذه الإمامة رغم أنها عندهم أعلى
من "النبوة والرسالة"؟!(126)
هل
يمكن أن نتصور أن قائل: ﴿ مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾
[الأنعام:38] و﴿ ..وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا
لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾
[النحل:89] يغفل ذكر موضوع على ذلك الجانب من الخطورة والأهمية؟؟! هل أهمية قصة
أصحاب الكهف الذي لم يغفل الله تعالى حتى ذكر كلبهم أكثر من أهمية موضوع الإمامة؟؟
هل يترك القرآن الكريم - الذي أنزله الله تعالى لهداية الناس إلى يوم القيامة -
البيان القاطع الشافي لموضوع وقع فيه الاختلاف بين الأمة لقرون بل أدى أحياناً
لحروب ومنازعات بينها في حين يذكر بالتفصيل قصص السابقين مثل ذي القرنين ولقمان
وهارون و...؟ هل يمتنع الله تعالى الذي لم يمتنع عن ذكر البعوضة في القرآن أن يذكر
موضوع الإمامة؟؟ هل هكذا كانت تكون طريقة هداية الناس؟
في رأينا إن كل من له معرفة وأنس بالقرآن الكريم،
لن يرتاب أبداً في أن هذا النحو المدعى من موقف القرآن وبيانه عن الإمامة لا يتناسب
مع طريقة القرآن الكريم، في بيان أصول الدين، من قريب ولا بعيد.
+
+
+
مما
لا نحتاج لتنبيه القارئ إليه أن ما ذكرناه ودللنا عليه من عدم النص والفرض الإلـهي
المباشر لعليٍّ حاكماً وخليفةً
سياسياً مباشراً،
ليس معناه أبداً إنكار إمامة علي للمسلمين، بل هو أحق من استحق في كل التاريخ لقب
خليفة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا من جهة كونه خليفة للنبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) بنص خاص من جانب الله عز وجل، بل من جهة كونه خليفة للنبي (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) حقيقةً وفي واقع الأمر أي من جهة ملكات علي عليه السلام
الذاتية ومناقبه الشخصية وكونه خير من تجسَّـدت به شخصية الرسول (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) وتعاليم الإسلام، فهو إمام المسلمين بلا منازع وأولاهم بخلافة النبي
انطلاقاً من مقامه الروحي والعلمي وأفضليته الدينية التي لا يرقى إليها أحد من
صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فعلي عليه السلام كان بلا شك أليق
وأحق من جميع المسلمين بإمامة الأمة بمعنييها الروحي والسياسي، فهو الخليفة بحق،
لأن الإمام في أمة الإسلام يجب أن يكون أعلم وأشجع وأتقى وأليق الأمة، وهذه الصفات
كانت متوفرة في حضرته بشكلها الأتم والأكمل ولم يكن من بين الصحابة من يصل إلى
درجته، حتى أنه يمكن القول بأنه لم يكن يوجد في الصحابة من ينكر ذلك الأمر، بقي أن
نفسر إذا لماذا سبقه غيره من الصحابة إلى منصب الخلافة وتقدم عليه؟ بتأمل ملابسات
الخلافة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتبين أن علل ذلك يمكن تلخيصها
بالأسباب التالية:
1-
تمت بيعة السقيفة بشكلٍ مفاجئٍ وسريعٍ حتى أن عمر رضي الله عنه أقر منصفاً أكثر من
مرة أن: "بيعة أبي بكر فلتة وقى الله
المسلمين شرَّها!"(127)،
وأن: "من بايع رجلا من غير مشورة من
المسلمين فإنه لا بيعة له ولا الذي بايعه"(128)،
وعلة ذلك عدة أمور:
أ) كانت
مدة مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قصيرة لم تتجاوز الأسبوع، وقد وجدت
آثار التحسن في حاله الشريفة أكثر من مرة خلال هذه المدة بحيث أنه ما كان يُظّنُّ
أن الرسول سيفارق الدنيا على أثر هذا المرض، لذا لم يكن لدى الصحابة المجال الكافي
للتفكير والتدبر في الأمر برويّة.
ب) وقـعت وفاة رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) في وقت كان فيه أربعة من الدجَّالين قد ادعوا النبوَّة في أطراف المدينة
المنوَّرة وهم مسيلمة وسجاح والأسود وأبو طليحة، فلو حصل أي تردد أو تأخير في تعيين
الحاكم ورئيس الجماعة المسلمة لكان من الممكن أن يجد مدّعوا النبوَّة - الذين كانوا
أعداء متربصين بالإسلام- الفرصة
سانحة لمحاصرة المدينة والاستيلاء عليها وقد ينجر ذلك لوقوع مذبحة
للمسلمين.
ج) كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كتب في أواخر حياته الشريفة رسائل إلى ملوك
ورؤساء الدنيا حوله يدعوهم فيها إلى الإسلام، كرسائله التي كتبها لهرقل عظيم الروم
في سوريا والمقوقس ملك الأقباط في مصر، وخسـرو پرويز (كسـرى) ملك الفرس، ولذلك كان
هؤلاء يتحسَّبون لخطر المسلمين، فإذا عرفوا أن نبي المسلمين قد فارق الدنيا وأن
أصحابه انقسموا في شأن خلافته ولا زالوا بلا قائدٍ يوحدهم، لربما سارعوا إلى
الانقضاض على
المدينة وإخضاع
المسلمين، لذا كان (الصحابة يشعرون أنه) لا بد من الإسراع في نصب الخليفة
دفعاً لهذه الأخطار المحتملة.
د) كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حال احتضاره قد جهَّز جيشاً بقيادة أسامة
بن زيد وأمره بالتحرُّك نحو اليرموك، ولكن طروء وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)
أوقع الجيش في ارتباك وحيرة وما عاد يعرف ماذا يتوجب عليه فعله في هذا الظرف
الجديد، لذا كان لا بد من تعيين سريع لإمام وحاكم على المسلمين ليعين تكليف هذا
الجيش.
هـ)
كان المسلمون يدركون أن تعيين الرئيس الحاكم عليهم، وصاحب السلطة التنفيذية لتنفيذ
أحكام الإسلام، من أهم الواجبات، خاصة في تلك الظروف الحرجة والأوضاع المضطربة
المذكورة(129).
وهذا ما أشار إليه علي عليه السلام في رسالة جوابية كتبها لمعاوية حيث قال: [والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على
المسلمين، بعدما يموت إمامهم أو يُقتَل، ضالاً كان أو مهتدياً، مظلوماً كان أو
ظالماً، أن لا يعملوا عملاً ولا يُحْدِثوا
حدثاً ولا يقدِّموا يداً أو رجلاً ولا يبدؤوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً
يجمع أمرهم...](130).
و) وقوع اختلاف بين المهاجرين والأنصار في
إحدى الغزوات، وكذلك بين الأوس والخزرج، كان دالا على أن العصبية القبائلية لم تجف
جذورها بل لا زالت ذات أثر فيهم، وهي عصبية قد تؤدي لنـزاع
إذا
لم يتم كبحها بسرعة، لذا كان لا بد من عدم التواني لحظة في نصب الإمام والحاكم لضبط
الأمور ومنع حدوث أي صراع أو نزاع قد يضعف
شوكة المسلمين،
ولمواصلة تطبيق أحكام وأوامر الشريعة الإلـهية الخالدة التي لا يجوز
تعطيلها حتى ولا دقيقة واحدة، من هذا المنطلق كان الصحابة في غاية العجلة لتحقيق
هذا الأمر، يضاف إلى ذلك أن جماعة المهاجرين الذين كانوا قد سمعوه (صلى الله عليه
وآله وسلم) يقول: «الأئمة من قريش» وسمعوه يوصي بالأنصار قائلا: «اللهم اغفر
للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار»(131)،
و«إن
الأنصار كَرِشي وعيبتي.. فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم..»(132)،
فهموا من ذلك - كما فهم علي عليه السلام ذلك أيضاً(133)-
موافقته (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن ولاية الأمر ليست فيهم بل في قريش
والمهاجرين شجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، لذلك اضطرهم ما رأوه من استعجال
الأنصار في سعيهم لتنصيب خليفة من بينهم أن يتداركوا الأمر بسرعة ويمنعوهم من ذلك
قبل أن يخرج الأمر عن أيديهم وينقسم المسلمون على بعضهم، فجزاهم الله تعالى عن
الإسلام وأهله كل خير.
2 - كان
علي عليه السلام مشغولا بتجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يشارك في
المشورة في السقيفة ولم يطرح نفسه لانتخاب الناس، ولعله لم يسرع في هذا الأمر لأنه
ما كان يتوقع أن يعدل عنه الناس، ولربما فهم بعض الناس من عدم حضوره السقيفة أو
إرساله من ينوب عنه فيها، عدم رغبته في الأمر، ولذلك لم يتعرضوا لانتخابه، ومن دون
شك أنه لو كان قد طرح نفسه للخلافة من البداية واستدل على أولويته بما هو معهود من
فصاحته وبلاغته المحيرة وقدرته على الإقناع لما عدل الصحابة عنه إلى غيره ولما
وُجِدَ له معارض، كما مر معنا أن عددا من الأنصار لما سمعوا كلامه بعد حادثة
السقيفة اعترفوا قائلين: لو سمعنا كلامك هذا من قبل
لبايعناك.
3-
لم يكن يوجد في ذلك الحين كل هذا الكم الكبير
من بعض
الروايات والأخبار الواهية السند التي انتشرت في الكتب في عهد متأخر بشأن المبالغات
في فضائل
ومناقب علي
عليه
السلام التي يرفعه بعضها إلى مقامات فوق بشرية أو
ينسب إليه أقوالاً تجعله المتصـرّف بالكون والقائم بأفعال الله... الخ والتي
نراها في بعض
كتبنا
اليوم، ولا كل تلك التأويلات للآيات القرآنية في حقه، ولا كان أحد يعتبر عليّاً "عين الله الناظرة ويد الله الباسطة"! ولا
كان أحد قد وقع بعد في تلك الحيرة (!) التي واجهت أحد شعراء العصور التالية فقال
مخاطباً عليّاً عليه السلام:
من
اگر
خداي ندانمت
متحيرم كه چه
خوانمت؟؟
بل كانوا
يعتبرونه صحابيا من السابقين المهاجرين المجاهدين العالمين الفقهاء بالقرآن وأحكام
الإسلام، ورغم أن تميزه وأفضليته لم تكن مجهولة لدى الصحابة إلا أنهم لم يكونوا
ملتزمين بالضرورة بأن يكون هو الإمام حتما، ولا كان هذا التميز لدرجة تمنع بالضرورة
الآخرين من ذوي الفضل والسابقة في الإسلام أن يتقدموا لهذا المنصب، ولعلهم كانوا
يرجحون الشيوخ ذوي التجربة على الشباب من أصحاب الفضل والجهاد، ولذا انتخبوا غيره،
ومع ذلك كان في صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من يرى عليّاً أحق الناس
بها لا من جهة أنه منصوص عليه من قـِبَل الله تعالى ورسوله، بل من جهة منزلته من
رسول الله ومقامه في الإسلام وأعلميته بأحكام شرع الله في كل موضوع، ونفس أمير
المؤمنين كان يعتبر نفسه أحق وأولى بمقام الإمامة من الآخرين، لهذه الحيثيات كما
يظهر ذلك في جميع احتجاجاته أو اعتراضاته التي لا نجد فيها إشارة لموضوع نص إلـهي
عليه، كما نجد ذلك واضحا فما يلي:
+
+
+
احتجاجات عليٍّ عَلَى
أولويَّتِهِ بالخلافة ليس فيها إشارة لنصٍّ من الله
عليه
1)
خطبته الشقشقية المشهورة تفيد
أن الإمام علي عليه السلام
كان يرى نفسه أحق الناس
بولاية أمر المسلمين والقيام بزمام أمورهم، لا من حيث أن الله أنزل فيه نصا وأمرا
ملزما فرضه على الناس في ذلك، بل من حيث
الفضل والعلم
والفقه والمعرفة،
حيث يقول: [لقد تقمَّصها فلان وإنه ليعلم
أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلى
الطير..](134)
فالكلام فيها عن مقامه المعنوي وعلو كعبه، الذي لا يُرقى إليه، في الفقه والعلم، لا
عن نصبٍ
وتعيينٍ إلهي.
2)
ما جاء في كلام آخر له في نهج البلاغة (قسم رسائله عليه السلام/ الرسالة رقم 62)
حين قال: [فلما مضى تنازع المسلمون الأمر
من بعده فوالله ما كان يُلقى في روعي ولا خطر على بالي أن العرب تزعج هذا الأمر مِن
بعدِهِ مِن أهل بيته] فهو يتعجب كيف أزيحت الخلافة عن أهل بيت النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) دون أن يحتج في ذلك باختصاصه بنص خاص من الله والرسول (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) على الخلافة.
3)
ما رواه ابن طاوس(135)،
في كتابه "الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف
(ج2/ ص411)"، والعلامة المجلسي في "البحار" (ج6/ ص 310) عن أبي الطفيل عامر
بن واثلة، قال: [... فسمعت علياً يقول:
بايع الناس أبا بكر وأنَا والله أولى بالأمر منه، وأحق به منه، فسمعت وأطعت مخافة
أن يرجع القوم كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف...].
4)
في رسالته التي كتبها عليه السلام إلى شيعته بعد منصرفه من النهروان وبعد مقتل محمد
بن أبي بكر، وأمر بقراءتها على الناس بعد كل صلاة جمعة، كما رواها ابن طاوس في
كتابه "كشف المحجَّة لثمرة
المهجة"(136)
وإبراهيم
الثقفي(137)
في
كتابه "الغارات"، قال: [فلما رأيت الناس قد انثالوا على بيعة أبي بكر
أمسكت يدي وظننت أني أولى وأحق بمقام رسول الله منه ومن غيره..](138).
5)
في خطبة له عليه السلام رواها الثقفي في "الغارات" (ج1/ص 202) والسيد ابن طاوس في
"كشف المحجة" والمجلسي في البحار (ج
8/ ص 175 من طبعة تبريز أو ج30/ص 16 من طبعة بيروت» جاء: «... أجمعوا على منازعتي حقّاً كنت أولى به منهم
فاستلبونيه».
6)
في نهج البلاغة أيضاً (الخطبة 74) لما بايع الناس عثمان قال: «لقد علمتم
أني أحق بها من غيري والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين».
7)
ما رواه سليم بن قيس الهلالي(139)
في
كتابه، ضمن حديثٍ طويلٍ، عن الإمام علي عليه السلام من قوله: [.. فـوَلّـَوْا أمرهم قبلي ثلاثة رهط ما
بينهم رجل جمع القرآن ولا يدعي أن له علما بكتاب الله وسنة نبيه وقد علموا أني
أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وأفقههم وأقرؤهم لكتاب الله وأقضاهم بحكم
الله...]. ومثل هذا جاء أيضاً في كثير في كلماته الأخرى عليه السلام.
و
لقد ذكرنا في كتابنا "حكومت در اسلام
" (أي الحكومة في الإسلام) من الصفحة 141 إلى 149 ما جاء من كلمات الإمام علي عليه
السلام حول هذا الموضوع منقولة من كتب الشيعة (الإمامية) المعتمدة، حيث تبين فيها
جميعا أن الإمام كان يعتبر نفسه الأولى والأحق بهذا الأمر من الآخرين، فقط لا غير،
ولم يحتجّ بنص من جانب الله أو الرسول، ولم
يقل أن الخلافة حقي الإلـهي الذي أمر الله تعالى به نبيه (صلى الله عليه وآله) أن
ينصِّبني فيه في غدير خم!
ولكن
أصحاب القول بالنص ذكروا أدلة عديدة تؤيد رأيهم فيما يلي بيانها ثم
الإجابة
عنها:
+
+
+
شبهات المخالفين على
الأدلة التي ذكرناها والإجابة عليها
(قال
بعض
الأخباريين)(140):
السبب في عدم وجود
آيات قرآنية صريحة في القرآن الكريم في النص الصريح
على إمامة
وإمارة
علي السياسية
وخلافته بعد رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم)، أن مخالفي إمامة الإمام حذفوا تلك الآيات
وأسقطوا كتابتها لمَّا دونوا القرآن!
والجواب: وهل كان
القرآن الكريم وآياته ملكاً خاصاً ومنحصراً بيد رقباء ومنافسي
الإمام علي حتى
يتمكنوا من التصرف به كما يشاؤون فيَحْذِفون أو يسقطون
كتابة بعض الآيات؟؟ وأين
كان بقية المسلمين الذين يتلون آيات الله آناء الليل وأطراف النهار؟ ألم يكن
نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) يتلو كل ما يتنَزَّل عليه من آيات على مسامع
المسلمين الحاضرين، سواء في مكة أو المدينة، ثم يبلِّغها لمن كان غائباً، تنفيذاً
لأمر الله تعالى له بإبلاغ ما أنزله إليه، ليس للعرب فقط بل للعالمين، كما قال
سبحانه في سورة الأنعام/ 19: ﴿ وَأُوحِيَ
إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ..
﴾ أو قال في سورة
المائدة/67: ﴿ يَاأَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾؟
فكانت
آيات القرآن الكريم تُتْلى على مسامع الآلاف من المسلمين، وليس هذا فحسب، بل كان
المسلمون أيضاً مأمورين بأن يتلوا القرآن بأنفسهم في الليل والنهار، وفي صلواتهم
الخمس، كما قال سبحانه: ﴿ فاقرَؤُا
مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ ﴾
وقال: ﴿ إِنَّ
الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ
تَبُورَ ﴾
[فاطر:29]، هذا وقد استجاب المؤمنون لهذا النداء الإلـهي فكانوا كما وصفهم الله:
﴿ الَّذِينَ
ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ
بِهِ...
﴾
[البقرة:121]،
وبناءً عليه فإن الآيات
القرآنية
التي
كانت تُسمَع وتُتْلَى من قبل الآلاف وعلى مدار 23 عاماً، لن
يستطيع أحد أن يتصرف بها، كما أنه من المستحيل أن تتعرض
تلك الآيات بهذه السرعة للنسيان
بحيث يتمكّن
عدد من الأشـخاص من إسـقاطها وحذفـها دون أن يلتـفت إلى ذلك الآخرون؟!
إن
العقل والمنطق يؤكدان استحالة حدوث مثل هذا الأمر وعدم انسجامه مع وقائع
الأمور.
وعلاوةً
على ما سبق، ألم يضمن ربُّ العالمين ومُنْزِلُ القرآن المبين حفظَ كتابه وصيانَتَه
من الضياع أو التغيير والتبديل حين قال: ﴿ إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
[الحجر:9]؟؟ فهل نصدِّق قول الله تعالى الذي أنزل القرآن وأكَّد أنه سيحفظه أم قول
ذلك المتعصب الجاهل الذي يدعي أن آيات من القرآن حُذِفَت وأسقطت؟؟
وبالمناسبة فإن صيانة القرآن وحفظه من أي نقص هو أمر مجمع عليه لدى العلماء
الأصوليين من الشيعة الإمامية الذين يؤكدون أن القرآن الذي أنزل على سيدنا محمد
(صلى الله عليه وآله وسلم) هو نفس هذا الذي بين الدفتين الآن لم يُنْقَص منه حرف
ولم يُزَد فيه حرف.
هذا
وأقر
بعضهم بأنه لم تنزل في القرآن أية آية تتعلق بِـ"الإمامة المنصوص عليها" وأن الأئمة
الاثني عشر ليس لهم ذكر صريح
مباشر في
القرآن، وأن القرآن مصون من أي زيادة أو نقصان، إلا
أنه زعم أن
علة وسبب
عدم
وجود أي إشارة لهم في القرآن هي أنهم لو ذكروا في كتاب الله لقام أعداء الأئمة بحذف
تلك الآيات من القرآن ولوقع التحريف في القرآن الكريم، ولذا لم تذكر أسماء الأئمة
حفاظاً على القرآن من أن تمسه يد التحريف!
وهذا
أيضاً
تفسير غير مقبول وغير معقول، فكيف
نقرأ قوله تعالى ﴿ مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾
[الأنعام:38]، ثم نقبل أن القرآن ترك ذكر أصل من أصول الدين وبيان أئمة المسلمين
الذين معرفتهم شرط للنجاة يوم الدين، مهما كانت أسباب ذلك؟! ثم هل ينطبق ذلك
الادعاء، مع الإيمان بالله تعالى القادر على كل شيء؟! أليس في قدرة الله تعالى أن
يذكر الإمامة والأئمة في كتابه وبنفس الوقت يصون كتابه من تدخل الأعداء ويحفظه. هل
يعقل أن الله تعالى القادر المتعال الفعال لما يشاء يضطر لترك أمر يريده ويغير
مشيئته خوفا من العمل المحتمل لبعض
عباده
الضعفاء؟!
+
+
+
شبهة آية يا أيها
الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك
يستند
القائلون بالنص إلى قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾
[المائدة:67] كدليل على مدعاهم قائلين أن الذي أُمِرَ الرسول بتبليغه في هذه الآية
هو النص الإلهي على خلافة علي وولاية أمره.
و
الجواب:
أنه ليس في مضمون الآية ولا في سياقها أي شيء يفيد ما يقولونه أبداً، فآيات سورة
المائدة بدأً من الآية 13: ﴿ فَبِمَا
نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ
قَاسِيَةً...
﴾
ثم الآيات 41 إلى 45: يبين الله تعالى فيها عصيان اليهود وطغيانهم وتعدِّيهم حدود
الله، وعدم حكمهم بما أنزل الله إليهم في التوراة، ثم من الآية 46 فما بعد يتوجه
الله تعالى إلى النصارى ويدعوهم للعمل بالإنجيل، ويأمر رسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) بالحكم بما أنزله إليه وعدم اتباع أهواء أهل الكتاب والحذر من فتنتهم، وخلال
ذلك ينهى المسلمين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، ويأمرهم بموالاة الله ورسوله
والمؤمنين، ليعود ثانية (في الآية 58 فما بعد) لمذمة أعمال أهل الكتاب وموقفهم في
مواجهة دعوة الإسلام، وتقريع اليهود على أفعالهم السيئة من قول الإثم وأكل السحت
وإيقاد نيران الحروب والسعي في الأرض بالفساد إلى أن يصل إلى الآية موضع الاستشهاد
فيقول: ﴿ يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ
تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله
لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾
أي بلغ ما أنزلناه إليك بشأن أهل الكتاب ولا تخف فالله سيحميك من شر اليهود
والنصارى ويظهر أمرك ودينك لأن الله لا يهدي المعرضين عن الحق الكافرين به من أهل
الكتاب، ويعقبها مباشرة بقوله: ﴿ قُلْ
يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ
وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ...
﴾
فيأمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقول لأهل الكتاب أنهم ليسوا على شيءٍ
من الدين ولا حتى الإنسانية إلا إذا أقاموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليهم من
ربهم، ثم يذكِّر اليهود كيف نقضوا ميثاقهم وقتلوا أنبياءهم وعَمُوا وصَمُّوا، ثم
يعلن بكل صراحة - وهذا أخطر ما في القضية - كفر النصارى الذين قالوا أن الله هو
المسيح بن مريم أو الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة، ثم يقول للرسول (صلى الله عليه
وآله وسلم): ﴿ قُلْ
أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا... قُلْ
يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا
أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ
سَوَاءِ السَّبِيلِ.... لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى
لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ..
﴾.
فهذه هي
الأمور الحاسمة الخطيرة التي أُمِـر (صلوات الله وسلامه عليه وآله) بالصدع بها دون
خوف ولا وجل ولو لم يفعل فما بلغ رسالة الله عز وجل.
هذا
ما يقتضيه سياق الآيات، ثم
كيف يتسق
أن نجعل قوله تعالى: ﴿ وَالله
يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكَافِرِينَ ﴾
موجها لأصحاب رسول الله،
أولئك المسلمين المؤمنين الذين فرغوا لتوهم من أداء فريضة الحج مع رسول الله؟؟ هذا
مع أنه تعالى نفسه كان قد مدح أولئك الأصحاب في عشـرات الآيات قبل هذه الآية
وبعدها؟
ثم
إن الآية تأمر بإبلاغ "ما أُنْزِلَ
إليك" وهو تعبير يراد به عادة
الوحي
القرآني بالذات، فأين الآيات التي ذُكِر فيها النص على علي بالخلافة
السياسية
والإمارة؟ وكيف سيتم إبلاغ إمامة وحكومة علي ببلاغ ما أنزله الله تعالى إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم من القرآن، مع أنه لا توجد فيه آية صريحة أو حتى غير صريحة حول
هذا الموضوع!
+
+
+
شبهة الاستدلال
بالآيات التي تتكلم عن المنافقين
(قال
بعضهم): صحيح أن في القرآن آيات في مدح الصحابة، لكن فيه، في مقابل ذلك، آيات عديدة
أيضاً تدل على أنه كان من بينهم كثير من المنافقين وذلك كالآيات التالية: في سورة
النساء/61: ﴿ ...رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ
صُدُودًا ﴾،
وفي أول سورة "المنافقون": ﴿ إِذَا
جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ
إِنَّكَ لَرَسُولُ الله وَالله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَالله يَشْهَدُ إِنَّ
المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾
إلى آخر السورة، وفي سورة الحشر/11 وما بعدها: ﴿ أَلَمْ
تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ..
﴾،
وفي سورة الأحزاب/12: ﴿ وَإِذْ
يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا الله
وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا ﴾
ثم الآية 60: ﴿ لَئِنْ
لَمْ يَنْتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ..
﴾.
وأوضح ذلك ما جاء في سورة التوبة التي من أسمائها الفاضحة لأنها فضحت المنافقين،
ففي الآية 64 منها يقول الحق عز وجل: ﴿ يَحْذَرُ
المُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي
قُلُوبِهِمْ..
﴾
وفي الآية 101: ﴿ وَمِمَّنْ
حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا
عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ
مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾
ونحوها كثير في السورة.
والجواب:
إن
هذا
الاعتراض منشؤه إما عدم
الاطلاع الصحيح
أو تعمّد تحريف الحقائق. أجل لا
شك أنه كان يوجد
بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منافقون، لكنهم كانوا متميِّزين بصفات خاصة
يبرأ منها بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكن لمن
تتبَّع آيات القرآن الكريم أن يُميِّز المنافقين عن غيرهم من
عدّة
وجوه:
أ) قسم
كبير من المنافقين الذين جاء ذمهم في القرآن الكريم، هم المنافقون الذين امتنعوا عن
السفر والخروج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى غزوة تبوك، وقد نزل قسم
كبير من آيات سورة التوبة (من الآية 38 إلى آخر السورة) في ذمهم وكشف أحوالهم
وأقوالهم وأعمالهم، ولكن جاء خلال ذلك أيضاً، في السورة نفسها، مدح صادقي الصحابة
وذكر أوصافهم العالية التي تميزهم عن المنافقين. مثلا في قوله تعالى: ﴿ إِلا
تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ
وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا.... (إلى قوله): إلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله....
(إلى قوله): عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ
الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾ يذمّ
تعالى المنافقين بعدم نصرتهم للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم نفرهم معه
للجهاد واعتذارهم الكاذب بأنهم لو استطاعوا لخرجوا معه، ويعاتب الله تعالى ويعفو عن
رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لإذنه للمنافقين بعدم الخروج معه. لكنه تعالى يقول
بعد ذلك: ﴿ لا
يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾
[التوبة:44]، مما يبين أن الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في تلك الغزوة هم غير
أولـئك المنافقين القاعدين ولا تنطبق عليهم آيات الذم
تلك.
والآن
لِنَنْظر من هم أولئك الذين اعتذروا عن الخروج للجهاد واستأذنوا للقعود؟ هل كانوا
هم أصحاب القرار في بيعة السقيفة؟ أبداً، إن أدنى من له معرفة بالسيرة وتاريخ صدر
الإسلام وأسباب النزول، يعلم أن هؤلاء المنافقين والمتخلفين والقاعدين وكذلك الذين
ذمَّهم الله تعالى على لمزهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشأن الصدقات، كما قال
عز شأنه: ﴿ وَمِنْهُمْ
مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ
يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾
[التوبة:58]، لم يكونوا أبداً في سقيفة بني ساعدة ولا كان لهم فيها حلٌّ ولا عقـد.
و
أما الآية الكريمة التي تذكر وجود منافقين في أهل المدينة وفيمن حولها:
﴿ وَمِمَّنْ
حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا
عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ… ﴾
[التوبة:101]،
فقد جاء قبلها تماماً قوله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ ﴾
وجاء بعدها بعدة آيات أيضاً: ﴿ لَقَدْ
تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ
فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ… ﴾
[التوبة:117]، وعليه فلا يمكن لأحد مهما كان مغرضاً أو جاهلاً أن يجعل المهاجرين
والأنصار في عداد المنافقين، لأن القرآن فرَّق بين الفريقين وقابل بينهما مقابلة
النور والظلام والإيمان والكفر، فكيف يسوِّي بينهما إلا مجنون أو رجل أعمى التعصب
بصيرته؟! إن الذين مدحهم القرآن لم يُبْتَلَوْا أبداً بالنفاق أو الردّة وهذا أمر
في غاية الوضوح والظهور، علاوة على أن آيات القرآن لا يناقض بعضها بعضا، وأن العقل
والوجدان لا يمكنهما أن يصدِّقا أبداً اجتماع حالة (الإيمان الكامل ومدح القرآن مع
الردة والنفاق) بحق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم(141).
ب)
الطائفة الثانية من المنافقين المذمومين في القرآن: هم الذين آمنوا أو بالأحرى
تظاهروا بالإسلام مكرهين مجبرين لما رأوا راية الإسلام ارتفعت فوق رؤوسهم، وهؤلاء
عدةٌ معروفةٌ من أمثال عبد الله بن أُبَيِّ بن سَلُول وأبي سفيان صخر بن حرب والحكم
بن أبي العاص ونظائرهم. وقد وصف القرآن الكريم أفعالهم وأقوالهم كقوله عنهم:
﴿ يُرِيدُونَ
أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا
بِهِ...
﴾
[النساء:60]، وقوله في سورة: المنافقون/5-7: ﴿ وَإِذَا
قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ
وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ...(ثم
يقول): هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ
اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا...
﴾
أي كانوا يحرّضون الأنصار على عدم إيواء ومساعدة من هاجر إليهم من المهاجرين وفقراء
الصحابة، ثم يقول عنهم:
﴿ يَقُولُونَ
لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا
الأَذَلَّ...
﴾
[المنافقون:8]. ومن الواضح أن أحداً من هؤلاء المنافقين لم يكن له حضورٌ في سقيفة
بني ساعدة ولا طلب أحدٌ رأيَه في مسألة تعيين الخليفة والإمام، حيث أن بعضهم كان قد
مات قبل ذلك والبعض الآخر كان خارج المدينة أو كان على درجة من افتضاح نفاقه
لا يتمكَّن
معها من حضور مثل تلك الاجتماعات.
ج)
والطائفة الثالثة من المنافقين الذين ذمّهم القرآن هم الذين كانوا يوالون أعداء
الإسلام من اليهود والنصارى ويتحالفون معهم خُفيةً، أو يَعِدُونَهم بالنصرة والعون
ضدّ المسلمين، وصفتهم هذه كانت تظهر للعيان كلَّما واجه المسلمون عداوةَ أهل الكتاب
أو وقعوا في حرب معهم، وكان من الطائفتين السابقتين من يشارك هؤلاء في هذه الصفة
الخبيثة، وقد جاء ذكر أمر هؤلاء النمط في عدة سور كقوله تعالى في سورة المائدة:
﴿ فَتَرَى
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ
تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ..
﴾
الآية 52، وفي سورة النساء: ﴿ بَشِّرِ
المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا. الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ
الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِـلَّهِ جَمِيعَاً ﴾
الآيتان 138-139، وفي سورة الحشر: ﴿ أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ
فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ
إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾
الآية 11، فإذا دقَّقنا النظر في هذه الآيات (وأسباب نزولها) اتضح لنا مراد الله
تعالى من المنافقين وتبين أنه لا يمكن أن نجد أحداً من الأنصار والمهاجرين وسائر
الصحابة الكرام الممدوحين في القرآن مبتلىً بتلك الصفات المذكورة، أو حضر،
متلبِّساً بالنفاق، في السقيفة ليعارض خلافة عليٍّ على الرغم من نص الله ووصية
رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)!
وعلاوة
على كل ما سبق، فإن المنافقين كانوا أشخاصاً أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله
وسلم) بمجاهدتهم والغلظة عليهم، فأيُّ واحد من الذين حضروا السقيفة كان ممن كان
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يجاهده ويغلظ عليه؟ هل عمل رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) بأمر الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا
النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ ﴾
أم لا؟ فإن عمل فأي واحد من المهاجرين أو الأنصار الحاضرين في السقيفة والذين
ساعدوا في البيعة لأبي بكر رضي الله عنه كان من الذين جاهدهم رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) وغلظ عليهم؟؟!
+
+
+
شبهة الاستدلال
بالآيات التي تتحدث عن إمكان ارتداد بعض المؤمنين
(استدل
بعضهم) بأن هناك آيات قرآنية تدل على إمكان ارتداد أولـئك الأصحاب حتى في زمن حياة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك كقوله تعالى: ﴿ وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ؟!.. ﴾
[آل عمران:144]، وقوله سبحانه:
﴿ وَمَا
جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ
الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ..
﴾
[البقرة:143]، وقوله تعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ
يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمؤْمِنِينَ
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ..
﴾
[المائدة:54].
و علاوة على ذلك، فقد حذَّرَ اللهُ تعالى رسولَه
الكريم (صلى الله عليه وآله) من الوقوع في المعصية أو الجنوح لأهواء المضلين، ومثل
هذه التحذيرات تدل على أن وقوع الرسول (صلى الله عليه وآله) في تلك الأمور أمر ممكن
ومحتمل (إن لم يعصمه الله)، فإن كان هذا في حق الرسول (صلى الله عليه وآله) ممكناً،
أفلا يكون في حق غيره محتملاً بنسبة أكثر بكثير؟ وذلك مثل قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ
كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا
غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً. وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ
تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً. إِذًا لأَذَقْنَاكَ
ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا
نَصِيرًا ﴾
[الإسراء:73-75] أو قوله تعالى: ﴿ ..
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
[البقرة:145]، أو قوله سبحانه: ﴿ .. وَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ. وَلا
تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ
فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
[يونس:105-106]، أو قوله: ﴿ يَاأَيُّهَا
النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ إِنَّ اللهَ
كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾
[الأحزاب:1] ونحوها.
قالوا:
ففي هذه الآيات حذَّر الله الرسولَ (صلى الله عليه وآله) من الوقوع في الشرك أو
الخطأ أو العصيان أو اتباع أهواء الكفار، فلولا أن هذا الأمر ممكن الوقوع عقلاً لما
كان هناك معنى للتحذير منه، هذا مع أن العقل والنقل يشهدان أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) استحق مدح اللهِ والثناء عليه أكثر من أي أحد، وعليه فكما أنه لم يمنع
كل المديح والثناء الذي شرَّف الله به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بقاء
إمكان الانحراف والوقوع بالعصيان منه،
أي مجرّد الإمكان العقلي،
فمن باب أولى أن يبقى هذا الاحتمال
العقلي
ممكناً في حقِّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) رغم كل ما جاء في حقهم من
مدائح لا سيما أن الله لم يأخذ على نفسه عصمتهم وحفظهم. وهذا ما وقع فعلاً منهم
حسبما ندعيه من ردّة أكثرهم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) طبقاً لحديث: ارتد
الناس بعد رسول الله إلا ثلاثة!
والجواب:
هذا الاستنتاج من الآيات بأنه حتى الأنبياء ممكن (عقلاً) أن يقعوا في الشرك
والعصيان، لا يصح أبداً على مذهب القائلين بالنص لأنهم يقولون بعصمة أئمتهم المطلقة
من الولادة وحتى الوفاة، فضلاً عن عصمة الأنبياء المطلقة بل عن إيمان وتوحيد جميع
آباء الأنبياء حتى آدم عليه السلام، رغم أن العقل والنقل يدلان على أن آباء بعضهم
كانوا كافرين وثنيين(142).
ولنفرض أنهم تنازلوا عن عقيدتهم وجعلوا إمكان وقوعهم في المعصية بل
في
الكفر غير محال وقالوا من باب أولى أن يكون هذا الاحتمال واردا بحق الصحابة، سيما
أنه تعالى حذَّرهم بأن من يرتدّ منهم عن دينه فسوف يحبط الله عمله ويستبدلهم
بمؤمنين آخرين، فنقول: أجل إن احتمال الوقوع في المعصية والشرك وارد في حق كل ابن
آدم أيَّاً كان، ولكن هذا مجرد احتمال وإمكان، والإمكان وَحْده لا يدل على
الوقوع، بل لا بد من الإتيان بدليل على الوقوع الفعلي لتلك الردَّة
المدَّعاة بحق الصحابة من المهاجرين والأنصار، ودون ذلك خرط القتاد، لأن الردة إنما
تحصل إما بإنكار وحدانية الله تعالى أو إنكار رسالة الرسول (صلى الله عليه وآله) أو
إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة مما يكون من أحكام القرآن المسلمة القطعية،
فمن الذي أنكر شيئاً من هذا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيما
المهاجرين والأنصار منهم؟؟ في أي سورة أو آية من آيات القرآن ورد موضوع الإمامة على
النحو الذي يدعونه أو النص على علي فأنكروه؟؟ وأصلاً لو كان لمسألة الإمامة على
النحو الذي تدعيه الإمامية أصلٌ في القرآن لكان المقصر الأول في هذا الأمر علي بن
أبي طالب نفسه الذي لم يأت على هذا النص أو الآيات بذكر ولم يدَّع النصّ على جنابه
من قبل الله تعالى ورسوله في أي مقام وتخاذل في هذا الأمر إلى هذا الحد!! لو كان
حضرة عليٍّ قد عُيِّنَ من قِبَل الله تعالى ورسوله للخلافة لوجب عليه أن يخالف
وينازع أبا بكر حتى الموت ولا يسمح له بحال أن يرقى منبر رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، كما قال هو نفسه عليه السلام ذلك حسبما رواه عنه قيس بن عباد: [والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو عهد إليَّ
رسول الله عهداً لجالدت عليه ولم أترك ابن أبي قحافة يرقى في درجة واحدة من
منبره](143)،
وكما قال ذلك أيضاً حفيده الحسن المثنى بن الحسن المجتبى عليه السلام فيما أخرجه
عنه ابن عساكر في تاريخه قال: «حدثنا الفضيل
بن مرزوق قال: سمعت الحسن بن السحن أخا عبد الله بن الحسن وهو يقول لرجل ممن يغلو
فيهم: ويحكم أحبونا لِـلَّـه فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله فأبغضونا،
قال: فقال له الرجل: إنكم ذوو قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل
بيته، فقال: ويحكم لو كان الله نافعاً بقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
بغير عملٍ بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا أباه وأمه، والله إني لأخاف أن
يضاعف الله للعاصي منا العذاب ضعفين، والله إني لأرجو أن يؤتى المحسن منا أجره
مرتين. ثم قال: لقد أساء آباؤنا وأمهاتنا إن كان ما تقولون من دين الله حقاً ثم لم
يخبرونا به ولم يطلعونا عليه ولم يرغبونا فيه، فنحن والله كنا أقرب منهم قرابة منكم
وأوجب عليهم حقا وأحق بأن يرغبوا فيه منكم، ولو كان الأمر كما تقولون: إن الله
ورسـوله اختارا عليّاً لهذا الأمر وللقيام على الناس بعده، كان علي لأعظم الناس في
ذلك خطيئة وجرما إذ ترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيه كما
أمره ويعذر فيه إلى الناس. فقال له الرافضي: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه
وسلم لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه؟. قال: أما والله، أن لو يعني رسول الله
صلى الله عليه وسلم بذلك الإمرة والسلطان والقيام على الناس، لأفصح لهم بذلك
كما أفصح بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ولقال لهم: أيها الناس إن هذا ولي
أمركم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا، فما كان من وراء هذا، فإن أفصح الناس كان
للمسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال الحسن: «أقسم بالله سبحانه أن الله تعالى لو آثر عليّاً لأجل
هذا الأمر ولم يُقْدِم عليٌّ كرم الله وجهه لكان أعظم الناس خطأً»(144).
أجل
إن سكوت ذلك الجناب وتسليمه لمن سبقه أفضل دليل على عدم النص الإلـهي
عند
أولي الألباب، وكما يقال: السكوت في موضع
البيان، بيان.
+
+
+
عودة لكتاب
الاحتجاج
ونقد
رواياته
كتاب
"الاحتجاج على أهل اللجاج"
لمؤلفه أحمد بن علي الطبرسي من الكتب التي يرجع الإمامية كثيراً إلى رواياتها
وأخبارها في موضوع إثبات الإمامة بالنص، وقد أُلِّفَ الكتاب في مرحلة زمنية متأخرة
هي القرن السادس الهجري! ومؤلفه "أحمد بن
علي الطبرسي" لا تُعرف تاريخ ولادته أو وفاته بدقة، وكل ما يُعرف عنه أنه من
علماء القرن السادس الهجري ومن معاصري أمين الإسلام الطبرسي (ت 548 هـ) صاحب تفسير
"مجمع البيان" الشهير، وكلا الطبرسيين من مشايخ ابن شهر آشوب المازندراني المتوفى
سنة 588هـ. وقد أورد صاحب الاحتجاج في كتابه عديداً من الروايات الواهية سنداً
ومتناً بشأن النص على عليّ والاحتجاج بواقعة الغدير، وسنحاول هنا أن ندرس هذه
الروايات دراسة نقدية فاحصة لنرى مدى صلاحيتها لتكون مستنداً لهذه العقيدة الأساسية
أي عقيدة النص الإلهي النبوي الصريح على إمامة وإمارة علي والأئمة من أولاده
بمعناها الرئاسي الزمني.
فمن
جملة الأحاديث والأخبار التي أوردها الطبرسي في كتابه "الاحتجاج على أهل اللجاج"، أنه
بعد ذكره لقصة
السقيفة على نحو ما ذكره ابن قتيبة في
كتابه "الإمامة والسياسة" مما تقدم
ذكره، أضاف في آخر الرواية: [.. فقال بشير
بن سعد الأنصاري، الذي وطَّأ الأمر لأبي بكر، وقالت جماعة من الأنصار: يا أبا الحسن
لو كان هذا الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك
اثنان](145).
قلتُ:
هذا الاعتذار من بشير بن سعد وجماعة من الأنصار عذر صادق وصحيح، وهو أكبر شاهد على
أنه لم يكن عند الأنصار نية مبيتة وسيئة ضد الإمام
علي
وإصرار من البداية على ألا يتولى منصب الخلافة!، ولا غرو فلم يكن أحد من المهاجرين
أو الأنصار بمنكر لفضائله ومناقبه وعلمه وشجاعته ولياقته لذلك المنصب، فكيف يكون
حالهم لو سمعوا النص على عليٍّ من رسول الله؟ فبطريق أولى لم
يكن ليختلف على
بيعته اثنان.
من
ذلك نعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن قد نصب علياً بصراحة حاكماً
سياسياً
وخليفة
في الإمارة له
على المسلمين بأمر من الله تعالى في يوم الغدير، إذ لو حصل ذلك وحصل
ما قيل من أنه أخذ
البيعة له من جميع الصحابة،
لاستحال بعد
ذلك أن
يتكلم أحد من الأنصار المحبين لعلي في موضوع نصب الخليفة أو يسعى لنيل هذا المقام!
ولاستحال أن يرشّح سعد بن عبادة رضي الله عنه - الذي كان من الأوفياء المخلصين
والمجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله - نفسه لهذا الأمر.
إن
مثل هذا لم يحصل في تاريخ البشر ولا يمكن أن يحصل أبداً، أي أن يبايع جمٌّ غفير
يربو على المائة ألف، رجلاً بالإمامة، ويعطوه على ذلك العهد والميثاق، سواء طائعين
مختارين أم مكرهين مجبرين، ثم في خلال سبعين أو ثمانين يوماً فقط ينسون جميعاً تلك
البيعة التي في أعناقهم أو يجتمعون بأجمعهم على كتمانها وكأنها شيئاً لم يكن؟!! هذا
مع كونهم يظهرون عبارات الغدير في سائر مواقفهم الأخرى بكل احترام ويلتزمون
بها!(146)
و
يتابع الطبرسي روايته فيقول: [قال علي
(مجيباً الأنصار): يا هؤلاء أكنت أدع رسول الله مسجىً لا أواريه وأخرج أنازع في
سلطانه؟ والله ما خفت أحداً يسمو له وينازعنا أهل البيت ويستحل ما استحللتموه، ولا
علمت أن رسول الله ترك يوم غدير خم لأحد حجّة ولا لقائل مقالا، فأنشد الله رجلا سمع
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، أن يشهد بما
سمع](147).
قلت:
في مثل هذا المقام، لو كانت قصة الغدير نصاً
صريحاً فعلاً
على خلافة وإمامة علي، لكان كلام علي هنا (وهو أمير الفصاحة والبيان) ناقصاً وغير
مبين للمراد! لأن كل ما ذكره أنه أراد أن يقوم رجل واحد فقط - من بين جماعة كان
يربو عددهم على المائة ألف سمعوا وفهموا وسلَّموا وبايعوا - ليشـهد بأن النبي (صلى
الله عليه وآله) قال من كان يحبني ويتولاني فليحب عليّاً وليتولاه، اللهم أحب وكنْ
نصير من أحبه ونصره وعاد واخذل من عاداه وخذله! حيث ذكرنا سابقا أن لكلمة " مولى " 27 معنى وأنه لا بد من
قرينة لفهم المعنى المراد وأن قوله (صلى الله عليه وآله) اللهم وال من والاه وعادِ
من عاداه، قرينة على أن المراد من المولى معنى النصير المحب، وأيّاً كان فليس في
معاني المولى معنى الخليفة والإمام! فإذا لم يفهم الناس من تلك الخطبة معنى الخلافة
والإمامة فعندهم كل الحق في ذلك! لاسيَّما مع وجود القرينة المذكورة. وعلاوة على
ذلك فإن نسق الحديث يدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله) يريد من كلمة المولى
معنى هو حائز عليه الآن ويريد أن يجعل علياً حائزاً عليه الآن أيضاً (لأنه قال من
كنت مولاه فعلي مولاه)، والأمر الذي كان الرسول (صلى الله عليه وآله) متَّصفاً به
هو النبوَّة والرسالة وبديهي أنه لا يريد أن يكون علي أيضاً حائزاًُ على هذه
المرتبة لا ذلك الوقت ولا بعد وفاته، وإذا قصد بالمولى الخلافة فالرسول (صلى الله
عليه وآله) لم يكن خليفة لأحد حتى يريد جعل الخلافة لعلي أيضاً، ولو سلَّمنا جدلا
أن المقصود من المولى الإمامة
والرئاسة لوجب أن يقول النبي من كنت مولاه فإن عليّاً مولاه بعدي، لأنه لا يمكن أن يكون
عليٌّ أميراً حاكماً على المسلمين في حال رئاسة النبي (صلى الله عليه وآله)
وحكومته، لكن مثل هذه الإضافة لم يدع أحدٌ صدورها عن النبي (صلى الله عليه وآله) في
هذا الحديث. لذلك قلنا أن مطالبة علي بمثل هذه الشهادة في ذلك المقام - إن صحَّت -
ليست في محلها ولا تؤدي المراد. ونحن نقطع أن هذه المطالبة ليست إلا من اختلاق ووضع
الرواة الكذبة ولا ربط لعليٍّ بها أصلاً.
و
يتابع صاحب كتاب الاحتجاج روايته فيقول: [قال زيد بن أرقم: فشهد اثنا عشر بدريا بذلك.
وكنت ممن سمع القول من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكتمت الشهادة يومئذ، فدعا
عَلَيَّ فذهب بصري](148).
قلتُ:
هذا الحديث كله رواه الطبرسي عن "أبي
المفضل محمد بن عبد الله الشيباني" عن رجال ثقة! ولا يعلم أحد من هؤلاء الرجال
الثقة؟! أما محمد بن عبد الله الشيباني فقد ذكره النجاشي في رجاله (ص 309) وقال:
[أصله كوفي ورأيت جلّ أصحابنا
يضعِّفونه] وقال القهبائي في "مجمع
الرجال"(ج5/ص241): [محمد بن عبد الله
الشيباني أبو الفضل: وضّاع كثير
المناكير] وقال عنه الشيخ الطوسي في كتابه "الفهرست": [ضعَّفه جماعةٌ من أصحابنا]، وفي كتاب الأخبار الدخيلة (ص 48) عن الغضائري: [إنه كذابٌ وضّاعٌ للحديث]، هذا من ناحية
السند.
ثم
إن زيد بن أرقم لم يكن ممن تسمع شهادتهم في ذلك الوقت، ولا طلب أمير المؤمنين منه
هذه الشهادة في ذلك الوقت بل طلبها في رحبة الكوفة زمن خلافته عليه السلام كما جاء
ذكر ذلك في بحار الأنوار (ج 22/ ص 23).
أما
الاثنا عشر بدرياً الذين تقول رواية الطبرسي هذه أنهم شهدوا بما قاله النبي (صلى
الله عليه وآله) في غدير خم، فيبدو أنهم نفس الاثني عشر الذين ذكرهم الطبرسي في
روايته، التالية مباشرة لهذه الرواية، والتي يرويها الطبرسـي من غير سـند (!) بل
مرسلة عن أبان بن تغلب أنه سأل حضرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام فقال: [قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه
السلام: جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنكر على
أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم كان الذي أنكر
على أبي بكر اثني عشر رجلا، من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص، وكان من بني
أمية، وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وبريدة
الأسلمي، ومن الأنصار: أبو الهيثم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت
ذو الشهادتين وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري. قال (أي الإمام جعفر الصادق): فلما
صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض والله لنأتينَّه ولننـزلنَّه عن
منبر رسول الله(149)
(صلى الله عليه وآله)، وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذن أعنتم على أنفسكم
وقد قال الله عز وجل: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" فانطلِقوا بنا إلى أمير
المؤمنين (أي علي) لنستشيره ونستطلع رأيه].
ثم
يذكر الراوي أن عليّاً لم يوافقهم على ما أرادوا فعله لما فيه من تهديد حياته
بالقتل وقال لهم في آخر كلامه: [فانطلِقوا
بأجمعكم إلى الرجل (أي أبو بكر) فعرِّفوه ما سمعتم من قول نبيكم ليكون ذلك أوكد
للحجة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا وردوا عليه!
قال: فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسـول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يوم
الجمعة، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار تقدموا وتكلموا، فقال
الأنصار بل تكلموا أنتم](150).
و
يستقر الاختيار على خالد بن سعيد بن العاص (و الحال أن خالد بن سعيد هذا إنما كان
قد أسلم بفضل دعوة وإرشاد أبي بكر رضي الله عنه فكانت هدايته للإسلام على يده،
اشترك في زمان خلافة أبي بكر رضي الله عنه وبأمرٍ منه في معركة "أجنادين" واستشهد فيها وكان ذلك قبل 24
يوما من وفاة أبي بكر) فيقوم خالد فيعظ أبا بكر رضي الله عنه ويذكّره، لكنه لا يذكر
في كلامه شيئاً عن غدير خم، بل يذكر حادثة وكلاما قاله الرسول (صلى الله عليه وآله)
لعليٍّ يوم بني قريظة ليس له ذكر في أي من التواريخ المتقدمة! والأغرب من ذلك ما
ذكره الراوي من أن عمر رضي الله عنه قام فقال: [اسكت يا خالد! فلست من أهل المشورة ولا ممَّن
يُقْتَدى برأيه!]، هذا مع أن خالد بن سعيد لا ينقصه شيء عن عمر رضي الله عنه
حتى يخاطبه عمر رضي الله عنه بهذه الصورة ويقول له لست من أهل المشورة، دون أن
يعترض خالد ولا غيره على ذلك!! إذ لو كانت الأفضلية بالسبق إلى الإسلام فخالد بن
سعيد خامس رجل أسلم فكان إسلامه قبل عمر رضي الله عنه بعدة سنوات، وكان من أصحاب
الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) جميع
الغزوات، وأرسله رسول الله(صلى الله عليه وآله) قُبيل وفاته إلى اليمن وعيَّنه
حاكما على قبيلة مذحج في قسمٍ من اليمن، ولا ندري كيف أتى به الراوي الكذّاب من
اليمن إلى المدينة وجعله أول من تكلم معترضا على أبي بكر!!.. وعلى أي حال فلم يأت
في كلام خالد أي ذكر لحديث الغدير مع كونه أهم مستند للخلافة المنصوص عليها، بل كل
ما كان في احتجاجه هو سباب وشتائم لعمر رضي الله عنه حتى أنه قال له: [وإنك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان إذ قال
للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما
أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين!](151).
وكل
مطلع على تاريخ صدر الإسلام يعلم يقيناً كذب مثل هذه الأقاويل. ثم كان سلمان
الفارسي ثاني من تكلم من المهاجرين ولم يشر في كلامه أيضاً لمسألة النص على عليٍّ
يوم الغدير بل اقتصر كلامه على ذكر بعض فضائل علي وتذكير أبي بكر بأنه كان عليه
النفوذ في جيش أسامة بن زيد(152)...
أما المحتجّ الثالث فكان أبا ذر الذي لم يشر كذلك لا من قريب ولا بعيد للغدير،
وكذلك فعل الذي بعده أي المقداد بن
الأسود(153)
ثم
بريدة الأسلمي وكان عمار بن ياسر آخر من تكلم من المهاجرين
واقتصر كلامه على تخويف أبي بكر عاقبة فعله وتذكيره بفضائل أهل البيت حيث قال: [و إن أهل بيت نبيكم أولى وأحق بإرثه و...
(إلى قوله) فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم..] ثم ذكر عدداً من
فضائل علي.
ثم
جاء دور الأنصار فكان أول من تكلم منهم أبي بن كعب الذي أنَّب أبا بكر دون أن
يأتي في كلامه بأي إشارة لغدير خم، وتكلم بعده خزيمة بن ثابت فاقتصر كلامه على ذكر
فضائل أهل البيت، وكان المتكلم الثالث أبو
الهيثم بن التيهان وكان أول من أشار لمسألة الغدير، لكن الذي يُفهم من كلامه أن
خطبة الغدير كانت غامضة فحصل خلاف بين الصحابة في فهم معناها، حيث يقول الراوي: [فقالت الأنصار: ما أقامه للخلافة، وقال
بعضهم: ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه مولى من كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
مولاه، وكثر الخوض في ذلك فبعثنا رجالا منا إلى رسول الله فسألوه عن ذلك فقال:
قولوا لهم عليٌّ ولي المؤمنين بعدي وأنصح الناس لأمتي..]. وهنا أيضاً لا نرى
كلاماً صريحاً في الخلافة والنص على علي بالحكومة والإمارة بأمر من الله عز وجل، بل
إن دل كلام الراوي على شيء فإنه يدل على إثباته النقص والقصور في بيان رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) (حاشاه من ذلك)(154).
أما
الإشكال الأكبر من هذا، في هذه الرواية، فهو أن التواريخ تؤكد أن "أبا عمارة خزيمة بن ثابت الأوسي، ذي
الشهادتين" و" أبا الهيثم مالك بن
التيهان الأوسي" رغم كونهما من أنصار ومؤيدي علي عليه السلام، لم يكونا قطعا من
المعتقدين بالنص النبوي الإلـهي على إمارته. ينقل "أحمد بن يحيى البلاذري" في كتابه "أنساب الأشراف" الذي يعد من أقدم
التواريخ الإسلامية، أن هذان الشخصان كانا مترددين حتى في القتال إلى جانب علي في
حربه مع معاوية، مع وضوح عدم حقانية معاوية وبغيه فيها!، وبقوا مترددين في المشاركة
مع علي في القتال إلى أن استشهد - في صف علي - عمار بن ياسر رضي الله عنه عند ذلك
وضح الحق لهما، فخاضا الحرب بكل إخلاص إلى جانب علي عليه السلام واستشهدا في نصرته!
قال البلاذري: «عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، قال: شهد خزيمة
الجمل فلم يسل سيفاً وشهد صفين فقال لا أقاتل أبداً حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله
فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: تقتله الفئة الباغية، قال:
فلما قتل عمار، قال خزيمة: قد بانت الضلالة فقاتل حتى قتل»(155).
ويروي الكشي في كتابه الرجال (ص 51)
نقلا عن محمد بن عمار بن خزيمة أيضاً: «ما زال جدي بسلاحه يوم الجمل وصفين، حتى قتل
عمار، (فعند ذلك) سـلَّ سيفه حتى قُـتِل».
وكذلك ذكر "البلاذري" في "أنساب
الأشراف" عن أبي الهيثم: «حضر أبو الهيثم بن التيهان الصفين، لما رأى
عمارا قد قتل، قاتل حتى قُـتِل، فصلى عليه علي ودفنه»(156).
ولذلك
فقد كان اختيار واضع رواية الاحتجاج لهاتين الشخصيتين لأداء ذلك الدور الذي نسبه
لهما اختيارا غير موفق وغير خبير!!
ثم
تذكر رواية الاحتجاج أن المعترض الرابع كان سهل بن حنيف الذي قام وشهد أنه رأى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) في هذا المكان (يعني روضة المسجد النبوي) وقد أخذ بيد
علي وقال: أيها الناس هذا علي إمامكم من
بعدي ووصيي في حياتي وبعد وفاتي..] ولكنه لم يشر لموضوع الغدير، وقام بعده أخوه
عثمان بن حنيف فقال: [سمعنا رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم
الولاة من بعدي]، وكان آخر المتكلمين أبو أيوب الأنصاري الذي بدأ كلامه قائلا:
[اتقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيكم
ارددوا إليهم حقهم...] ثم ذكر
فضيلة لأهل البيت ولعلي دون أن يأت بأي ذكر لقضية غدير خم.(157)
رغم
أن متن هذا الحديث يكفي للحكم بوضعه، لكننا سنفرض جدلاً أنه صحيح وأن هذا الاعتراض
من أولئك الاثني عشر قد تم فعلاً بالصورة المذكورة، فلنا أن نسأل: لو كان النبي
(صلى الله عليه وآله) قد نصَّ صراحةً على خلافة وإمارة علي في غدير خم وأخذ له
البيعة من الناس، ألم يكن من المنطقي أن يذكر أولئك المعترضون هذا الأمر قبل أي شيء
آخر باعتباره أوضح دليل وأقطع حجة على أن الخليفة الحق هو علي ولا يمكن أن يكون
غيره؟؟ أليس عدم ذكرهم لذلك يؤكد ما قلناه من أن قضية غدير خم لم تكن أبداً نصّاً
على علي بالخلافة بل كل ما في الأمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خشي من
عداوة بعض المسلمين لعلي، فأراد أن يبين للمسلمين وجوب محبته؟ بل يمكن القول أن هذا
الحديث من معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) إذ يشير إلى أن النبي نُبِّئ بما
سيلقاه عليٌّ في عهد خلافته من عداء ومحاربة، لذا أوصى بمحبته وموالاته مرات عديدة،
تلك المحبة والموالاة الصادقة التي تنفع عليّاً وتعينه على نصرة الحق ولا تتركه
لوحده، لا المحبة والولاء الادعائي الذي يكون وسيلة للتجرُّؤ على المعاصي وتعدي
حدود الله تعالى، كما يفعل اليوم عديد من الأراذل قائلين (حبُّ عليٍّ حسنـةٌ لا تضرُّ معها سيئة!)
فيغرّهم الشيطان بارتكاب المعاصي والآثام، لا والله.
و
يتابع الطبرسي روايته الواضحة الاختلاق والمنسوبة كذباً للإمام الصادق عليه
السلام فيقول:
[قال الصادق عليه السلام: فأُفْحِم أبو
بكر على المنبر حتى لم يَحِرْ جواباً، ثم قال: وُليتكم ولست بخيركم أقيلوني
أقيلوني! فقال له عمر بن الخطاب: انزل عنها يا لُكَع(158)،
إذا كنت لا تقوم
بحجج قريش، إذاً لم أقمت نفسك هذا المقام؟ والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم
مولى أبي حذيفة! قال: فنزل (أبو بكر) ثم أخذ (عمر) بيده وانطلق إلى منزله وبقوا
ثلاثة أيام لا يدخلون
مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن
الوليد ومعه ألف رجل فقال لهم: ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم؟ وجاءهم سالم
مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فما زال يجتمع
إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن
الخطَّاب حتى وقفوا بمسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال عمر: والله يا
أصحاب علي لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه.
فقام إليه
خالد بن سعيد بن العاص وقال: يا بن صهاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا أم بجمعكم
تفزعوننا، والله إن أسيافنا أحد من أسيافكم وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين لأن حجة
الله فينا، والله لولا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى بي لشهرت
سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري.
فقال
أمير المؤمنين: اجلس يا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك، فجلس وقام إليه
سلمان الفارسي فقال: الله أكبر الله أكبر سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بهاتين الأذنين وإلا صمتا يقول: "بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه
إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه، فلست أشك إلا وأنكم
هم"، فَهَمَّ به عمر بن الخطَّاب فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ بمجامع
ثوبه ثم جلد به الأرض ثم قال: يابن صهاك الحبشية لولا كتابٌ من الله سبق وعهد من
رسول الله تقدم لأريتك أيُّنا أضعف ناصرا وأقل عددا. ثم التفت إلى أصحابه فقال:
انصرفوا رحمكم الله، فوالله لا دخلت المسجد إلا كما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال
له أصحابه: "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هيهنا قاعدون" والله لا دخلته إلا لزيارة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو لقضية أقضيها فإنه لا يجوز بحجة أقامها رسول
الله (صلى الله عليه وآله) أن يترك الناس في حيرة](159)
قلت:
إن هذه القصة المختلقة أشبه ما تكون بحكايات القصاصين في القهاوي الشعبية التي
يثيرون بها السذَّج من
العوام البسطاء
تلقاء أجر من المال. وللأسف فإن كتاب الاحتجاج مليء بأمثال هذه القصص الخرافية، من
جملتها تلك الرواية التي ذكرها عقب روايته السابقة، عن عبد الله بن عبد الرحمن قال:
[ثم إن عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة
وينادي: ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة، فينثال الناس يبايعون، فعرف
أن جماعة في بيوتٍ مستترون(160)،
فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون حتى إذا مضت أيام أقبل في
جمع كثير إلى منزل علي عليه السلام فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب ونار وقال:
والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه. فقيل له: إن فاطمة بنت رسول الله
وولد رسول الله وآثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه، وأنكر الناس ذلك من
قوله، فلما عرف إنكارهم قال: ما بالكم أتروني فعلت ذلك إنما أردت التهويل، فراسلهم
علي أن ليس إلى خروجي حيلة لأني في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنيا
عنه، وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أدع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن.
قال:
وخرجت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت: لا
عهد لي بقوم أسوء محضرا منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين
أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم ولم تؤمرونا ولم تروا لنا حقا، كأنكم لم تعلموا ما
قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك الرجاء، ولكنكم
قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيكم، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا
والآخرة](161).
قلت:
إن الراوي عبد الله بن عبد الرحمن هذا، لا يُعْرَفُ من هو، ويظهر أنه نفس " عبد
الله بن عبد الرحمن الأصم المسمعي البصري " الذي اعتبرته كتب الرجال ضعيفا وليس
بشيء، وذكر عنه الغضائري " أنه وضع زيارات
تدل على خبث عظيم ومذهب متهافت وكان من كذَّابة أهل البصرة "(162).
أجل
لا يروي مثل تلك الأكاذيب وينسبها للآخرين إلا أمثال هؤلاء الغلاة الذين
لا يتورعون
عن الكذب لخدمة هواهم!
ثم
يذكر صاحب الاحتجاج رواية يرويها عن "سليم
بن قيس الهلالي" عن سلمان الفارسي أنه قال: [أتيت عليّاً عليه السلام وهو يغسّل رسول الله
(صلى الله عليه وآله)، وقد كان أوصى أن لا يغسّله غير علي عليه السلام، وأُخْبِرَ
أنه لا يريد أن يقلب منه عضوا إلا قُلِبَ له، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام
لرسول الله (صلى الله عليه وآله): من يعينني على غسلك يا رسول الله؟ قال جبرئيل.
فلما غسّله وكفّنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم السلام
فتقدم وصففنا خلفه فصلى عليه وعائشةُ في الحجرة لا تعلم قد أخذ جبرئيل ببصرها، ثم
أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون، حتى لم يبق من المهاجرين
والأنصار إلا صلى عليه، وقلت لعلي عليه السلام حين غسّل رسول الله (صلى الله عليه
وآله): إن القوم فعلوا كذا وكذا وإن أبا بكر الساعة لعلَى منبر رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وما يرضى الناس أن يبايعوا له بيد واحدة إنهم ليبايعون بيديه جميعا
يمينا وشمالا. فقال علي عليه السلام: يا سلمان فهل تدري من أول من يبايعه على منبر
رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقلت: لا إلا أني قد رأيته في ظلة بني ساعدة حين
خُصِمَتِ الأنصار، وكان أول من بايعه بشير بن سعد ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم عمر بن
الخطَّاب ثم سالم مولى أبي حذيفة و[معاذ بن جبل]. قال: لست أسألك عن هذا، ولكن تدري
من أول من بايعه حين صعد منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قلت: لا ولكني رأيت
شيخا كبيرا متوكئا على عصاه بين عينيه سجادة، شديد التشمير وهو يبكي ويقول: الحمد
لله الذي لم يمتني ولم يخرجني من الدنيا حتى رأيتك في هذا المكان ابسط يدك أبايعك،
فبسط يده فبايعه ثم نزل فخرج من المسجد. فقال لي علي عليه السلام: يا سلمان وهل
تدري من هو؟ قلت: لا ولكني ساءتني مقالته كأنه شامت بموت رسـول الله (صلى الله عليه
وآله). قال عليٌّ: إن ذلك إبليس لعنه الله!](163).
و
يتابع "سليم بن قيس" هذا
الهراء
وحديث الخرافة،
فيذكر كيف حمل عليٌّ فاطمة على حمار وأخذ ابنيه الحسن والحسـين يستنصر الناس على
أبي بكر، فلم يستجب له في النهاية إلا أربعة هم سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير! ثم
يحكي كيفية مطالبة أبي بكر وعمر علياً بالبيعة وإجباره بالعنف على ذلك، وتآمر مؤيدي
أبي بكر على قتل عليٍّ وسبّ الزبير لعمر وقصة الستة أهل تابوت جهنم وأصحاب الصحيفة
الملعونة!...إلخ.
و
إذا وصل الأمر لسليم بن قيس فلا بد من
كلمة عنه، فقد أكثر صاحب "الاحتجاج"
من نقل أمثال هذه الروايات - التي لا ريب أنها من
موضوعات الغلاة
- عنه، ولا نستغرب من سليم بن قيس أمثال هذه القصص،
فعدد من العلماء يتفقون معنا في تكذيبه والحكم بالوضع وعدم
الأصالة على
كتابه الذي يروج له يعض
الوعاظ
من
أنصاف المتعلمين عندنا
ويسمونه بـ"أبجد الشيعة" أو "أسرار آل محمد"! ويجعلون قراءته فرضاً
على كل شيعي! - فلنر موقف المحققين من رجاليينا (أي
علماء الرجال الشيعة) من
سليم بن قيس هذا وكتابه:
+
+
+
قول محققي العلماء في
سليم بن قيس
الهلالي
وكتابه
زبدة
القول بشأن سليم بن قيس وكتابه ما قاله ابن الغضائري: [.. وكان أصحابنا يقولون أن سليما لا يُعْرَف ولا
ذُكِرَ في حديثٍ، وقد وجدتُ ذكره في مواضع من غير جهة كتابه ولا من رواية أبان بن
عياش عنه، وقد ذَكَرَ ابن عقدة في رجال أمير المؤمنين عليه السلام أحاديث عنه،
والكتاب موضوع لا مرية فيه، وعلى ذلك علامات منها ما ذكر أن محمد بن أبي بكر وعظ
أباه عند الموت ومنها أن الأئمة ثلاثة عشر وغير ذلك](164)،
وذلك لأن سن محمد بن أبي بكر عند وفاة أبيه، لم تكن تتجاوز السنتين وعدة أشهر، فكيف
وعظ أباه وهو بهذه السن؟!(165)
وأمثال
تلك الأخطاء الفاضحة في هذا الكتاب كثيرة، منها أنه أورد في أحد أحاديثه التي رواها
- بغرض إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر - حديثاً مطولاً يروي فيه عن علي عليه السلام
أن رسول الله (صلىالله عليه وآله وسلم) قال له: «لست أتخوف
عليك النسيان والجهل ولكن اكـتُـبُ لشركائك الذين من بعدك...» فيسأله عليٌّ عليه السلام: ومن شركائي يا رسول الله؟
فيعرِّفه الرسول على الأئمة من ولده.
هذا
الحديث، - حسبما جاء في كتاب "إثبات
الهداة" للحر العاملي (ج2/ص 455) - رواه "الفضل بن شاذان" في كتابه "إثبات الرجعة" ونقله عنه الشيخ الصدوق فقال: «عن سليم بن
قيس أنه حدث الحسن والحسين بهذا الحديث بعد موت معاوية، فقالا: صدقت يا سليم! حدثك
أمير المؤمنين ونحن جلوس...». هذا في حين أن
الإمام الحسن المجتبى عليه السلام كان قد توفي قبل وفاة معاوية بعشر سنوات، إذ توفي
الحسن سنة خمسين للهجرة وتوفي معاوية سنة ستين باتفاق المؤرخين، فكيف تـأتَّـى
لسليم أن يعرض هذا الحديث على الحسن
وأخيه بعد وفاة معاوية؟!! فهذا
كاف لبيان مدى الجهل الفاضح، لواضع هذا الحديث، بالتاريخ.
من
هنا فقد أورد العلامة الشـوشـتري في
كتابه "قاموس الرجال" (ج4/ص44) نقولاً
عن عدد من العلماء في ذم هذا الكتاب واعتباره موضوعا (مختلقا) من أساسه.
و
قال الشيخ المفيد في شرحه لعقائد الصدوق (الصفحة 72): [إن هذا الكتاب غير موثوق به وقد حصل فيه
تخليط وتدليس ولا يجوز العمل على أكثره فينبغي للمتديِّن أن يجتنب العمل بكل ما
فيه].
و
قال ابن أبي داود الحلي في رجاله: [سليم
بن قيس الهلالي ينسب إليه الكتاب المشهور وهو موضوع بدليل أنه قال إن محمد بن أبي
بكر وعظ أباه عند موته وقال فيه إن الأئمة ثلاثة عشر مع زيد وأسانيده مختلفة. لم
يرو عنه إلا ابن أبي عياش، وفي الكتاب مناكير مشتهرة وما أظنه إلا
موضوعاً](166).
أما
العلامة الحلي فقد حاول في كتابه " خلاصة الأقوال في معرفة الرجال" تعديل
سليم بن قيس حيث قال: [و الوجه عندي الحكم
بتعديل المشار إليه والتوقف في المفاسد من كتابه]، لكن "الشهيد الثاني" انتقد ذلك قائلاً فيما
علقه بخطه على الخلاصة: [وأما حكمه
بتعديله فلا يظهر له وجه أصلاً، ولا وافقه عليه غيره] كما قال بشأن كتابه: [في الطريق ابراهيم بن عمر الصنعاني وأبان بن
أبي عياش طعن فيهما ابن الغضائري وضعَّفهما، ولا وجه للتوقُّف في الفاسد (من كتابه)
بل في الكتاب (كله) لضعف سنده على ما رأيت، وعلى التنـزّل كان ينبغي أن يُقال: ورد
الفاسد منه والتوقف في غيره](167).
و
النتيجة أن الكتاب ساقط وموضوع من أصله، وعلاوة على ذلك فقد صرح علماء الرجال بأن
كتاب "سليم بن قيس" لم يُرْوَ إلا من
طريق رجل واحد هو "أبان بن أبي عياش"،
وهو مجروح مضعَّف في كتب الرجال:
أ-
ففي كتاب "مجمع الرجال" للقهبائي (ص 16) قال: [غض: أبان بن أبي عياش ضعيف لا يُلْتَفَتُ
إليه وينسِب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه].
ب-
وضعَّفه ابن داود في كتابه "الرجال" (ص 414) بنفس تلك
العبارات.
ج-
وأورده الشيخ طه نجف أيضاً في (ص 254) من كتابه " إتقان الرجال " في عداد
الضعفاء.
د-
وقال التفرشي في "نقد الرجال" (ص 4) [أبان
بن عياش تابعي ضعيف لا يُلتفت إليه ونُسِبَ وضع كتاب سليم بن قيس
إليه].
فإن
قيل: إذا كان الكتاب ضعيفاَّ ومتهافتاً لهذه الدرجة(168)
فما
السر في توقف بعض أكابر العلماء فيه، كما فعل العلامة الحلي وغيره، فلم يردوه
مطلقا؟ فالجواب واضح: لو تخلوا عن كتاب
سليم بن قيس وكتاب "الاحتجاج"
للطبرسي وأمثالهما من الكتب ككتاب "إرشاد
القلوب" للديلمي، وكتاب "غاية المرام" للبحراني، والمئات من أمثال هذه الكتب
المليئة بالأخبار
والروايات الضعيفة والموضوعة بحكم
العقل والوجدان والتي علامات الوضع فيها ظاهرة، لما بقي في لديهم
شيء هام
يثبتون
به النص الصريح أو بقية الأمور التي يدعونها. فهذه
الكتب وأمثالها
هي
السند
الأساسي والحجج
القاطعة
(!) للقائلين بالنص.
و
ما دمنا قد ذكرنا كتاب "إرشاد القلوب"
للديلمي، فلا بأس أن نشير أيضاً
إلى
طرف مما رواه حول موضوع السقيفة وبيعة أبي بكر رضي الله عنه، لنرى إلى أي حد
حُشِيَتْ به هذه القصة بالأكاذيب والخرافات، في أمثال هذه الكتب، فقد روى الديلمي
احتجاجاً
طويلاً
لعليٍّ على أبي بكر لتولّيه
الخلافة وصل لغاية أن قال علي لأبي بكر: [الله ورسوله عليك من الشاهدين يا أبا بكر إن
رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله حياً يقول لك إنك ظالم في أخذ حقي الذي جعله
الله ورسوله لي دونك ودون المسلمين أن تسلم هذا الأمر إلي وتخلع نفسك؟ فقال أبو
بكر: يا أبا الحسن! وهذا يكون أن أرى رسول الله حيا بعد موته فيقول لي ذلك؟ فقال له
أمير المؤمنين عليه السلام نعم يا أبا بكر، قال: فأرني إن كان ذلك حقا...قال: تسعى
إلى مسجد قبا، فلما ورداه... فإذا هما برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس
في قبلة المسـجد، فلما رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشي عليه فناداه رسول الله: ارفع
رأسك أيها الضليل المفتون..... ويلك يا أبا بكر أنسيت ما عاهدت الله ورسوله عليه في
المواطن الأربعة لعلي عليه السلام...قال: هل من توبة يا رسول
الله؟...إلخ](169).
ثم يروي أن أبا بكر رضي الله عنه ندم على تولِّيه الخلافة وقرَّر أن يذهب لمسجد
الرسول (صلى الله عليه وآله) ليعلن انسحابه منها وتسليمها لعلي فلما علم عمر بذلك
أخذ يثنيه عن ذلك فقال له أبو بكر: إنك شيطاني يا عمر.... ثم أقنعه عمر أن يذهب إلى
بيته بحجة الوضوء فيشرب خمرا - وهم في شهر رمضان! - ويقول شعراً ينضح
بالكفر(170)....
بعدها يروي قصة محاربة أشجع بن مزاحم الثقفي - الذي كان من مؤيدي أبي بكر - لعلي
بصورة لا يمكن حتى لمجنون أن يصدقها، إذ يروي أن أمير المؤمنين خرج من المدينة
لحيازة ضيعة له فوقعت مواجهة بينه وبين أشجع تحولت لمعركة، ولما ظهرت علائم الهزيمة
على أشجع، سارع أبو بكر بإمداد أشجع في حربه لعلي بفريق من المقاتلين، لكن هذا لم
يحل دون انتصار علي على أشجع وأسره له ثم فعل علي كذا وكذا... وحقا إن الإنسان
ليستحي
من
قراءة مثل هذه الأباطيل والخزعبلات. أجل بمثل هذه الأساطير والأوهام أرادوا أن
يثبتوا النص على علي، فأوهنوا بالأحرى أسس دين الإسلام، وهم لا يشعرون!
+
+
+
خلاصـة
ما
سبق
1-
لو
كانت مسألة الإمامة - التي اختلفت الأمة حولها كل هذا الاختلاف وألفت فيها مئات بل
آلاف الكتب - هامة فعلاً إلى هذا الحد في نظر الشارع، أعني لو كان الشارع تبارك
وتعالى قد اختار لها أشخاصاً معينين فرض طاعتهم المطلقة على العالمين، تماماً كطاعة
الأنبياء والمرسلين؛ لحكم العقل والوجدان أن يبين الله عز وجلّ ذلك في تنزيله
العزيز وذكره الحميد بأوضح بيان وأن يحفظ هذه الآيات، بقدرته، من عبث العابثين، حتى
لا تختلف الأمة ولا تضل.
2-
يحكم
العقل أيضاً أن تعيين أئمة وحكام معينين لأجل شريعة أبدية ستبقى حتى يرث الله الأرض
ومن عليها، أمر غير مناسب ولا معقول، بل يعد نقضا لأبدية هذا الدين؛ إذ كيف يعيَّن
له عدد محدود من الأئمة هم اثنا عشر فقط، مع أنه دين خاتم باقٍ ما دامت السموات
والأرض؟
3-
تعيين
أشخاص معينين لحكم المسلمين بأمر الله تعالى إلى يوم الدين يضيق دائرة تكليف
المؤمنين وميدان عملهم وتكاملهم، ويضعف حريتهم واختيارهم ويذهب بالتالي بهدف النبوة
الخاتمة كما سبق توضيحه، كما أنه يناقض أساس الشرائع الإلـهية، والهدف الذي لأجله
خلق الله البرية والذي يستلزم وجود الاختيار والافتتان ليمتحن الله تعالى الناس
ويرى أيهم أحسن عملا؟!
4-
لو
كانت مسألة النص على الإمام على ذلك المقدار من الخطورة والأهمية لبلغها الرسول صلى
الله عليه وآله بشكل واضح وصريح ولنادى بها في الملأ العام ولأعلن بها كل صباح
ومساء، ولما اقتصر على حديث الغدير الذي لم يستطع حتى أقـرباء وأنصار علي عليه
السلام أن يدركوا منه معنى التعيين لمنصب الخلافة والإمامة، كما مر معنا من مقالة
أبي الهيثم بن التيهان لدى ذكر احتجاج الاثني عشر شخصاً على أبي بكر، على الرغم من
أن الحديث،في الغالب، موضوع من أساسه، لكنه على أي حال إقرار من واضعه بغموض دلالة
الحديث على النصب للإمامة.
وكذلك
لا يمكن اعتبار أحاديث مثل حديث "الطير المشوي" وحديث "المؤاخاة" وحديث "إعطاء
الراية" وأمثالها من الأحاديث الواردة في كتب الفريقين في مناقب وفضائل علي عليه
السلام دليلا على النص عليه وتعيينه إماماً مفترض الطاعة من قِبَلِ الله تعالى على
المؤمنين طاعة مطلقة كطاعة الرسول صلى الله عليه وآله؛ نعم هي أحاديث صحيحة في فضل
علي عليه السلام وعظيم مقامه، لكنها ليست مستندا للقول بإمارته وخلافته المنصوص
عليها من الله بل أكثر ما تفيده أولويته وأفضليته لمنصب الإمارة والخلافة بلا شك.
5-
كان
حديث الغدير - الذي هو أهم ما يستند إليه القوم في إثبات النص على علي بالإمامة -
بعيداً جداً في نظر الصحابة عن إفادة هذا المعنى لدرجة أن أحداً منهم لم يستند إليه
للاستدلال على النص على الإمام ولم يستفد منه موضوع الإمارة والخلافة! هذا في حين
أن الأنصار لما ذُكِّروا بحديث "الأئمة من قريش"، الذي ربما لم يسمعه من النبي
(صلىالله عليه وآله وسلم) إلا القليل، تقاعدوا عن الإصرار على تولي منصب الإمامة
واقتنعوا بحجة المهاجرين عملا بقول نبيهم الكريم، فكيف كان من الممكن أن يعرضوا عن
نص صريح دال على إمامة علي عليه السلام؟؟! هذا مع التذكير بما قلناه مراراً أن
عليّاً عليه السلام كان دائماً محباً وحامياً للأنصار (أي لم يكن عندهم أي داع لرفض
إمامته عليهم).
أجل
لم يكن لحديث الغدير من الأهمية، حتى في أنظار شيعة علي وأنصاره، ما كان لحديث رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمّار بن ياسر رضي الله عنه: [تقتلك الفئة الباغية](171)
والذي
ربما لم يقله أكثر من مرة واحدة، لكنه كان في نظر الصحابة على درجة من الأهمية بحيث
أنه لما قتل عمّار في وقعة صفين على أيدي جيش معاوية، وقعت ضجة واضطراب وصخب في
صفوف الطرفين، حتى كاد جيش معاوية ينقلب ضده أو على الأقل يتخلى عنه وعن القتال
معه، هذا من جهة جيش معاوية، ومن الجهة الأخرى أقدم عدد من المتردِّدين من أصحاب
علي - بعد استشهاد عمار - على الحرب معه ضد معاوية وجنده بكل ميل ورغبة، حتى أن
خزيمة بن ثابت رضي الله عنه، الذي جعله صاحب كتاب الاحتجاج أحد المحتجين الاثني عشر
على أبي بكر، لم يكن مستعداً في البداية أن يشهر سيفه ويقاتل إلى جانب علي في صفين
بيقين واطمئنان! - كما يروي ذلك البلاذري صاحب أحد أقدم الكتب التاريخية
أي كتاب "أنسـاب الأشـراف" - لكنه لما
علم باستشهاد عمار وقتله على يد فئة معاوية أيقن أن معاوية وجماعته هم البغاة بنص
الحديث فأقدم بكل حماس وإيمان على القتال إلى جانب علي حتى نال شربة الشهادة رضي
الله عنه(172).
إذن كان حديث " عمار مع الحق، تقتله الفئة
الباغية "، في نظر خزيمة، أهم من حديث: "عليّ مع الحق"، فضلاً عن حديث: "من كنت مولاه فعليٌّ مولاه..الخ"، وكذلك
أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه، الذي يذكر صاحب كتاب الاحتجاج عنه أيضاً أنه
كان من المحتجين الاثني عشر على أبي بكر رضي الله عنه، لم يكن مستعداً للقتال في صف
علي عليه السلام في بداية صفين إلى أن استشهد عمار، عندها أقدم على القتال إلى جانب
علي حتى نال الشهادة، كما نقل عنه هذا الأمر "البلاذري" أيضاً في كتابه المذكور (ج2/ص
319).
إذاً
لو كان حديث الغدير "من كنت مولاه فهذا
علي مولاه.." يدل على الإمارة والخلافة المنصوص عليها من الله تعالى لعليّ لما
أعرض عنها أولـئك الأصحاب أبداً، ولذكرها واستند إليها الأنصار على الأقل.
أما
خطبة الغدير الطويلة جداً
التي يُذكَر فيها النص على إمارة وخلافة علي بكل صراحة ووضوح والتي توردها بعض كتب
الشيعة منسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، كتلك التي يرويها الطبرسي في
كتابه "الاحتجاج"، فهي خطبة موضوعة
مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وفيما يلي بيان
ذلك:
+
+
+
تمحيص سند خطبة
الغـديـر
الطويلة
يروي
الطبرسي في كتابه "الاحتجاج" بقوله:
حدثني.. ويذكر سلسلة مشايخ إجازته إلى قوله:[قال: حدثنا محمد بن موسى الهمداني قال حدثنا
محمد بن خالد الطيالسي قال حدثني سيف بن عميره وصالح بن عقبة جميعا عن قيس بن سمعان
عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعـفر محمد بن علي عليه السلام...... ويسوق الحديث الطويل (الذي يقع في
29 صفحة مع الحواشي!) عن
جابر
عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله)](173).
فلنبدأ
ببيان الحال التعيسة لمحمد بن موسى الهمداني:
1-
قال التفرشي في "نقد الرجال" (ص336): [محمد بن موسى الهمداني ضعَّفه القميُّون
بالغلوِّ وكان ابن الوليد يقول إنه كان يضع الحديث. (غض) ضعيف يروي عن
الضعفاء].
2-
في "تنقيح المقال" للممقاني (ج3/ ص 194)، ضمن بيانه لحال الرجل قال عنه أنه وضع
كتابا باسم زيد النرسي وضع فيه أحاديث كثيرة!.
3-
في قاموس الرجال للعلامة التستري (ج 8/ ص 409)، بعد أن بين حاله خلص إلى القول: [فضعفه اتفاقي، قال به ابن الوليد وابن بابويه
وابن نوح وفهرست الطوسي والنجاشي وابن الغضائري].
4-
وأورده ابن داود الحلي في (ص 512 من) "رجاله" في القسم الثاني المخصص للمجروحين
والمجهولين وذمه بوضع الحديث والغلو.
5-
وقال النجاشي في (ص 60 من كتابه) "الرجال": [محمد بن موسى الهمداني ضعَّفه
القميُّون بالغلوِّ وكان ابن الوليد يقول إنه كان يضع
الحديث].
6-
أورده الشيخ طه نجف أيضاً في "إتقان المقال" (ص 260) ضمن قسم الضعفاء والغلاة،
واعتبره الميرزا الاسترآبادي في "منهج المقال" (ص 327) غالياً وضاعا للحديث، وقال
أن الشيخ الصدوق ضعفه. كما اعتبره الأردبيلي في "جامع الرواة" (ج2/ ص 205) من
الضعفاء.
أما
عن سيف بن
عميره:
1-
فقد نقل الممقاني في تنقيح المقال (ج2/ص 79) عن الشهيد الثاني تضعيفه. وقال عنه
أيضاً: [و من موضع من كشف الرموز أنه
مظنون وعن موضع آخر أنه مطعون فيه وملعون]
2- وأورده الشيخ طه نجف في "اتقان المقال"
(ص 299) مع الضعفاء.
وأما صالح بن عقبة:
1-
فأورده العلامة الحلي في خلاصته (ص 230) في القسم الثاني الخاص بالضعفاء وقال:
[صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان، روى عن أبي عبد الله كذَّاب غال لا يُلْتَفَتُ
إليه].
2-
وأورده ابن داود في الرجال (ص 462) في قسم المجروحين والمجهولين وقال عنه: [ليس
حديثه بشيء، كذاب غال كثير المناكير]. وهكذا وصفوه في سائر كتب الرجال بأنه [غال
كذاب لا يُـلتَـفَت إليه..].
إذن
لا ريب في أن خطبة الغدير الطويلة المفصلة هذه رواية
موضوعة مكذوبة من اختراع
الغلاة الوضَّاعين. هذا من ناحية السند أما من ناحية المتن فهناك قرائن قاطعة أخرى
على وضعها نوجزها فيما يلي:
1-
كما قلنا إذا كان حديث [عمار تقتله الفئة الباغية] قد هز بشدة حتى أصحاب معاوية حتى
كاد جيشه يتصدع، وحتى خشي معاوية أن ينقض عليه بعض جنده، فاستطاع بمكره وحيلته أن
يقلب الحقائق ويزعم لهم أن عليّاً هو الذي قتل عماراً لأنه أخرجه معه إلى المعركة
رغم كبر سنه الذي كان يتجاوز التسعين!! واستطاع بهذه الحيلة أن يخمد الشغب، فإنه من
المحال أن يكون هناك نصٌّ صريحٌ وواضحٌ - مثل هذه الخطبة - على علي بالإمارة وولاية
الأمر ثم يهمله مثل أولئك الصحابة ولا يعتنوا به أدنى اعتناء لا لشيء إلا لأجل أبي
بكر الذي لم يكن يملك عدّةً ولا عدداً لتحقيق مقصده بالقوة، بل كان عليٌّ أكثر منه
عشيرةً ولم يكن أدنى منه مالاً وقوةً، فيعدلوا عناداً عمَّن نصبه لهم ربهم تبارك
وتعالى ويعهدوا بمنصبه لآخر، قَسماً بالله إنها لتهمة كبيرة وسوء ظن عظيم أن يُنسَب
مثل هذا الأمر لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) المجاهدين الصابرين الأنصار
المهاجرين.
2-
لم يحصل أن استنبط واستنتج أي شخص من حديث الغدير وسائر الأحاديث، التي تستدل بها
الإمامية، خلال كل النصف الأول من القرن الهجري الأول على الأقل، النصَّ النبويَّ
على علي إماماً وحاكما بأمر الله، ولا يمكنك أن تجد أي حديث صحيح يبين استناد نفس
أمير المؤمنين عليه السلام إلى قضية النص ولا استناد أي من أولاده خلال النصف الأول
من القرن الأول، بل كان علي يرى، استنادا إلى مناقبه وعلمه وعظيم بلائه في الإسلام
وشدة قربه والتصاقه بالرسول (صلى الله عليه وآله) الذي لا يدانيه فيه أحد،و هذه أهم
نقطة في الأمر،أنه أولى وأحق الناس بمقام خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وإمامة المسلمين، وتلك بالضبط كانت عقيدة أنصاره ومحبيه الميَّالين إليه من
الصحابة، وعليه، فلو كان هناك نص صريح في نصب الله تعالى لعلي إماماً لاستند إليه
قطعا أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وشيعة علي ومحبيه، وعلى الأقل لاستند
إليه علي نفسه، في حين أن شيئاً من هذا لم يحصل، ولا يوجد مثل هذا الادعاء أو
المطالبة في تمام ما نقل إلينا من احتجاجات لعلي وأنصاره بعد بيعة أبي بكر. نعم،
لما أدت الصراعات السياسية فيما بعد إلى نشوء فرق عديدة كالكيسانية والمرجئة
والخطابية والراوندية...إلخ بدأنا نجد أمثال هذه الروايات الصريحة - التي أكثرها
مكذوب وموضوع - في النص على عليّ والاستناد إليها لإثبات إمامته المنصوص عليها من
قبل الله عز وجل.
3-
إن المطالعة الدقيقة والخالية من التعصب للتواريخ الإسلامية تبين أنه في ذلك الزمن،
كان أهم ما يستند إليه الذين يرون أنفسهم أحق وأليق وأولى بالخلافة، موضوع النسب
والقبيلة أو مقدار الصلة والقرب العائلي أو القبلي من شخص رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم)، لذا نجد أبا بكر رضي الله عنه يستند، للرد على منافسه سعد بن عبادة،
إلى الحديث المعروف "الأئمة من قريش"، وهو في تصوري حديث إخباري وليس إنشائياً أي
أنه يخبر فقط عما سيحصل لا أنه يأمر بذلك، وإلا لكان فيه نوع من التأييد للعصبية
القبلية والقومية، ولذا فإن عمر رضي الله عنه وهو الصديق الوفي لأبي بكر رضي الله
عنه، كذّب صحة هذا الحديث (أو دلالته على انحصار الإمامة بقريش وأحقيتها به) عندما
قال عند وفاته أنه لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لما عدل عنه، مع أن سالماً هذا
ليس بقرشي. ونفس الأمر سار عليه الخلفاء الأمويون والعباسيون الذين حكموا المسلمين
سنوات طويلة في ادعائهم أحقيتهم بالخلافة. والأعجب من ذلك أن بعض الأحاديث الشيعية
أيضاً كانت تنظر للخلافة ومن أحق بها، من زاوية القرابة أو الانتماء العائلي إلى
أرومة رسول الله صلى الله عليه وآله! فمن ذلك ما ورد في نهج البلاغة (خطبة67/ص98)
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه لما سمع احتجاج أبي بكر رضي الله عنه على الأنصار
بحديث "الأئمة من قريش" قال: [احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة!]، وكذلك ما ورد في
النهج أيضاً (باب الحكم: حكمة رقم190/ص503) وغيره من كتب السيرة والتاريخ أن علياً
عليه السلام قال معلقا على احتجاج أبي بكر رضي الله عنه على الأنصار:
فـإن كنت بالشورى ملكت أمورهم
فكيف بهذا والمُشـيرون غُـيَّبُ؟
وإن
كنت بالقربى حججت خصيمهم
فغـيرك أولـى بالنبـي وأقـربُ
وورد
في كتاب إثبات الوصية للمؤرخ المسعودي، كما ذكره المجلسي في بحار الأنوار (ج 8/ص
58)، ما يلي: [واتصل الخبر بأمير المؤمنين
بعد فراغه من غسل رسول الله وتحنيطه وتكفينه وتجهيزه ودفنه بعد الصلوة عليه مع من
حضر من بني هاشم وقوم من صحابته مثل سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وحذيفة وأبي بن
كعب وجماعة نحو أربعين رجلا، فقام خطيباً: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن كانت
الإمامة في قريش فأنا أحق قريش بها وإن لا تكن في قريش فالأنصار على دعواهم! ثم
اعتزل الناس ودخل بيته.] وبناءً عليه فإما أن تكون القرابة هي المعيار فعليٌّ
أقرب القوم إلى النبي صلى
الله عليه وسلم. وإما
ألا تكون، فإذن ادعاء الأنصار، في منطق أمير المؤمنين عليه السلام، ادعاء في محله
لأن الوطن وطنهم ودين الإسلام إنما قوي وارتفعت رايته بدارهم وبفضل إيوائهم ونصرتهم
له بالأنفس والأموال.
وهذه الحجة أيضاً نشاهدها في منطق شيعة
أمير المؤمنين عليه السلام - حسبما تنقله كتب الشيعة - كما مر معنا في احتجاج عمار
على أبي بكر حيث قال: [إن أهل بيت نبيكم
أولى به وأحق بإرثه... وقد علمتم أن بني هاشم أحق بهذا الأمر
فيكم!](174).
هذا
ولكن لما كانت مسألة التميز
أو التعصب
العشائري والقبائلي من آثار الجاهلية التي أبطلها الإسلام بقوله
تعالى ﴿ إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
وبقوله صلى الله عليه وسلم «لا فضل
لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى»(175)،
كما
سيأتي شرحه إن شاء الله، لذا لا مجال في الإسلام للحكم الوراثي والعائلي، فكل ادعاء
من هذا القبيل
ادعاء في غير محله ولا يؤيده العقل ولا النقل.
+
+
+
ادّعاء النصّ على
عليٍّ لم يَرِدْ في كلمات آل بيت النبيّ
وذريته
لم يأت أبداً في أقوال أولئك الذين عرفوا بالتقوى
والعلم والفضل من بين أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبناء أعمامه
وأحفاده وذريته، مثل هذا الادعاء بأن عليّاً عليه السلام قد نُصِبَ إماماً على
الأمة من قِبَلِ الله تعالى ورسوله، فقد مر معنا (ص127من هذا الكتاب) قول الحسن
المثنى بن الحسن المجتبى عليه السلام: [لو
كان النبي أراد خلافته لقال: أيها الناس هذا ولي أمري والقائم عليكم بعدي فاسمعوا
له وأطيعوا، (ثم أضاف): أقسم بالله
سبحانه أن الله تعالى لو آثر عليّاً لأجل هذا الأمر ولم يُقْـدِم عليٌّ كرَّم الله
وجهه لكان أعظم الناس خطأً].
و
مرّ
أيضاً قبل صفحتين قول أمير المؤمنين نفسه، حسبما أورده المسعودي في كتابه "إثبات الوصية"، أنه عليه السلام، لما سمع
أن الناس بايعوا أبا بكر رضي الله عنه قال: [إن تكن الإمامة في قريش فأنا أحق قريش وإن لم
تكن في قريش فالأنصار على دعواهم]، واعتزل الناس دون أن يذكر أي بيان أو احتجاج
آخر! فهل وظيفة المنصوص عليه من قبل الله تعالى ورسوله هي أن يذهب ويعتزل في بيته
دون أن يقوم بأي دعوة أو مطالبة؟! وكما ذكرنا سابقاً في رواية قيس بن عباد أن حضرة
علي قال: [والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو
عهد إلي رسول الله عهدا لجاهدت عليه ولم أترك ابن أبي قحافة يرقى درجة واحدة من
منبره!].
وأورد
الكشي في رجاله (ص 164 من طبعة النجف) قصة نقاشٍ وقع بين مؤمن الطاق وزيد بن علي
يدل على أنه لم يكن في أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علم بشيء اسمه
الإمامة المنصوص عليها من الله، قال: [إن مؤمن الطاق قيل له: ما جرى بينك وبين زيد
بن علي في محضر أبي عبد الله؟ قال: قال زيد بن علي: يا محمد بن علي! بلغني أنك تزعم
أن في آل محمد إماماً مـفترض الطاعة! قال: قلت نعم، وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم.
قال (أي زيد): وكيف وقد كان يؤتى بلقمة وهي حارة فيبرِّدها بيده ثم يلقمنيها،
أفترى يشفق علي من حر اللقمة ولا يشفق علي من حر النار؟](176)،
أي أن زيداً رضي الله عنه يؤكد أن والده لم يخبره بموضوع وجود إمام مفترض الطاعة من
الله! مما يفيد أن زيداً كان يرى في علي إماماً في الحلال والحرام فحسب، أي أنه إذا
قضى بشيء من أحكام الشرع كان ذلك حجة يجب على المؤمنين العمل بها باعتباره كان أعلم
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأحكام الحلال
والحرام.
و
هذا المعنى جاء أيضاً في رواية طويلة أوردها فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره (ص 181 طبع النجف) فيما يلي نصها:
[قال:
حدثنا أحمد بن القاسم معنعنا: عن أبي خالد الواسطي قال: قال أبو هاشم الرماني - وهو
قاسم بن كثير!(177)
- لزيد
بن علي: يا أبا الحسين بأبي أنت وأمي هل كان علي صلوات الله عليه مفترض الطاعة بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فضرب رأسه ورقَّ لذكر رسول الله صلى الله عليه
وآله، قال: ثم رفع رأسه فقال: يا أبا هاشم كان رسول الله صلى الله عليه وآله نبياً
مرسلاً فلم يكن أحد من الخلائق بمنزلته في شيء من الأشياء إلا أنه كان من الله
للنبي قال: ﴿ وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾
[الحشر:7] وقال: ﴿ مَنْ
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله ﴾
[النساء:80]، وكان في علي أشياء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان علي
صلوات الله عليه من بعده إمام المسلمين في حلالهم وحرامهم وفي السنة عن نبي الله
وفي كتاب الله، فما جاء به عليٌّ من الحلال والحرام أو من سنة أو من كتاب فرد الراد
على علي وزعم أنه ليس من الله ولا رسوله كان الراد على عليٍّ كافرا، فلم يزل كذلك
حتى قبضه الله على ذلك شهيدا، ثم كان الحسن والحسين فوالله ما ادعيا منزلة رسول
الله صلى الله عليه وآله ولا كان القول من رسول الله فيهما ما قال في علي غير أنه
قال: "سيدي شباب أهل الجنة" فهما كما سمى رسول الله كانا إمامي المسلمين أيهما أخذت
منه حلالك وحرامك وبيعتك فلم يزالا كذلك حتى قُبِضا شهيدين، ثم كنا ذرية رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم من بعدهما ولدهما ولد الحسن والحسين، فوالله ما ادعى أحد
منا منزلتهما من رسول الله ولا كان القول من رسول الله فينا ما قال في أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام، غير أنا ذرية رسول الله صلى
الله عليه وآله، يحق مودتنا وموالاتنا ونصرتنا على كل مسلم، غير أنا أئمتكم في
حلالكم وحرامكم يحق علينا أن نجتهد لكم ويحق عليكم أن لا تدعوا أمرنا من دوننا،
فوالله ما ادعاها أحد منا لا من ولد الحسن ولا من ولد الحسين أن فينا إمام مفترض
الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين. فوالله ما ادعاها أبي علي بن الحسين في طول
ما صحبته حتى قبضه الله إليه وما ادعاها محمد بن علي فيما صحبته من الدنيا حتى قبضه
الله إليه فما ادعاها ابن أخي من بعده لا والله ولكنكم قوم
تكذبون.
فالإمام
يا أبا هاشم منا المفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين: الخارج بسيفه، الداعي
إلى كتاب الله وسنة نبيه، الظاهر على ذلك، الجارية أحكامه، فأما أن يكون إمام مفترض
الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين متكئ فراشه مرجئ على حجته مغلق عنه أبوابه يجري
عليه أحكام الظلمة فإنا لا نعرف هذا يا أبا هاشم](178).
هذا
هو الكلام المتين والبرهان المبين الذي تفضل به جناب زيد بن علي بن الحسين عليه
السلام الذي يرى أن عليّاً إنما هو إمام المسلمين في بيان أحكام الإسلام من الحلال
والحرام، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علمه ذلك كله (بالإضافة لما
اختصه الله تعالى به من فهم متميز خاص للقرآن وفقهه) فما بينه من أحكام الشريعة وجب
على المسلمين الأخذ به، ونجد هذا واضحا في تاريخ الخلفاء الراشدين سيما أبي بكر رضي
الله عنه وعمر رضي الله عنه اللذان كانا يرجعان إليه ويستفسران رأيه في كل مسألة
عويصة تعرض عليهما فلا يعدلان عن رأيه أبداً فكانا يعتبرانه إماماً لهما في العلم
والدين إلى الحد الذي اشتهر عن عمر رضي الله عنه أنه قال في أكثر من سبعين موردا:
[لولا علي لهلك عمر] وكان كثيرا ما
يقول: [لا أبـقانـي الله بعـدك يا أبا
الحسن!](179)،
وفي نظر جناب زيد أن الحسن والحسين أيضاً كانا إمامين طوال مدة حياتهما بمعنى كون
كل منهما قدوة ومرجع للناس في بيان الحلال والحرام، وكذلك كان كل واحد من علماء أهل
البيت: سواء علي بن الحسين (زين العابدين) أم الحسن بن الحسن أم محمد بن علي
(الباقر) أم عبد الله بن الحسن بن الحسن (الكامل) أم زيد بن علي أم محمد بن عبد
الله (النفس الزكية)، إماماً ومرجعا للناس في عصره في الإرشاد وبيان الأحكام، وهذا
هو المعنى الصحيح لحديث الثقلين: [إني
تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي]، وبهذا المنطق فقط يمكن حل جميع
الاختلافات الدينية بين المسلمين وإعادة المياه إلى مجاريها وتحويل العداوة
والبغضاء إلى الأخوَّة والاتفاق، لا بسبِّ أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله)
والخلفاء أو سب واتهام سائر الفرق الإسلامية!
إنني
لا أتصور أنه يوجد بين المسلمين أحد ممن يرجو النجاة لنفسه من عقبات يوم القيامة
مَنْ
يرفض هذا المنطق - إلا من كان في قلبه مرض أو غرض ـ، فمَن مِن المسلمين يمكنه أن
ينكر فضائل علي عليه السلام مع كل تلك الأحاديث النبوية التي صدرت عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) طوال مدة حياته في حقه؟ من الذي يمكنه أن ينكر جهاد ذلك
الإمام الهمام وسيرته التي كلها تضحيات في سبيل نصرة الإسلام وإعلاء كلمته؟ في حين
أنه لا توجد مرحلة من مراحل الدعوة الإسلامية إلا وكان لعلي دور مؤثر في تقدمها
وعلو شأنها، وإن سيرته العطرة مليئة بالمواقف البطولية الخالدة والأعمال العظيمة
المحيرة، والقطرات التي بقيت من بحر علمه في عرضه لحقائق تعاليم الإسلام للناس،
تعتبر لوحدها محيطات لا حد لها يمكن ليس لأمة الإسلام فحسب بل للمجتمع البشري أن
يفخر بها ويتخذها نبراساً لحياته يسير على ضوئها لأجل تحقيق سعادة الدنيا والآخرة،
فإذا رأينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يثني عليه ويبين رفيع مقامه في كل
مناسبة ومقام ويعرِّفه للمسلمين كرمز للعلم والتقوى والصلاح والفلاح والأخلاق
الإسلامية، ويعتبره أهلا للإمامة وقيادة المسلمين، فإن هذا لا يعني أنه (صلى الله
عليه وآله) نصبه بنص تعييني وأمر إلهي للخلافة وحكم المسلمين بعد رسول الله أو
نَصَبَ أولاده حكَّاماً على المسلمين إلى يوم القيامة، بحيث لو رجع المسلمون إلى
غيره في أمر الحكومة والسياسـة واعتبروه أهلاً لإدارة أمورهم السياسية وأطاعوه
مادام ملتزماً بتطبيق أحكام القرآن والسنة كانوا من أهل النار أجمعين، إماماً
ومأمومين!
نعم
لو وجد من أهل بيت النبي وعترته من كان أفضل أهل زمانه في العلم والفضل والتقوى
والشجاعة والدراية فمن البديهي أنه يكون أولى وأحق من أي أحد سواه بإمامة المسلمين
وسياستهم، وعلى الناس أن ينتخبوه، طواعية من أنفسهم، لهذا المقام، وفي الغالب ما
يحصل هذا فعلاً لأن طبيعة الناس وميلهم ونفوسهم تتجه لاحترام رسول دينها ونبي
شريعتها وأهل بيته وذريته، وإذا شاهدنا عدول الناس لحد ما عن عترة الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم) في صدر الإسلام فلهذا علل سبقت الإشارة لها،
لكن مع ذلك نجد في تاريخ الإسلام أنه كلما قام رجل من أهل بيت رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) وعترته يدعو لإقامة الحق والعدل والقضاء على الجور الظلم والحكم
بالكتاب والسنة، التف حوله المسلمون من كل حدب وصوب وقاموا معه وجاهدوا تحت إمرته
حكام الوقت، كقيام العشرات من آل علي من
ذرية الحسن أو ذرية الحسين عليهما السلام، وآل
جعفر ضد خلفاء بني أمية وبني العباس مما تكفل كتاب "مقاتل الطالبيين" ببيان قصة جهادهم
وإمامتهم، وحتى هذا اليوم عندما يقوم رجل من المنتسبين للرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم) من أحفاد علي وفاطمة عليهم السلام لعزل الظلمة وإقامة حكم القرآن ويكون أهلاً
للإمامة والحكم والقيادة، فإن أكثر المسلمين يؤيدونه ويقومون معه وينصرونه رغم أن
أكثرهم يجهل كثيراً من تعاليم الإسلام، إذْ أصبح القليل من المسلمين في يومنا هذا
له معرفة صحيحة بأحكام الدين، ودخلت في هذا الدين - خلال السنين الطويلة التي مرَّت
على الإسلام منذ ظهوره وحتى اليوم - أغراض وأمراض من الصديق والعدو وتراكمت طبقات
كثيفة من غبار الأوهام والخرافات والبدع على الوجه النوراني للإسلام فغطته، فلم يعد
يدرك حقائقه النقية الناصعة إلا القليل ممن هداهم الله: ﴿ ذَلِكَ
هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ﴾
﴿ وَمَن
يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ﴾.
فإمامة
علي بمعنى كونه خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بعد رحلته، في بيان
أحكام الحلال والحرام وفي كونه مرجع الخاص والعام في الإرشاد والهداية ومعرفة أحكام
الشرع، لا يمكن أن ينكرها أي مسلم منصف ومؤمن بالله ورسوله ومطلع على تاريخ الإسلام
وسيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومثل هذا المقام والمنصب لا يمكن الاستيلاء
عليه واغتصابه من صاحبه الأصلي بالقوة! لأن العلم والمعرفة والفضل والتقوى أمور لا
يمكن غصبها والاستيلاء عليها، فهذه الإمامة لم يغصبها أحد من علي وآله، وهكذا كان
الذين فاقوا أقرانهم في العلم والفضل والتقوى من أولاد وأحفاد علي، أئمةَ الناس في
عصرهم ومرجع الخاص والعام في بيان أحكام الدين ومعرفة حلال شرع الله وحرامه.
و
إذا رأينا رجالاً من أمثال فقهاء المدينة السبعة في عهد حضرة الإمام السجاد عليه
السلام، أو أمثال مالك بن أنس وأبي حنيفة النعمان بن ثابت ومحمد ابن إدريس الشافعي
وابن أبي ليلى (رحمهم الله تعالى جميعاً)، في زمن حضرات الباقر والصادق والكاظم
عليهم السلام، قد اشتهروا بالعلم والفقه وصاروا مراجع جمهور المسلمين في أحكام
الشرع والدين، فإن علة ذلك أولاً: فضلهم وعلمهم وتقواهم بلا شك، فكل واحد منهم كان
حقيقة ذا علم وفضل وتقوى، وكل من كان كذلك لا بد أن يحوز توجه الناس وإقبالهم
ومحبتهم، فيشتهر ويـُقَلَّد.
وعلة
ذلك ثانياً: سياسة خلفاء بني العباس الذين كانوا يشعرون بالخطر من شخصيات أولاد علي
التي تشكل، في الواقع وفي أنظار المسلمين، خير منافس لهم، أكثر من أي شخصية إسلامية
أخرى، مثل حضرات الباقر والصادق وعبد الله بن الحسن ومحمد بن عبد الله بن الحسن
(النفس الزكية) والحسين بن علي شهيد الفخ ومحمد بن جعفر، حيث كان كل واحد من أولئك
الأعلام من أفضل أهل عصره في العلم والفقه والتقوى مع الشجاعة والقوة في الحق
واللياقة بمنصب إمامة المسلمين أكثر من أي أحد، مما كان يجعل قلوب الكثيرين تميل
لإمارتهم وخلافتهم، بل بعضهم بويع فعلاً بالإمامة من الخاص والعام، وقام ونهض
(لإحياء حكم القرآن وإقامة عدل الإسلام)، لذا كان الخلفاء العباسيون يضيقون عليهم
ويضطهدونهم ولا يسمحون لهم بالحرية التي تجعل الناس يلتفون حولهم، ويسعون بشتى
الوسائل في إخماد ذكرهم والتعتيم عليهم، في حين أعطوا الآخرين الحرية ومجال الشهرة
بل روجوا لهم وعهدوا لهم أو لتلاميذهم بالمناصب، لأمنهم من عدم طمعهم في الحكم
والزعامة، وحتى لو طمح منهم طامح فإنه لن يجد من يلتف حوله وينصره في طلبه الإمامة،
لأن شهرة حديث [الأئمة من قريش] لم
تترك مجالا لأبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل وغيرهم من الأئمة الفقهاء ممن لم يكن
بقرشي(180).
ومن
هذا المنطلق أيضاً قرر الخلفاء العباسيون (أو أيدوا) مبدأ العول والتعصيب في فقه
المواريث ليثبتوا أن العباس كان وارث النبي فيثبتوا بهذا أنهم الخلفاء الشرعيون
لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!(181).
ولهذا
نال فقه الآخرين وآراؤهم من الشهرة والرواج بين المسلمين ما لم ينله فقه أئمة
العترة عليهم السلام، ومع ذلك قيض الله تعالى لهم في كل عصر أتباعا محبين وتلاميذ
أذكياء من الباحثين عن الحقيقة غير الآبهين في سبيلها بالأخطار، ممن كان يرجع في
فهم دينه وأخذ أحكام شرعه إلى أولاد علي لا يعدل عنهم إلى غيرهم، فحفظوا من فقههم
وبياناتهم آلاف الأحاديث وملؤوا آلاف الدفاتر، التي لا تزال توجد إلى اليوم في
متناول المسلمين وتحوز انتباه العام والخاص، مما جعل الغلاة وأعداء الإسلام يستغلون
شهرة ومرجعية أولئك الأئمة ويروون عنهم كذبا آلاف الروايات مما شوه صورتهم في أنظار
الناس، الأمر الذي حان الوقت للبدء بسرعة في إصلاحه.
والحاصل
أن أئمة العترة كانوا أئمة الناس في الفقه والدين وفي بيان الحلال والحرام (وفي
قيادة الأرواح إلى الله عز وجل)، والرد عليهم، من هذه الزاوية، رد على الله ورسوله،
وحتى الفقهاء الأربعة وغيرهم رجعوا إليهم وأخذوا عنهم العلم.
+
+
+
دراسة وتمحيص أحاديث
النص على اثني عشر
إمام
توجد في
كتب الشيعة
الإمامية، علاوةً على الأحاديث
التي تبيّن نصَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على إمامة وخلافة عليِّ عليه
السلام بشكل خاص، أحاديثٌ فيها نصُّه (صلى الله عليه وآله)، بأمر ربه تعالى، على
اثني عشر إماماً واحداً
واحداً ببيان
أسمائهم وعلاماتهم، بحيث لا يبقى عذرٌ لأحد! وسنقوم فيما يلي بتمحيص هذه الأحاديث
من حيث السند والمتن، لنرى ما هي حقيقة هذا الأمر؟
الحديث
الأول: أهمُّ حديثٍ جاء في
كتب الشيعة الإمامية في التعريف بالأئمة الاثني عشر الحديث المشهور بحديث لوح جابر، وقد ورد هذا الحديث بعدة
طرق مختلفة سنعرضها جميعاً
على أنظار القراء:
أخرج
"الصدوق" هذا الحديث في كتابَيْه:
"إكمال الدين وإتمام النعمة"
و"عيون أخبار الرضا" بالسند
التالي: قال:
[حدثنا
محمد بن إبراهيم بن اسحق الطالقاني قال: حدثنا الحسن بن إسماعيل قال حدثنا أبو عمرو
سعيد بن محمد بن نصر القطان قال حدثنا عبيد الله بن محمد السلمي قال حدثنا محمد بن
عبد الرحمن قال حدثنا محمد بن سعيد قال حدثنا العباس أبي عمرو عن صدقة بن أبي موسى
عن أبي نصرة قال: لما احتضر أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام عند الوفاة،
دعا بابنه الصادق فعهد إليه عهدا، فقال له أخوه زيد بن علي: لو امتثلت فيَ بمثال
الحسن والحسين عليهما السلام لرجوت أن لا تكون أتيت منكراً، فقال: يا أبا الحسين إن
الأمانات ليست بالمثال ولا العهود بالرسوم، وإنما هي أمور سابقة عن حجج الله تبارك
وتعالى، ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال له: يا جابر حدثنا بما عاينت في الصحيفة،
فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر، دخلت على مولاتي فاطمة عليها السلام لأهنئها بمولود
الحسن عليه السلام فإذا هي بصحيفة بيدها من درة بيضاء فقلت يا سيدة النسوان ما هذه
الصحيفة التي أراها معك؟ قالت: فيها أسماء الأئمة من ولدي. فقلت لها: ناوليني لأنظر
فيها، قالت: يا جابر لولا النهي لكنت أفعل(182)، لكنه نهى
أن يمسها إلا نبي أو وصي أو أهل بيت نبي ولكنه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من
ظاهرها! قال جابر: فقرأت فإذا فيها: أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى أمه آمنة
بنت وهب، أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضى أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم من عبد
مناف، أبو محمد الحسن بن علي البر، أبو عبد الله الحسين بن علي التقي أمهما فاطمة
بنت محمد، أبو محمد علي بن الحسين العدل، أمه شهربانويه بنت يزدجرد بن شاهنشاه، أبو
جعفر بن محمد بن علي الباقر أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو عبد
الله جعفر بن محمد الصادق أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، أبو إبراهيم
موسى بن جعفر الثقة أمه جارية اسمها حميدة، أبو الحسن علي بن موسى الرضا أمه جارية
اسمها نجمة، أبو جعفر محمد بن علي الزكي أمه جارية اسمها خيزران، أبو الحسن علي بن
محمد الأمين أمه جارية اسمها سوسن، أبو محمد الحسن بن علي الرفيق أمه جارية اسمها
سمانة وتكنى بأم الحسن، أبو القاسم محمد بن الحسن هو حجة الله تعالى على خلقه
القائم أمه جارية اسمها نرجس صلوات الله عليهم أجمعين](183).
أقول: لا
يوجد لرجال سند هذا الحديث بدءاً من "سعيد بن محمد بن نصر القطان" إلى "أبي
نصرة"، ذكرٌ في كتب الرجال! ولا ندري من أين جاء المرحوم الصدوق بهؤلاء الرواة
وعمَّن أخذ ومن أين روى هذه الرواية؟! ولكن محقق كتاب إكمال النعمة للصدوق ذكر في
الحاشية أن أبا بصرة: إذا كان نفس أبا بصرة محمد بن قيس الأسدي فقد ضعَّفه الشهيد
الثاني في كتابه الدراية وقال عنه: [كلما كان فيه محمد بن قيس عن أبي جعفر
فهو مردود]، لكنه قطعاً ليس محمد بن قيس هذا ولو كان هو فهذا الحديث منسوب إليه
كذباً. وفي حاشية الكتاب نفسه قال إذا كان هو أبا بصرة فاسمه حُميل بضم الحاء،
وأياً كان فهو مجهول.
لكنني أقول
إن في متن الحديث خطأٌ
تاريخيٌّ واضحٌ لا يبقي مجالاً للشك في أنه حديث موضوع إلى درجة لا نحتاج
معها للبحث في صحة أو سقم سنده، فالراوي المجهول الهوية أبو بصرة يبتدئ حديثه
بقوله: [لما احتضر أبو جعفر محمد بن علي الباقر عند الوفاة]، هذا في حين أن وفاة
الإمام محمد الباقر عليه السلام وقعت، طبقاً لكل التواريخ، فيما بين السنة 114 إلى
118هـ.(184)
أما وفاة
"جابر بن عبد الله الأنصاري" فذكرتها التواريخ بين 73 إلى 77ﻫ.(185)
فهذا يعني
أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه توفي قبل أربعين سنة من وفاة الإمام الباقر عليه
السلام. أفلم يوجد من يقول لهذا الكذاب الوضاع: كيف أحييت جابراً وجئت به - بعد أن
مات في قبره منذ أربعين سنة - لمحضر الإمام الباقر، حين أدركته الوفاة، لتـنسب إليه
إقناعه زيدَ بن علي أن لا يطلب من أخيه الباقر الإمامة، بشهادته برؤية اللوح الذي
ذكرت فيه أسماء الأئمة الاثني عشر وأسماء أمهاتهم كذلك؟!
لننظر الآن
في تاريخ وفاة زيد أيضاً:
1- يقول
الشيخ الطوسي في رجاله (ص 195): [قـُتِلَ سنة إحدى وعشرين ومائة وله اثنتان وأربعون
سنة] مما يعني أن جناب زيد ولد سنة 79 أو80 ﻫ.
2- بل في
تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر: (ج6/ص18) ذكرت ولادة زيد بن علي بن الحسين سنة
78ﻫ.
فهذا يعني أن زيداً
ولد بعد أربع سنوات أو على أقل تقدير بعد سنة من وفاة جابر بن عبد الله!! فكيف
تسنَّى لجابر أن يأتي ويقنعه بالأئمة المنصوص عليهم؟! والعجيب المحير أن هذا الحديث
رغم وضوح
بطلانه إلى هذه الدرجة -
وكما قال الشهيد الثاني: أكذب الحديث ما كذَّبه التاريخ - أورده أكثر
علمائنا
الشيعة الإمامية في
إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر والنص عليهم دون أن يتعرض أحدهم أو ينتبه لهذا العيب
الكبير في متنه، أو انتبه لذلك ولكن التعصب وتقليد الآباء حمله على
السكوت.
والأعجب من
ذلك أن العيب الوحيد الذي أخذه المرحوم الصدوق على هذا الحديث هو قوله بعد روايته:
[قال مصنف هذا الكتاب: جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم والذي اذهب إليه ما روي
في النهي عن تسمية القائم!]، حقّاً ينطبق عليه المثل بأنه يرى القذة في العين ولا
يرى الخشبة فيها!
هذا ولما
كان كذب الحديث واضحاً جداً بشهادة التاريخ لم نتعرض لنقد متنه المليء
بالعيوب الأخرى: أ - كقوله أن جابر دخل على فاطمة ليهنئها بولادة الحسن مع أنه لم
يكن من عادة المسلمين في ذلك العهد الدخول على أم الوليد لتهنئتها بالولادة،
بالإضافة إلى أن جابراً لم يكن عمره، عند ولادة الحسن، يتجاوز ال 16 أو 17 سنة،
ولما كانت ولادة الحسن في السنة الثالثة للهجرة فإن جابراً لم يكن قد تزوج بعد،
لأنه إنما تزوج من أرملة ثيب بعد شهادة أبيه في معركة أحد في السنة الثالثة للهجرة،
فكيف يمكن لشاب في ريعان الشباب أن يدخل على فاطمة الشابة مثله، لا سيما أن متن
الحديث لا يشير إلى أنه كان هناك أحد معها في البيت، خاصة أن قراءة اللوح، وهو بيد
الزهراء، يحتاج لاقتراب شديد منها، وهذا أمر بعيد جداً أن تسمح به الزهراء عليها
السلام التي أُثِرَ عنها قولها: خير للرجال أن لا يروا النساء وخير للنساء أن لا
يرين الرجال!
ب - عدد من
أسماء أمهات الأئمة خطأ، مثلاً في كتاب إثبات الوصية، عن جابر نفسه، أن أم حضرة علي
بن الحسين زين العابدين جهان شاه، أما هنا فذكر أنها شهربانو، وهناك قال أن اسم أم
حضرة الإمام الرضا تكتُّم، وهنا نجمة! هذا بالإضافة إلى عيب آخر وهو أن فاطمة قالت
أن في هذا اللوح أسماء الأئمة من ولدي، في حين أن في اللوح اسم النبي واسم علي وهما
ليسا من أولادها! والحاصل أن هذا الحديث واضح
البطلان والوضع ولا يسعنا إلا أن
نقول فيه: "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا".
الحديث
الثاني: حديث اللوح هذا أخرجه الصدوق من طريق آخر وبلفظ مختلف، في
كتابيه: "إكمال الدين" و"عيون أخبار الرضا" أيضاً، كما أخرجه
المحدث الكليني في كتابه "الكافي"، وفيما يلي نصه وسنده كما جاء
في كتاب إكمال الدين:
[حدثنا أبي
ومحمد بن الحسن قالا حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً عن
أبي الخير صالح بن أبي حماد والحسن بن ظريف جميعاً عَنْ
بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ
أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام
قَالَ
قَالَ أَبِي عليه
السلام لِجَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَمَتَى يَخِفُّ
عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا؟ قَالَ جَابرٌ: في أي
الأوقات شئت جئني، فخلى به أبو جعفر عليه السلام فقال له: يَا
جَابِرُ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّوْحِ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي يَدِ أُمِّي
فَاطِمَةَ بنتِ رسول الله صلى
الله عليه وآله وما أخبرتك به أن في ذلك اللوح مكتوباً؟، قال جَابِرٌ
أَشْهَدُ بِاللهِ أَنِّي دَخَلْتُ عَلَى أُمِّكَ فَاطِمَةَ في حيوة رسولِ اللهِ
صلى الله عليه وآله أهنيها بولادة الحسن فَرَأَيْتُ
فِي يَدَيْهَا لَوْحاً أَخْضَرَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ زُمُرُّدٍ ورَأَيْتُ فِيهِ
كِتَاباً أَبْيَضَ شِبْهَ لَوْنِ الشَّمْسِ فَقُلْتُ لَهَا بِأَبِي وأُمِّي
يَا ابنة رسول الله ما
هذا اللوح؟ فقالت: هذا والله لوح أهداه الله جل جلاله إلى رسوله صلى الله عليه وآله
فيه اسم أبي وبَعْلي واسم ابنيَّ واسم الأوصياء من ولدي فأعطانيه أبي ليسرني بذلك،
قال جابر: فأعطَتْنيه أمكَ فاطمةُ عليها السلام فقرأتُهُ وانتسختُهُ(186)، فقال
أبي: يَا
جَابِرُ أَنْ تَعْرِضَهُ عَلَيَّ؟ قال: نَعَمْ،
فَمَشَى مَعَهُ أَبِي عليه السلام حتى
انتهى إلى منزل جابر، فَأَخْرَجَ
إلى أبي صَحِيفَةً مِنْ رَقٍّ فَقَالَ يَا جَابِرُ انْظُرْ فِي كِتَابِكَ
لِأَقْرَأَهُ أنا عليك
فَنَظَرَ
جَابِرٌ فِي نُسْخَته فَقَرَأَهُ عليه أبي
عليه السلام فوالله مَا
خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفاً فَقَالَ جَابِرٌ: فَأَشْهَدُ بِالله أَنِّي هَكَذَا
رَأَيْتُهُ فِي اللَّوْحِ مَكْتُوباً:
بِسْمِ
الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنَ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
لِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ ونُورِهِ وسَفِيرِهِ وحِجَابِهِ ودَلِيلِهِ نَزَلَ بِهِ
الرُّوحُ الْأَمِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَظِّمْ يَا مُحَمَّدُ
أَسْمَائِي واشْكُرْ نَعْمَائِي ولَا تَجْحَدْ آلَائِي إِنِّي أَنَا الله لَا
إِلَهَ إِلَّا أَنَا قَاصِمُ الْجَبَّارِينَ ومُدِيلُ الْمَظْلُومِينَ ودَيَّانُ
الدِّينِ إِنِّي أَنَا الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَمَنْ رَجَا غَيْرَ فَضْلِي
أَوْ خَافَ غَيْرَ عَدْلِي عَذَّبْتُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ
الْعَالَمِينَ فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ وعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ
نَبِيّاً فَأُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ وانْقَضَتْ مُدَّتُهُ إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ
وَصِيّاً وإِنِّي فَضَّلْتُكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وفَضَّلْتُ وَصِيَّكَ عَلَى
الْأَوْصِيَاءِ وَأَكْرَمْتُكَ بِشِبْلَيْكَ وسِبْطَيْكَ حَسَنٍ وحُسَيْنٍ
فَجَعَلْتُ حَسَناً مَعْدِنَ عِلْمِي بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَبِيهِ وَجَعَلْتُ
حُسَيْناً خَازِنَ وَحْيِي وأَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ وخَتَمْتُ لَهُ
بِالسَّعَادَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مَنِ اسْتُشْهِدَ وأَرْفَعُ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةً
جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ التَّامَّةَ مَعَهُ وحُجَّتِيَ الْبَالِغَةَ عِنْدَهُ
بِعِتْرَتِهِ أُثِيبُ وأُعَاقِبُ أَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ
وزَيْنُ أَوْلِيَائِيَ الْمَاضِينَ وابْنُهُ شِبْهُ جَدِّهِ الْمَحْمُودِ مُحَمَّدٌ
الْبَاقِرُ عِلْمِي والْمَعْدِنُ لِحِكْمَتِي سَيَهْلِكُ الْمُرْتَابُونَ فِي
جَعْفَرٍ الرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيَّ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي
لَأُكْرِمَنَّ مَثْوَى جَعْفَرٍ ولَأَسُرَّنَّهُ فِي أَشْيَاعِهِ وأَنْصَارِهِ
وأَوْلِيَائِهِ أُتِيحَتْ بَعْدَهُ مُوسَى فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ حِنْدِسٌ لِأَنَّ
خَيْطَ فَرْضِي لَا يَنْقَطِعُ وحُجَّتِي لَا تَخْفَى وأَنَّ أَوْلِيَائِي
يُسْقَوْنَ بِالْكَأْسِ الْأَوْفَى مَنْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ جَحَدَ
نِعْمَتِي ومَنْ غَيَّرَ آيَةً مِنْ كِتَابِي فَقَدِ افْتَرَى عَلَيَّ وَيْلٌ
لِلْمُفْتَرِينَ الْجَاحِدِينَ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ مُوسَى عَبْدِي وحَبِيبِي
وخِيَرَتِي فِي عَلِيٍّ وَلِيِّي ونَاصِرِي ومَنْ أَضَعُ عَلَيْهِ أَعْبَاءَ
النُّبُوَّةِ وأَمْتَحِنُهُ بِالِاضْطِلَاعِ بِهَا يَقْتُلُهُ عِفْرِيتٌ
مُسْتَكْبِرٌ يُدْفَنُ فِي الْمَدِينَةِ الَّتِي بَنَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ
إِلَى جَنْبِ شَرِّ خَلْقِي حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَسُرَّنَّهُ بِمُحَمَّدٍ
ابْنِهِ وخَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ ووَارِثِ عِلْمِهِ فَهُوَ مَعْدِنُ عِلْمِي
ومَوْضِعُ سِرِّي وحُجَّتِي عَلَى خَلْقِي لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ بِهِ إِلَّا
جَعَلْتُ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ وشَفَّعْتُهُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ
كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ وأَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ لِابْنِهِ عَلِيٍّ
وَلِيِّي ونَاصِرِي والشَّاهِدِ فِي خَلْقِي وأَمِينِي عَلَى وَحْيِي أُخْرِجُ
مِنْهُ الدَّاعِيَ إِلَى سَبِيلِي والْخَازِنَ لِعِلْمِيَ الْحَسَنَ وأُكْمِلُ
ذَلِكَ بِابْنِهِ محمد رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ عَلَيْهِ كَمَالُ مُوسَى
وبَهَاءُ عِيسَى وصَبْرُ أَيُّوبَ فَيُذَلُّ أَوْلِيَائِي فِي زَمَانِهِ
وتُتَهَادَى رُءُوسُهُمْ كَمَا تُتَهَادَى رُءُوسُ التُّرْكِ والدَّيْلَمِ
فَيُقْتَلُونَ ويُحْرَقُونَ وَيَكُونُونَ خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ وَجِلِينَ
تُصْبَغُ الْأَرْضُ بِدِمَائِهِمْ ويَفْشُو الْوَيْلُ والرَّنَّةُ فِي نِسَائِهِمْ
أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي حَقّاً بِهِمْ أَدْفَعُ كُلَّ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ حِنْدِسٍ
وبِهِمْ أَكْشِفُ الزَّلَازِلَ وَأَدْفَعُ الْآصَارَ والْأَغْلَالَ أُولَئِكَ
عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَالِمٍ قَالَ أَبُو بَصِيرٍ لَوْ لَمْ تَسْمَعْ فِي
دَهْرِكَ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ لَكَفَاكَ فَصُنْهُ إِلَّا عَنْ
أَهْلِهِ!](187).
قلت: هذا
الحديث الطويل لا يقل بطلانا وتهافتا عن سابقه سواء من ناحية السند أو المتن. أما
من ناحية السند: فـلن نبحث برجاله المعاصرين أو القريبين من المعصوم رغم أن
أغلبهم ضعاف: فبكر بن صالح، قد
ضعفه النجاشي في رجاله (ص 84) وذكره ابن داود في القسم الثاني من كتابه المخصص
للضعفاء (ص 432) وقال: [بكر بن صالح ضعيف
جداً] وكذلك أورده العلامة الحلي في القسم الثاني من خلاصته المخصص للضعفاء
(ص207) ووافق قول ابن الغضائري فيه: [بكر
بن صالح ضعيف وكثير التفرد بغرائب!]. وكذلك قال عنه الممقامني في تنقيح
المقال (ج1/ص178): [ضعفه جماعة وقال عنه
ابن الغضائري ضعيف وكثير التفرد بغرائب].
و كذلك
عبد الرحمن بن سالم قال عنه
العلامة الحلي في خلاصته (ص 229): [عبد
الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن الأشل كوفي مولى روى عن أبي بصير ضعيف]،
واعتبره التفرشي في نقد الرجال (ص 185) ضعيفا واعتبر أباه ثقة، وخلص الممقاني في
تنقيح المقال (ج2/ص143) إلى القول عنه [على كلٍّ ضعيف أو مجهول].
و لكن رغم
ضعف هذين الرجلين إلا أنهما لو كانا حقيقةً راويا الحديث لقبلناه واعتبرناه صحيحا
بل من المعجزات والخوارق لأنهما، مع كونهما معاصرين للإمام الصادق أو الإمام
الكاظم، إذا رويا حديثاً تُنُبِّئَ فيه بأن الإمام بعد حضرة الكاظم سيكون حضرة
الرضا وبعده حضرة الجواد وهكذا حتى آخر إمام، فإن هذا الإخبار يكون إخباراً بأمر
مغيَّب بالنسبة لهما ولما وقع بالضبط كما أخبرا، فالحديث معجزة لا بد أن يكون
صادراً حقّاً عن المعصوم!
لذلك نحن
نقطع أن الحديث ليس من وضعهما بل من وضع من بعدهما، ووجود أشخاص مثل صالح بن أبي حماد الذي كان يعيش في
القرن الهجري الثالث، يكفي للقول بأنه إما هو الذي وضعه بتمامه أو أنه أخذ جزءا منه
وأكمله من عنده على هذا النحو! فلنر ما قاله علماء الرجال بشأن صالح هذا:
1- نقل
الممقاني في تنقيح المقال (ج 2/ ص 91) عن النجاشي أن: [أمره كان ملتبساً يُعْرَف
ويُنكَر وضعَّفه ابن الغضائري وقال العلامة (الحلي) في الخلاصة: المعتمد عندي
التوقف فيه لتردد النجاشي وتضعيف الغضائري] وقوله يُعرَف ويُنْكَر أي أحياناً
يروي روايات معروفة وأحياناً يتفرد برواية مناكير لا
تُعْرَف.
2- ونقل
التفرشي في نقد الرجال (ص 296) الكلام نفسه عنه.
3- واعتبره
الأسترآبادي في منهج المقال (ص 180) أحمقاً!
فمثل هذا الراوي الأحمق الذي ضعفه كبار
علماء الرجال واعتبروه مشكوكاً به ملتبس الحال، لا يتورع عن وضع هكذا حديث يشهد
متنه بكل وضوح بأنه موضوع مختلق.
و فيما يلي
بيان دلائل الوضع في متنه:
بتأمل
ألفاظ الحديث ونسقه نلاحظ أنه يجعل الإمام الصادق عليه السلام يرويه رواية من حضر
الواقعة بنفسه، حيث يقول: قال أبي لجابر ولا يقول سمعت أبي أو عن فلان..و في كل
الحديث يتحدث الصادق حديث من هو حاضر في الواقعة كقوله في آخر الحديث: [فمشى معه أبي عليه السلام حتى انتهى إلى منزل جابر فأخرج إلى أبي
صحيفة].... إلى قوله: [فو الله ما
خالف حرفٌ حرفاً] فلهجة القسم تقتضي أن المقسِم كان حاضراً بنفسه ومشاهداً
لما حدث. لكن حضور الصادق عليه السلام في مثل هذه الواقعة أمر مستحيلٌ تاريخياً إذ
أن ولادته عليه السلام حدثت، حسب التواريخ المعتبرة، سنة 83 هـ، وتقدم أن وفاة جابر
كانت، طبقاً لكل التواريخ، تتراوح بين 73 و77 هـ، مما يعني أن الصادق عليه السلام
لم يدرك جابراً أبداً فالحديث كاذب قطعاً.
جاء في آخر
الحديث أن الإمام الباقر عليه السلام قال لجابر: [انظر في كتابك لأقرأه قال: فنظر جابر في
نسخته..]، هذا مع أنه بشهادة
جميع المؤرخين وكتب تراجم الصحابة أن جابرَ كُفَّ بصره في أواخر عمره وبالتحديد في
السنة 60 أو 61 هـ(188)
فكيف استطاع أن ينظر
في الصحيفة ويقرأ منها؟!
في بداية
المكتوب في اللوح جاء [كتابٌ من الله
لمحمدٍ نوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين..] والواقع أنه لا
يوجد في أي آية أو حديث صحيح وصف للنبي بمثل هذه الأوصاف خاصة بأنه سفير الله أو
حجاب الله بل هذه من الألفاظ المستحدثة التي أطلقت فيما بعد على رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) لا سيما في أوساط الصوفية وأهل
العرفان.
عبارة:
[فمن رجا غير فضلي وخاف غير عدلي عذبته
عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين!] عبارة من البعيد جداً أن تكون من كلام
الله عزَّ وجلَّ العدل الرحيم والخبير بعباده المحيط بأحوالهم، فمثل الوعيد
بالتعذيب بعذاب لا يعذبه أحداً من العالمين إنما يكون لمرتكب كفر مبين وإثم فاحش
فظيع فيه تحد لآيات الله الواضحة (كالوعيد الذي هدد اللهُ تعالى به الذين طلبوا
المائدة من أصحاب عيسى إذا كفروا بعد إنزالها)، ولا يكون على أمر هو من الضعف
البشري الذي يعتري كل إنسان، فكم من راج غير فضل الله وكم من خائف غير عدله بل يجب
القول أن العدل يجب ألا يُخاف منه سواء عدل العباد أم عدل رب العباد، بل الخوف من
عدل الله كفر، فجملة: أو خاف غير عدلي، جملة لا معنى لها
ويبدو أن الذي لفق الحديث لم يكن ينتبه لما يقوله، ثم أي مؤمن أو حتى نبي لم يخف من
غير عدل الله؟! ألم يقل الله تعالى عن موسى عليه السلام:
﴿ قَالَ
رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴾
[القصص:33]، وفي الآية 18 من نفس السورة قال عنه:
﴿ فَأَصْبَحَ
فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ!
﴾ وقال عن
زكريا عليه السلام: ﴿ وَإِنِّي
خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ﴾ [مريم:5]،
وقال عن إبراهيم عليه السلام لما جاءه الضيوف الملائكة: ﴿ فَلَمَّا
رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ
خِيفَةً ﴾ [هود:70]،
وقال عن سيد الرسل وأكرم الخلق معاتبا: ﴿ وَتَخْشَى
النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾
[الأحزاب:37]...إلخ فما تلك العبارات الجوفاء إذن التي لفقها واضع الحديث على لسان
الله عز وجل؟؟
جملة
[و مّنْ غيَّر آية من كتابي] في
غير محلها ولا معنى لها، ذلك أنه ما دام الكتاب أمراً سريّاً خاصّاً بين الله
والرسول وأهل بيته فعلام التحذير والتهديد حول تغيير آية منه؟ وهل من الممكن أو
المتوقع أن يغيره الرسول أو أهل بيته؟؟؟
والعجيب
أنه يقول عن الإمام التقي [و يشفِّعه في
سبعين من أهل بيته] فقط! وهذا خلاف لعقائد الإمامية الذين يرون أن الأئمة
يشفعون لشيعتهم، ولذلك يعتبر قلة لطف في حق الإمام لا امتناناً
عليه!
أشار في
آخر الحديث إلى شيء مما سيحصل من العلامات لدى عهد الإمام الثاني عشر فقال: [ستذل أوليائي في زمانه ويتهادون كما تهادى رؤوس
الترك والديلم فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين تصبغ الأرض من
دمائهم..]. فنقول: أوَّلاً: ما معنى هذا الكلام في زمن الذي من
المفترض أنه سيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً؟ وثانياً: أين ومتى حدث
هذا ومتى أهديت رؤوس أولياء الأئمة ولمن أهديت؟ وأين قتلوا وأحرقوا..؟ وثالثاً: من
الطريف أن فاطمة الزهراء عليها السلام تقول عن اللوح: [أعطانيه أبي ليسرني بذلك!] فكيف تسر
فاطمة بمثل هذه الأخبار السوداء؟؟
وفي آخر
الحديث أن أبا بصير قال لعبد الرحمن بن سالم: [لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك فصنه
إلا عن أهله!] فكيف يكون
مثل هذا الحديث الذي ليس فيه إلا ذكر أسماء فقط مغنياً عن سماع أي حديث آخر؟ هذا من
جهة ومن جهة أخرى لماذا يأمر بإخفاء هذا الحديث وعدم البوح به إلا لأمثال عبد
الرحمن بن سالم الضعيف المجروح لدى علماء الرجال وبكر بن صالح الذي قيل عنه ضعيف
جداً وصالح بن حماد المتهم بالحمق!
الحديث
الثالث: وأخرج الشيخ الصدوق هذا الحديث أيضاً بألفاظ أخرى في
"عيون أخبار الرضا" و"إكمال الدين" فقال: [حدثنا أبو محمد الحسن
بن حمزة العلوي قال حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن درست السروي عن جعفر بن محمد
بن مالك قال حدثنا محمد بن عمران الكوفي عن عبد الرحمن بن نجران عن صفوان بن يحيى
عن اسحق بن عمار عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: يا اسحق! ألا أبشرك؟
قلت: بلى جعلت فداك، فقال: وجدنا صحيفة بإملاء رسول الله وبخط أمير المؤمنين فيها
بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم، وذكر الحديث مثله سواء إلا
أنه قال في آخره: ثم قال الصادق عليه
السلام: يا اسحق! هذا دين الملائكة والرسل فصنه عن غير أهله يصنك الله ويصلح
بالك!](189).
قلت: في
سند الحديث يواجهنا اسم "جعفر بن
محمد بن مالك" وهو رجل كذاب فاسد المذهب متروك الرواية عند علماء الرجال، وإليك
أقوالهم فيه:
قال النجاشي في رجاله (ص225)(190):[جعفر بن
محمد بن مالك بن عيسى.. كوفي..كان ضعيفاً في الحديث.
(قال) أحمد بن
الحسين(191): كان يضع
الحديث وضعاً ويروي عن المجاهيل وسمعت من قال: كان أيضاً فاسد المذهب والرواية، ولا
أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو على بن همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب
الزَّراري].
وأورده ابن داود في رجاله (ص 434) في عداد
المجهولين والمجروحين وكرر عبارة ابن الغضائري والنجاشي
بحقه.
وقال عنه الأردبيلي في جامع الرواة
(ج1/ص160) نقلا عن الخلاصة للعلامة الحلي:[قال ابن الغضائري:إنه كان كذابا متروك
الحديث جملة وكان في مذهبه ارتفاع وروى عن الضعفاء والمجاهيل وكل عيوب الضعفاء
مجتمعة فيه]
ويوافق العلامة الحلي في الخلاصة (ص120)
على ما قيل في الرجل ويعقب على أقوالهم بقوله: [فعندي في حديثه توقف ولا أعمل
بروايته!]
فهذا
الحديث من تحف هذا الكذاب الوضاع التي قدمها للإمامية الاثني عشرية! ثم إن هذا
الرجل المفتضح الكذب ينطبق عليه المثل القائل أن حبل الكذب قصير، فعلى الرغم من أنه
ذكر في سنده إلى المعصوم أسماء رواة جيدين مثل عبد الرحمن أبي نجران وصفوان بن يحيى
إلا أنه أوصل السند بعدهما إلى اسحق بن
عمار، وهو، كما نص عليه الشيخ الطوسي في الفهرست وابن شهرآشوب في معالم العلماء
والعلامة الحلي في الخلاصة، رجل فطحي المذهب، ناسيا أنه سيكون من الغريب جداً أن
يكون اسحق بن عمار قد سمع فعلا هذا الحديث الطويل من الإمام الصادق عليه السلام
الذي أكرمه به وأخبره فيه ليس فقط عن إمامة الإمام موسى الكاظم بل عرفه بكل الأئمة
بعده، ومع ذلك بقي فطحي المذهب أي غير عارف لإمامة الإمام الكاظم بل معتقداً بإمامة
عبد الله الأفطح(192)!! كيف
يمكن لرجل سمع مثل هذا الحديث الطويل المليء بالوعيد والتهديد وكأنه صادر عن جبار
متغطرس لا عن الله الرحمن الرحيم حيث وصل في تهديده إلى القول بأن من أنكر إمامة
واحد من الأئمة فكأنه أنكر جميع نعم الله، سمعه ورواه للآخرين ومع كل ذلك يبقى فطحي
المذهب؟! أجل إن الله تعالى يريد أن يفضح كذب الكاذبين الذين يريدون إضلال الناس
فيضلهم الله وصدق سبحانه: ﴿ انْظُرْ
كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ ﴾
[الأنعام:24]. والعجيب أيضاً أن دعاء الإمام الصادق له في آخر الحديث "يصنك الله ويصلح بالك" لم يستجب، ومات
الرجل فطحياً!! كيف يمكن تصديق أن يروي أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام
المقربين عنه مثل هذا الحديث ثم مع ذلك لا يعرف من هو الإمام بعد الإمام
الصادق؟!
الحديث
الرابع: أخرج الصدوق أيضاً
حديثاً آخر عن جابر ورؤيته للوح بسند فيه نفس جعفر بن محمد بن مالك سيء الذكر الذي
عرفت هويته آنفا فقال: [حدثنا علي بن
الحسين بن شاذويه المؤدب وأحمد بن هرون القاضي رضي الله عنه قالا حدثنا محمد بن عبد
الله بن جعفر الحميري عن أبيه جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي عن مالك السلولي
عن عبد الحمي دعن عبد الله بن القاسم بن عبد الله بن جبله عن أبي السفايح عن جابر
الجعفي عن أبي جعفر محمد الباقر
عليه السلام: عن جابر بن عبد الله
الأنصاري قال: دخلت على مولاتي فاطمة عليها السلام وقدامها لوح يكاد ضوؤه يغشى
الأبصار فيه اثني عشر اسماً ثلاثة في ظاهره وثلاثة في باطنه وثلاثة أسماء في آخره
وثلاثة أسماء في طرفه فعددتها فإذا هي اثني عشر فقلت من أسماء هؤلاء؟ قالت: هذه
أسماء الأوصياء...](193).
قلت: وجود
"جعفر بن محمد بن مالك": الكذاب الوضّاع المتروك الحديث الفاسد المذهب.. (كما مر)
يغنينا عن البحث الزائد في الحديث، يضاف إليه وجود عبد الله بن القاسم، وهو اسم
لعدة رواة، فإذا كان الحضرمي منهم فقد تقدم أنه كذاب غال يروي عن
الغلاة(194)، وأما
الراويان قبلهما أي "مالك السلولي" و"عبد الحميد" فمجهولان لا ذكر لهما في كتب
الرجال. ومع ذلك نقول أن متن الحديث يفيد أن أسماء الأئمة في اللوح ليست مرتبة،
وهذا مخالف للروايات السابقة التي تذكرهم مرتبين مع شيء من صفاتهم، فأين الصواب؟!
ألا يدل هذا الاضطراب الفاضح في القصة على أنها مختلقة من أساسها؟ والحقيقة أن كل
ما ورد في كتب الحديث من روايات حول موضوع اللوح ورؤية جابر بن عبد الله له، وضعها
من حيث رجال السند ومن حيث المتن كوضع هذه الرويات الأربعة التي ناقشناها إلى الآن.
الحديث الخامس: من الأحاديث الأخرى
التي أخرجها الشيخ الصدوق في كتابيه إكمال الدين وعيون أخبار الرضا والتي ذُكرت
فيها أسماء الأئمة الاثني عشر بصراحة، الحديث التالي: [حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحق قال حدثنا محمد
بن همام قال حدثنا أحمد بن مابندار قال حدثنا أحمد بن هلال عن محمد بن أبي عمير عن
المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين
عليه السلام قال: قال رسول الله: لما
أسري بي إلى السماء أوحَى إليَّ ربِّي جلَّ جلاله فقال: يا محمد! إني اطلعت إلى
الأرض اطلاعةً فاخترتك منها فجعلتك نبياً وشققت لك من اسمي اسماً فأنا المحمود وأنت
محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليّاً وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا
ذريتك شققت له اسماً من أسمائي فأنا العلي الأعلى وهو علي، وخلقت فاطمة والحسن
والحسين من نوركما، ثم عرضت ولايتهم على الملائكة فمن قبلها كان عندي من المقربين.
يا محمد لو أن عبداً عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتهم
فما أسكنه جنتي ولا أظله تحت عرشي، يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت: بلى، فقال عز وجل:
ارفع رأسك. فرفعت رأسي وإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين
ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد
والحسن بن علي ومحمد بن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب دري. قلت: يا رب! ومن
هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة وهذا القائم الذي يحلِّل حلالي ويحرِّم حرامي وبه أنتقم
من أعدائي وهو راحة أوليائي وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين
والكافرين فيخرج اللات والعُزَّى طريين فيحرقهما ولفتنة الناس يومئذ بهما أشد من
فتنة العجل والسامري](195).
قلت: هذا
الحديث الواضح الاختلاق روي عن رجل مطعون به وملعون من قبل كبار علماء الشيعة وهو
أحمد بن هلال المولود سنة 180هـ والمتوفى سنة 267هـ وفيما يلي قول علماء الرجال
فيه:
قال الشيخ
الطوسي في الفهرست: [أحمد بن هلال مات سنة 276هـ كان غالياً
متهما]
وقال عنه
في كتابه التهذيب أيضاً: [أحمد بن هلال
مشهور باللعنة والغلوّ].
وقال عنه
أيضاً في رجاله: [أحمد بن هلال بغدادي
غال]. وأحمد بن هلال هذا الذي روى الحديث لُعِنَ من قـِبَل الإمام الثاني
عشر، كما رجع عن قوله بالإمامة، وهذا من العجيب الذي لا يعقل أن يروي شخص حديثاً
مثل هذا فيه النص على الأئمة الاثني عشر بأمر الله ثم هو نفسه لا يعتقد بإمامتهم!
ألا يدل هذا بحد ذاته على أنه كان يعرف نفسه أنه يكذب؟؟
قال الشيخ
الطوسي رضي الله عنه في كتابه "الغيبة" أنه لما ادعى "محمد بن عثمان"
(أحد الوكلاء الأربعة) النيابة لإمام الزمان (في غيبته الصغرى) بعد وفاة أبيه عثمان
بن سعيد، أنكر أحمد بن هلال ذلك وقال: [لم أسمعه ينص عليه بالوكالة] فقيل له
إذا لم تسمع أنت فقد سمع غيرك، فقال: فأنتم وما سمعتم! وتوقف على الإمام محمد التقي
ولم يقل بإمامة من بعده لذا لعنوه وتبرؤوا منه، ثم خرج توقيع من الناحية المقدسة
بواسطة الحسين بن روح بأن الإمام لعنه!. يقول الشيخ الطوسي أن هذا دليل على أنه رجع
عن القول بالأئمة الاثني عشر ووقف على حضرة الإمام التقي، وليس هذا فقط، بل يدل ما
أورده الصدوق في نفس كتابه إكمال الدين على نصبه حيث روى فقال: [سمعت سعد بن عبد الله يقول: ما سمعنا ولا رأينا
متشيعاً يرجع من الشيعة إلى النصب إلا أحمد بن هلال!].
و الآن
لنلق نظرة على متن الحديث:
يذكر
الحديث أنه لما أسري به (صلى الله عليه وآله) إلى السماء كان أول ما أوحى إليه ربه
أن قال: إني اطلعت إلى الأرض اطلاعةً! هذا مع أن الله تعالى بكل شيء محيط ومثل هذا
التعبير لا يمكن صدوره عنه تعالى، ثم يقول وشققت لك من اسمي اسماً فأنا المحمود
وأنت محمد، هذا مع أنه لا يوجد في القرآن ولا في أي حديث نبوي أن من أسماء الله
تعالى: "محمود"! هذا ثم لا مجال للامتنان على الرسول بتسميته محمداً وأنه اشتق اسمه
من اسمه، فتواريخ العرب قبل الإسلام تذكر العشرات ممن كان اسمهم محمداً قبل الرسول
(صلى الله عليه وآله) ونفس الشيء بالنسبة لاسم علي عليه السلام.
و أظهر
علامات الوضع في الحديث ما جاء في آخره من أن من علامات القائم أنه سيخرج اللات
والعزَّى طريين فيحرقهما! وهو إشارة لما ورد في حديث مكذوب موضوع آخر الذي يقول أن
حضرة القائم سيخرج أبا بكر وعمر (رضي الله عنهما) من قبريهما ويحرقهما(196)! ويبدو أن
الله عمل بالتقية هنا واستعار تعبير اللات والعزَّى ليوري بهما عن ذينك الخليفتين!!
أجل بأحاديث فيها مثل هذه التُرَّهات والهذيان يستمسك القائلون بالنص بالاسم على
الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)!
الحديث
السادس: من الأحاديث الأخرى
التي تذكر نص الرسول (صلى الله عليه وآله) الصريح على أسماء الأئمة الاثني عشر
(عليهم السلام) ما أخرجه الصدوق
أيضاً في إكمال النعمة ونقله
المجلسي كذلك في بحار الأنوار (ج2/ص158من طبعة تبريز)
والحر العاملي في كتابه "إثبات الهداة" (ج2/ص372) فقال: [حدثنا غير واحد من أصحابنا قالوا حدثنا محمد بن
همام عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري قال حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة عن أحمد بن
الحرث قال حدثني الفضل بن عمر عن يونس بن ظبيان عن جابر بن يزيد الجعفي قال سمعت
جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لما أنزل الله عز وجل على نبيه محمد (صلى الله
عليه وآله): يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، قلت
يا رسول الله! عرفنا الله ورسوله فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟
فقال عليه السلام: خلفائي يا جابر
وأئمة المسلمين بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن والحسين ثم علي بن الحسين ثم
محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه مني
السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم
علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن
الحسن بن علي ذلك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها ذلك
الذي يغيب عن شيعته وأوليائه له غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن
الله قلبه للإيمان، قال جابر: فقلت يا رسول الله! فهل يقع لشيعته الانتفاع به في
غيبته؟ فقال (صلى الله عليه وآله): أي والذي بعثني بالنبوة إنهم ليستضيئون بنوره
وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب، يا جابر هذا من
مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله.]
ثم يذكر عقب هذا الحديث قصة ملاقاة حضرة الباقر
لجابر. وفيما يلي دراسة لسند الحديث وبعدها دراسة لمتنه:
أول راو في سلسلة السند: "محمد بن همام"، جاء ذمه في قاموس الرجال
(ج8/ص428) بأنه «كان أحمد بن الحسين يضع الحديث،
ومحمد بن همام يروي عنه!» أي أنه كان مروجا
للموضوعات!
الراوي الثاني في سلسلة السند: جعفر بن محمد بن مالك الذي مر معنا شدة
طعن الرجاليين فيه حتى قالوا عنه أنه كان كذابا وضاعا متروك الحديث غالياً فاسد
المذهب في مذهبه ارتفاع وكل عيوب الضعفاء فيه، وعلى قول الشاعر: ما تفرق من المحاسن
في غيرك اجتمع فيك!! (راجع ترجمته ذيل الحديث رقم 3).
والراوي الثالث: الحسن بن محمد بن سماعة: ذكره الشيخ
الطوسي في الرجال وقال أنه كان واقفياً(197)
وأنه توفي سنة 263هـ
أي بعد ثلاث سنوات من وفاة حضرة الحسن العسكري، كذلك نص في الفهرست على أنه كان
واقفي المذهب، بل إن النجاشي قال عنه في رجاله أنه: [من شيوخ الواقفة... وكان يعاند في الوقف
ويتعصّب!]، ثم يذكر النجاشي رواية تؤكد واقفية الحسن بن سماعة فيروي بسنده
عن: [أحمد بن يحيى الأودي قال: دخلت مسجد
الجامع لأصلي الظهر فلما صليت رأيت حرب بن الحسن الطحان وجماعة من أصحابنا جلوسا
فملت إليهم وسلمت عليهم وجلست وكان فيهم الحسن بن سماعة فذكروا أمر الحسن بن علي
عليه السلام وما جرى عليه ثم من بعد زيد بن علي وما جرى
عليه، ومضى رجل غريب لا نعرفه فقال يا قوم: عندنا رجل علوي بسر من رأى من أهل
المدينة ما هو إلا ساحر أو كاهن!، فقال له ابن سماعة: بمن يُعرَف؟ قال: علي بن محمد
بن الرضا.]، ثم يذكر الرجل الغريب كرامة باهرة صدرت عن الإمام المشار إليه -
أي علي النقي - بسر من رأى (أي سامراء الحالية) فينكرها الحسن بن محمد بن سماعة
لعناده - على حد قول الراوي - لإمامة علي النقي!(198) فهل من
الممكن لمثل هذا أن ينقل عن جابر مثل هذا الحديث (الذي فيه النص على الأئمة الاثني
عشر بأسمائهم وأنهم أولو الأمر الذين فرض الله طاعتهم)، مع أنه كان وبقي من
المتعصبين في عقيدته بتوقف الإمامة عند موسى الكاظم عليه السلام؟!
و قد جاء
سند الحديث مختلفا في نسخة إكمال الدين للصدوق حيث ذكر: الحسن بن محمد بن الحرث عن
سماعة؛ وعلى فرض أن هذا السند هو الأصح، فإن نفس الإشكال باق لأن سماعة هذا، الذي
هو سماعة بن مهران، كان واقفيّاً أيضاً! ويستحيل أن يكون الشخص، الذي عنده مثل هذه
الرواية عن الصادقين، واقفيّاً! وعليه فمن اليقيني أن جعفر بن محمد بن مالك الذي
وضع الحديث ينطبق عليه المثل القائل: حبل الكذب قصير، حيث نسي فذكر في سند حديثه
مثل هؤلاء الرواة.
أما متن
الحديث: فأوّلاً: من
المستبعـد أن يكون جابر بن يزيد الجعفي قد أدرك جابر بن عبد الله الأنصاري في سن
التمييز، حيث، كما قلنا، كانت وفاة جابر بن عبد الله سنة 74 هـ، أي قبل ستين عاما
من وفاة جابر بن يزيد.
و
ثانياً: في آخر الحديث نلاحظ
أنه تم تحاشي ذكر الإمام القائم باسمه، لا ندري لعل ذكره باسمه كان حراما أيضاً على
رسول الله (صلى الله عليه وآله)!! ثم ذكر أن الله تعالى يفتح على يدي القائم مشارق
الأرض ومغاربها وأنه يغيب غيبة..الخ، وإذا لم يكن القارئ للحديث مطلعا على عقيدة
الشيعة الإمامية، فإنه يتبادر لذهنه من ظاهر هذا الحديث أن الفتح يكون أولا ثم
الغيبة بعده! ولا ندري أنقول أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي هو أفصح من
نطق بالضاد، لم يحسن بيان القضية!! (حاشاه من ذلك)، أو أن جعفر بن محمد بن مالك
واضع الحديث لم ينتبه جيدا أثناء تلفيقه ألفاظ الحديث!؟.
وثالثاً: جاء في
آخر الحديث قول الرسول (صلى الله عليه وآله) لجابر: [يا جابر! هذا من مكنون سر الله ومخزون علمه
فاكتمه إلا عن أهله!!]، والظاهر من هذا أن الحديث تم في خلوة خاصة بين
الرسول(صلى الله عليه وآله) وجابر! ونسأل: مثل هذا الحديث الذي هو بيان لآية كريمة
هي خطاب إلهي لجميع المسلمين على وجه الأرض بأن: ﴿ أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ فيعرفنا
الرسول(صلى الله عليه وآله) بأولي الأمر حتى نطيعهم ولا نعصهم فنعص الله تعالى
ونستحق عذاب النار خالدين فيها طبقاً لقوله سبحانه: ﴿ وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا
أبداً ﴾
[الجن:23]، وحتى لا نضل بطاعة غيرهم ممن قد يكونوا ممن نهانا الله عن طاعتهم، كما
قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ
تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
﴾
[الأنعام:116]؛ هل يصح أن يكون سرا ويُبَلَّغَ في خلوة لفرد أو أفراد؟ أهكذا يكون
إبلاغ رسالات الله ودينه؟ أم هكذا تقوم حجة الله تعالى على عباده؟ الواقع
أنه ليس في دين الإسلام وعقائده التي عليها مدار النجاة والهلاك أي أسرار أو ألغاز
أو حججا إلهية سرية
مخفية!
بل لقد تركنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على مثل المحجة البيضاء ليلها
كنهارها لا يضل فيها إلا هالك.(199)
و
رابعاً: من جملة ما جاء في
هذا الحديث الموضوع، وفي أحاديث أخرى أيضاً تخبر عن غيبة القائم، عبارة: [أي والذي بعثني بالنبوة إنهم ليستضيئون بنوره
وينتفعون في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب!] والواقع أن هذا
كلام لا يثبت إلا بتلفيقات فلسفية عرفانية وهو تشبيه غير صحيح من عدة وجوه:
الشمس رغم
كونها خلف السحاب إلا أن وجودها محسوس لكل إنسان وأثرها ظاهر ملموس بعكس الإمام
القائم.
الشمس لا
تختفي وراء السحب إلا مدة ضئيلة ثم تظهر، لذلك يؤمن بوجودها الناس، أما لو غابت
واستمر غيابها مئات السنين فلكثيرين أن يتصوروا فناءها، ومثل هذا لا يقول به
المعتقدون بإمامة الإمام القائم، بشأنه.
الشمس إذا
استترت وراء الحجب في بعض نقاط الأرض فإنها تكون ظاهرة للملايين في نقاط أخرى من
المعمورة وهذا لا ينطبق على الإمام القائم.
كل شيء على
الأرض ينتفع من حرارة الشمس ونورها، لا فرق بين أن تكون ظاهرة للعيان أم مستترة
أحياناً وراء السحب، فالنباتات والحيوانات والبشر والبحار والتربة كلها تنتفع من
الشمس، على الدوام، بمنافع لا تحصى، وليس هكذا أبداً بالنسبة للإمام القائم، فلا
ينتفع الناس أثناء غيبته بأي من المنافع التي ترتجى من وجود الإمام كإحياء معالم
الدين وإماتة البدع وإبطال الخرافات والشبهات وهداية الناس وبيان أحكام الشرع
وتشكيل الحكومة الإسلامية وترويج الإسلام وإقامة الجهاد وتطبيق الحدود وإقامة
الجمعة والجماعات ودفع شر الأشرار والنهي عن المنكرات... فليست القضية أن الناس
محرومون من رؤيته فقط أما منافعه فموجودة (كالشمس أحياناً) بل إنهم محرومون من
رؤيته ومن منافعه أيضاً، ولا فائدة منه في حال غيبته إطلاقاً! هذا ما يشهد به العقل
والوجدان ويدل عليه المنطق والبرهان عند ذوي التجرد
والإنصاف.
الحديث
السابع: حديث آخر أخرجه
الشيخ الصدوق أيضاً في كتابيه
إكمال الدين وعيون أخبار الرضا
وننقله فيما يلي مختصرا من كتاب "إثبات
الهداة" للشيخ الحر
العاملي: (ج2/ص328):
[حدثنا أبو
الحسن علي بن ثابت الدواليبي بمدينة السلام سنة 325 قال: حدثنا محمد بن الفضل
النحوي قال حدثنا محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي قال حدثنا علي بن عاصم عن محمد
بن علي بن موسى عليه السلام عن أبيه علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر
بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي بن أبي
طالب عليهم السلام قال: دخلت على رسول الله وعنده أُبَيُّ بن كعب فقال رسول الله:
مرحبا بك يا أبا عبد الله يا زين السموات والأرض، فقال أُبَيٌّ: وكيف يكون يا رسول
الله زين السموات والأرض أحد غيرك؟ فقال: يا أُبَيّ والذي بعثني بالحق نبياً إن
الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض فإنه مكتوب عن يمين العرش: مصباح هدى
وسفينة نجاة وإمام خير ويمن وعز وفخر وعلم وذخر، وإن الله ركب في صلبه نطفة طيبة
مباركة زكية خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام ويجري ماء في الأصلاب ويكون ليل
ونهار....و قد لُقِّـنَ دعوات ما يدعو بهن مخلوق إلا حشره الله عز وجل معه، وكان
شفيعه في آخرته، وفرج الله عنه كربه وقضى بها دينه ويسر أمره وأوضح سبيله وقواه على
عدوه ولم يهتك ستره، فقال أبي بن كعب: وما هذه الدعوات يا رسول الله؟ قال: تدعو إذا
فرغت من صلاتك وأنت قاعد:" اللهم إني أسألك بكلماتك ومعاقد عرشك وسكان سمواتك
وأنبيائك ورسلك أن تستجيب لي، فقد رهقني من أمري عسراً فأسألك أن تصلي على محمد وآل
محمد وأن تجعل لي من أمري يسراً " فإن الله عز وجل يسهل أمرك ويشرح صدرك ويلقنك
شهادة أن لا إله إلا الله عند خروج نفسك...، فقال له أُبَيّ: يا رسول الله ما هذه
النطفة التي في صلب حبيبي الحسين؟ قال: مثل هذه النطفة كمثل القمر وهي نطفة تبيين
وبيان يكون من اتبعه رشيدا ومن ضل عنه هويا، قال: وما اسمه؟ قال: اسمه علي ودعاؤه:
يا دائم يا ديموم....، فقال له يا رسول الله! فهل له من ذرية ومن خلف أو وصيٍّ؟
قال: نعم، له مواريث السموات والأرض قال: وما معنى مواريث السموات والأرض؟ قال:
القضاء بالحق والحكم بالديانة وتأويل الأحلام وبيان ما يكون، قال: فما اسمه؟ قال:
اسمه محمد....، ركب الله في صلبه نطفة مباركة زكية وأخبرني جبرئيل إن الله طيبَ هذه
النطفة وسماه جعفرا وجعله هادياً مهدياً وراضياً مرضياً يدعو ربه فيقول في
دعائه:....، يا أُبَـيّ إن الله ركب في هذه النطفة نطفة زكية مباركة طيبة أنزل
عليها الرحمة سماها عنده موسى وإن الله ركب في صلبه نطفةً مباركةً طيبةً زكيةً
مرضيةً سماها عنده عليّاً يكون لِـلّهِ
في خلقه رضياً في علمه وحكمه ويجعله حجةً لشيعته يحتجون به يوم القيامة وله
دعاء يدعو به....، وإن الله عز وجل ركب في صلبه نطفةً طيبةً مباركةً زكيةً راضية
مرضيةً وسماها محمد بن علي فهو شفيع لشيعته ووارث علم جده....و إن الله تبارك
وتعالى ركب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية راضية مرضية لا باغية ولا طاغية بارة
مباركة طيبة طاهرة سماها عنده علي بن محمد فألبسها السكينة والوقار وأودعها العلوم
وكل سر مكتوم....، وإن الله تبارك وتعالى ركب في صلبه نطفة طيبة وسماها عنده الحسن
بن علي فجعله نورا في بلاده وخليفته في عباده وعزَّاً لأمة جده هاديا لشيعته وشفيعا
لهم عند ربهم ونقمة على من خالفه وحجة لمن والاه وبرهانا لمن اتخذه إماماً....، وإن
الله ركب في صلب الحسن نطفة مباركة طيبة طاهرة مطهرة يرضى بها كل مؤمن قد أخذ الله
ميثاقه في الولاية ويكفر بها كل جاحد، وهو إمام تقي نقي مرضي هاد ومهدي يحكم بالعدل
ويأمر به يصدق الله عز وجل ويصدقه الله في قوله يخرج من تهامة حتى تظهر الدلائل
والعلامات وله بالطالقان كنوز لا ذهب إلا خيول مطهمة ورجال مسوَّمة يجمع الله عز
وجل له من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، معه صحيفة
مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وطبائعهم وحلاهم وكناهم
كدَّادون مجدون في طاعته. فقال له أُبَيّ: وما دلائله وعلاماته يا رسول الله؟ قال:
له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه.....] وفي آخر الحديث: [قال
أُبَيّ: يا رسول الله كيف بيان حال هذه الأئمة عن الله عز وجل؟ قال: إن الله عز وجل
أنزل عليَّ اثنا عشر صحيفة اسم كل إمام في خاتمه وصفته في
صحيفته].
وقد تضمن
الحديث ذكر دعاء خاص يدعو به كل إمام من الأئمة ويبين رسول الله ثوابه العظيم (!)
لأُبَيّ، ولما كان الحديث طويلا جداً أعرضنا عن ذكر كل الأدعية طلبا للاختصار
واكـتـفـينا بما ذكرناه منه ومن رغب بالوقوف عليه بتمامه فيمكنه الرجوع لعيون أخبار
الرضا: ج 1/ ص62-65، أو إكمال الدين: ص 266 أو الجزء التاسع من بحار الأنوار (طبعة
تبريز القديمة).
و الآن
لنبدأ بدراسة سند الحديث:
الراويان الثاني والثالث في سلسلة السند
وهما: محمد بن الفضل النحوي ومحمد بن علي
بن عبد الصمد الكوفي، ليس لهما ذكر في كتب رجال الشيعة ولا ندري من كانا وما
حالهما؟
أما علي بن عاصم فله ذكر في كتب رجال
الشيعة وكتب رجال العامة (أي السنة) وكلاهما نسبه للتشيع، فذكر الممقاني في تنقيح
المقال (ج2/ ص294) أنه كان من شيوخ الشيعة المتقدمين وأنه أُخِذَ في زمن المعتضد
العباسي مع جماعة من أصحابه مغلولا إلى بغداد بتهمة التشيع وسجن ومات في السجن.
وقال عنه الفاضل محمد الأردبيلي في جامع الرواة (ج1/ص588): [علي بن عاصم بن صهيب الواسطي التميمي مولاهم
صدوق يخطئ ويصر، ورمي بالتشيع من التاسعة، مات سنة إحدى ومائتين وقد جاوز التسعين.
قاله (ابن حجر) في التقريب. وقال الذهبي… ضعَّفوه ومات سنة 201هـ] اهـ. مختصراً. ولكن
هذا التعريف له لا ينطبق على علي بن عاصم الذي نحن في صدده والذي قال الممقاني أنه
أخذ في زمن المعتضد، ذلك أن المعتضد إنما ولي الخلافة سنة 279هـ.(200)
أي بعد 78 سنة من
موته! بالإضافة إلى أن الإمام محمد بن علي التقي - الذي يروي عنه محمد بن عاصم
مباشرة هذا الحديث - ولد سنة 195هـ.، وبالتالي
فعند وفاة علي بن عاصم هذا كان عمر الإمام ست سنوات فقط! فعلي بن عاصم المتوفى سنة
201هـ. كان
معاصراً للإمام الرضا لا لابنه محمد، فمن غير المعقول أن يرجع في الرواية إلى ابنه
الصغير الذي كان عمره، على أكثر تقدير، ست سنوات! عوضاً عن الرجوع للرضا الذي كان
مرجع الشيعة في ذلك العصر! فمن المقطوع به أن الذي قبض عليه زمن المعتضد غير علي بن
عاصم المترجم له في كتب رجال العامَّة، وبالتالي لا ندري من هو وما حاله
بالضبط؟
وأخيراً
فالسند ينتهي إلى حضرة الإمام الحسين عليه السلام الذي سمعه من النبي الأكرم (صلى
الله عليه وآله) مباشرةً، عندما كان عنده أبي بن كعب فقط! وهذا الأمر فيه إشكال من
عدة وجوه:
1- لماذا لم
يُسمَع هذا الحديث من أحد من الأئمة قبل الإمام محمد التقي حتى أباح به لشخص واحد
فقط هو علي بن عاصم المجهول الهوية بل ربما معدوم الوجود!
2- لماذا
لم يرو أبي بن كعب هذا الحديث ولم يسمعه أحد منه مع أنه الوحيد الذي حظي بسماعه،
خاصة أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يأمره بكتمانه وصيانته عن غير أهله! كما
أمر جابرا في حديث تفسير أولي الأمر! إن هذا كتمان لما أنزل الله من البينات وهذا
لا يمكن أن يفعله أُبيّ الذي كان من خيار الصحابة ومحبي أهل بيت النبي(صلى الله
عليه وآله)!
3- الحديث
يتضمن أدعية اختص بها كل إمام، فلو فرضنا أن ذكر أسماء الأئمة كان ممنوعا لما فيه
من خطر على حياتهم فهلا علَّم الرسول والأئمة من بعده الناس هذه الأدعية التي لها
كل هذا الثواب العظيم، ليستفيدوا منها وينالوا ثوابها العميم؟ مع أنها لم تسمع منهم
في غير هذا الحديث، أفليست كل هذه الإشكالات دليل على أن الحديث موضوع من
أساسه؟.
أما من
ناحية متن الحديث فقرائن الوضع فيه كثيرة نذكر منها ما
يلي:
يروي عن
حضرة الحسين قوله: دخلت على رسول الله وعنده أُبَيّ بن كعب فقال (صلى الله عليه
وآله): مرحبا بك يا أبا عبد الله! في حين أن الحسين بن علي عليهما السلام كانت سنه
حين وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) ست سنوات، ومن غير المعلوم في أي سنة دخل على
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأيا كان فلا يمكن أن يخاطب الرسول طفلا صغيرا لم
يتزوج بعد ولا ولد له: بأبي عبد الله! لأن الكنية إنما تطلق على الشخص بعد أن يصبح
ذا ولد. وقطعا لم يكن للحسين هذه الكنية في ذلك السن. لكن واضع الحديث غفل عن هذه
النقطة!
في الحديث
يقول الرسول (صلى الله عليه وآله) للحسين: يا زين السموات والأرض.. ويستشكل أُبَيّ
هذا الوصف قائلا وهل أحد غيرك يا رسول الله زين السموات والأرض؟ هذا مع أنه لم
يُسْمَع في أي حديث عن أي صحابي تلقيب الرسول أو وصفه بزين السموات والأرض فضلا عن
أن يُختَصّ الحسين بمثل هذا اللقب، بل الذي ورد في القرآن أن زينة السموات هي
النجوم: ﴿ و لقد
زيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيَا بِزِينةٍ الكَوَاكِبِ ﴾! وعلى فرض
أن لها زينة غير ذلك فإذا كانت النبوة فهي غير منحصرة بسيدنا رسول الله(صلى الله
عليه وآله) إذ هناك الكثيرون غيره من الأنبياء وإذا كانت الصلاح والولاية فغير
منحصرة بالحسين فقط. ثم إن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يجب على استشكال أُبَيّ
إلا بقوله أن الحسين في السماء أكبر منه في الأرض، مع أن كثيرين هم في السموات أكبر
منهم في الأرض ومع ذلك ليسوا زين السموات والأرض! فالجواب لم يكن محكما في محله،
(وحاشا رسول الله هذا الضعف في البيان).
اهتم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث بتمجيد نطفة الحسين وبيان صفاتها ومقامها
وكذلك نطفة من بعده حتى وصفت نطفة الإمام العاشر بإحدى عشر صفة! مما ينبغي لأجله أن
يسمى هذا الحديث حقّاً بحديث النطفـة!! وقد جعل نطفة الحسين مخلوقةً قبل أن
يجري ماء في الأصلاب أو يكون ليل ونهار!! فلا ندري أين كانت النطفة مستقرة إن لم
تكن في الأصلاب؟؟
في الحديث
يذكر الرسول (صلى الله عليه وآله) لأُبَيٍّ دعاءً لُقِّـنه الحسين ويبين له أن من
دعا به حشره الله مع الحسين وكان الحسين شفيعه في آخرته وفرج الله كربه وقضى دينه
ويسر أمره وأوضح سبيله وقواه على عدوه و.. و..الخ! ثم يذكر دعاءً من عدة كلمات
لا تزيد على
السطرين ولا تخلو من ركاكة! فأي عقل ودين يقبل أن يكون لقراءة مثل هذين السطرين كل
ذلك الأجر الكبير والثواب العظيم! ولماذا لم ينتفع الحسين نفسه بهذا الدعاء في تيسر
أمره وفرج كربه وقوته على عدوه؟! هذا لوحده يكفي في الدلالة على وضع هذا الحديث وأن
ما فيه من أدعية وثواب عظيم على كل واحد منها ليس إلا من اختلاق أولئك الكذبة
المخرفين الذين يريدون أن يغروا السذج بهذه الخرافات ويشجعوهم على ترك السعي والعمل
ويفتحوا لهم باب الفسق والفجور ثم الاعتماد على كلمتي دعاء للنجاة ونيل شفاعة
الحسين!
والأعجب من
ذلك دعاء نطفة حضرة الباقر أي أن حضرة الصادق اختص بدعاء هو: يا ديَّان غير
متوان... اجعل لشيعتي من النار وقاء ولهم عندك رضاء... وهب لهم الكبائر التي
بينك وبينهم! ثم قال: من دعا بهذا الدعاء حشره الله تعالى أبيض الوجه مع جعفر بن
محمد إلى الجنة! حسنا علمنا أن لجعفر بن محمد شيعة وهو يدعو ربه لأجل شيعته، لكن
سائر الناس ليس لهم شيعة، فما معنى أن يدعو كل مسلم فيقول: اللهم اجعل لشيعتي من
النار وقاء.. وهب لهم الكبائر؟! ثم هل يغفر الله تعالى الكبائر بمجرد دعاء نطفة من
سطرين؟ وهل هذا إلا تجرئٌ للناس على الخوض في الكبائر؟ انظر كيف سخر هذا الكذاب
الوضاع للأحاديث من دين الله ومن الناس ووضع على لسان النبي (صلوات الله عليه) كل
ما أوحاه له شيطانه.
ومن
علامات الوضع الظاهرة في الحديث عبارة "وهَبْ
لهم الكبائر"
التي يكشف التأمل في
ألفاظها أن واضعها كان فارسيا وذلك لأنه عوضا عن استخدام عبارة: "اغفر لهم الكبائر.." قال: "و هَبْ لهم الكبائر..." في حين أنه لا
يعبر أبداً - في العربية - عن طلب غفران الذنوب بتعبير: هب لهم! بل اغفر لهم، لأن
الهبة عطاء لما هو خير ورحمة كقوله تعالى: ﴿ وهَبْ
لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ﴾ [آل
عمران:8]، أو ﴿ هَبْ
لِيْ مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ﴾ [آل
عمران:38]، أو ﴿ ربِّ
اغْفِرْ لي وهَبْ لي مُلْكَاً ﴾ [ص:35]،
ولكن لا يأتي في العربية أبداً تعبير "رب
هب لي الفواحش وكبائر الذنوب!"ý. ذلك أنه لا يوجد في اللغة العربية تجانس بين الألفاظ الدالة على
معنى "العطاء والهبة والإهداء..." وبين الألفاظ الدالة على معنى "الغفران والصفح
والتجاوز"، بعكس اللغة الفارسية التي يوجد فيها تجانس وتقارب بين ألفاظ المعنيين،
ففي الفارسية يعبر عن كلا معنى العطاء ومعنى الغفران بنفس الفعل وهو "بخشيدن" و"بخشودن" فنقول في الفارسية:
"گناه او را ببخش": أي: اغفر له ذنبه، ونقول: "اين لباس به او ببخش" أي: أعطه هذا اللباس.
هذا
التجانس في اللغة الفارسية هو الذي أوقع واضع الحديث - لعدم تمكنه من العربية -
بهذا الخطأ الكبير في تعبيره "و هب لي الكبائر!"، فالحديث من وضع رجل فارسي
غير
متمكن من العربية ولا يمكن أن يكون من كلام إمام من أئمة
أهل
البيت العرب الأقحاح الفصحاء عليهم السلام أو كلام نبي
الإسلام
سيد الفصحاء (صلى الله عليه وآله
وسلم)(201).
الحديث
الثامن: حديث آخر فيه
التصريح بأسماء الأئمة الاثني عشر، أخرجه الشيخ الصدوق في كتابه إكمال الدين ونقله المجلسي في المجلد
التاسع من البحار (ص158 من طبعة
تبريز) وأورده الشيخ الحر العاملي
أيضاً في كتابه إثبات الهداة:
[حدثنا محمد
بن موسى المتوكل قال حدثني محمد بن أبي عبد الله الكوفي الأسدي قال حدثنا موسى بن
عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن الصادق
جعفر بن محمد عن آبائهم عليهم السلام قال: قال رسول الله: حدثني جبرئيل عن رب
العالمين جل جلاله أنه قال: من علم أنه لا إله إلا أنا وحدي وأن محمداً عبدي ورسولي
وأن علي بن أبي طالب خليفتي وأن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي ونجيته من
النار بعفوي وأبحت له جواريي وأوجبت له كرامتي وأتممت عليه نعمتي وجعلته من خاصتي
وخالصتي إن ناداني لبيته وإن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن سكتَ ابتدأته وإن
أساء رحمته وإن فرَّ منِّي دعوته وإن رجع إليَّ قبلته وإن قرع بابي فتحته، ومن لم
يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي أو شهد ولم يشهد أن محمداً عبدي ورسولي أو شهد ولم
يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي، فقد
جحد نعمتي وصغَّر عظمتي وكفر بآياتي وكتبي، إن قصدني حجبته وإن سألني حرمته وإن
ناداني لم أسمع نداه وإن دعاني لم أسمع دعاه وإن رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني وما
أنا بظلام للعبيد، فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله ومَنِ الأئمة
مِنْ ولد علي بن أبي طالب؟ قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ثم سيد العابدين
في زمانه علي بن الحسين، ثم الباقر محمد بن علي وستدركه يا جابر وإذا أدركته فأقرئه
مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم الكاظم موسى بن جعفر ثم الرضا علي بن موسى ثم
التقي محمد بن علي ثم الهادي علي بن محمد ثم الزكي الحسن بن علي ثم ابنه القائم
بالحق مهدي أمتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. هؤلاء يا جابر
خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ومن أنكر
واحداً منهم فقد أنكرني بهم يمسك السموات أن تقع على الأرض إلا بإذنه وبهم يحفظ
الأرض أن تميد بأهلها.]
أما سند
هذا الحديث:
1) ثاني
راوي في سلسلة السند محمد بن أبي عبد الله الكوفي الأسدي هو محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي
الذي يطلقون عليه محمد بن أبي عبد الله، نقل الممقاني في تنقيح الرجال (ج2/ص95)
والتفرشي في نقد الرجال (ص 298) قول النجاشي عنه: [كان ثقة صحيح الحديث إلا أنه روى عن الضعفاء
وكان يقول بالجبر والتشبيه]، ثم قال العلامة الحلي في الخلاصة: [أنا في حديثه من المتوقفين]، وكذلك ابن
داود الحلي قال عنه في رجاله: [فيه طعن
أوجب ذكره في الضعفاء] ثم يبدي الممقاني رأيه فيعترف أولا قائلا: [قوله بالجبر والتشبيه لو كان على حقيقته لأوجب
فسقه بل كفره!] لكنه يحاول عقب ذلك نفي هذه التهمة أو التخفيف منها - كما هو
منهجه في التساهل بشأن الرواة - وتوثيق الرجل بحجة أن الأصحاب القدماء رووا عنه
الخ...
2) وهذا قد
روى هذا المتهم بالجبر والتشبيه، روايته هذه،
عن شيخه موسى بن عمران النخعي الذي يبدو أنه نفس
موسى النخعي الذي تعاون مع ذلك الكوفي الأسدي في صياغة الزيارة الجامعة الكبيرة
المعروفة
وهي زيارة لا تخلو من غلو واضح
وعبارات فيها جبر وتشبيه، هذا على
الرغم من أن اسم موسى النخعي لم يذكر صريحاً في كتب الرجال بل ذكر في سند الزيارة
الجامعة باسم موسى بن عبد الله، لكن في عيون أخبار الرضا ذكره في سند الزيارة بعين
هذا الاسم فقال: حدثنا موسى بن عمران النخعي قال: قلت لعلي بن موسى بن جعفر: علمني
يا ابن رسول الله قولا أقوله بليغاً إذا زرت واحداً منكم..، ومن مشرب محمد بن جعفر
يظهر أن موسى النخعي الذي أتى بالزيارة الجامعة هو نفس موسى النخعي
الذي في سند هذا الحديث(202). ولعله
وقع خطأ للنساخ في سند الزيارة الجامعة فصحَّفوا موسى بن عمران إلى موسى بن عبد
الله نظراً لشدة التشابه بينهما (خاصة في الخط الكوفي) وعلى أي حال فقد روى موسى بن
عمران أو موسى بن عبد الله حديث الباب عن عمّه:
3) الحسين بن يزيد: وهو شخص متهم بالغلو،
ومعلوم أن الغلاة، طبقاً للأحاديث الصحيحة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، أشد
ضرراً على الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين، قال الممقاني في تنقيح المقال
(ج1/ص349): [قال النجاشي: حسين بن يزيد
بن محمد بن عبدالملك النوفلي،.. وقال قوم من القُمّيِّين أنه غلا في آخر عمره والله
أعلم. وقد روى عن الحسن بن علي بن أبي حمزة]
4) أما الحسن بن علي بن أبي حمزة: فيجب الانتباه
أولا إلى أن جده ليس أبا حمزة الثمالي، كما اشتبهت به بعض النسخ، بل هو أبو حمزة البطائني لأن أبا حمزة الثمالي
ليس له ولد باسم علي ولا له حفيد باسم الحسن، كما صرح بذلك النجاشي في ترجمته في
رجاله (ص89) فقال: [وأولاده (أي أبو حمزة
الثمالي) نوح ومنصور وحمزة قتلوا مع زيد](203). أما
صاحبنا الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني فقال عنه المرحوم الكشي في رجاله - كما ينقل ذلك الأردبيلي
في جامع الرواة (ج1/ص208) والتفرشي في نقد الرجال (ص92): [قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسن بن
فضال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني فقال: كذاب ملعون!…
وإني لا أستحل أن أروي عنه حديثاً واحداً، حكى لي أبو الحسن محمدويه بن نصير عن بعض
أشياخه أنه قال الحسن بن علي بن أبي حمزة رجل سوء!] ثم يذكرانِ قول ابن
الغضائري عنه: [أبو محمد واقف بن واقفي
ضعيف في نفسه وأبوه أوثق منه وقال الحسن بن علي بن فضال: إني لأستحي من الله أن
أروي عن الحسن بن علي]. وقد روى المترجم له حديث الباب عن
أبيه:
5) علي بن أبي حمزة البطائني الذي تقدم أنه
واقفي، بل نقل النجاشي في رجاله والعلامة الحلي في خلاصته قول ابن الغضائري فيه:
[علي بن أبي حمزة لعنه الله أصل الوقف
وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي ابراهيم] أي بعد الإمام موسى الكاظم. هذا
وقد أورد الكشي في ذمه روايات كثيرة فمن شاء فليرجع إليه، منها ما روى الكشي في
رجاله (ص393) من قصة حضور علي بن حمزة هذا إلى محضر الإمام الرضا عليه السلام الذي
رغم أنه أثبت له بالدلائل الواضحة أنه الإمام بعد أبيه الكاظم وأن أباه قد توفي
حقّاً، لم يقبل منه ولم يعترف بإمامته! فأي أحمق يمكنه أن يصدق أن مثل هذا الشخص
الذي عاش ومات واقفيّاً بل كان من شيوخ الواقفة، كان يعرف ويروي هذا الحديث الذي
يذكر فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صراحة اسم الإمام الرضا واسم من بعده من
الأئمة حتى القائم ويؤكد أن [من أنكر
واحداً من حججي فقد جحد نعمتي وصغَّـر عظمـتي وكفر بآياتي وكتبي، ومن أنكر واحداً
منهم فقد أنكرني!..] وهو باق
رغم ذلك على وقفه؟!
أما من
ناحية متن الحديث:
فأوَّل قرينة على وضعه أنه يجعل معرفة
الأئمة فقط شرط النجاة ونيل رحمة الله ونعمه ورضوانه، في حين أن النجاة - كما أكد
القرآن الكريم مراراً وكما ورد في السنة وأحاديث الأئمة كثيراً - لا يكفي لأجلها
مجرد الاعتقاد بل لا بد من أن يُشْفَعَ ذلك بالتقوى والعمل
الصالح.
واضح من الجملة الأخيرة للحديث: "من أنكر واحداً منهم فقد أنكرني، بهم يمسك
السموات أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبهم يحفظ الأرض أن تميد بأهلها!" أن
"الحسين بن يزيد" المتهم بالغلو،
يقوم بترويج عقيدته
الغالية، فيجعل وجود الأئمة عليهم
السلام هو الحافظ للسموات من
أن تسقط على الأرض، ولسائل أن يسأله: ولماذا لم تسقط السموات على الأرض قبل خلق
الأئمة عليه السلام! أما القرآن الكريم فيقول عن إمساك السموات: ﴿ ...
وَيُمْسِكُ
السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ
لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
[الحج:65]، أي الرأفة والرحمة الإلـهية هي التي تحفظ الأجرام السماوية من السقوط
على الأرض قبل أن يخلق أحد من الأئمة وبعد خلقهم...
وثالثاً: قوله فقام جابر بن عبد الله فسأله
(صلى الله عليه وآله):...الخ، ولرجل أن يتساءل: ما القصة في أن المهتم بهذا الأمر
دائماً هو جابر فقط؟! إن سياق الحديث يظهر منه أن الرسول
(صلى الله عليه وآله)
ألقى الحديث في مجلس، أفلم يكن في المجلس غير جابر حتى يقوم ويسأل؟! هذا مع أن
جابرَ ينبغي أن يكون في غنى عن مثل هذا السؤال لأنه - حسب رواية هؤلاء الوضاعين -
قد شاهد اللوح الذي فيه أسماء جميع الأئمة عند فاطمة؟! ثم لماذا لم يُرْوَ لنا هذا
الحديث من قبل أي صحابي آخر غير جابر ممن كان حاضراً في ذلك المجلس؟ ومن هنا قال سفيان الثوري أنهم وضعوا على لسان جابر بن عبد
الله ثلاثين ألف حديثٍ لا يستحلُّ جابر أن يروي منها حديثاً واحداً! هذا مع أننا
نوقن أن وضع هذا الحديث تمَّ بعد عهد جابر، لكن يبدو أن الوضاع لم يكن يعرف صحابياً
أشهر وأفضل من جابر فكان يذكره في آخر سلسلة سنده ليلقى حديثه
القبول!
الحديث
التاسع: حديث آخر ذكرت فيه
أسماء الأئمة الاثني عشر بصراحة، أخرجه الشيخ الطوسي في كتابه " الغيبة " فقال:
[أخبرنا
جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري عن علي بن سنان الموصلي
العدل عن علي بن الحسين عن أحمد بن محمد بن الخليل عن جعفر بن أحمد المصري عن عمه
الحسن بن علي عن أبيه عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه الباقر عن أبيه ذي
الثفنات عن أبيه الحسين الزكي الشهيد عن أبيه أمير المؤمنين قال: قال رسول الله في
الليلة التي كانت فيها وفاته، لعلي: يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملى رسول الله
وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال يا علي: إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن
بعدهم اثنا عشر مهدياً (!) فأنت يا علي أول الاثني عشر إمام، سماك الله في سمائه
عليّاً والمرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي
فلا تصلح هذه الأسماء لأحد غيرك، يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم وعلى
نسائي فمن ثبتَّها لقتني غدا ومن طلقتها فأنا بريء منها لم ترني ولم أرها في عرصة
القيامة وأنت خليفتي على أمتي من بعدي فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن
البر الوصل فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الزكي الشهيد المقتول، فإذا
حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه زين العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة
فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر العلم، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر
الصادق فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا فإذا حضرته الوفاة فليسلمها
إلى ابنه محمد الثقة التقي وإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه حسن الفاضل فإذا
حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد فذلك اثنا عشر إماماً، ثم
يكون من بعده اثني عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى أول المقربين، له
ثلاثة أسامي: اسمه كاسمي واسم أبيه اسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثاني
المهدي هو أول المؤمنين](204).
و فيما يلي
دراسة سند الحديث:
علي بن سنان الموصلي، قال عنه الممقاني
في تنقيح المقال (ج2/ص291): [ليس له ذكر
في كتب الرجال]، وقال عنه التستري في قاموس الرجال: [يستشم من وصفه بالعدل عاميته] يعني أنه
يستشم من ذكر الطوسي له بعبارة: عن علي بن سنان الموصلي العدل، أنه من أهل
السنة وليس من الإمامية، وهذا أيضاً من المستغرب وغير المعقول أن يروي عامي مخالف
لعقيدة الإمامية مثل هذا الحديث ومع ذلك لا يقبله هو نفسه ولا يصير إلى القول
بمفاده!
علي بن الحسين الذي يروي عن أحمد بن
محمد بن الخليل، أيضاً لا ذكر له في كتب الرجال وبالتالي فهو
مجهول.
أحمد بن محمد بن الخليل، قال عنه النجاشي:
[أبو عبد الله الآملي الطبري ضعيف جداً لا يُلتَفَت إليه](205)، وقال عنه
الغضائري: [أحمد بن محمد الطبري أبو عبد الله الخليلي كذاب وضاع للحديث فاسد لا
يُلتَفَت إليه](206)، وروى
حديثه عن جعفر بن محمد البصري وجعفر رواه عن عمه الحسن بن علي بن أبي حمزة
(البطائني) الذي تقدم بيان حاله في الحديث السابق وأنه كذاب ملعون وأنه وأباه
واقـفياَّن متعصبان في الوقف، فسند
هذا الحديث واهي جداً لأن فيه مجهول عن كذوب
وضاع عن واقفة،
ولا تقوم حجة بمثل هكذا سند!
أما
متن الحديث: فأغرب وأعجب ما فيه أنه أهدى للشيعة اثني
عشر مهديا بعد الإمام الثاني عشر الذي يفترض أنه هو المهدي!!، بل قال عن الإمام
الثاني عشر: [فإذا حضرته الوفاة فليسلمها
إلى أول المقربين..] فأثبت الوفاة للإمام الثاني عشر الذي ألف الطوسي كل
كتابه هذا لإثبات حياته وغيبته!
الحديث
العاشر: أورده العلامة المجلسي في بحار الأنوار (ج4/ص54 من طبعة تبريز
الحجرية) والسيد هاشم بن سليمان البحراني في غاية المرام (الباب 62: ص 60) فقال:
[قال ابن
بابويه: حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا هرون بن موسى قال أخبرنا محمد بن الحسن
الصفار عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن هشام قال: كنت عند الصادق إذ دخل
عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن أعين فقال معاوية بن وهب: يا ابن رسول الله! ما
تقول في الخبر الذي روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى ربه، على أي
صورة رآه؟ وعن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، على أي صورة
يرونه؟ فتبسم ثم قال: يا معاوية! ما أقبح الرجل الذي يأتي عليه سبعون سنة أو
ثمانون.... (إلى أن قال) إن أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان معرفة الرب والإقرار
له بالعبودية... (إلى أن قال) وأدنى معرفة الرسول الإقرار بنبوته... وبعده، معرفة
الإمام بعد رسول الله علي بن أبي طالب وبعده الحسن والحسين ثم علي بن الحسين ثم
محمد بن علي ثم أنا ثم بعدي موسى ابني ثم بعده علي وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد
علي ابنه وبعده الحسن ابنه والحجة من وُلْـدِ الحسن. ثم قال: يا معاوية! جَعَلْتُ
لك في هذا أصلاً فاعمل عليه....]
قلت: في سند هذا الحديث إشكال كبير، فمحمد بن الحسن الصفار الذي يرويه بسنده
عن ابن عمير عن هشام الذي هو حتما هشام بن سالم وليس هشام بن الحكم، لأن ابن عمير،
كما يقول علماء الرجال، كان على خلاف شديد مع هشام بن الحكم وكان معرضا عنه، فمثلا
يقول الممقاني في تنقيح المقال (ج2/ص93): [ومن المعلوم رواية ابن عمير عن هشام بن
سالم] ومثله في (ج3/ص302)،
محمد بن الحسن الصفار هذا
يروي في كتابه بصائر الدرجات (ص 250) فيقول: [الهيثم بن النهدي عن إسماعيل بن سهيل ابن أبي
عمير عن هشام بن سالم قال دخلت على عبد الله بن جعفر وأبي الحسن (أي الإمام
الكاظم عليه السلام) في المجلس
قدامه أمراء متردين برداء موزر فأقبلت على عبد الله (أي ابن جعفر الصادق وأخو
الإمام الكاظم) أسأله حتى جرى ذكر الزكاة...]. وخلاصة الحديث أن هشام بن سالم مثله
مثل الآلاف الذين كانوا يحتارون لمن صارت الإمامة بعد وفاة كل إمام (حيث لم يكن
عندهم خبر أصلاً عن شيء اسمه أحاديث النص على الأئمة الاثني عشر بأسمائهم) لم يدر
إلى من صارت الإمامة بعد وفاة حضرة الصادق عليه السلام، ولذلك ورد على عبد الله بن
جعفر الصادق (الذي عرف بالأفطح) والذي تربَّع على مقام الإمامة بعد وفاة أبيه، في
مجلسٍ كان يضم أيضاً أخاه موسى الكاظم، ودار الحديث إلى أن وصل إلى مسألة تتعلق
بالزكاة فلم يستطع عبد الله أن يجيب على تلك المسألة، عند ذاك خرج الناس من عنده،
ومن جملتهم هشام بن سالم، متحيرين، ثم يقول هشام: [فأتيت القبر فقلت يا رسول الله! إلى القدرية؟
إلى الحرورية؟ إلى المرجئة؟ إلى الزيدية؟، قال فإني كذلك إذ أتاني غلام صغير دون
الخمس فجذب ثوبي فقال أجب! قلت: من؟ قال: سيدي موسى بن جعفر، ودخلت إلى صحن الدار
فإذا هو في بيت وعليه حلة، فقال: يا هشام! قلت: لبيك! فقال: لا إلى المرجئة ولا إلى
القدرية ولكن إلينا، ثم دخلت عليه..](207).
و هنا الإشكال: فلو أن هشام بن سالم كان قد سمع حقّاً من
الصادق عليه السلام ذلك الحديث والذي قال له الصادق فيه [إن الإمام بعد رسول الله علي....ثم أنا ثم من
بعدي موسى...إلخ] فما الذي
دعاه إذن إلى تجشم عناء السفر إلى المدينة بحثا عن الإمام الحق بعد الصادق وأن
يعتقد في البداية بإمامة عبد الله ثم لما يراه قد عجز عن معرفة مسألة الزكاة يذهب
لقبر النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) ويسأله: إلى المرجئة؟ إلى الزيدية؟
الخ..؟! إن محمد بن عمير نفسه الذي
يروي عن هشام بن سالم حديث الباب الذي فيه ذكر أسماء الأئمة الاثني عشر كلهم، هو
نفسه الذي - حسب رواية بصائر الدرجات - يروي عن هشام بن سالم هذا، حديث حيرته في
معرفة الإمام بعد الصادق!! فأي الروايتين نصدّق؟ أم أن كليهما كذب!
و في آخر الحديث قال: [والحجة من وُلْـدِ الحسن] والولد بضم
الواو: جمع الوَلَدِ، مما يعني أن أحد أولاد الحسن سيكون صاحب الزمان، هذا مع أن
أكثر فرق الشيعة، والتي وصل عددها لخمس عشرة فرقة بعد وفاة الإمام الحسن العسكري،
كانت تقول بأن العسكري لم يخلف ولدا أصلاً، فضلا عن أن يكون له عدة أولاد؟
كانت
تلك عمدة أحاديث النصّ الصريح من قبل الرسول (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) على
الأئمة الاثني عشر، التي هي أهم وأشهر ما جاء في هذا الباب في كتبنا
الشيعية، عرفنا
حالها سنداً ومتناً، ولم أقف على أحاديث مهمة أخرى في كتبنا فيها النص الصريح على
الأئمة الاثني عشر بأسمائهم، ولو وُجِدَت فعلى اليقين حالها لن يكون أفضل من حال
الأحاديث التي أوردناها (و إلا لاشتهرت).
و هناك أحاديث أخرى ذكر فيها النص على عليٍّ وعلى
الاثني عشر إمام بأسمائهم، وردت في كتاب سليم بن قيس الهلالي العامري، وقد سبق
الكلام منا على الكتاب ومؤلفه وبينا آراء محققي الأصوليين من علماء الشيعة في
الكتاب كقول ابن الغضائري أن الكتاب موضوع لا مرية فيه، وقول
الشيخ المفيد: إنه لا يجوز العمل بأكثر ما
فيه وينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بكل ما فيه... فليراجع ثمّة، ونضيف هنا قول
ابن داود الحلي في رجاله: [سليم بن قيس
الهلالي، ينسب إليه الكتاب المشهور وفي الكتاب مناكير مشتهرة وما أظنه إلا
موضوعاً]، وقد ذكرنا ثمة طرفاً من الأخطاء التاريخية الواضحة
في كتاب سليم بن قيس
التي تؤكد كون الكتاب ملفقاً مكذوباً. لذا لما كان الكتاب باتفاق كبار علماء الشيعة
مكذوباً موضوعاً فلا حاجة بنا للتعرض لبعض ما جاء فيه من روايات النص على الأئمة
الاثني عشر.
كذلك جاءت في كتب الشيعة أحاديث أخرى فيها نص
الرسول (صلى الله عليه وآله) على الأئمة الاثني عشر بأسمائهم لكن ليس من طرق الشيعة
بل من طرق العامَّة، وعلى لسان رواة من العامة (أي من أهل السنة)، مثل هذه الروايات
أوردها السيد هاشم البحراني في كتابه "غاية المرام" وعلي بن محمد القمي في
كتابه "كفاية الأثر في النص على الأئمة
الاثني عشر" وسند تلك الروايات يتصل بالمعصوم بواسطة صحابة مثل أبي هريرة أو
أنس بن مالك أو ابن عباس... ولكننا لما كنا نعلم أن مثل أولئك الصحابة لم يكونوا
قطعاً من القائلين بالإمامة بالنص على علي وأبنائه بل بعضهم كان من المنحرفين عن
علي، فإنه من غير الممكن أبداً أن يرووا مثل هذه الأحاديث، ومن الواضح جداً أنه قد
تم نسبة مثل هذه الأحاديث إليهم حتى يُقال: الفضل ما شهدت به الأعداء! وثانياً: مما
يؤكد ما نقوله، سند مثل هذه الأحاديث الذي لا يخلو من وضاع أو غال أو ضعيف أو
مجهول، وكمثال على ذلك نذكر الحديث التالي الذي رواه السيد هاشم البحراني في
"غاية المرام" (ص57) فقال: [..ابن
بابويه في كتاب النصوص، قالوا: حدثنا محمد بن عبد الله الشيباني و.. و.. و.. قالوا
حدثنا أبو علي محمد بن همام بن سهل الكاتب قال حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور
العَمِيّ (و في نسخةٍ:القُمِّيّ) عن أبيه محمد بن جمهور قال حدثني عثمان بن عمرة
قال حدثنا شعبة...عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال كنت عند النبي وأبو بكر
وعمر والفضل بن عباس وزيد بن حارثة وعبد الله بن مسعود إذ دخل الحسين بن علي فأخذه
النبي وقبَّله...].
ثم
يذكر النبي حديثاً يبين فيه أسماء الأئمة من ولد الحسين واحداً واحداً حتى يصل إلى
جعفر الصادق فيقول: [الطاعن عليه والراد
عليه كالراد علَيَّ، قال: ثم دخل حسان بن ثابت فأنشد شعرا في رسول الله وانقطع
الحديث..] ثم يقول أبو هريرة أنه في اليوم التالي بعد أن صلى رسول الله (صلى
الله عليه وآله) الفجر ودخل بيت عائشة دخلنا نحن كذلك أنا وعلي بن أبي طالب وابن
عباس [فقلت: يا رسول الله! ألا تخبرني
بباقي الخلفاء من صلب الحسين؟ قال: نعم يا أبا هريرة!(208) ويخرج من صلب جعفر
مولود تقي طاهر... سَمِيُّ موسى بن عمران...(و كأن رسول الله يسكت بعد ذكره اسم
موسى بن جعفر فيسأله ابن عباس): ثم من يا رسول الله؟ فيقول الرسول (صلى الله عليه
وآله) من صُلْبِ موسى: علـي.....الخ الحديث]. والعجيب أن أبا علي
محمد بن همام راوي الحديث يقول بعد روايته للحديث: [العجب كل العجب من أبي هريرة يروي هذه
الأخبار ثم ينكر فضائل أهل البيت عليهم السلام!].
أجل إنه
لأمر لعجيب حقّاً أن يروي أبو هريرة وزيد بن حارثة و... وخاصة عبد الله بن عباس
الذي كان يختلف مع علي في الرأي أحياناً، مثل هذه الأحاديث المثبتة للنص الإلـهي
والعصمة لأئمة أهل البيت، ولكن ليس الذنب ذنبهم بل ذنب من وضع هذه الروايات
الموضوعة على ألسنتهم.
والأعجب منه أيضاً هو حال "محمد بن همام" هذا الذي كان يروي الحديث
عن "أحمد بن الحسين" الذي كان يضع
الحديث!(209).
ولا شك أن هذا الأمر
يعد طعناً كبيراً بنزاهته أعني
"محمد بن همام" لأن الرواية عن الكذابين
والوضّاعين تعد -
كما يؤكد العلامة الرجالي "التستري"(210) - مطعناً
بالراوي يوجب ضعفه، ويفقد الثقة بمنقولاته.
ثم إن "أحمد بن الحسين" روى حديثنا هذا عن
"الحسن بن محمد بن جمهور
العَمِيّ" (أو القُمِّيّ كما في بعض النسخ) الذي قال عنه الممقاني في تنقيح
المقال (ج1/ص306):[يروي عن الضعفاء ويعتمد
على المراسيل] وهو عن أبيه محمد بن الحسن بن جمهور المجروح جداً في كتب الرجال،
فالشيخ النجاشي قال عنه: [محمد بن جمهور
أبو عبد الله العَمِيّ ضعيف في الحديث فاسد المذهب، وقيل فيه أشياء الله أعلم بها
من عظمها](211). ونقل
الأردبيلي في جامع الرواة (ج2/ص 87) أقوال الرجاليين فيه كما يلي: [محمد بن جمهور العمي عربي بصري غال [ضا]...
أبو عبد الله العمي ضعيف في الحديث غال في المذهب فاسد في الرواية لا يلتفت إلى
حديثه ولا يعتمد على ما يرويه [صه]..]. وقال ابن الغضائري عنه: [محمد بن الحسن بن جمهور أبو عبد الله القمي
غال فاسد المذهب لا يكتب حديثه رأيت له شعرا يحلل فيه المحرمات]. وذكره ابن
داود في رجاله (ص442) في القسم الثاني المخصص للمجروحين والمجهولين وقال عنه: [يروي عن الضعفاء ويعتمد على المراسيل]،
وهكذا في سائر كتب الرجال. هذا ولما كان الرجل قد عمَّر كثيراً فبلغ عمره مائة
وعشرة سنوات، وكان غالياً، فلا يستبعد أن يكون قد وضع هذا الحديث في أواخر القرن
الهجري الثالث (أي بعد أن اتضح ما استقرت عليه الإمامية الاثني عشرية من أسماء وعدد
للأئمة) وعلمه لابنه الحسن!. ثم جاء مثل "محمد بن همام" ليروي هذا الحديث ويتخذه
حجة ويتعجب كيف رواه أبو هريرة ولم يعمل به!!.
علاوة على الأحاديث التي ذكرت فيها
أسماء الأئمة صراحة، توجد في كتب الشيعة أحاديث أخرى فيها النص على الأئمة بنحو
الكناية والإشارة، وأهم هذا النوع من الأحاديث ما أورده المحدث الكليني في كتابه
أصول الكافي: كتاب: الحجة، باب:
ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم عليهم السلام، حيث أورد الكليني في هذا الباب
عشرين حديثاً، اعتبر "العلامة المجلسي" (رحمة الله عليه) - في شرحه
للكافي الذي سماه "مرآة العقول" -
(ج1/ص433ـ439) تسعة منها ضعيفة، وستة مجهولة، وحديثا واحداً مختلفا فيه، وحديثا
مرفوعا وحديثا حسنا وحديثين منها فقط صحيحين، وأحد هذين الحديثين الصحيحين، بنظره،
هو الحديث الذي رواه "أبو هشام
الجعفري" عن حضرة الإمام محمد التقي عليه السلام، وهو حديث سيأتي عن قريب
بيان ضعفه وبطلانه. والثاني هو هذا الحديث نفسه لكن بسند آخر من رواته "أحمد بن محمد بن خالد البرقي" وهو راوٍ
ضعيفٌ، لا ندري كيف اعتبره العلامة المجلسي صحيحاً!(212).
لكن
العجيب أنه علاوة على ضعف سند هذه الأحاديث، فإن متنها واضح البطلان، لأن سبعة منها
وهي الأحاديث: 6 و7 و8 و9 و14 و17 و18، يجعل عدد الأئمة ثلاثة عشر!، فالحديث السادس
الذي يرويه أبو حمزة الثمالي عن الإمام زين العابدين يقول:[إن الله خلق محمداً وعلياً وأحد عشر من ولده
من نور عظمته، فأقامهم أشباحاً في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق، يسبحون الله
ويقدسونه وهم الأئمة من وُلْدِ رسول الله (صلى الله عليه وآله)]. فكيف يكون
الأئمة من وُلْدِ رسول الله، وعليٌّ ليس من
وُلْدِه؟
وكذلك في الحديث السابع يقول الإمام الباقر
عليه السلام: [.. الاثني عشر إمام من آل محمد كلهم مُحَدَّث من
وُلْدِ رسول الله...]. وفي
الحديث الثامن يقول حضرة أمير المؤمنين عليه السلام: [إن لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية
نبيها...]، وفي الحديث التاسع
يقول حضرة الإمام محمد الباقر عليه السلام، ناقلا عن جابر بن عبد الله الأنصاري
قوله: [دخلت على فاطمة وبين يديها لوح لها
فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثنا عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمد وثلاثة
منهم علي(213)]، وفي
الحديث السابع عشر يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين: [إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زرُّ الأرض
يعني أوتادها وجبالها...]، وفي الحديث الثامن عشر يقول الإمام الباقر: [قال رسول الله: من ولدي اثني عشر نقيباً نجباء
مُحدَّثون...].
فهذه
الأحاديث تثبت أن من ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) سيكون اثنا عشر إماماً،
وبالتالي فمع الإمام علي - الذي هو أول الأئمة وليس من ذريته (صلى الله عليه وآله)
- سيكون مجموع عدد الأئمة ثلاثة عشر إماماً! ويبدو أن الراوي الوضاع الكاذب نسي أن
عليّاً عليه السلام ليس من ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) ولم يتوقع أن يقع
حديثه، فيما بعد، بيد من يفرق بين عدد الاثني عشر والثلاثة
عشر!!
[[ومما
يستدل به القائلون بالنص، كثيراً أيضاً، الحديثُ الذي رُوِيَ في كتب أهل السنة،
والذي يبين أنه سيلي أمر هذه الأمة اثنا عشر خليفةً(214). هذا مع
أن تأمل ألفاظ الحديث يبين بوضوح عدم إمكان قيامه دليلاً على ما يقولون، فهذا
الحديث رُوِيَ بألفاظٍ مختلفةٍ متقاربةٍ أكثرها يذكر أن أمر الإسلام سيبقى عزيزاً
منيعاً قوياً طوال مدة حكم وإمارة اثني عشر خليفةٍ يملكون أمر المسلمين بعده (صلى
الله عليه وآله وسلم):
«..لا
يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلا ثُمَّ
تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَلَيَّ فَسَأَلْتُ
أَبِي مَاذَا قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كُلُّهُمْ مِنْ
قُرَيْشٍ»
«.. لا
يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ
اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عُصَيْبَةٌ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى أَوْ آلِ
كِسْرَى وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ
فَاحْذَرُوهُمْ..»
«.. لا
يَزَالُ الإِسْلامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً.. كُلُّهُمْ مِنْ
قُرَيْشٍ».
«.. لا
يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا مَنِيعًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً فَقَالَ
كَلِمَةً صَمَّنِيهَا النَّاسُ فَقُلْتُ لأَبِي مَا قَالَ؟ قَالَ كُلُّهُمْ مِنْ
قُرَيْشٍ.»(215).
«..يَكُونُ
مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا قَالَ ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ
أَفْهَمْهُ فَسَأَلْتُ الَّذِي يَلِينِي فَقَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ.»
أخرجه الترمذي: كتاب الفتن/
باب ما جاء في الخلفاء.
«.. لا
يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً مِنْ قُرَيْشٍ
ثُمَّ يَخْرُجُ كَذَّابُونَ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ ثُمَّ تَخْرُجُ عِصَابَةٌ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَسْتَخْرِجُونَ كَنْزَ الْأَبْيَضِ كِسْرَى وَآلِ
كِسْرَى...» أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في
مسنده: ج 5/ ص 86، ح 19875.
«.. لَا
يَزَالُ هَذَا الدِّينُ ظَاهِرًا عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ لا يَضُرُّهُ مُخَالِفٌ وَلا
مُفَارِقٌ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا.. كُلُّهُمْ مِنْ
قُرَيْشٍ.» أحمد في مسنده: ج 5/ ص 87، ح
19887.
«.. لا
يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ عَزِيزًا مَنِيعًا ظَاهِرًا عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ حَتَّى
يَمْلِكَ اثْنَا عَشَرَ.. كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» أحمد في مسنده:: ج 5/ ص 93، ح
19964.
«.. لَنْ
يَزَالَ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا مَنِيعًا ظَاهِرًا عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ لا
يَضُرُّهُ مَنْ فَارَقَهُ أَوْ خَالَفَهُ حَتَّى يَمْلِكَ اثْنَا عَشَرَ كُلُّهُمْ
مِنْ قُرَيْشٍ» أحمد في مسنده: ج 5/ ص 99، ح
20000.
هذا الحديث
- كما هو واضح من ألفاظه وسياقه - لا يصلح مطلقاً مستنداً للقائلين بالنص الإلـهي
على الأئمة الاثني عشر للدلائل التالية:
أوّلاً:
الحديث مجرد إخبار عن أمر مستقبلي، وليس بياناً لنصٍّ وتعيينٍ ورضىً إلـهي.
و ثانياً:
الحديث يبين أن الاثني عشر خليفةً سيملكون أمر هذه الأمة أي يتولون زمام
أمورها، لذلك ورد في بعض الطرق: اثنا عشر أميراً، وهذا لا ينطبق - كما هو واضح -
على الأئمة الاثني عشر «عليهم السلام»، لأنه - باستثناء خلافة علي وست أشهر من خلافة الحسن
- لم يملك أحدٌ من باقي الأئمة أمر المسلمين ولم يحكموهم. فالإمام الحسين عليه
السلام نهض لأمر الحكم ولكنه استشهد دون ذلك، والباقون لم يتعرّضوا أصلاً لنيل
الحكم ولا كانوا أمراء ولا ملكوا زمام أمور الأمة.
و ثالثاً:
الحديث يؤكد أنه خلال فترة خلافة هؤلاء الاثني عشر سيبقى الإسلام عزيزاً منيعاً
قوياً، وهذا خلاف ما يعتقده القائلون بالنص، فهم يرون أنه عندما حكم أبو بكر وعمر
وعثمان، في فترة إمامة علي المنصوص عليها باعتقادهم، ضَعُفَ الإسلام جداً وأُصيب
بأعظم نكبةٍ حيث ارتد معظم المسلمين!!، ثم في فترة إمامة الحسنين وزين العابدين،
التي وافقت تولِّي معاوية ويزيد الحكم، هُدِم الإسلام على رأسه وأُصيب في مقتله،
بإزاحة الحسن وقتل الحسين عليهما السلام، وهكذا لم يزل الإسلام ضعيفاً لغصب الأئمة
مقامهم وإزاحتهم عن مناصبهم وتولى أئمة الجور والفسق والظلم مكانهم، وبالتالي
فالإسلام الحقيقي - الذي يتمثل بإمامة الأئمة الاثني عشر وقيادتهم لزمام أمور
المسلمين - كان مقهوراً مستضعفاً، لا قائماً عزيزاً ظاهراً؟!
و رابعاً:
الحديث - في جميع طرقه - يبين أن هؤلاء الخلفاء من قريش، ولو كان المقصود مهم
الأئمة الاثني عشر لأوضح الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك وقال أنهم من بني هاشم، بل
قال أنهم من ذريتي من فاطمة، لا سيما أن المقام - في نظر القائلين بالنص المستدلين
بهذا الحديث - مقام تبليغ أصل من أصول الدين وأمر خطير عليه بناء السعادة والنجاة
يوم القيامة!، وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمل بالتقية في إبلاغ
رسالات ربه!
و أخيراً:
هذا الحديث لم يُرْوَ - من جميع طرقه - إلا عن صحابيٍّ واحدٍ هو "جَابِرُ بْنُ
سَمُرَةَ السُّـوَائِيِّ "(216) فهو حديث
آحادٍ، بل من أضعف أقسام الآحاد لأنه فردٌ غريبٌ، مع أن موضوعه وكونه قيل في حجة
الوداع - كما جاء في بعض طرقه ـ، يقتضي أن يسمعه ويرويه الجم
الغفير!!
فما معنى
الحديث إذن؟
الحقيقة أن
الحديث - إن صحَّ - يريد أن يبـين أن دين الإسلام - كعقيدة صافية ودولة منيعة -
سيبقى قوياً ظاهراً فلا تنتشر فيه البدع والأفكار الدخيلة المخربة، وأن أمة الإسلام
ستظل عزيزة منيعة ظاهرة لا يتسلط عليها الكفار ولا ينفذون إليها، ما وليهم بعد رسول
الله اثنا عشر أميراً كلهم قرشيون، وهم من حكم المسلمين من الخلفاء والملوك في
القرن الهجري الأول وأوائل الثاني، الذي كان الإسلام فيه لا يزال نقياً غير مشوب
ودولة الإسلام في عزّ قوتها وغلبتها على الأمم المجاورة، بمعزلٍ عن حالة كل واحد من
أولـئك الحكام هل كانوا بحد ذاتهم صالحين أم طالحين، فكلمة خليفة تعني من يخلف
الآخر ويأتي بعده، بغض النظر عن سيرته وسلوكه، فقد يخلف الكافرُ المؤمنَ، كما قال
تعالى مثلاً: ﴿ هُوَ
الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ
كُفْرُهُ..
﴾ [فاطر:39]، وقال
سبحانه: ﴿ فَخَلَفَ
مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾
[مريم:59]، وقال سبحانه مخاطباً الكفار من قوم عاد: ﴿ وَاذْكُرُوا
إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ
بَسْطَةً..
﴾ [الأعراف:69].
فاصطلاح خليفة بحد ذاته ليس فيه ثناء أو تكريم، وأقصى ما يفيده: من خلف الرسول صلى
الله عليه وسلم في تولي حكم المسلمين، أما كونه مشى على هديه أم لم يمشِ، أو كان
عادلاً أو ظالماً فهذا شيء آخر. من هنا نرى الخطأ الذي وقع به بعض العلماء من شراح
الحديث حين حاولوا أن يجدوا مصاديق لهؤلاء الخلفاء الاثني عشر ممن حكم المسلمين من
الخلفاء الصالحين فقط، فذكروا الخلفاء الراشدين الأربعة ثم الحسن بن علي ثم عمر بن
عبد العزيز ثم أخذوا يتخبطون في تحديد الباقين!، مع أن المسألة ليست من هذا الباب
إطلاقاً.]]
والخلاصة
أنه تبين من خلال تمحيص أسانيد جميع أحاديث النص على الأئمة الواردة في
كتبنا
الشيعية وتحليل
متونها، أنها أحاديث
موضوعة أو
ضعيفة واهية السند لا تقوم بمثلها حجة، لا سيما على مثل عقيدة النص هذه التي
عليها مدار النجاة والهلاك، فمثل هذه العقيدة الهامة لا بد فيها من أدلة يقينية
قطعية الثبوت أي يكون صدورها عن النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) أو آله الكرام (عليهم السلام)
يقينياً.
و نتّجِهُ
الآن نحو تاريخ الأئمة أنفسهم لنرى هل تنسجم سيرهم وأقوالهم مع وجود مثل أحاديث
النص هذه أم لا؟
+
+
+
سِيَرُ الأئمة بحد
ذاتها تنفي وجود أحاديث
النص
السابق
1- تبين من
الفصول الماضية وثبت أن حضرة أمير المؤمنين عليه السلام لم يدَّعِ في أي مقام أو في
أي ملأ من الناس، أن الله تعالى هو
الذي نصبه وعينه إماماً
أميراً مفترض الطاعة على المسلمين، بل
إن الأمر لم يكن يعدو
اعتباره نفسه أولى الأمة وأليقها وأحقها بمنصب خلافة رسول الله، كما أن اعتراضه على
بيعة سقيفة بني ساعدة كان مستنده أن هذه البيعة لم تتم بمشورة جميع الأنصار
والمهاجرين أو على الأقل لم تتم بمشورته هو نفسه ولا مشورة عديد
من فضلاء وأجلة المهاجرين والأنصار، ومن المسلَّم أنه لو حصل ذلك لما عُدِلَ عنه
إلى غيره أبداً.(217)
2 - كذلك
خلافة الحسن بن علي المجتبى عليه السلام لم تتم بالاستناد إلى نص، سواء كان من
الرسول (صلى الله عليه وآله) أو من علي عليه السلام، بل كما جاء في مروج الذهب
للمسعودي وتاريخ الطبري والبداية والنهاية لابن كثير أن عليّاً لما ضربه ابن ملجم
دخل عليه الناس يسألونه فقالوا: [يا أمير
المؤمنين، أرأيت إن فقدناك، ولا نفقدك، أنبايع الحسن؟ فأجاب: لا آمركم ولا أنهاكم،
أنتم أبصر](218)، وأنه لما
أخبر أهل الكوفة - قبل أن يضربه ابن ملجم - بشهادته كانوا يقولون له: [ألا تستخلف؟ فيقول: لا ولكن أترككم كما ترككم
رسول الله](219)، وأنه لما
أخبر الحسنُ الناسَ بوفاة أبيه الجليل قام ابن عباس وقال: [إن أمير المؤمنين توفي وقد ترك لكم خلفاً فإن
أحببتم خرج إليكم وإن كرهتم فلا أحد على أحد، فبكى الناس وقالوا: بل يخرج
إلينا]. هذا في حين أنه لو كان لمسألة الإمامة المنصوص عليها، على النحو
الذي يدَّعونه، حقيقة، للزم ووجب أن يقوم علي عليه السلام أثناء فترة حكمه التي
دامت خمس سنوات، ببيان هذا الأصل الأصيل والتأكيد عليه قبل أي شيء آخر، وذلك في كل
مناسبة وخطبة من خطبه البليغة، وأن يقوم ابنه الحسن المجتبى بذلك أيضاً ليعلم الناس
أمر دينهم وتتم الحجة عليهم ويعرفوا أنه: أولاً: الإمامة وحكومة المسلمين منحصرة
باثني عشر إمام بنص من الله تعالى عليهم لا أكثر ولا أقل (حتى لا يشتبه
الأمر على عشرات الفرق التي
قالت بإمامة أكثر أو أقل منهم كالشيعة
الإسماعيلية والكيسانية
والزيدية و.. و..) وثانياً: أنه - باستثناء إمامة الحسين بعد أخيه الحسن - لا تنتقل
الإمامة إلا بنحو عامودي من الأب لابنه، وأنها - باستثناء موردين هما إسماعيل بن
جعفر ومحمد بن علي الهادي - تكون للابن الأرشد بعد أبيه. وثالثاً: أن الأئمة من
ولده معصومون مفترضو الطاعة... وأن... وأن...الخ.
و لكن كما
نعلم جميعاً ليس هناك أي أثر لمثل هذه الأمور سواء في كلام علي أو كلام ابنه الحسن
حتى الذي قيل في الاجتماعات الخاصة ومع المقربين، بل سنرى عن قريب أن الأئمة أنفسهم
كانوا آخر من يعلم بمثل هذه الأمور!.
3 -
أما حضرة الحسين عليه السلام فمشهور
ومعروف لكل أحد أنه قبل أن يدعوه أهل الكوفة للإمامة ويبايعوا ممثله جناب مسلم بن
عقيل، لم يدع لنفسه الإمامة المفترضة بنص من الله ونص من رسوله (صلى الله عليه
وآله)، ولم يأت في جميع احتجاجاته وخطبه التي ألقاها بين الناس قبل وأثناء خروجه،
بأي كلام عن نص على إمامته أو إمامة والده أو أخيه
مِن قِبل الله عز وجل.
4 - بعد
شهادة الحسين عليه السلام، طبقاً لاتفاق جميع التواريخ المعتبرة، قام أخوه من أبيه
محمد بن علي المعروف بمحمد بن الحنفية بتولي منصب الإمامة
وعرف أتباعه الذين قالوا بإمامته بالكيسانية، وكتب الملل والنحل وأحاديث الشيعة
مليئة بالحديث عن هذا الأمر، كما روى "الطبرسي" في كتابه "أعلام الورى" (ص152) و"الكليني" في "الكافي" و"الطبرسي أحمد بن علي" في "الاحتجاج" كلهم عن أبي عبيدة وزرارة
كلاهما عن حضرة الباقر عليه السلام قال: [لما
قتل الحسين أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين فخلا به وقال يا ابن أخي قد
علمت أن رسول الله دفع الوصية والإمامة من بعده إلى علي ثم إلى الحسن ثم إلى الحسين
وقد قتل أبوك ولم يوص وأنا عمك وصنو أبيك وولادتي من علي وأنا في سني وقدمي أحق بها
منك في حداثتك...](220)، ومهما كان
هذا الحديث مخدوش سنداً ومتناً وعقلا سيما ما ذكر فيه من تحاكم علي بن الحسين إلى
الحجر الأسود ليحكم بينه وبين محمد بن الحنفية! والذي من الواضح أنه من اختلاق
الوضاعين الذين لا يتورعون عن
الكذب في سبيل تأييد مذهبهم، أو من وضع أشخاص أرادوا إيجاد الفرقة بين المسلمين،
لكن أيا كان الأمر فإنه من مسلمات التاريخ أنه بعد شهادة الحسين وجدت الفرقة
الكيسانية القائلة بإمامة محمد بن الحنفية ثم تفرعت عنها بعده عدة فرق أخرى أيضاً،
ووجود هذه الفرقة وغيرها وإن كان بلا شك وليدا للصراعات السياسية والنزاعات على
السلطة، لكنه بحد ذاته يتناقض مع مسألة النص أي مع وجود نص معروف على أسماء الأئمة
بأعينهم، إذ لو كان ذلك معروفاً فعلاً، لما صار أحد للإيمان بإمامة محمد بن
الحنفية، ومن العجيب أن نفس أولئك الذين رووا مثل الحديث السابق الذي يقول فيه "ابن
الحنفية" لابن أخيه من أبيه "علي بن الحسين": [أنا
عمك وصنو أبيك وولادتي من علي وأنا في سني وقدمي أحق بها منك]، ويذكرون
أن المختار
بن عبيدة الثقفي (قائد ثورة التوابين)
وغيره، بقوا، لسنوات مديدة، يدعون لإمامة ابن الحنفية، هم أنفسهم يروون عن نفس محمد
بن الحنفية ما يؤيد النص على الأئمة!، كما روى الكشي في رجاله عن أبي خالد الكابلي
الذي كان يقوم بخدمة محمد بن الحنفية، أنه قال له يوماً: [جعلت
فداك إن لي خدمة ومودةً وانقطاعاً، أسألك بحرمة رسول الله وأمير المؤمنين إلا ما
أخبرتني: أنت الذي فرض الله طاعتـه على خلقه؟ قال: لا، الإمام علي بن الحسـين،
عليَّ وعلى كل مسـلمٍ]!
و أيا كان
فمن الواضح تماماً أنه لم يكن عند أهل بيت النبوة نصٌّ معروفٌ صريحٌ على الإمامة
والخلافة وإلا لما ادَّعى الإمامة أبداً رجل عُرِفَ بالعلم والزهد والشجاعة والتقوى
كمحمد ابن الحنفية، ولتبرَّأ من الذين قالوا بإمامته، مع أنه لم يُسمَع منه أبداً
أنه ردّ على القائلين بإمامته أو أنكرها، إذن فلم يكن هناك نصٌّ نبويٌ معيّنٌ
يحدِّد مَن هم الأئمة.
+
+
+
ثورات عديد من أئمة آل
البيت
دليل آخر على عدم وجود
النص على أئمة
محددين
1 - بيعة
أهل الكوفة لجناب زيد بن علي بن
الحسين من القضايا الواضحة في تاريخ الإسلام وخروج ذلك الجناب باسم الإمامة
من مسلمات التاريخ، ذلك أن عقيدته كانت أن الإمام هو من قام بالسيف، من أولاد علي
وفاطمة، لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدفاع عن الديـن وردّ الظالمين
وإقامة حكم الكتاب والسنة. وهذا من أوضح عقائد وحجج حضرته ودليل على أن ذلك الجناب
كان منكراً تماماً لوجود نص يعين أشخاصاً محددين للإمامة والخلافة في أهل بيت
النبوة، كما سبق وأشرنا إلى بعض ما روي عن حضرته في هذا المجال مما رواه فرات ابن إبراهيم الكوفي في تفسيره
المعروف بتفسير فرات ابن إبراهيم
والذي يعد من كتب الشيعة الموثقة المعتبرة(221). وروى
الكليني في أصول الكافي (كتاب الحجة: ج1/ ص348) عن علي بن الحكم عن أبَّان وكذلك
الكشي في رجاله (ص164) عن أبي خالد الكابلي: حواراً بين زيد بن علي بن الحسين وأبي جعفر الأحول المعروف بمؤمن الطاق، حول موضوع الإمامة بالنص
والنص على الأئمة، يؤكد رأي الإمام زيد المذكور فيما رواه فرات ابن إبراهيم في تفسيره، خلاصته أن
زيد بن علي يقول لمؤمن الطاق: [بلغني أنك
تزعم أن في آل محمد إماماً مفترض الطاعة؟ قال: نعم وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم.
قال: وكيف وقد كان يؤتى بلقمة وهي حارة فيبردها بيده ثم يلقمنيها، أفترى يشفق علي
من حر اللقمة ولا يشفق علي من حرّ النار؟! (أي لا يخبرني عن الإمام المفترض
الطاعة؟!)]. وهذا الحديث رواه
الكشي من طريق آخر أيضاً عن أبي مالك الأحمسي عن مؤمن الطاق. وعليه فإن جناب زيد بن
علي بن الحسين الذي نبأ رسول الله عنه وعن شهادته ومدحه وأثنى عليه حسبما أورده
القاضي الحسين بن أحمد السياغي الصنعاني في كتابه: "الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير"
(ج1/ص58) وما ورد في كتاب "المنهاج" و"هداية الراغبين" كما أثنى عليه حضرة أمير
المؤمنين وحضرة الإمام الحسين حسبما رواه ابن طاووس في كتابه الملاحم (ص74 و96 من طبعة النجف) وما
رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا
(ج1/ ص225-229) والكشي في رجاله، والذي أثنى عليه أخوه الإمام
الباقر وابن أخيه الإمام الصادق وسائر الأئمة عليهم السلام أيضاً، زيد هذا لم يكن يعتقد أبداً بإمام منصوص
عليه سلفا من أهل بيت النبوة، بل كان يعتبر الإمام من يخرج بسيفه فعلا للأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وإحياء الدين وكان يقول: [ليس الإمام منا من جلس في بيته وأرخى عليه
ستره وثبط عن الجهاد ولكن الإمام منا من منع حوزته وجاهد في سبيل الله حق جهاده
ودفع عن رعيته وذب عن حريمه](222)، ونفس
خروجه وبيعة الناس له بالإمامة أوضح دليل على عدم وجود النص، مهما حاول القائلون
بالنص أن يؤولوا خروج زيد هذا ويفسروه بتفسيرات من قبيل تفسير القول بما لا يرضى به
صاحبه!
و العجيب
أن مختلقي النص وواضعي الأحاديث فيه، لم يكفوا بلاءهم عن زيد أيضاً، رغم أن عقيدته
في عدم النص على الأئمة في غاية الوضوح، بل وضعوا الأحاديث التي تثبت معرفته
بالنص!، كما روى ذلك علي بن محمد القمي في كتابه "كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الاثني
عشر" فقال: [ويحدث عمر بن موسى
الرجهي عن زيد قال: كنت عند أبي علي بن الحسين إذ دخل عليه جابر بن عبد الله
الأنصاري فبينا هو يحدثه إذ خرج أخي (أي محمد الباقر) من بعض الحجر فأشخص جابر
ببصره نحوه (!) فقام إليه وقال: أقبل! فأقبل، أدبر! فأدبر، فقال: شمائل كشمائل رسول
الله، ما اسمك يا غلام؟ قال: محمد..إلى آخر الحديث]، وقد بينا في نقدنا
للحديث الأول من أحاديث النص أن جابرا توفي فيما بين 74 و78هـ في حين كانت ولادة
زيد سنة 80 هـ!! ويكفي هذا لمعرفة مقدار ما يتمتع به الحديث من الصدق والصحة!
إضافةً إلى ما تقدَّم من أن جابرَ كُفَّ بصره في آخر عمره فكيف استطاع أن يدقق
النظر إلى حضرة الباقر؟! إن واضعي هذه الأحاديث كانوا مغرمين ومتعلقين بإثبات موضوع
النص من الله تعالى على إمامة الأئمّة لدرجة أنهم كانوا يختلقون دون تفكير أي حديث
كان، لإثبات مدعاهم، فيقعون
دون أن ينتبهوا في أخطاء تاريخية فاضحة!.
2- من
القضايا المسلمة في التاريخ قيام محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن
المجتبى المعروف بـ"النفس الزكية"
الذي كان من أكابر أهل بيت النبوة وأجلتهم فضلاً وعلما ًوتقوىً، وتصدِّيه للإمامة،
وبيعة الناس - لا سيما عترة الرسول وبنو هاشم - له بالإمامة، إلى حد أن حضرة جعفر
الصادق نفسه - الذي تنسب إليه أكثر أحاديث النص هذه - دُعي إلى بيعته، وحسب بعض
الأحاديث أنه أعانه في قيامه، كما جاء في كتاب "مقاتل الطالبيين" لأبي الفرج الأصفهاني
(ص252) عن سليمان بن نهيك أنه قال: [كان
موسى وعبد الله ابنا جعفر، عند محمد بن عبد الله (أي النفس الزكية) فأتاه جعفر (أي
الصادق) فسلم ثم قال: تحب أن يصطلم أهل بيتك؟ قال: ما أحب ذلك. قال: فإن رأيت أن
تأذن لي فقد عرفت علتي. قال: قد أذنت لك، ثم التفت محمد بعد ما مضى جعفر، إلى موسى
وعبد الله ابني جعفر فقال: الحقا بأبيكما فقد أذنت لكما، فانصرفا. فالتفت جعفر
فقال: ما لكما؟ قالا: قد أذن لنا. فقال جعفر: ارجعا فما كنت بالذي أبخل بنفسي وبكما
عنه. فَرَجَعا فشهدا محمداً.]. وفي (ص389) من الكتاب روى: [حدثنا الحسن بن الحسين عن الحسين بن زيد قال:
شهد مع محمد بن عبد الله بن الحسن
(أي النفس الزكية) من وُلْدِ الحسين أربعة: أنا وأخي وموسى وعبد الله ابنا جعفر بن
محمد عليهم السلام]. وكذلك روى في
(ص407):[خرج عيسى بن زيد مع محمد بن عبد الله (النفس
الزكية) فكان يقول له: من خالفك أو تخلف عن
بيعتك من آل أبي طالب فأمكنّي منه أضرب عنقه].
و يروي
الكليني في أصول الكافي (كتاب الحجة:
باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة) عدة أحاديث تبين أن محمد بن
عبد الله (النفس الزكية) طلب من الصادق أن يبايعه بالإمامة، منها حديث
طويل يبـين إصرار محمد بن عبد الله على بيعة الصادق له أكثر من مرة، حتى وصل الأمر
إلى قوله له: [وَالله لَتُبَايِعُنِي طَائِعاً أَوْ مُكْرَهاً وَلا تُحْمَدُ فِي
بَيْعَتِكَ! فَأَبَى (أي الإمام الصادق) عَلَيْهِ إِبَاءً شَدِيداً وَأَمَرَ بِهِ
إِلَى الْحَبْسِ فَقَالَ لَهُ عِيسَى بْنُ زَيْدٍ أَمَا إِنْ طَرَحْنَاهُ فِي
السِّجْنِ وَقَدْ خَرِبَ السِّجْنُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ غَلَقٌ خِفْنَا
أَنْ يَهْرُبَ مِنْهُ فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلام) ثُمَّ قَالَ
لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِالله الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ أَ وَتُرَاكَ
تُسْجِنُنِي؟ قَالَ نَعَمْ وَالَّذِي أَكْرَمَ مُحَمَّداً (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَآلِه) بِالنُّبُوَّةِ لأسْجِنَنَّكَ وَلأشَدِّدَنَّ عَلَيْكَ فَقَالَ عِيسَى بْنُ
زَيْدٍ احْبِسُوهُ فِي المَخْبَإِ....الحديث](223).
فلو كان
هناك نصٌّ نبويٌّ في تعيين ونصب أئمة معينين؛ لعلمه قبل أي أحد آخر هذا السيد
الجليل القدر الزاهد المجاهد من أهل بيت النبوة هو وسائر أكابر العترة من آل علي
وبالتالي لم يدَّعِ الإمامةَ، لا هو ولا زيد بن علي ولا غيره من سادات الآل، هذا من
جهة، ومن جهة أخرى لقام حضرة الصادق، أو غيره ممن يعرف النص النبوي على الأئمة،
بإطلاع زيد ومحمد النفس الزكية وغيرهما من سادات العلويين
عليه!.
و من العجب
العجاب أن واضعي الحديث وضعوا على لسان والد محمد النفس الزكية هذا الذي كان ابنه
يصر كل ذلك الإصرار على مبايعة الصادق له، حديثاً في النص على إمامة الأئمة الاثني
عشر! ويرويه عنه الحسين بن زيد بن علي، الذي كان هو وأخوه عيسى بن زيد بن علي أيضاً
من أنصار النفس الزكية وممن بايعه بالإمامة وجاهـد بتفان تحت رايته! والحديث أورده
الحر العاملي في " إثبات الهداة "
(ج2/ص540) نقلا عن كتاب كفاية
الأثر قال: [عن الحسين بن زيد بن علي عن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم
الجعفري قال حدثنا عبد الله المفضل مولى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: لما خرج
الحسين بن علي المقتول بفخ(224)
واحتوى على المدينة
دعا موسى بن جعفر (أي الكاظم) إلى البيعة فأتاه فقال له: يَا ابْنَ عَمِّ لا
تُكَلِّفْنِي مَا كَلَّفَ ابْنُ عَمِّكَ (يقصد النفس الزكية) عَمَّكَ أَبَا عَبْدِ
الله (الصادق) فَيَخْرُجَ مِنِّي مَا لا أُرِيدُ كَمَا خَرَجَ مِنْ أَبِي عَبْدِ
الله مَا لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ... الحديث](225). والحقيقة
أن مطالبة الحسين بن علي شهيد الفخ من موسى بن جعفر أن يبايعه، بحد ذاتها دليل واضح
على عدم وجود كل تلك النصوص الكثيرة في النص على أسماء الأئمة والتي سبقت دراسة
بعضها.
كما أن
هناك في أصول الكافي حديث آخر عن نفس عبد الله بن جعفر بن إبراهيم الجعفري هذا،
يذكر فيه أن يحيى بن عبد الله بن الحسن، الذي قام بأمر الإمامة بعد شهادة أخيه محمد
بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية)، كتب رسالة إلى موسى بن جعفر عليه السلام قال
فيها: [أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِي نَفْسِي بِتَقْوَى الله وَبِهَا أُوصِيكَ
فَإِنَّهَا وَصِيَّةُ الله فِي الاوَّلِينَ وَوَصِيَّتُهُ فِي الاخِرِينَ
خَبَّرَنِي مَنْ وَرَدَ عَلَيَّ مِنْ أَعْوَانِ الله عَلَى دِينِهِ وَنَشْرِ
طَاعَتِهِ بِمَا كَانَ مِنْ تَحَنُّنِكَ مَعَ خِذْلانِكَ وَقَدْ شَاوَرْتُ فِي
الدَّعْوَةِ لِلرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) وَقَدِ
احْتَجَبْتَهَا وَاحْتَجَبَهَا أَبُوكَ مِنْ قَبْلِكَ وَقَدِيماً ادَّعَيْتُمْ مَا
لَيْسَ لَكُمْ وَبَسَطْتُمْ آمَالَكُمْ إِلَى مَا لَمْ يُعْطِكُمُ الله
فَاسْتَهْوَيْتُمْ وَأَضْلَلْتُمْ وَأَنَا مُحَذِّرُكَ مَا حَذَّرَكَ الله مِنْ
نَفْسِهِ..الحديث](226). فنلاحظ
في هذا الحديث أن يحيى بن عبد الله ينكر أي نص على الأئمة، وليس هذا فحسب بل يقول
للكاظم أنه ادعى هو وأبوه من قبل (أي الصادق) الإمامة مع عدم استحقاقهم لها وأنهما
طمحا إلى ما لم يعطهما الله!
هذا ويدعي
القائلون بالنص أن قيام هؤلاء السادة العلويين الأجلاء لم يكن للدعوة لإمامة أنفسهم
بل للدعوة للرضا من آل محمد وهو إمام
الوقت من الأئمة الاثني عشر، وهذا الادعاء لا صحة، نعم هم دعوا لإمامة الرضا من آل
محمد أي لمن يرتضيه الناس للإمامة من آل محمد، وهو ليس شخصاً مجهولاً بل هو نفس
القائم لا غيره، كما يظهر جليا في نفس تلك الرسالة المشار إليها، حيث يقول يحيى بن
عبد الله للكاظم: [وقد شاورتك في الدعوة
لرضا من آل محمد وقد احتَجَبْتَها واحتَجَبَهَا أبوك من قبلك] أي رفضتها كما
رفضها أبوك من قبلك، فيا ترى لو كانت الدعوة لإمامة الكاظم أو الصادق نفسهما فكيف
يرفضونها وهل كانا يرفضان إمامة أنفسهما؟ ثم كيف يجتمع الادعاء بأن القائمين من
العترة كانوا يدعون لإمام الوقت من الأئمة الاثني عشر مع قول يحيى بن عبد الله
للكاظم في رسالته: [وَقَدِيماً
ادَّعَيْتُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ وَبَسَطْتُمْ آمَالَكُمْ إِلَى مَا لَمْ يُعْطِكُمُ
الله..!]، بل لننظر بما أجاب
الكاظم على رسالة يحي، قال له: [..أَتَانِي
كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ أَنِّي مُدَّعٍ وَأَبِي مِنْ قَبْلُ وَمَا سَمِعْتَ
ذَلِكَ مِنِّي وَسَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ!](227).
و أيّاً
كان الأمر فالذي نستنتجه من هذه الروايات وأمثالها أنه لم يكن في وسط أهل بيت
الرسول وآل علي شيء اسمه أحاديث النص على أئمة بأعيانهم، وإلا لما ادَّعى أمثال زيد
بن علي بن الحسين ومحمد بن عبد الله ويحيى بن عبد الله والحسين بن علي بن الحسن
وعشرات من أئمة العترة الأجلاء الآخرين الإمامة، إلى حد أن يُبَايَع محمد بن جعفر
الصادق، في وقت من الأوقات في مكة المكرمة، بالخلافة وإمارة المؤمنين حتى يقول
الأصفهاني في مقاتل الطالبيين: [ظهر محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة ودعا إلى
نفسه وبايع له أهل المدينة بإمرة المؤمنين وما بايعوا عليها بعد الحسين بن علي
(شهيد فخ) أحداً سوى محمد بن جعفر بن محمد!](228) ووقعت
بينه وبين هارون الرشيد معارك ثم أرسل له حضرة "علي بن موسى الرضا" ليقنعه بالعدول
عن إمارته وإطفاء نار الحرب، لكن "محمد بن جعفر" رفض وساطة الرضا وثبت بكل بسالة
على موقفه حتى وافته الشهادة.
وكذلك
مشاركة حضرة موسى بن جعفر - أي أحد الأئمة المدعى أنه منصوص عليه من الله تعالى
ورسوله - مع أخيه "محمد بن جعفر" بأمر من أبيهما "جعفر الصادق"، في جهاد وثورة
الإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية (رحمه الله) الذي قام لنيل منصب الخلافة،
والذي سبقت الإشارة إليه. فهل يجوز لإمام منصوص
عليه من الله، أن يقوم
بنصرة وتأييد شخص آخر يدعي الإمامة والخلافة بلا حق وبنحو غير مشروع؟!
أفلا
تدلّ
كل هذه الحوادث
وادعاءات الإمامة من أبناء علي وتأييد بعض الأئمة الاثني عشر لهم في ثوراتهم أو على
الأقل سكوتهم عن إعلان أحاديث النص، على أن أحاديث النص تلك مكذوبةٌ موضوعةٌ لا
أساس لها؟
+
+
+
ادعاء النص السابق لم
يرد في كلمات
أهل بيت النبي والأئمة من ذريته
سبق وبينا
أنه في كل تاريخ الإسلام بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يدّع أيُّ
واحدٍ من الأئمة الاثني عشر، أمام الناس وعلى رؤوس الأشهاد، أنه إمامٌ حاكمٌ منصوصٌ
عليه من جانب الله تعالى بنصٍّ من الرسول (صلوات الله عليه وآله). وقلنا أنهم لو
كانوا حقّاً أئمَّة أمراء منصوصاً عليهم، نصبهم الله تعالى لمقام الرئاسة السياسية،
لوجب على كل منهم أن يصرح بذلك في كل مناسبة إن لم يكن أمام جميع الناس فعلى الأقل
أمام ولو عشرة أفراد من شيعتهم وأحبابهم الأوفياء الموثوقين، ليؤدُّوا رسالة الله
ويبلغوا حكمه من جهة، ومن الجهة الأخرى لأن مثل هذا التصريح أمام المحبين المخلصين
لن يشكل أي خطر على الأئمة من قبل حكام العصر، لا سيما في الفترة التي ضعف فيها
نفوذ الأمويين وبدأ سلطانهم يتجه نحو الزوال. خاصة وأنه حسب عقيدة القائلين
بالنص، الذين جعلوا مسألة الإمامة أصلاً من أصول الدين وأسسه وأعطوها كل ذلك
المقدار من الأهمية في العقيدة والإسلام بحيث من جهل ولو واحداً من الأئمة لم ينفعه
شيء من العمل بل كان في الضلال البعيد والهلاك الأبدي واستحق الخلود في النار، لا
بد من إقامة الحجة وبيان الأمر على أتم وجه مهما تعرض الإمام لاحتمال الضرر والخطر.
ومن
هنا فإننا نجد أن الإمام الهمام
الحسن المثنى بن الحسن السبط(229)، الذي شهد
مع عمه الحسين سيد الشهداء معركة كربلاء وجاهد تحت لوائه إلى أن أثخنته
الجراح، ثم لما
جاء السفلة ليقطعوا رؤوس الشهداء, وكان لا
يزال فيه رمق،
وشاهده خاله الذي كان
في جيش عمر بن سعد، تشفَّع له
وأخذه لمنزله وقام بمداواته حتى برئ، وكان الحسن المثنى هذا صهراً لحضرة سيد
الشهداء لأنه كان زوج فاطمة حور العين، يقول: [أقسم بالله سبحانه، أن الله تعالى ورسوله لو
آثر علياً لأجل هذا الأمر ولم يقدم عليٌّ لكان أعظم الناس خطـأً](230)، ونحن لو
طالعنا كل تاريخ الإسلام فلن نجد أبداً أي واحد من الأئمة الذين ادعي أنهم منصوص
عليهم من قبل الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآلـه) منذ
البداية، قام وبين هذا الادعاء
بكل صراحةٍ ووضوحٍ أمام ولو عشرة أفراد من أتباعه وأوليائه.
+
+
+
أقرب أصحاب الأئمة لم
يكن لهم علم بمثل هذه
النصوص
لو كانت
هذه الأحاديث التي فيها النص من الرسول (صلى الله عليه وآله) على أسماء الأئمة
وأسماء آبائهم، صحيحة فعلاً وموجودة عند الأئمة، فلماذا لم يكن لكثيرٍ من خواص
أصحاب الأئمة، الذين كانوا أقرب للأئمة بكثير من رواة تلك الأحاديث، أي خبر عن هذه
الأحاديث ولا أي علم بهذا الموضوع؟! فلم يكن لهم علم بالأئمة الاثني عشر، بل لم يكن
لهم علم بالإمام الذي سيعقب إمامهم الحالي! إن مطالعة مختصرة لأحوال وأخبار بعض
خواص أصحاب الأئمة تبين بوضوح هذه الحقيقة وفيما يلي ننقل أحوال بعضهم من كتب
الحديث الشيعية الموثقة المعتبرة:
1) فمن
جملتهم جناب "أبي حمزة الثمالي ثابت بن
دينار" (أو ثابت بن أبي صفية) الممدوح من الخاص والعام في كتب رجال الخاصة
والعامة والذي قال عنه حضرة الصادق: [أبو
حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه وكلقمان في زمانه]، وقد أدرك أربعة من
الأئمة هم حضرات السجاد والباقر والصادق والكاظم، ومع ذلك لم يكن يعرف من هو الإمام
بعد حضرة الصادق وعندما سمع بوفاة حضرة الصادق من رجل أعرابي صاح صيحة وضرب الأرض
بيده وسأل الأعرابي فقال: هل سمعته أوصى وصية؟ فقال الأعرابي: أوصى لابنه عبد الله
ولابنه الأخر موسى ولأبي جعفر المنصور الدوانيقي، عندئذ قال أبو حمزة: الحمد لِـلّهِ الذي لم يضلنا!(231)
لكن واضعي
أحاديث النص أبوا إلا أن يضعوا حديثاً، فيه النص على الأئمة الاثني عشر واحداً
واحداً، على لسان أبي حمزة وابنه وهو الحديث الثامن من الأحاديث التي ناقشناها
والمروي في الأصل عن أبي حمزة البطائني الملعون ولكن نسبه بعضهم زورا إلى أبي حمزة
الثمالي، مما سبق وبينا خطأه.
2) ومنهم
أيضاً "أبو جعفر محمد بن علي
الأحول" المعروف بمؤمن
الطاق، أما مخالفوه فيسمونه: شيطان الطاق! والذي نقلت عنه مباحثات ومناظرات
مع الإمام أبي حنيفة، والذي كان من الأصحاب الخاصين المقربين لحضرة زين العابدين
وللإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الكاظم (عليهم السلام)، وجميع الرجاليين
يذكرونه بالخير والثناء، وهو الذي نقلنا فيما سبق مباحثته مع الإمام زيد بن علي بن
الحسين حول الإمامة بالنص وأنه كان يعتقد، خلافا لزيد، بأن الإمام هو الذي ينص الله
تعالى عليه وأن هناك أئمة منصوص عليهم من قبل الله تعالى(232)، هذا
الشخص مع كل فضيلته ومحبته لأهل بيت النبوة، لم يكن يعلم من هو الإمام بعد الإمام
الصادق! كما في رجال الكشي (ص239) وخرائج الراوندي (ص 203) وإثبات الوصية للمسعودي
(ص191) وبصائر الدرجات للحسن بن صفار والكافي للكليني: [عن هشام بن سالم قال:
كُنَّا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلام) أَنَا
وَصَاحِبُ الطَّاقِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى عَبْدِ الله بْنِ جَعْفَرٍ
أَنَّهُ صَاحِبُ الأمْرِ بَعْدَ أَبِيهِ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ أَنَا وَصَاحِبُ
الطَّاقِ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ رَوَوْا عَنْ أَبِي عَبْدِ الله
عليه السلام أنَّهُ قَالَ: فِي الْكَبِيرِ مَا لَمْ تَكُنْ
بِهِ عَاهَةٌ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَسْأَلُهُ عَمَّا كُنَّا نَسْأَلُ عَنْهُ
أَبَاهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنِ الزَّكَاةِ فِي كَمْ تَجِبُ فَقَالَ فِي مِائَتَيْنِ
خَمْسَةٌ فَقُلْنَا فَفِي مِائَةٍ فَقَالَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ فَقُلْنَا وَالله
مَا تَقُولُ الْمُرْجِئَةُ هَذَا(233) قَالَ
فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ وَالله مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ
الْمُرْجِئَةُ قَالَ فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ ضُلالاً لا نَدْرِي إِلَى أَيْنَ
نَتَوَجَّهُ أَنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ الأحْوَلُ فَقَعَدْنَا فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ
الْمَدِينَةِ بَاكِينَ حَيَارَى لا نَدْرِي إِلَى أَيْنَ نَتَوَجَّهُ
وَلا مَنْ
نَقْصِدُ وَنَقُولُ إِلَى الْمُرْجِئَةِ إِلَى الْقَدَرِيَّةِ إِلَى الزَّيْدِيَّةِ
إِلَى الْمُعْتَزِلَةِ إِلَى الْخَوَارِجِ... الحديث](234). فإذا كان
أمثال مؤمن الطاق وهشام بن سالم، لا يعلمان مَن
هو الإمام بعد الإمام الموجود؟ فمِنَ اليقين به أنه لم تكن هناك أحاديث النص، إذ لو
وجدت لكانا أول من يعلم بها ولما بكيا وتحيرا بعد وفاة
إمامهما!
ومن العجيب
أيضاً أن حضرة "هشام بن سالم" هذا الذي وضعوا على لسانه أحد أحاديث النص الهامة (و
هـو الحديث العاشر من الأحاديث التي ناقشناها) كان أيضاً من المتحيرين، كما أشرنا
لذلك في نقدنا لمتن الحديث، والأعجب أن نفس الرواة بعينهم، سواء المتصل بالمعصوم
منهم أو المنفصلين، رووا كل الحديثين! (أي حديث النص وحديث الحيرة)، حيث روى الحسن
بن الصفار حديث النص عن ابن أبي عمير عن "هشام بن سالم"، وحديث الحيرة بواسطتين عن
ابن أبي عمير عن "هشام بن سالم"، فما أعجب هذا التناقض!، وينبغي أن يقال أن حديث
الحيرة أقوى وأرجح لأنه جاء في كل كتب الشيعة المعتمدة، في حين أن حديث النص لم يأت
إلا في كتاب واحد، بالإضافة لظهور علامات الكذب عليه من عدة
جهات.
3) أحد
المتحيرين العجيبين هو جناب زرارة بن
أعين الذي كان من خواص وخُلَّص أصحاب الأئمة عليهم السلام، كما جاء في رجال
الكشي (ص207) وسائر كتب الرجال من رواية جميل بن دراج قال: [سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة محمد بن
مسلم ويزيد بن معاوية وليث البختري وزرارة بن أعين] وفي ص 208 من رجال الكشي
أيضاً: [عن أبي عبد الله أنه قال: أربعة
أحب الناس إلي أحياء وأمواتا، بريد العجلي وزرارة ومحمد بن مسلم والأحول]
وفيه أيضاً: [بشر المخبتين بالجنة يزيد
بن معاوية وأبو بصير ليث البختري ومحمد بن مسلم وزرارة، أربعة نجباء أمناء الله على
حلاله وحرامه، لولا هؤلاء لانقطعت آثار النبوة].
زرارة بن
أعين هذا روى عنه الكشي
حيرته بعد وفاة الإمام الصادق عليه السلام، كما يلي: [.. عن علي بن يقطين قال: لما كانت وفاة أبي
عبد الله عليه السلام قال الناس بعبد الله بن جعفر واختلفوا، فقائل
به وقائل بأبي الحسن عليه السلام (أي موسى الكاظم). فدعا زرارة ابنه عبيدا فقال:
يا بني! الناس مختلفون في هذا الأمر فمن قال بعبد الله فإنما ذهب إلى الخبر الذي
جاء أن الإمامة في الكبير من ولد الإمام فشد راحلتك وامض إلى المدينة حتى تأتيني
بصحة الخبر، فشدَّ راحلته ومضى إلى المدينة. واعتلَّ زرارة فلما حضرته الوفاة سأل
عن عبيد فقيل له إنه لم يقدم، فدعا بالمصحف فقال: اللهم إني مصدق بما جاء به نبيك
محمد فيما أنزلته عليه وبينته لنا على لسانه وإني مصدق بما أنزلته عليه في هذا
الجامع وإن عقيدتي وديني الذي يأتيني به عبيد ابني، وما بينته في كتابك فإن أمتني
قبل هذا فهذه شهادتي على نفسي وإقراري بما يأتي به عبيد ابني وأنت الشهيد عليَّ
بذلك، فمات زرارة...
الحديث].
و روى
الكشي (في ص 139) حيرة زرارة بعبارة أخرى من طريق آخر [عن نصر بن شعيب عن عمَّة
زرارة قالت: لما وقع زرارة واشتد به، قال: ناوليني المصحف فناولتُهُ وفتحتُهُ
فوضعتُهُ على صدره وأخذه مني ثم قال: يا عمَّة! اشهدي أن ليس لي إمام غير هذا
الكتاب].
فنقول: لو
كانت أحاديث النص على تلك الكثرة لدرجة أن يرويها حتى أبو هريرة ومعاوية واسحق بن
عمار وجابر وعشرات آخرون، فكيف لم تصل لمسامع زرارة الذي كان أقرب من كل المذكورين
إلى الأئمة عليهم السلام؟!
4) كذلك
ضمن الحديث الذي رواه الكشي في رجاله (ص241) عن حيرة هشام بن سالم، ذكرت أيضاً حيرة المفضل بن
عمرو وأبي بصير، مع أنهما كانا من خواص أصحاب حضرة الصادق عليه السلام، لكنهما لم
يعرفا من الإمام بعد وفاة الصادق، ثم عرفا إمامة موسى الكاظم بفضل هداية هشام بن
سالم لهما، هذا مع أن الكليني روى حديثين من أصل ستة عشر حديثاً، في النص على إمامة
موسى بن جعفر بعد حضرة الصادق، عن نفس المفضل بن عمرو هذا!.
5) محمد (بن عبد الله) الطيار شخص آخر من
المتحيرين من خواص أصحاب الإمام الباقر عليه السلام، الذي كان الإمام الباقر يفاخر
بفقهه وعلمه، ومع ذلك لم يكن يعرف الإمام بعد حضرة الصادق، وكذلك مر بفترة حيرة
وتردد في معرفة الإمام واتباعه، حيث يروي الكشي قصته فيقول: [عن حمزة بن طيار عن
أبيه محمد قال: جئت إلى أبي جعفر عليه
السلام أستأذن عليه فلم يأذن لي وأذن
لغيري! فرجعت إلى منزلي وأنا مغموم فطرحت نفسي على سرير في الدار وذهب عني النوم
فجعلت أفكر وأقول أليس المرجئة تقول كذا؟ والقدرية تقول كذا؟ والحرورية تقول كذا؟
والزيدية تقول كذا؟ فيفسد عليهم قولهم (يعني يرى أنه لا يستطيع اتباعهم)، فأنا أفكر
في هذا حتى نادى المنادي فإذا بالباب يدق فقلت: من هذا؟ فقال رسولٌ لأبي جعفر يقول
لك أبو جعفر أجب، فأخذت ثيابي ومضيت معه فدخلت عليه فلما رآني قال يا محمد لا إلى
المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الحرورية ولا إلى الزيدية ولكن إلينا، إنما حجبتك
لكذا وكذا، فقبلت وقلت به].
6) أحمد بن محمد بن خالد البرقي شخص آخر من
المتحيرين من خواص أصحاب الأئمة عليهم السلام وسيأتي شرح حاله قريباً عند الكلام
على الحديث الطويل المروي عنه.
ولو أردنا
استقصاء جميع المتحيرين ممن كانوا من أصحاب الأئمة المقربين لطال بنا الكلام كثيراً
لذا نكتفي بما ذكرناه ونعتقد أنه كاف لإقناع ذوي الألباب بأن أحاديث النص على ذلك
النحو من التفصيل والتوضيح المسطور في كتبنا، لا أصل لها، بل من وضع الكذابين
الوضاعين الغلاة، ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً.
+
+
+
مواقف للأئمة تعكس
بوضوح عدم وجود أحاديث النص
السابق!
1- من
القضايا التاريخية المسلَّمة قصة تعيين الإمام الصادق عليه السلام لابنه "إسماعيل"، على أنه الإمام من بعده، وقد
سمع كثير من الشيعة نص الصادق الصريح عليه وآمنوا أن إسماعيل هو خليفة والده في
الإمامة. لكن الذي حدث هو أن إسماعيل توفي قبل وفاة أبيه الصادق، وبالتالي لم تتحقق
نبوءة وتكهن والده الصادق، ولما سأل الناس الصادقَ عن ذلك أجاب: [إن الله بدا له في إمامة إسماعيل] أو [بدا لِـلّهِ في إسماعيل]. وطبقاً لما
ذكره أرباب الملل والنحل - مثل سعد بن عبد الله الأشعري، الذي يعد من كبار علماء
ومحدثي الشيعة، في كتابه المقالات والفرق (ص78) - أدَّت هذه الإجابة إلى رجوع
كثيرين ممن كانوا يعتقدون بإمامة حضرة الصادق عن القول بإمامة الصادق بحجة [أن الإمام لا يكذب ولا يقول ما لا
يكون!].
و أيّاً
كان، فالمهم أن هذا الأمر بحد ذاته يدل دلالةً واضحةً على أن نفس حضرة الصادق لم
يكن يعلم من هو الإمام الذي سيكون من بعده فعلاً؟ وبالتالي لم يكن لديه أي خبر عن
أحاديث النص على الأئمة الاثني عشر واحداً واحداً بأسمائهم، كحديث اللوح لجابر
وغيره!.
2- أيضاً
من مسلَّمات التاريخ قصَّة وفاة محمد بن
علي بن محمد الجواد المعروف بـ"السيد محمد"، والمدفون في قرية يقال
لها "بلد" (على تسعة فراسخ من سامراء) في العراق، في حياة والده حضرة الإمام
علي بن محمد النقي عليه السلام، بعد أن كان والده قد عينه للإمامة من بعده، فلما
توفي قبل وفاة والده اعتذر الإمام النقي عن ذلك بنفس اعتذار الصادق حيث قال: [بدا لِـلّهِ في محمد].
و كُـتُبُ
الشيعة مملوءة بذكر هذه القصة من جملة ذلك ما جاء في كتاب الحجة من أصول الكافي
للكليني: [عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ
قَالَ كُنْتُ حَاضِراً أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام (أي الإمام علي الهادي) لَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ
فَقَالَ لِلْحَسَنِ يَا بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلهِ شُكْراً فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ
أَمْراً](235). أي أن
الإمام الهادي قال لابنه الحسن العسكري اشكر الله لأنه أحدث فيك رأيا جديدا فأعطى
الإمامة لك بعد أن كانت ستعطى لأخيك. قال المرحوم الفيض الكاشاني في كتابه الوافي
(ص93) معلقاً على هذا الحديث: [بيان:
يعني جعلك الله إماماً للناس بموت أخيك قبلك، بدا لِـلّهِ فيك بعده].
و في
الكافي أيضاً: [عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ مَرْوَانَ
الْأَنْبَارِيِّ قَالَ كُنْتُ حَاضِراً عِنْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام فَجَاءَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام فَوُضِعَ لَهُ
كُرْسِيٌّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ وحَوْلَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ وأَبُو مُحَمَّدٍ قَائِمٌ
فِي نَاحِيَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِ أَبِي جَعْفَرٍ الْتَفَتَ إِلَى
أَبِي مُحَمَّدٍ فَقَالَ يَا بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى شُكْراً
فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً!..](236).
و في
الكافي أيضاً: [عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمُ الْحَسَنُ بْنُ
الْحَسَنِ الْأَفْطَسُ أَنَّهُمْ حَضَرُوا يَوْمَ تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ مُحَمَّدٍ بَابَ أَبِي الْحَسَنِ يُعَزُّونَهُ وقَدْ بُسِطَ لَهُ فِي صَحْنِ
دَارِهِ والنَّاسُ جُلُوسٌ حَوْلَهُ فَقَالُوا قَدَّرْنَا أَنْ يَكُونَ حَوْلَهُ
مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ وبَنِي هَاشِمٍ وَقُرَيْشٍ مِائَةٌ وخَمْسُونَ رَجُلًا
سِوَى مَوَالِيهِ وسَائِرِ النَّاسِ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَدْ
جَاءَ مَشْقُوقَ الْجَيْبِ حَتَّى قَامَ عَنْ يَمِينِهِ ونَحْنُ لَا نَعْرِفُهُ
فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام بَعْدَ سَاعَةٍ فَقَالَ يَا
بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلهِ عَزَّ وجَلَّ شُكْراً فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً
فَبَكَى الْفَتَى وحَمِدَ الله وَاسْتَرْجَعَ وقَالَ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ وأَنَا أَسْأَلُ الله تَمَامَ نِعَمِهِ لَنَا فِيكَ وإِنَّا لِلهِ
وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا الْحَسَنُ ابْنُهُ
وقَدَّرْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَرْجَحَ
فَيَوْمَئِذٍ عَرَفْنَاهُ وعَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ
وأَقَامَهُ مَقَامَهُ](237).
و أخرج
الكليني حديثاً آخر أيضاً في هذا الأمر، وهو حديث أخرجه كذلك "الشيخ الطوسي" في
كتابه "الغيبة" (ص130، طبع تبريز)
بسند آخر ولفظ مختلف قليلاً عما في الكافي فقال (و اللفظ للطوسي): [روى سعد بن عبد الله الأشعري قال: حدثنا أبو
هاشم داود بن قاسم الجعفري قال: كنت عند أبي الحسن (أي الإمام علي النقي) وقت وفاة
ابنه أبي جعفر (أي السيد محمد) وقد كان أشار إليه ودل عليه، فإني لأفكر في نفسي
وأقول هذا قضية أبي إبراهيم (أي الإمام موسى الكاظم) وإسماعيل، فأقبل عليَّ أبو
الحسن فقال: نعم يا أبا هاشم! بدا
لِـلّهِ تعالى في أبي جعفر وصيَّر مكانه أبا محمد كما بدا لِـلّهِ في إسماعيل بعد
ما دل عليه أبو عبد الله ونصبه، وهو كما حدَّثتَ به نفسك وإن كره المبطلون، أبو
محمد ابني الخلف من بعدي عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة](238).
و هناك عدة
أحاديث أخرى في أصول الكافي في الباب ذاته بهذا المضمون نفسه وكذلك في كتاب الغيبة
للطوسي. وهذه الأحاديث تدل على أنه لدى وفاة السيد محمد بن الإمام علي بن محمد
النقي، لم يكن أحد - حتى من خواص أصحاب الأئمة - يعرف حضرة الإمام الحسن
العسكري - حتى مجرد المعرفة - فضلاً عن أن يكون له علم بإمامته، ومنهم أبو هاشم
الجعفري راوي الحديث الذي فكر في نفسه كيف توفي محمد بن الإمام علي النقي، في حياة
والده، مع كونه عُيِّنَ للإمامة بعد والده؟! ثم قاس ذلك في ذهنه على ما حدث
لإسماعيل الذي توفي في حياة والده جعفر الصادق.
لكن
الوضَّاعين الكذبة وضعوا على لسان أبي هاشم الجعفري هذا نفسه حديثاً طويلا فيه نص
الرسول (صلى الله عليه وآله) على الأئمة الاثني عشر واحداً واحداً بأسمائهم!
والحديث أخرجه الكليني في الأصول من
الكافي(239)
والصدوق في
«إكمال الدين» (باب 29
ما أخبر به الحسن بن علي بن أبي طالب من وقوع الغيبة: ص181) ونقله عنهما الشيخ
"الحر العاملي" في كتابه: "إثبات الهداة" (ج2/ص283) كما يلي:
[عِدَّةٌ
مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ
دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام
قَالَ أَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام ومَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
عليه السلام وهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ الحَرَامَ
فَجَلَسَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ وَاللِّبَاسِ فَسَلَّمَ عَلَى
أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ: يَا
أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي
بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ
وَأَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وآخِرَتِهِمْ وَإِنْ تَكُنِ
الْأُخْرَى عَلِمْتُ أَنَّكَ وهُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ
المُؤْمِنِينَ عليه السلام: سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ
الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ وعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ
ويَنْسَى وعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ والْأَخْوَالَ؟
فَالْتَفَتَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَى الحَسَنِ فَقَالَ: يَا أَبَا
مُحَمَّدٍ! أَجِبْهُ قَالَ فَأَجَابَهُ الحَسَنُ عليه السلام فَقَالَ الرَّجُلُ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله ولَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله ولَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ
وَصِيُّ رَسُولِ الله (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَآلِه) والْقَائِمُ
بِحُجَّتِهِ وَأَشَارَ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ ولَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ والْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَأَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ
عليه السلام وَأَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَخِيهِ
والْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَهُ وأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ
أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ بَعْدَهُ وأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ
عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وأَشْهَدُ عَلَى
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ وَأَشْهَدُ عَلَى
مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَشْهَدُ عَلَى
عَلِيِّ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَأَشْهَدُ
عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى
وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيٍّ وَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ
بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ
لَا يُكَنَّى وَلَا يُسَمَّى حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا كَمَا
مُلِئَتْ جَوْراً وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ الله
وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ قَامَ فَمَضَى! فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ: يَا أَبَا
مُحَمَّدٍ! اتْبَعْهُ فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ؟ فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
عليه السلام فَقَالَ: مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجاً مِنَ
المَسْجِدِ فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ الله! فَرَجَعْتُ إِلَى
أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عليه السلام فَأَعْلَمْتُهُ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ
أَتَعْرِفُهُ؟ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ! قَالَ:
هُوَ الْخَضِرُ!]
هذا الحديث
أخرجه "الكليني" في أصول الكافي من طريقين وأخرجه "الشيخ الصدوق" في كتابيه "عيون
أخبار الرضا" و"إكمال الدين"، و"النعماني" في كتابه "الغيبة" و"الشيخ الطوسي" في
كتابه "الغيبة" أيضاً، و"الطبرسي (احمد بن علي)" في "الاحتجاج"، بطرق مختلفة لكنها
تجتمع كلها على "أحمد بن عبد الله
البرقي" عن "أبي هاشم"،
ويكفي هذا لمعرفة كذب واختلاق الحديث، حيث عرفنا أن "أبا هشام الجعفري" هذا كان من الذين
تصوروا أن الإمام بعد حضرة الإمام علي النقي هو ابنه السيد محمد، وبقي على ذلك إلى
أن جاء يوم وفاة السيد محمد في حياة والده ورأى أن حضرة علي النقي بشر ابنه حضرة
العسكري بالإمامة ففكر في نفسه أن قصة العسكري مع السيد محمد مثل قصة موسى الكاظم
مع إسماعيل. فمثل هذا لا يمكن أن يكون هو نفسه راوٍ لحديث ينص على أسماء الأئمة حتى
العسكري وابنه!
و
يحق
أن نعجب كيف أن محدثينا الكبار الشيخ الصدوق والشيخ
الطوسي والشيخ الكليني وأمثالهم، يروون، من جهة،
حديث أبي هاشم في بداء الله في السيد محمد ونص حضرة الهادي على إمامة حضرة العسكري
بعد وفاة أخيه السيد محمد كشاهد
روائي لإثبات إمامة حضرة العسكري،
ومن الجهة الأخرى، يروون عدة أحاديث عن نفس أبي هاشم الجعفري هذا في أن الأئمة
الاثني عشر منصوص عليهم بأسمائهم!! فكيف
يكونون منصوصاً عليهم من البداية ومع ذلك لا يعين الإمام نفس ذلك المنصوص عليه من
أول الأمر! أليس في هذا تناقض الواضح؟!
وأما أحمد بن أبي عبد الله البرقي الذي روى
الحديث عن أبي هاشم، فقال عنه النجاشي في رجاله (ص59): [كان ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء واعتمد
المراسيل] وبمثل ذلك وصفه الطوسي في الفهرست فقال: [كان ثقة في نفسه إلا أنه أكثر الرواية عن
الضعفاء واعتمد المراسيل] وقال عنه ابن الغضائري والعلامة الحلي: [.. طعن عليه القميون وليس الطعن فيه إنما
الطعن فيمن يروي عنه فإنه كان لا يبالي عمن أخذ على طريقة أهل الأخبار وكان
أحمد بن محمد بن عيسى أبعده من قم].
ولعلنا
عرفنا الآن لماذا رُوِيَ مثل هذا الحديث الغريب عن أبي هاشم!! والأعجب من ذلك أن
"أحمد البرقي" هذا كان - طبقاً
لما أورده الكافي في أصوله - من المتحيرين في المذهب أيضاً، أي لم يكن يعلم من هو
الإمام بعد حضرة الحسن العسكري أو أنه كان متحيرا في أصل مذهب التشيع، كما قال
الفيض الكاشاني في كتابه الوافي (ج2/ص72): [ويستفاد من آخر هذا الخبر أن البرقي قد تحير
في أمر دينه طائفة من من عمره!]. وإنه لأمر عجيب حقّاً أن يكون البرقي هذا،
الذي كان معاصراً لأربعة من الأئمة، حيث كان من أصحاب حضرة الجواد ومات سنة 280هـ
أي بعد عشرين سنة من وفاة الإمام الحسن العسكري، والذي روى لنا عديداً من أحاديث
النص على إمامة الأئمة الاثني عشر (راجع أصول الكافي: كتاب الحجة: باب ما جاء في
الاثني عشر والنص عليهم، عليهم السلام) جعلناها نحن من أصول عقائدنا، ويكون هو
بنفسه متحيِّراً في أمر دينه!
أما متن
الحديث فغني عن التعليق! ونقترح أن يقدم لأساتذة الطب والوراثة ليفصلوا فيه! فقط
نتساءل: ما فائدة شهادة الخضر في هذا المقام؟ ولو كان قصد الخضر إثبات أحقيَّة
إمامة الأئمة ولزومها على الأمة فلماذا لم يلق حديثه في جمع من الناس، بعد أن
يعرفهم بنفسه، ثم يشهد بشهاداته تلك لتقوم الحجة على الناس؟ فلحن الرواية يفيد أنه
لم يكن في مجلس الحديث سوى السائل والمسؤول، خاصة أنه لم يرو أحد آخر هذا
الحديث!(240).
على كل حال
كان غرضنا من ذكر هذا الحديث والذي قبله أن يعلم طلاب الحق أن هذا الحديث روي على
لسان شخص لم يكن هو نفسه يعرف من هو الإمام بعد حضرة الهادي، وأنه لم يكن أحد من
أصحاب الأئمة حتى أقرب الناس إليهم يعرفون ابتداءً لمن ستكون الإمامة بعد رحيل إمام
الوقت، بل حتى الأئمة أنفسهم لم يكن لديهم نص نبوي سابق يعرّفهم من الإمام بعدهم،
حيث كانوا يرون في شخص ما من أبنائهم أهلية الإمامة فيعهدون له بالإمامة من بعدهم
ويخبرون بذلك شيعتهم، وإذا بقدر الله وقضائه يخلف ظنهم ويموت المعهود إليه
بالإمامة، في حال حياتهم، فيقولون بدا لِـلَّـه في إسماعيل وجعل موسى مكانه، وبدا
لِـلَّـه في محمد بن علي وجعل الحسن بن علي العسكري مكانه، وهذا بحد ذاته حجة قاطعة
تثبت وضع وكذب كل أحاديث النص النبوي السابق على الأئمة الاثني عشر عليهم
السلام.(241)
+
+
+
افتراق الشيعة إلى فرق
مختلفة عقب وفاة كل إمام
يثبت عدم وجود
نصّ سابق على أئمة
محدَّدين
ألّف
علماءُ المسلمين كثيراً من الكتب عن الفرق الإسلامية والملل والنحل، ولا شك أن
بعضها لم يخل من التحيز والتعصب لمذهب المؤلف والتحامل على مذاهب الخصوم كإلزامهم
بما لا يقولون به أو نسبة أباطيل إليهم. ونحن في هذا المقام لن نرجع إلا إلى كتابين
من كتب الفرق ألفهما عالمان من علمائنا من الشيعة الإمامية يعتبران بالاتفاق من
الأعلام الموثوقين، لننقل عنهم حرفيا ما ذكراه من انشعابات وحدوث فرق متعددة في
أوساط الشيعة، ليتضح أنه
افتراق الشيعة إلى فرق
مختلفة عقب وفاة كل إمام يثبت عدم وجود أحاديث النص الإلـهي والنبوي السابق
والمعروف على أئمة معينين وإلا لما حصلت تلك الانشعابات والفرق التي كان أساس
انشعابها وافتراقها
هو الاختلاف حول الإمام الشرعي الجديد بعد وفاة السابق فلو كان ثمة نص مشهور
من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في تعيين الأئمة
لعرفه الشيعة وتداولوه وما اختلفوا حول معرفة الإمام الصحيح وما وجدت كل
هذه الفرق المختلفة والمتشعبة
بينهم.
لا نعرف،
من بين علماء الشيعة الإمامية القدماء، من ألف كتباً، بقيت إلى يومنا هذا، في فرق
المسلمين ومللهم ونحلهم، سوى هذين العالمين البارزين
الكبيرين:
1 - سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري
القمي المتوفى سنة 301 هـ والذي يُعَدّ من أكابر محدثي الشيعة الإمامة ومن
مشـايخ "محمد بن جـعفر بن قـولويـه" في الروايـة ومن أصحاب حضرة الإمام
الحسن العسكري، حتى أن بعض الروايات تذكر لقاءه للإمام الحسن العسكري ولابنه حضرة
القائم، وإن كان هذا اللقاء يعتبر بنظر عدة من علماء الشيعة الكبار، مكذوباً لا صحة
له، لكن على أي حال لا يوجد أحد يشكِّك في نزاهة وشخصية سعد بن عبد الله وأنه من أكابر محدثي
الشيعة الإمامية وفقهائهم الموثوقين، وقد ألف لنا كتاباً هامّاً في الفرق والنحل
سماه: "المقالات والفرق ".
2 - أبو
محمد الحسن بن موسى النوبختي
المتوفى فيما بين سنة 300 و310 هـ والذي كان من أفاضل الشيعة الإمامية وكبار
علمائهم أيضاً ومن عائلة عرفت كلها بالعلم والفضل في أوساط الشيعة، وقد ترك لنا
كتاباً هامّاً أيضاً في الفرق خصصه لذكر فرق الشيعة فقط وذكر فيه كلاماً متوافقاً
حرفياً تقريباً مع كلام سعد بن عبد الله
الأشعري، وسماه: "فرق
الشيعة".
و نحن
سنذكر فيما يلي خلاصة ما ذكره المؤلفان في كتابيهما المذكورين في بيان الفرق التي
وجدت في الشيعة ليكون ذلك دليلاً آخر على أنه لو كان هناك نص أو نصوص نبوية سابقة
على أئمة معينين ومعروفين بأسمائهم لما أمكن أن تنشأ كل هذه الفرق المتعددة
والمختلفة والمتحيرة حول تعيين الإمام الجديد بعد وفاة كل إمام. قالا:
[افترقت
الأمة عقب وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى ثلاث
فرق:
1- فرقةٌ منها سميت الشيعة وهم شيعة علي بن
أبي طالب عليه السلام واتبعوه ولم يرجعوا إلى غيره. ومنهم افترقت صنوف الشيعة كلها.
2- وفرقةٌ منهم ادعت الإمرة والسلطان، وهم
الأنصار ودعوا إلى عقد الأمر لسعد بن عبادة الخزرجي.
3- وفرقةٌ مالت إلى بيعة أبي بكر بن أبي
قحافة.. وتنازعت الفرقتان الأخيرتان ثم رجع أغلب الأنصار ومن تابعهم إلى أمر أبي
بكر.
و عقب مقتل
عثمان بايع الناس علياً فسموا الجماعة، ثم افترقوا بعد ذلك فصاروا ثلاث فرق:
1- فرقةٌ أقامت على ولاية علي بن أبي طالب
عليه السلام.
2- وفرقةٌ اعتزلته مع سعد بن أبي وقاص وعبد
الله بن عمر ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأسامة بن زيد فامتنعوا عن محاربته والمحاربة
معه.
3- وفرقةٌ خالفته وقامت عليه وهم طلحة
والزبير وعائشة وأنصارهم، فـقاتلهم علي عليه السلام وهزمهم، وهم أهل الجمل. وهرب
منهم قوم إلى معاوية وصاروا معه في المطالبة بدم عثمان، وحاربوا علياً عليه السلام
وهم أهل صفين.
ثم خرجت فرقةٌ ممن كان مع علي عليه السلام،
وخالفته بعد تحكيم الحكمين بينه وبين معاوية وأهل الشام وكفَّروا علياً وتبرؤا منه
وسموا الخوارج ومنهم افترقت فرق
الخوارج كلها.
فلما
قُتِلَ علي التقت الفرقة التي كانت معه والفرقة التي كانت مع طلحة والزبير وعائشة
فصاروا فرقة واحدة مع معاوية بن أبي سفيان إلا القليل منهم من شيعته ومن قال
بإمامته بعد النبي صلى الله عليه وآله وهم السواد الأعظم وأهل الحشو وأتباع الملوك
وأعوان كل من غلب، أعني الذين التقوا مع معاوية فسموا جميعاً "المرجئة" لأنهم تولوا المختلفين جميعاً
وزعموا أن أهل القبلة كلهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان ورجوا لهم جميعاً
المغفرة. وافترقت (المرجئة) بعد ذلك فصارت إلى أربع فرق: الجهمية وهم مرجئة أهل خراسان، والغيلانية وهم مرجئة أهل الشام، والماصرية وهم مرجئة أهل العراق منهم "أبو حنيفة" ونظراؤه، و"الشكاك" أو "البترية" أصحاب الحديث منهم "سفيان بن سعيد الثوري" و"شريك بن عبد الله" و"ابن أبي ليلى" و"محمد بن إدريس الشافعي" و"مالك بن أنس" ونظراؤهم من أهل الحشو
والجمهور العظيم وقد سموا (الحشوية).
فقالت أوائلهم في الإمامة: خرج رسول الله صلى الله
عليه وآله من الدنيا ولم يستخلف على دينه من يقوم مقامه في لم الشعث، وجمع الكلمة،
والسعي في أمور الملك والرعية، وإقامة الهدنة وتأمير الأمراء وتجييش الجيوش، والدفع
عن بيضة الإسلام، وتعليم الجاهل وإنصاف المظلوم، وجوَّزوا فعل هذا الفعل لكل إمام
أقيم بعد الرسول صلى الله عليه وآله.
ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم: على الناس أن يجتهدوا
آراءهم في نصب الإمام وجميع حوادث الدين والدنيا إلى اجتهاد الرأي، وقال بعضهم:
الرأي باطل ولكن الله عز وجل أمر الخلق أن يختاروا الإمام بعقولهم.
و شذَّت
طائفة من المعتزلة عن قول أسلافها فزعمت أن النبي صلى الله عليه وآله نص على صفة
الإمام ونعته ولم ينص على اسمه ونسبه، وهذا قول أحدثوه قريبا.
و كذلك
قالت جماعة من أهل الحديث هربت حين
عضَّها حِجَاج الإمامية ولجأت إلى أن النبي صلى الله عليه وآله نص على أبي بكر
بأمره إياه بالصلوة، وتركت مذهب أسلافها في أن المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله
عليه وآله قالوا: رضينا لدنيانا بإمام
رضيه رسول الله صلى الله عليه وآله
لديننا.
و اختلف
أهل الإهمال (أي القائلون أن الرسول لم يستخلف أحداً) في إمامة الفاضل والمفضول،
إذا كانت في الفاضل علة تمنع إمامته، ووافق سائرهم أصحاب النص على أن الإمامة لا
تكون إلا للفاضل المتقدم.
ثم اختلفوا
جميعاً في القول بالإمامة وأهلها فقالت (البترية) وهم أصحاب (الحسن بن صالح بن حي) ومن قال بقوله أن
علياً عليه السلام هو أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأولاهم
بالإمامة، وأن بيعة أبي بكر ليست بخطأ، ووقفوا في عثمان وثبتوا حزب علي عليه
السلام، وشهدوا على مخالفيه بالنار، واعتـلُّوا بأن علياً عليه السلام سلم لهما ذلك
فهو بمنزلة رجل كان له على رجل حق فتركه له.
و قال " سليمان بن جرير الرقي " ومن قال بقوله أن
علياً عليه السلام كان الإمام وأن بيعة أبي بكر وعمر كانت خطأً ولا يستحقان اسم
الفسق عليها من قبل التأويل لأنهما تأولا فأخطآ، وتبرؤا من عثمان فشهدوا عليه
بالكفر ومحارب علي عليه السلام عندهم كافر.
و قال "ابن التمار" ومن قال بقوله: إن علياً
عليه السلام كان مستحقا للإمامة وإنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله،
وإن الأمة ليست بمخطئة خطأ إثم في توليتها أبا بكر وعمر ولكنها مخطئة بتركة الأفضل،
وتبرؤا من عثمان ومن محارب علي عليه السلام وشهدوا عليه
بالكفر.
و قال
(الفضل الرقاشي) و(أبو شمر) و(غيلان بن مروان) و(جهم بن صفوان) ومن قال بقولهم من
المرجئة: إن الإمامة يستحقها كل من قام بها إذا كان عالماً بالكتاب والسنة وأنه لا
تثبت الإمامة إلا بإجماع الأمة كلها.
و قال أبو حنيفة وسائر المرجئة: لا تصلح
الإمامة إلا في قريش، كل من دعا منها إلى الكتاب والسنة والعمل بالعدل وجبت إمامته
ووجب الخروج معه وذلك للخبر الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الأئمة
من قريش.
و قالت الخوارج كلها إلا النجدية منهم: الإمامة
تصلح في أفناء الناس، كل من كان منهم قائماً بالكتاب والسنة عالماً بهما، وإن
الإمامة تثبت بعقد رجلين.
و قالت النجدية من الخوارج: الأمة غير محتاجة
إلى إمام ولا غيره، وإنما علينا وعلى الناس أن نقيم كتاب الله عزوجل فيما بيننا.
و قالت المعتزلة: إن الإمامة يستحقها كل من كان
قائماً بالكتاب والسنة، فإذا اجتمع قرشي ونبطي وهما قائمان بالكتاب والسنة، ولينا
القرشي، والإمامة لا تكون إلا بإجماع الأمة واختيار ونظر.
و قال "ضرار بن عمرو": إذا اجتمع قرشي ونبطي
ولينا النبطي وتركنا القرشي، لأنه أقل عشيرة وأقل عددا، فإذا عصى الله وأردنا خلعه
كانت شوكته أهون، وإنما قلت ذلك نظراً للإسلام.
و قال إبراهيم النظَّام ومن قال بقوله:
الإمامة تصلح لكل من كان قائماً بالكتاب والسنة لقول الله عز وجل: إن أكرمكم عند الله أتقاكم (الحجرات/13)
وزعم أن الناس لا يجب عليهم فرض الإمامة إذا هم أطاعوا الله وأصلحوا سرائرهم
وعلانيتهم فإنهم لن يكونوا كذا إلا وعَلَمُ الإمام قائم باضطرار يعرفون عينه،
فعليهم اتباعه ولن يجوز أن يكلفهم الله عز وجل معرفته ولم يضع عندهم علمه فيكلفهم
المحال.
و قالوا في
عقد المسلمين الإمامة لأبي بكر: إنهم قد أصابوا ذلك وإنه كان أصلحهم في ذلك الوقت،
واعتلوا في ذلك بالقياس وبخبر تأوَّلوه...](242).
ثم ذكرا
سائر أقوال الفرق في الإمامة مما لا نحتاج لذكره هنا لأن قصدنا هو ذكر انقسامات
الشيعة وفرقهم وشرح اختلافاتهم في الإمامة لذا نتجه لذكر ما قالاه في هذا المجال مع
رعاية الاختصار، قالا:
[فجميع
أصول الفرق كلها الجامعة لها أربعة فرق: الشيعة والمرجئة والمعتزلة والخوارج.
فأول الفرق
الشيعة، وهي فرقةُ علي بن أبي طالب
رضوان الله عليه المُسمَّوْن بشيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه وآله وبعده
معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي، وسلمان
الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري وعمار بن ياسر، المؤثرون طاعته، المؤتمون
به وغيرهم ممن وافق مودته مودة علي بن أبي طالب. فلما قَبَضَ الله نبيه صلى الله
عليه وآله افترقت فرقة الشيعة فصاروا في الإمامة ثلاث فرق:
1- فرقةٌ منهم قالت أن علي بن أبي طالب إمام
ومفروض الطاعة من الله ورسوله بعد رسوله صلى الله عليه وآله واجب على الناس القبول
منه والأخذ منه لا يجوز لهم غيره وأن النبي صلى الله عليه وآله نص عليه باسمه ونسبه
وقلد الأمة إمامته وعقد له عليهم إمرة المؤمنين... وقالوا لا بد مع ذلك أن تكون تلك
الإمامة دائمة جارية في عقبه إلى يوم القيامة، تكون في ولده من ولد فاطمة بنت رسول
الله يقوم مقامه أبداً رجل منهم معصوم من الذنوب طاهر من
العيوب...
2- وفرقةٌ قالت أن علياً رحمة الله عليه كان
أولى الناس بعد رسول الله بالناس، لفضله وسابقته وقرابته وعلمه، وهو أفضل الناس
كلهم بعده وأشجعهم وأسخاهم.. وأجازوا مع ذلك خلافة أبي بكر وعمر، رأوهما أهلا لذلك
المكان والمقام. احتجوا في ذلك بأن زعموا أن علياً سلم لهما الأمر ورضي بذلك
وبايعهما طائعاً غير مكره وترك حقه لهما، فنحن راضون كما رضي المسلمون له ولمن تابع
لا يحل لنا غير ذلك ولا يسع أحد إلا ذلك، وأن ولاية أبي بكر صارت رشداً وهدىً
لتسليم عليٍّ صلى الله عليه له ذلك ورضاه ولولا رضاه وتسليمه لكان أبو بكر مخطئاً
ضالاً هالكاً وهم أوائل البترية.
و خرجت من
هذه الفرقة فرقةٌ وقالوا: علي بن أبي
طالب أفضل الناس بعد رسول الله لقرابته وسابقته وعلمه، ولكن كان جائزاً للناس أن
يولوا عليهم غيره إذا كان الوالي الذي يولونه مجزئاً (أي منفذاً لأحكام شرع الله)
أحبَّ ذلك عليٌّ أم كرهه، فولاية الوالي الذي ولوه على أنفسهم برضا منهم رشدٌ وهدىً
وطاعةٌ لِـلَّه، فإذا اجتمعت الأمة على ذلك وتوالت ورضيت به فقد ثبتت إمامته
واستوجب الخلافة، فمن خالفه من قريش وبني هاشم عليٌّ كان أو غيره من الناس، فهو
كافر ضال هالك.
3- وفرقةٌ منهم يسمون الجارودية أصحاب الجارود زياد بن المنذر
بن زياد الأعجمي، فقالوا بتفضيل علي، ولم يروا مقامه لأحد سواه، وزعموا أن من دفع
علياً من هذا المقام فهو كافر، وأن الأمة كفرت وضلت بتركها بيعته، ثم جعلوا الإمامة
بعده في الحسن بن علي ثم في الحسين بن علي ثم هي شورى بين أولادهما، فمن خرج منهم
وشهر سيفه ودعا إلى نفسه فهو مستحق للإمامة، وهاتان الفرقتان هما المنتحلتان أمر
زيد بن علي بن الحسين وأمر زيد بن الحسن بن الحسن بن علي ومنهما تشعبت فرق الزيدية.
و زعمت هذه
الفرق أن الأمر كان بعد رسول الله لعلي صلى الله عليه ثم للحسن ثم للحسين نص من
رسول الله وصية منه إليهم واحداً بعد واحد، فلما مضى الحسين بن علي صارت في واحد من
أولادهما إلى علي بن الحسين والحسن بن الحسن لا يخلو من أحدهما إلا أنهم لا يعلمون
أيّاً من أي، وأن الإمامة بعدهما في أولادهما، فمن ادعاها من ولد الحسين بن علي ومن
ولد علي بن الحسين وزعم أنها لولد الحسين بن علي دون ولد الحسن بن الحسن، فإن
إمامته باطلة وأنه ضال مضل هالك، وأن من أقر من ولد الحسين والحسن أن الإمامة تصلح
في ولد الحسن والحسين ومن رضوا به واتفقوا عليه وبايعوه جاز أن يكون إماماً، ومن
أنكر ذلك منهم وجعلها في ولد أحد منهما لا يصلح للإمامة، وهو عندهم خارج من الدين.
وبعد مضي الحسين بن علي لا تثبت (الإمامة لمن ادعاها من ولد الحسن أو الحسين) إلا
باختيار ولد الحسن والحسين وإجماعهم على رجل منهم ورضاهم به وخروجه بالسيف، ويجوز
أن يكون منهم أئمة عداد في وقت واحد لكنهم أئمة دعاة إلى الإمام الرضا منهم، وأن
الإمام الذي إليه الأحكام والعلوم يقوم مقام رسول الله وهو صاحب الحكم في الدار
كلها وهو الذي يختاره جميعهم ويرضون به ويجمعون على ولايته، وجميع فرق الزيدية
مذاهبهم في الأحكام والفرائض والمواريث مذاهب العامة.
+
+
+
فرق الشـيعة بعـد
اسـتشهاد الإمام علي عليه السلام(243)
فلما قتل
عليٌّ صلوات الله عليه افترقت (الفرقة الأولى منها) التي أثبتت له الإمامة له من
الله ورسوله فرضاً واجباً فصاروا فرقاً ثلاثة:
1- فرقةٌ منها قالت أن علياً لم يقتل ولم
يمت ولا يموت حتى يملك الأرض ويسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما
مُلئت ظلماً وجوراً، وهي أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي من هذه الأمة،
وأول من قال منها بالغلوّ وهذه الفرقة تسمى السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وهو عبد الله بن وهب
الراسبي الهمداني وساعده على ذلك عبد الله بن حرس وابن أسود، وهما من أجلة أصحابه،
وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان من الصحابة وتبرأ منهم، وادعى أن
علياً عليه السلام أمره بذلك، وأن التقية لا تجوز ولا تحل، فأخذه علي فسأله عن ذلك؟
فأقر به، وأمر بقتله، فصاح إليه الناس من كل ناحية يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً
يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟ فسيره عليٌّ إلى المدائن،
وحكى جماعة من أهل العالم: أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً، وكان
يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد
وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في عليٍّ بمثل ذلك، وهو أول من شهد بالقول بفرض
إمامة علي بن أبي طالب، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأكفرهم، فمن ها هنا
قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية، ولما بلغ ابن سبأ وأصحابه نعيَ
عليٍّ وهو بالمدائن وقدم عليهم راكب فسأله الناس، فقال ما خبر أمير المؤمنين؟ قال:
ضربه أشقاها ضربة قد يعيش الرجل من أعظم منها ويموت من وقتها، ثم اتصل خبر موته
فقالوا للذي نعاه: كذبت يا عدو الله! لو جئتنا والله بدماغه ضربة، فأقمت على قتله
سبعين عدلاً ما صدقناك، ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، وأنه لا يموت حتى يسوق العرب
بعصاه، ويملك الأرض، ثم مضوا من يومهم حتى أناخوا بباب علي فاستأذنوا عليه استئذان
الواثق بحياته الطامع في الوصول إليه، فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده،
سبحان الله أما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد؟ قالوا: إنا لنعلم أنه لم يقتل
ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفه وسوطه كما قادهم بحجته وبرهانه، وأنه ليسمع النجوى
ويعرف تحت الديار المقفل ويلمع في الظلام كما يلمع السيف الصقيل الحسام، فهذا مذهب
السبئية ومذهب الحربية وهم أصحاب عبد الله بن عمر بن الحرب الكندي في علي عليه السلام،
وقالوا بعد ذلك في علي أنه إله العالمين وأنه توارى عن خلقه سخطاً منه عليهم
وسيظهر.
2- وفرقةٌ قالت بإمامة محمد بن عليّ بن أبي
طالب ابن الحنفية بعد علي لأنه كان
صاحب راية أبيه يوم البصرة دون أخويه الحسن والحسين عليهما السلام، فسُمُّوا الكيسانية وهم المختارية، وإنما سُمُّوا
بذلك لأن رئيسهم الذي دعاهم إلى ذلك المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وكان لقبه كيسان،
وهو الذي طلب بدم الحسين بن علي وثأره حتى قَتَلَ قَتَلَتَهُ ومن قدر عليه ممن
حاربه، وقتل عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وادَّعى أن محمد بن الحنفية أمره بذلك،
وأنه الإمام بعد أبيه... وهؤلاء ساقوا الإمامة بعده إلى ابنه عبد الله أبي هاشم
وبعده إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس.
3- وفرقةٌ لزمت القول بإمامة الحسن بن علي بعد أبيه إلا شرذمة قليلة
منهم فإنه لما وادع الحسن بن علي معاوية وأخذ منه المال الذي بعث له إليه على الصلح
أزروا على الحسن وطعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته وشكُّوا فيها ودخلوا في مقالة
جمهور الناس، وبقي سائرهم على القول بإمامته إلى أن قُتِل صلوات الله عليه. فقالوا
بإمامة أخيه الحسين بن علي فلم يزالوا على ذلك حتى قُتِل الحسين، فلما قُتِل الحسين
حارت فرقةٌ من أصحابه وقالوا: قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين، لأنه إن كان
الذي فعله الحسن حقا واجباً صوابا من موادعته معاوية وتسليمه الخلافة له عند عجزه
عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوته فما فعله الحسين من محاربته يزيد بن
معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم وكثرة أصحاب يزيد حتى قتل وقتل أصحابه جميعاً،
خطأ باطل غير واجب، فشكوا لذلك في إمامتهما فدخلوا في مقالة العوام ومذاهبهم وبقي
سائر الناس أصحاب الحسين على القول بإمامته حتى مضى. فلما مضى افترقوا بعده ثلاث
فرق:
فرقةٌ قالت
بإمامة محمد بن عليّ بن أبي طالب بن
الحنفية وزعمت أنه لم يبق بعد الحسن والحسين أحد أقرب إلى أمير المؤمنين عليّ
بن أبي طالب من محمد ابن الحنفية فهو أولى الناس بالإمامة كما كان الحسين أولى بعد
الحسن من ولد الحسن، فمحمد هو الإمام بعد الحسين. و(منهم) فرقةٌ قالت أن محمد بن الحنفية هو الإمام
المهدي وهـو وصيُّ عليّ، ليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه ولا يخرج عن إمامته ولا
يشهر سيفه إلا بإذنه، وإنما خرج الحسن إلى معاوية محارباً له بإذنه، ووادعه وصالحه
بإذنه، وخرج الحسين إلى قتال يزيد بن معاوية بإذنه، ولو خرجا بغير إذنه هلكا وضلا،
وهم المختارية الخلص ويدعون الكيسانية
وهم يقولون بالتناسخ ويزعمون أن الإمامة جرت في علي ثم في الحسن ثم في الحسين ثم في
ابن الحنفية ومعنى ذلك أن روح الله صارت في النبي وروح النبي صارت في علي وروح علي
صارت في الحسن (و هكذا روح كل إمام تحل في الذي بعده)... ويزعمون أن الصلاة في
اليوم والليلة خمس عشرة صلوة كل صلوة سبع عشرة ركعة وكلهم لا يصلون!
و زعم صنف
منهم أنهم (أي الأئمة) أربعة أسباط بهم يسقى الخلق الغيث ويقاتل العدو وتظهر الحجة
وتموت الضلالة، من تبعهم لحق ومن تأخر عنهم محق، وإليهم المرجع وهم كسفينة نوح من
دخلها صدق ونجا ومن تأخر عنها غرق..](244).
والفرق
القائلة بإمامة محمد بن الحنفية كثيرة وصارت طوائف عديدة لكل طائفة مقالة، فصل
الأشعري في ذكرها نختصر منها ما يلي:
[منها طائفة قالت بإمامة عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي الشامي
بعد أبي هاشم بن محمد بن الحنفية وقالت بالغلو والتناسخ، وفرقةٌ قالت أن محمد بن
الحنفية حي لم يمت بل غاب عن الأنظار وهو مقيم في جبال رضوى بين مكة والمدينة..
وأنه سيرجع ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا، وجماعة منهم قالوا
بالرجعة إلخ..
و جماعة
صاروا من أصحاب أبي الخطاب محمد بن أبي
زينب الأجدع الأسدي وزعموا أنه لا بد من رسولين في كل عصر ولا تخلو الأرض
منهما: واحدٌ ناطقٌ وآخر صامتٌ، فكان محمدٌ صلى الله عليه وآله ناطقاً وعليٌّ
صامتاً، وتأوّلوا في ذلك قول الله: ثم أرسلنا رسلنا تترى، ثم ارتفعوا عن هذه
المقالة إلى أن قال بعضهم هما آلهة، ثم إنهم افترقوا لما بلغهم أن جعفر بن محمد
عليه السلام لعنهم ولعن أبا الخطاب وبرئ منه ومنهم، فصاروا أربع فرق، فرقةٌ منهم
قالت أن جعفر بن محمد هو الله وأن أبا الخطاب نبي مرسل أرسله جعفر وأمر بطاعته!
وأباحوا المحارم كلها من الزنا واللواط والسرقة وشرب الخمور... ومن أتباع أبي
الخطاب سموا المخمّسة لأنهم زعموا أن
الله عز وجل هو محمد وأنه ظهر في خمسة أشباح وخمس صور مختلفة أي ظهر في صورة محمد
وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وزعموا أن أربعة من هذه الخمسة تلتبس لا حقيقة لها
والمعنى شخص محمد وصورته لأنه أول شخص ظهر وأول ناطق نطق، لم يزل بين خلقه موجودا
بذاته يتكوَّن في أي صورة شاء، يظهر لخلقه في صور شتى من صورة الذكران والإناث
والشيوخ والشباب الخ... وزعموا أن محمداً (أي تلك الحقيقة المحمدية الإلهية التي
كانت أول شخص ظهر وأول ناطق نطق!) كان آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى، لم يزل ظاهرا
في العرب والعجم، وكما أنه في العرب ظهر كذلك هو في العجم ظاهر في صورة غير صورته
في العرب، في صورة الأكاسرة والملوك الذين ملكوا الدنيا وإنما معناهم محمد لا غيره
تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وأنه كان يظهر نفسه لخلقه في كل الأدوار والدهور،
وأنه تراءى لهم بالنورانية فدعاهم إلى الإقرار بوحدانيته، فأنكروه، فتراءى لهم من
باب النبوة والرسالة فأنكروه، فتراءى لهم من باب الإمامة فقبلوه، فظاهر الله عزوجل
عندهم الإمامة وباطنه الله الذي معناه محمد... وله باب هو سلمان..(245)
(إلى آخر خرافاتهم)].
ثم قالا:
+
+
+
فرق الشيعة بعد شهادة
الإمام الحسين عليه السلام
[وأما
الشيعة العلوية الذين قالوا بفرض الإمامة لعلي بن أبي طالب من الله ورسوله، فإنهم
ثبتوا على إمامته ثم إمامة الحسن ابنه من بعده، ثم إمامة الحسين من بعد الحسن،
ثم افترقوا بعد قتل الحسين رحمة الله عليه فرقاً:
فنزلت فرقةٌ منهم إلى القول بإمامة ابنه علي بن الحسين يسمَّى بسيد العابدين،
وكان يكنَّى بأبي محمد ويكنَّى بأبي بكر وهي كنيته الغالبة عليه، فلم تزل مقيمة على
إمامته حتى توفي رحمة الله عليه.
و فرقةٌ قالت: انقطعت الإمامة بعد الحسين،
إنما كانوا ثلاثة أئمة (أي علي والحسن والحسين) مسمين بأسمائهم استخلفهم رسول الله
صلى الله عليه وآله وأوصى إليهم وجعلهم حججا على الناس وقواما بعده واحداً بعد
واحد، فقاموا بواجب الدين وبينوه للناس حتى استغنوا عن الإمام بما أوصلوا إليهم من
علوم رسول الله، فلا يثبتون إمامة لأحد بعدهم وثبتوا رجعتهم لا لتعليم الناس أمور
دينهم ولكن لطلب الثأر وقتل أعدائهم والمتوثبين عليهم الآخذين حقوقهم وهذا معنى
خروج المهدي عندهم وقيام القائم.
و فرقةٌ قالت: إن الإمامة صارت بعد مضي
الحسين في ولد الحسن والحسين في جميعهم، فهي فيهم خاصة دون سائرهم من ولد علي، وهم
كلهم فيها شرع سواء لا يعلمون أيّاً من أي، فمن قام منهم ودعا إلى نفسه وجرد سيفه
فهو الإمام المفروض الطاعة بمنزلة عليّ بن أبي طالب موجوبةً إمامته من الله على أهل
بيته وسائر الناس كلهم، وإن كانت دعوته وخطبه للرضا من آل محمد عليه السلام فهو
الإمام، فمن تخلف عنه عند قيامه ودعائه إلى نفسه من جميع أهل بيته وجميع الخلق فهو
كافر، ومن ادعى منهم الإمامة وهو قاعد في بيته مرخى عليه ستره فهو كافر مشرك ضال هو
وكل من اتبعه على ذلك وكل من قال بإمامته ودان بها، وهؤلاء فرقةٌ من فرق الزيدية
يسمُّون السرحوبية ويسمون الجارودية،
وهم أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر وإليه نسبت الجارودية، وأصحاب أبي خالد يزيد
بن أبي خالد الواسطي...].
و ذكرا من
الزيدية فرقاً مختلفة في أقوالها:
كالصباحية واليعقوبية والعجلية والبترية والمغيرية.. إلخ. ثم قالا:
+
+
+
فرق الشيعة بعد وفاة
الإمام السجّاد عليه السلام
[وأما
الذين أثبتوا الإمامة لعلي بن أبي طالب ثم للحسن ابنه ثم للحسين ثم لعلي بن الحسين،
فإنهم نزلوا بعد وفاة علي بن الحسين إلى القول بإمامة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين باقر
العلم وأقاموا على إمامته إلى أن توفي رضوان الله عليه إلا نفراً يسيراً، فإنهم
سمعوا رجلاً منهم يُقَال له عمر بن الرياح زعم أنه سأل أبا جعفر عن مسألة فأجابه
عليها بجواب ثم عاد إليه في عام آخر فزعم أنه سأله تلك المسألة بعينها فأجابه فيها
بخلاف الجواب الأول، فقال لأبي جعفر: هذا خلاف ما أجبتني فيه في هذه المسألة عامك
الماضي!، فذكر أنه قال له: إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية، فشك في أمره ورجع عن
إمامته وقال لا يكون إماماً من يفتي بالباطل على شيء من الوجوه ولا في حال من
الأحوال.. فمال بسببه إلى قول البترية
ومال معه نفر يسير(246).
+
+
+
فرق الشيعة بعد وفاة
الإمام محمد الباقر عليه السلام
و بقي سائر
أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الباقر على القول بإمامته حتى توفي سنة 114 هـ، فلما
توفي افترقت فرقته فرقتين:
1-
فرقةٌ منها قالت بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ
بن أبي طالب الخارج بالمدينة المقتول بها، وزعموا أنه القائم المهدي وأنه الإمام،
وأنكروا قتله وموته، وقالوا هو حي لم يمت مقيم في جبل يقال له العلمية، وهو الجبل
الذي في طريق مكة نجد الحائر على يسار الطريق، فهو عندهم مقيم فيه حتى يخرج.
2-
والفرقة الأخرى نزلت إلى القول بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد فلم
يزل يأتيه على إمامته أيام حياته، غير نفر منهم يسير، فإنهم لما أشار جعفر بن محمد
إلى إمامة ابنه إسماعيل ثم مات إسماعيل في حياة أبيه رجع بعضهم عن إمامته وقالوا:
كذبنا جعفر ولم يكن إماماً، لأن الإمام لا يكذب ولا يقول ما لا يكون، وحكوا عن جعفر
أنه قال: إن الله بدا له في إمامة إسماعيل فأنكروا البداء والمشية من الله، وقالوا
هذا باطل لا يجوز ومالوا إلى مقالة البترية ومقالة سليمان بن جرير.
و
سليمان بن جرير هو الذي قال لأصحابه لهذا السبب: إن أئمة الرافضة وضعوا
لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما على كذب من أئمتهم أبداً وهما القول:
بالبداء وإجازة التقية، فأما البداء فإن
أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون
والإخبار بما يكون في غد، فإن جاء ذلك الشيء على ما قالوه، قالوا لهم: ألم نعلمكم
أن هذا يكون؟ فنحن نعلَّم من قِبَلِ الله ما عُلِّمَتْه الأنبياء، وإن لم يكن ذلك
الشيء قالوا: بدا لله في ذلك فلم يُكَوِّنه! وأما التقيّة فلما كثرت
على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلال والحرام وغير ذلك من صنوف أبواب الدين، فأجابوهم
فيها وحفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوه وكتبوه ودونوه، ولم يحفظ أئمتهم تلك الأجوبة
لتقادم العهد وتفاوت الأوقات، لأن مسائلهم لم ترد في يوم واحد ولا في شهر واحد بل
في سنين متباعدة وشهور متباينة.. فوقع في أيديهم في المسألة الواحدة عدة أجوبة
مختلفة متضادة، فلما وقفوا على ذلك منهم ردوا إليهم هذا الاختلاف والتخليط في
جواباتهم، وسألوهم عنه وأنكروه عليهم، فقالت أئمتهم: إنما أجبنا بهذا للتقية
ولنا أن نجيب بما أجبنا وكيف شئنا لأن ذلك إلينا ونحن أعلم بما يصلحنا وما فيه
بقاؤنا وبقاؤكم وكف عدونا وعدوكم عنا وعنكم، فمتى يظهر من هؤلاء على كذب؟ ومتى يعرف
حق من باطل؟ فمال إلى سليمان بن جرير لهذا القول جماعة من أصحاب جعفر وتركوا
القول بإمامة جعفر.
+
+
+
فرق الشيعة بعد وفاة
الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
فلما توفي
أبو عبد الله جعفر بن محمد افترقت بعده شيعته ست فرق:
1- فرقةٌ منها قالت إن جعفر بن محمد حي لم
يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس، وهو القائم المهدي، وزعموا أنهم رووا عنه
أنه قال: إن رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدقوه فإني أنا صاحبكم! وهذه
الفرقة تسمى الناووسية لرئيس كان لهم
من أهل البصرة يقال له فلان بن الناووس.
2- وفرقةٌ زعمت أن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل في
حياة أبيه، وقالوا كان ذلك على جهة التلبيس على الناس لأنه خاف فغيَّبَه عنهم،
وزعموا أن إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض ويقوم بأمر الناس، وأنه هو القائم لأن
أباه أشار إليه بالإمامة بعده وقلدهم ذلك له، وأخبرهم أنه صاحبهم، والإمام لا يقول
إلا الحق، فلما أظهر موته علمنا أنه قد صدق وأنه القائم لم يمت، وهذه الفرقة هم الإسماعيلية الخالصة، وأم إسماعيل وعبد
الله ابني جعفر فاطمة بنت الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي
طالب.
3- وفرقةٌ ثالثة زعمت أن الإمام بعد جعفر، محمد بن إسماعيل بن جعفر، وأمه أم ولد
وقالوا أن الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه فلما توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد
الأمر لمحمد بن إسماعيل وكان الحق له، ولا يجوز غير ذلك لأنها لا تنتقل من أخ إلى
أخ بعد حسن وحسين، ولا تكون إلا في الأعقاب.
أما
الإسماعيلية الخالصة فهم الخطابية
أصحاب أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأسدي
الأجدع لعنه الله، وقد دخلت منهم فرقةٌ في فرقة محمد بن إسماعيل وأقروا بموت
إسماعيل في حياة أبيه وكانت الخطابية الرؤساء منهم قتلوا مع أبي الخطاب، وكانوا قد
لزموا المسجد بالكوفة وأظهروا التعبد وكانوا يدعون إلى أمرهم سرّاً فبلغ خبرهم عيسى
بن موسى عامل أبي جعفر المنصور على الكوفة وأنهم قد أظهروا الإباحات ودعوا الناس
إلى نبوّة أبي الخطاب، فبعث إليهم رجلاً من أصحابه في خيل ورجالة ليأخذهم ويأتيه
بهم فامتنعوا عليه وحاربوه فقتلهم جميعاً وكانوا سبعين رجلاً ولم يفلت منهم إلا رجل
واحد هو أبو خديجة سالم بن مكرم... ومن القائلين بإمامة محمد بن إسماعيل فرقةٌ عرفت
بالقرامطة يقولون بسبعة من الأئمة:
علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ومحمد بن إسماعيل
الذي هو الإمام القائم...
4- وقالت
الفرقة الرابعة من أصحاب جعفر بن محمد
أن الإمام بعد جعفر بن محمد ابنه محمد، وأمه أم ولد يقال لها حميدة، كان
هو وموسى واسحق بنو جعفر لأم واحدة، فجعل هؤلاء الإمامة في محمد بن جعفر وفي ولده
من بعده وهذه الفرقة تسمى السميطية
نسبة لرئيس لهم كان يقال له يحيى بن أبي السميط.
5- والفرقة الخامسة منهم قالت الإمامة بعد
جعفر في ابنه عبد الله بن جعفر، وذلك
أنه كان عند مضي جعفر أكبر أولاده سنا وجلس مجلس أبيه بعده، وادعى الإمامة ووصية
أبيه واعتلوا في ذلك بأخبار رويت عن جعفر وعن أبيه أنهما قالا: الإمامة في الأكبر
من ولد الإمام إذا نصب، فمال إلى عبد الله وإمامته جل من قال بإمامة أبيه وأكابر
أصحابه،إلا نفر يسير عرفوا الحق، وامتحنوا عبد الله بالمسائل في الحلال والحرام
والصلاة والزكاة والحج فلم يجدوا عنده علما، وهذه الفرقة القائلة بإمامة عبد الله
بن جعفر هم المسمون بالفطحية، سموا
بذلك لأن عبد الله كان أفطح الرأس وقال بعضهم كان أفطح الرجلين.. ومال عند موت
جعفر والقول بإمامة عبد الله عامة مشايخ الشيعة وفقهاؤها ولم يشكوا إلا أن الإمامة
في عبد الله وفي ولده من بعده.
فلما مات
عبد الله ولم يخلف ذكرا ارتاب القوم واضطربوا وأنكروا ذلك فرجع عامة الفطحية، إلا
القليل منهم، عن القول بإمامة عبد الله إلى القول بإمامة أخيه موسى بن جعفر. وشذت
منهم فرقةٌ بعد وفاة موسى بن جعفر فادعت أن لعبد الله (الأفطح) ابنا ولد له من
جارية يقال له محمد، وأنه تحول بعد موت أبيه إلى خراسان فهو مقيم بها وأنه حي إلى
اليوم وأنه الإمام بعد أبيه وهو القائم المنتظر.
6- وقالت
الفرقة السادسة أن الإمام موسى بن جعفر بعد أبيه وأنكروا إمامة عبد
الله وخطَّؤوه في جلوسه مجلس أبيه وادعائه الإمامة، وكان فيهم من وجوه أصحاب جعفر
بن محمد مثل: هشام بن سالم الجواليقي، وعبد الله بن أبي يعفور، وعمر بن يزيد بياع
السابري، ومحمد بن النعمان أبي جعفر الأحول مؤمن الطاق، وعبيد بن زرارة بن أعين،
وجميل بن دراج، وأبان بن تغلب، وهشام بن الحكم، وغيرهم من وجوه شيعته وأهل العلم
منهم والفقه والنظر، وهم الذين قالوا بإمامة موسى بن جعفر عند وفاة أبيه، إلى أن
رجع إليهم عامة أصحاب جعفر عند وفاة عبد الله، فاجتمعوا جميعاً على إمامة موسى، إلا
نفراً منهم فإنهم ثبتوا على إمامة عبد الله، ثم إمامة موسى بعده وأجازوها في أخوين
بعد أن لم يجز ذلك عندهم إلى أن مضى جعفر فيهم، مثل عبد الله بن بكير بن أعين،
وعمار بن موسى الساباطي، وجماعة معهم، ثم إن جماعة من المؤتمّين بموسى بن جعفر
اختلفوا في أمره وشكوا في إمامته عند حبسه في المرة الثانية التي مات فيها في حبس
هارون الرشيد، فصاروا خمس فرق:
+
+
+
فرق الشيعة بعد وفاة
الإمام موسى الكاظم عليه السلام
1- فرقةٌ منها زعمت أنه مات في حبس هارون،
وكان محبوسا عند السندي بن شاهك، وإن يحيى بن خالد البرمكي سمه في رطب وعنب بعثه
إليه فقتله، وأن الإمام بعد أبيه علي بن
موسى الرضا، فسميت هذه الفرقة القطعية لأنها قطعت على وفاة موسى وإمامة
علي بن موسى ولم تشك في أمرها ولا ارتابت، وأقرت بموت موسى وأنه أوصى إلى ابنه علي
أشار إلى إمامته قبل حبسه ومرت على المنهاج الأول.
2- وقالت
الفرقة الثانية أن موسى بن جعفر لم
يمت، وأنه حي لا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها كلها عدلاً كما ملئت جورا
وأنه القائم المهدي، وزعموا أنه لما خاف على نفسه القتل خرج من الحبس نهارا ولم يره
أحد ولم يعلم به، وأن السلطان وأصحابه ادعوا موته وموّهوا على الناس ولبّسوا عليهم
برجل مات في الحبس فأخرجوه ودفنوه في مقابر قريش، في القبر الذي يدعى أنه قبر موسى
بن جعفر، وكذبوا في ذلك، إنما غاب عن الناس واختفى. ورووا في ذلك روايات عن أبيه
جعفر: أنه قال: " هو القائم المهدي فإن يدَهدَه رأسه من جبل فلا تصدقوا فإنه صاحبكم
القائم ".
3- وقالت
فرقةٌ أنه القائم وقد مات فلا تكون
الإمامة لأحد من ولده ولا لغيرهم حتى يرجع فيقوم ويظهر، وزعموا أنه قد رجع بعد موته
إلا إنه مختف في موضع من المواضع يعرفونه يأمر وينهى وأن من يوثَّق من أصحابه
يَلقونَه ويَرونه.
4- وقالت
فرقةٌ منهم لا يُدْرَى أحي هو أم ميت؟
لأنا قد روينا فيه أخبارا كثيرة تدل على أنه القائم المهدي فلا يجوز تكذيبها، وقد
ورد علينا من خبر وفاته مثل الذي ورد علينا من خبر وفاة أبيه وجده والماضين من
آبائه في معنى صحة الخبر، فهو أيضاً مما لا يجوز رده وإنكاره.. فوقفنا عند ذلك على إطلاق موته وعن
الإقرار بحياته، ونحن مقيمون على إمامته لا نتجاوزها إلى غيره حتى يصح لنا
أمره..
5- وفرقةٌ منهم يقال لها الهسموية أصحاب محمد بن بشير مولى بني أسد من أهل
الكوفة، قالت إن موسى بن جعفر لم يمت ولم يحبس، وأنه غاب واستتر، وهو القائم
المهدي، وأنه في وقت غيبته استخلف على الأمة محمد بن بشير وجعله وصيه وأعطاه خاتمه
وعلمه جميع ما يحتاج إليه رعيته... فهو الإمام، وزعموا أن علي بن موسى وكل من ادعى
الإمامة من ولده وولد موسى بن جعفر فمبطلين كاذبين، غير طيبي الولادة ونفوهم عن
أنسابهم، وكفروهم لدعواهم الإمامة وكفروا القائلين بإمامتهم... وقالوا بإباحة
المحارم وبالتناسخ ومذاهبهم في التفويض مذاهب الغلاة المفرطة.... وعرفوا أيضاً بالواقفة.
+
+
+
فرق الشيعة بعد وفاة
الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
ثم إن
أصحاب علي بن موسى الرضا اختلفوا بعد وفاته فصاروا خمس
فرق:
1- فرقةٌ قالت الإمام بعد علي بن موسى ابنه
محمد بن علي ولم يكن له غيره، وكان
متزوجا من ابنة المأمون، واتبعوا الوصية والمنهاج الأول من لدن النبي صلى الله عليه
وآله.
2- وفرقةٌ قالت بإمامة أحمد بن موسى بن جعفر، قطعوا عليه وادعوا
أن الرضا أوصى إليه وإلى الرضا، وأجازوها في أخوين ومالوا في مذاهبهم إلى شبيه
بمذاهب الفطحية أصحاب عبد الله بن جعفر.
3- وفرقةٌ تسمى المؤلفة من الشيعة قد كانوا
نصروا الحق وقطعوا على إمامة علي بن موسى بعد وقوفهم على موسى وإنكار موته فصدقوا
بموته وقالوا بإمامة الرضا. فلما توفي رجعوا إلى القول بالوقف على موسى بن جعفر.
4- وفرقةٌ تسمى المحدثة كانوا من أهل الإرجاء وأصحاب
الحديث من العامة، فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر، وبعده لعلي بن موسى وصاروا
شيعة رغبة في الدنيا وتصنعا، فلما توفي علي بن موسى رجعوا إلى ما كانوا عليه من الإرجاء.
5- وفرقةٌ كانت من الزيدية الأقوياء منهم
والبصراء لزيد فرجعوا عن مقالتهم ودخلوا في القول بإمامة علي بن موسى عندما أظهر
المأمون فضله وعقد على الناس بيعته، تصنعا للدنيا، واستكالوا الناس بذلك عصرا، فلما
مضى علي بن موسى رجعوا إلى قومهم من الزيدية.
و كان سبب
الفرقتين اللتين ائتمَّت إحداهما بأحمد بن موسى ورجعت الأخرى إلى القول بالوقف، أن
أبا الحسن الرضا توفي وابنه محمد ابن سبع سنين، فاستصبوه واستصغروه وقالوا: لا يجوز
أن يكون الإمام إلا بالغا...
أما الذين قالوا بإمامة أبي جعفر محمد بن علي بن موسى فاختلفوا
في كيفية علمه وكيف وَجْهُ ذلك لحداثة سنِّهِ ضروبا من الاختلاف، فقال بعضهم لبعض
الإمام لا يكون إلا عالماً وأبو جعفر غير بالغ وأبوه قد توفي فكيف علم ومن أين علم؟
(وذكر المصنفان آراءهم المتعددة في هذا الأمر).
فرق الشيعة بعد وفاة
الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام
ثم نزل
أصحاب محمد بن علي الذين ثبتوا على إمامته إلى القول بإمامة ابنه ووصيه علي بن محمد فلم يزالوا على ذلك إلا نفر
منهم يسير عدلوا عنه إلى القول بإمامة أخيه موسى بن محمد (المبرقع) ثم لم يثبتوا على
ذلك قليلاً حتى رجعوا إلى إمامة علي بن محمد ورفضوا إمامة موسى، لأن موسى كذبهم
وتبرأ منهم.. فلم يزالوا كذلك حتى توفي علي بن محمد بسُرَّ مَن
رأى...
و قد شذَّت
فرقةٌ من القائلين بإمامة علي بن محمد
في حياته فقالت بنبوة رجل يقال له محمد بن
نصير النميري كان يدّعي أنه نبيٌّ رسولٌ، وأن عليّاً بن محمد العسكري أرسله
وكان يقول بالتناسخ، ويغلو في أبي الحسن (أي الإمام علي بن محمد الهادي) ويقول فيه
بالربوبية ويقول بالإباحة للمحارم ويحلّل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم،
ويزعم أن ذلك من التواضع والإخبات والتذلل في المفعول به! (وغير ذلك من أقوالهم
القبيحة)... فسميت هذه الفرقة النميرية.
+
+
+
فرق الشيعة بعد وفاة
الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
فلما توفي
علي بن محمد بن علي بن موسى قالت فرقةٌ من أصحابه بإمامة ابنه محمد،
وكان قد توفي في حياة أبيه بسر من رأى، زعموا أنه حي لم يمت، واعتلوا في ذلك بأن
أباه أشار إليه وأعلمهم أنه الإمام بعده، والإمام لا يجوز عليه الكذب ولا يجوز
البداء فيه، وإن ظهرت وفاته في حياة أبيه فإنه لم يمت في الحقيقة ولكن أباه خاف
عليه فغيبه، وهو المهدي القائم، وقالوا فيه بمثل مقالة أصحاب إسماعيل بن
جعفر.
و قال سائر
أصحاب علي بن محمد بإمامة ابنه الحسن بن علي (أي العسكري)، وثبَّتوا له
الإمامة بوصية أبيه إليه، إلا نفراً قليلاً فإنهم مالوا إلى أخيه جعفر بن
علي...
+
+
+
فرق الشيعة بعد وفاة
الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام
فلما توفي
الحسن بن علي اختلف أصحابه من بعده وافترقوا إلى خمس عشرة فرقة:
1- ففرقةٌ منها وهي المعروفة بالإمامية قالت
لله في أرضه بعد مضي الحسن بن علي حجة على عباده وخليفة في بلاده قائم بأمره، من
ولد الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا...
2- وقالت
الفرقة الثانية أن الحسن بن علي حي لم
يمت وإنما غاب وهو القائم ولا يجوز أن يموت الإمام ولا ولد له ولا خلف معروف
ظاهر...
3- وقالت
الفرقة الثالثة أن الحسن بن علي مات
وعاش بعد موته وهو القائم، واحتجوا برواية رووها عن جعفر بن محمد أنه قال: إنما سمي
القائم قائماً لأنه يقوم بعد أن يموت! ولأن الأرض لا تخلو من حجة
ظاهرة.
4- وقالت
الفرقة الرابعة أن الحسن بن علي قد
صحَّت وفاته كما صحت وفاة آبائه بتواطؤ الأخبار التي لا يجوز تكذيب مثلها، وصح
بمثل هذه الأسباب أنه لا خلف له، فلما صح عندنا الوجهان ثبت أن لا إمام بعد
الحسن بن علي وأن الإمامة انقطعت، وذلك جائز في المعقول والقياس، فكما جاز أن
تنقطع النبوة بعد محمد فلا يكون بعده شيء، كذلك جاز أن تنقطع
الإمامة.
5- وقالت
الفرقة الخامسة أن الحسن بن علي قد
مات. وصح موته ولا خلف له وانقطعت الإمامة إلى وقت يبعث الله فيه قائماً من آل محمد
ممن قد مضى، إن شاء بعث الحسن بن علي وإن شاء بعث غيره من
آبائه.
6- وقالت
الفرقة السادسة أن الحسن وجعفر
(الكذاب) لم يكونا إمامين، فإن الإمام كان محمد الميت في حياة أبيه، إذ قد ثبتت
إشارة أبيه إليه بالإمامة، وأن أباهما لم يوص لواحد منهما ولا أشار له بإمامة،
وادعى بعضهم أنه (أي محمد بن علي) حي لم يمت وأن أباه غيبه وستره خوفا عليه، (و
قالوا:) وإن بطلت إمامة محمد كما بطلت إمامة الحسن وجعفر، بطلت إمامة أبيهم أبي
الحسن وإمامة الأئمة الماضين من آبائه؛ وهذا لا يجوز فذلك لا
يكون.
7- وقالت
الفرقة السابعة أن الحسن بن علي توفي ولا عقب له والإمام بعده جعفر بن علي أخوه، وذهبوا في ذلك إلى بعض
مذاهب الفطحية في عبد الله وموسى ابني جعفر.
8 - وقالت
الفرقة الثامنة أن الإمام جعفر بن علي وأن إمامته أفضت إليه من قبل
أبيه علي بن محمد وأن القول بإمامة الحسن كان غلطاً وخطأً وجب الرجوع عنه إلى إمامة
جعفر.
9- وقالت
الفرقة التاسعة بمثل مقالة الفطحية
الفقهاء منهم وأهل النظر أن الحسن بن علي توفي وهو إمام بوصية أبيه إليه، وأن
الإمامة لا تكون إلا في الأكبر من ولد الإمام، ممن بقي منهم بعد أبيه فالإمام بعد
الحسن بن علي: جعفر أخوه، لا يجوز غيره إذ لا ولد للحسن معروف ولا أخ إلا جعفر في
وصية أبيه، كما أوصى جعفر بن محمد (أي الصادق) إلى عبد الله لمكان الأكبر ثم جعلها
من بعد عبد الله لموسى أخيه.
10- وقالت
الفرقة العاشرة أن الإمام كان محمد بن
علي بإشارة أبيه إليه ونصبه له إماماً، ثم بدا لله في قبضه إليه في حياة أبيه وأوصى
محمد إلى جعفر أخيه بأمر أبيه ووصاه ودفع الوصية والعلوم والسلاح إلى غلام له يقال
له نفيس لما كان في خدمة أبي الحسن، وهذه الفرقة تسمى نفيسية.
11- وقالت
الفرقة الحادية عشرة أن الحسن بن علي
قد توفي وهو إمام وخلف ابنا بالغا يقال له محمد، وهو الإمام من بعده وأن الحسن بن
علي أشار إليه ودل عليه وأمره بالاستتار في حياته مخافة عليه، فهو مستتر خائف في
تقيَّةٍ من عمه جعفر، وأنه قد عرف في حياة أبيه ولا ولد للحسن بن علي غيره، فهو
الإمام وهو القائم لا محالة.
12- وقالت
الفرقة الثانية عشرة بمثل هذه المقالة
في إمامة الحسن بن علي وأن له خلفا ذكرا يقال له علي، وكذّبوا القائلين بمحمد،
وزعموا أنه لا ولد للحسن غير علي.
13- وقالت
الفرقة الثالثة عشرة أن للحسن بن علي
ولدا ولد بعده بثمانية أشهر وأنه مستتر لا يعرف اسمه ولا مكانه، واعتلوا في تجويز
ذلك بحديث يروى عن أبي الحسن الرضا أنه قال: ستبتلون بالجنين في بطن أمه والرضيع!
14- وقالت
الفرقة الرابعة عشرة لا ولد
للحسن بن علي أصلاً لأنا تبحرنا ذلك بكل وجه وفتشنا عنه سرا وعلانية، وبحثنا عن
خبره في حياة الحسن بكل سبب فلم نجده، ولو جاز أن يقال في مثل الحسن بن علي وقد
توفي ولا ولد له ظاهر معروف، أن له ولدا مستورا، لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت من
غير خلف ولجاز مثل ذلك في النبي صلوات الله عليه أن يقال خلف ابنا رسولا
نبيا، ولجاز أن تدعي الفطحية أن لعبد الله بن جعفر ولدا ذكرا
إماماً!
15- وقالت
الفرقة الخامسة عشرة نحن لا ندري ما
نقول في ذلك وقد اشتبه علينا الأمر فلسنا نعلم أن للحسن بن علي ولدا أم لا؟ أم
الإمامة صحت لجعفر أم لمحمد؟ وقد كثر الاختلاف. إلا أننا نقول أن الحسن بن علي كان
إماماً مفترض الطاعة ثابت الإمامة، وقد توفي عليه السلام وصحت وفاته، والأرض لا
تخلو من حجة، فنحن نتوقف ولا نقدم على
القول بإمامة أحد بعده، ولا ننكر إمامة أبي محمد ولا موته، ولا نقول أنه رجع بعد
موته ولا نقطع على إمامة أحد من ولد غيره، ولا ننتميه حتى يظهر الله الأمر إذا شاء
ويكشف ويبينه لنا.]
تلك كانت أهم
فرق الشيعة نقلناها حرفياً مما أروده اثنان من كبار محدثي وعلماء الإمامية
الموثوقين القدماء الذين عاصرا عديدا من هذه الفرق أو كانا قريبي العهد بها،
فالأشعري القمي توفي سنة 301 هـ وأدرك اثنين أو ثلاث من الأئمة الاثني عشر، وكذلك
النوبختي المتوفى فيما بين 300 و310 هـ..
فلو كان
لتلك الأحاديث النبوية المدعاة، التي فيها النص، بتلك الصراحة والوضوح، على أسماء
الأئمة الاثني عشر، حقيقةٌ وواقعٌ؛ فهل كان من الممكن أن تنشأ كل تلك الفرق
المتعددة والنحل المختلفة في أوساط الشيعة أنفسهم وبين محبي أهل البيت بل فيما بين
أتباع الأئمة المخلصين وتلاميذهم الأوفياء أنفسهم؟! ولوكان هناك حقا نص من الرسول
(صلّى الله عليه وآله) على أئمة معينين بأشخاصهم أفلم يكن من الواجب عليه (صلّى
الله عليه وآله) أن يبلغ ذلك الأمر لجميع الأمة بحيث يرفع العذر وينتشر الخبر ولا
تبقى أي شبهة في الأمر، حتى لا تنشأ كل هذه الفرق المختلفة حول قضية الإمامة؟ إن
وجود كل هذه الفرق والاختلافات حول من هو الإمام لأكبر دليل على أنه لم يكن هناك
شيء اسمه أئمة منصوص عليهم ومعينين من قبل الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله)
وأن الفكرة مختلقة من أساسها، إذا لو صح صدور مثل تلك النصوص لعلم بذلك سائر أهل
البيت وخاصّةُ شيعتِهِمْ، ولما حصلت كل تلك الانشقاقات والاختلافات وتبدل الرأي في
كل آن حول تعيين الإمام.
1- نأمل أن
يكون قد صار مسلما وواضحا للباحثين عن الحقيقة وطلاب الحق المتجردين، أن قضية
"الإمامة" بمعناها
السياسي على النحو الذي تبلور
وشاع عندنا، من
جعلها أصلاً أساسياً من أصول الدين مساوقاً لأصل النبوة، وأنه منصب تعييني إلـهي،
ليس له سند
صحيح، ولم يفد
هذا
التأصيل أمة الإسلام إلا
الاختلاف والنزاع والعداوة والتفرق والحروب، في حين أننا لو رجعنا إلى العقل والشرع
واسترشدناهما بتجرد في هذا الموضوع، لوجدناه على غير تلك الصورة التي راجت وشاعت
فيما بيننا، وأن لو طبق كما شرعه الشارع المقدس ووضع أسسه، لكان موجباً للفوز
والنجاح والفلاح للمسلمين.
2- لا أساس
علمي
موثوق لقضية نص الله تعالى
ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ
البدء على إمام معين لأمر
الخلافة والحكم سواء كان أبا بكر أو علي، لأن العقل والشرع يتنافيان مع النص، ولأن
الوجدان والتاريخ لا يشهدان بوجوده كما مر مفصلاً.
3- أفضلية
الإمام علي عليه السلام وأحقيته وأولويته بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمر لا يخفى على أي مطلع منصف، ولحسن الحظ أن كثيراً من غير الشيعة أيضاً
يقرّون بذلك، ونحن نعتقد أنه لو كان لعلي نفسه إربة شديدة فيها وإصرار على توليها
بنفسه وحضر في سقيفة بني ساعدة وطالب بها لما خالفه أحد من أصحاب رسول الله بل
لوافقوه عليها من كل قلبهم، ولكنه عليه السلام لم يكن مصرّاً عليها وكان يقول، كما
أثر عنه في مناجاته: [اللهم إنك لتعلم أنه
لم يكن الذي كان منَّا منافسةً في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنردَّ
المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتُقَام المعطلة
من حدودك..]، لذا لما رأى وشاهد أن هذا الهدف يتحقق بواسطة الخليفتين أبي بكر
وعمر (رضي الله عنهما) بايعهما بكل رغبة وصدق ودون أي إجبار أو إكراه وأعانهما في
تنفيذ أحكام شرع الله، وإن كان هو أولى بمقامهما منهما.
4-
الأحاديث الكثيرة الصحيحة الواردة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في
فضائل ومناقب علي عليه السلام إنما تدل على إمامته الروحية والعلميّة للمسلمين وأنه
أفضل من يبين حقائق الدين وأحكام الإسلام وهذا أمر تتفق عليه ولله الحمد جميع فرق
المسلمين ولا ينازع أو يجادل فيه أحد، فعليٌّ عند الجميع إمام المسلمين ونبراس
المتقين بحق.
5- لا يجوز
الطعن في أصحاب رسول الله - الذين مدحهم الله تعالى في أكثر من مائة آية من آيات
ذكره الحكيم - أو الحط عليهم لانتخابهم أبي بكر وعدم توليتهم علي مباشرة بعد النبي
(صلّى الله عليه وآله وسلم)، والأحاديث مثل ارتد الناس بعد النبي إلا ثلاثة أو إلا
سبعة مناقضةٌ للقرآن الكريم ومخالفةٌ لآياته ولذا فالاعتقاد بها يجعل الإنسان على
حافة الكفر والعياذ بالله.
6-
الأحاديث التي جاءت في كتب الشيعة أو كتب السنة حول نص النبي الصريح
والسابق على أئمة معينين
لولاية أمر المسلمين، أحاديث
ضعيفة أو موضوعة من وضع الغلاة وأصحاب
الأهواء، وبالتالي فلا تقوم
بها حجة ولا ينبغي الاعتناء بها
أو
التعويل عليها، كما
بينا ذلك بقدر المستطاع في هذا الكتاب، ولا شك في إمامة الأئمة من آل الرسول (صلّى
الله عليه وآله وسلم) للمسلمين، بمعنى مرجعيتهم الفقهية والإرشادية وينبغي على كل
المسلمين أن يرجعوا إليهم وينهلوا من ذخائر علمهم وفقههم، قبل أي أحد آخر إذا
أرادوا فهم معالم دينهم وأحكام شرعهم، فأهل البيت أدرى
بما فيه. ولا شك أن سائر أئمة المسلمين كمالك والشافعي وأبي
حنيفة وغيرهم (رحمهم الله).. لم يأبوا أن ينهلوا من علوم الأئمة من آل الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم) بل
تتلمذوا عليهم قليلاً
أو كثيراً واستفادوا
إما
مباشرةً أو بشكل غير مباشر من جواهر
حديثهم
وعلومهم معارفهم عليهم السلام.
7-
المغالاة والإغراق في تقديس وتعظيم الأئمة من آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
أو أي أشخاص آخرين في أي مذهب، يتنافى مع حقيقة الدين القائمة على التوحيد الخالص،
وكثير من الأعمال التي يقوم بها الناس باسم احترام وتعظيم أولئك الأشخاص، أعمالٌ
تتنافى مع أحكام الشرع، وذلك كالمبالغة في تعظيم قبورهم والطواف حولها ودعاء
أصحابها والتوسل والاستغاثة والاستنجاد بهم ونذر النذورات والموقوفات لهم، وهذا كله
مما يؤدي لشغل الناس عن كثير من الفرائض، كما قال أمير المؤمنين: [ما أُحْدِثَت
بدعة إلا تُرِكَت بها سنة! فاتقوا البدع والزموا المهيع!](247)، كما يشهد
لذلك واقعنا الحالي.
8- صارت
كثير من أحكام الإسلام وتعاليمه المقدسة مثل التوحيد الخالص ووحدة كلمة المسلمين
واجتماعهم وإقامة الجمعة والجهاد والسعي لرفع راية الإسلام وإقامة حكمه وتطبيق حدود
وأحكام الله عز وجل، متروكة منسية لدى الكثير من عوام المسلمين بل من بعض خواصهم،
وأحد أسباب ذلك، الانشغال بالخرافات والعداوات المذهبية، التي حان وقت أن يقوم
جماعة مخلصون مضحُّون بالقضاء عليها والعمل على نشر الأحكام الإلهية الحقة مما قمنا
ببيان بعضه بفضل معونة الله تعالى في هذه الأوراق وفي غيرها من كتبنا.
9- يجب
تطهير وتنقية الكثير من كتب فرق المسلمين التي ملئت بالخرافات والغلو المذهبي
والأمور التي تثير العداوة والبغضاء وتولد الحقد والشحناء في صدور المسلمين على
بعضهم البعض، كما يجب نبذ علماء السوء الذين يروجون تلك الأقاويل ويلقنونها
للناس.
10-
وأخيراً فينبغي
لطلاب الحقيقة ومحبي الحق أن يقوموا بنشر وتكثير مثل هذه المؤلفات والآثار التي
وفقنا الله تعالى ووفق أمثالنا من إخواننا العلماء المحققين لكتابتها وطرحها، وأن
يقوم آخرون كذلك من العلماء ذوي النظر البعيد والهمة العالية بالتحقيق ونشر الحقائق
كما فعلنا، لعل الله تعالى يعيد للإسلام مجده وللمسلمين عظمتهم وعزّتهم ويعيد
المياه بينهم إلى مجاريها ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ
العظيم.
بزودى نه دير آرد اين
نخل بار
اگر يار باشد جهان
كردگار
أي: عن
قريب سيثمر هذا النخل لا بعيد
إذا أعـان الله رب
العالميـن.
كتبه
حيدر
علي قلمداران (هيربد) القمي
وكان
الفراغ من ترجمة النسخة الثانية للكتاب التي تضمنت تهذيبه وتعليقات وإضافات صديق
المؤلف العلامة الحسيني عليه في الخامس عشر من شهر شعبان المعظَّم سنة 1420هـ،
والحمد لله رب العالمين.
+
+
+
1-
التبيان في تفسير
القرآن: الطوسي (شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن): طهران (طبعة حجرية)،
1365هـ.
2-
تفسير فرات بن
إبراهيم: فرات بن إبراهيم الكوفي: النجف. أو طبعة طهران (بتحقيق محمد الكاظم)، 1410
هـ.
3-
إثبات الهداة بالنصوص
والمعجزات: الحر العاملي (محمد بن الحسن): طهران.
4-
الأخبار الموفقيات:
أبو عبد الله الزبير بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن
عبد الله بن الزبير بن العوام، تحقيق الدكتور سامي العاني، بغداد، مطبعة العاني،
1972م.
5-
الاختصاص: الشيخ محمد
النعمان المفيد:طهران، 1379 هـ.
6-
الإرشـاد: الشيخ محمد
النعمان المفيد: بيروت: دار المفيد للطباعة والنشر
والتوزيع.
7-
إرشاد القلوب: الديلمي
(الشيخ أبو محمد الحسن بن أبي الحسن)
8-
الأصول من الكافي:
الكليني (أبو جعفر محمد بن يعقوب): طهران، 1388 هـ.
9-
إكمال الدين وإتمام
النعمة: الشيخ الصدوق (محمد بن علي بن بابويه القمي):
طهران.
10-
بحار الأنوار: العلامة
المجلسي: طبعة تبريز (طبعة حجرية قديمة)، أو طبعة بيروت. مؤسسة الوفاء. 1404
هـ.ق.
11- بصائر الدرجات: أبو
جعفر محمد بن الحسن الصفار القمي. إيران.
12- الخرائج والجرائح: قطب
الدين الراوندي.قم، 1409هـ. ق.
13-
الروض النضير شرح
مجموع الفقه الكبير: القاضي الحسين بن أحمد الصياغي الصنعاني، بيروت.
14- صحيح الكافي: الشيخ
محمد باقر البهبودي، الدار الإسلامية، بيروت:1401هـ.ق.
15- الصحيفة السجادية:
تروى عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه
السلام.
16-
الطرائف (في معرفة
مذاهب الطوائف): ابن طاوس (السيد رضي الدين بن أبي القاسم علي بن موسى
لحلي).
17-
عيون أخبار الرضا:
الشيخ الصدوق (محمد بن علي بن بابويه القمي): طهران أو بيروت، 1404هـ.
18-
غاية المرام (وحجة
الخصام في تعيين الإمام): السيد هاشم بن سليمان البحراني: طهران،
1272
19-
الغيبة: الشيخ الطوسي
(أبو جعفر محمد بن الحسن): تبريز: 1323 هـ. أو قم:
1411هـ.
20- كشف المحجة (لثمرة
المهجة): السيد ابن طاوس.
21- كفاية الأثر (في النص
على الأئمة الاثني عشر): علي بن محمد الخزاز القمي.
22-
مرآة العقول (في شرح
أخبار آل الرسول): العلامة المجلسي (شيخ الإسلام المولى محمد باقر) طهران
1407هـ.
23- مسند الإمام زيد بن
علي: بيروت: دار الحياة.
24-
نهج البلاغة: جمع
الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
25- الوافي: الملا محسن
الفيض الكاشاني.
26- وسائل الشيعة في تحصيل
مسائل الشريعة: الشيخ الحر العاملي. بيروت.
27- كتب الرجال (الجرح
والتعديل) وأصول الحديث
28- إتقان المقال في أحوال
الرجال: آية الله الشيخ محمد طه نجف.
29- تنقيح المقال في أحوال
الرجال: آية الله الشيخ عبد الله الممقاني.
30- جامع الرواة:
الأردبيلي (الفاضل محمد بن علي الغروي الحائري): بيروت، 1403هـ.
31- خلاصة الأقوال في
معرفة الرجال: العلامة الحلي (الحسن بن يوسف بن المطهر).
32- الرجال: ابن داود
(الحسن الحلي).
33-
الرجال: النجاشي
(الشيخ أحمد بن علي) طهران. أو بيروت، 1408 هـ. بتحقيق محمد جواد النائيني.
34- الرجال: الشيخ الطوسي
(أبو جعفر محمد بن الحسن).
35- رجال الكشي: الكشي
(محمد بن عمر بن عبد العزيز): كربلاء.
36- الفهرست: الشيخ الطوسي
(أبو جعفر محمد بن الحسن).
37- قاموس الرجال: العلامة
الشيخ محمد تقي التستري. طهران.
38- مجمع الرجال: الشيخ
العلامة الملا عناية الله القهپائي.
39- معرفة الحديث: الشيخ
محمد باقر البهبودي، مركز انتشارات علمي وفرهنگي،
طهران.
40- منهج المقال في تحقيق
أحوال الرجال: الميرزا محمد الاسترآبادي.
41- نقد الرجال: التفرشي
(السيد مير مصطفى بن الحسين الحسيني).
42-
الأخبار الطوال: أبو
حنيفة الدينوري، تحقيق عبد المنعم عامر، وجمال الدين الشيال،
بغداد.
43- الاستيعاب في معرفة
الأصحاب: ابن عبد البر القرطبي.
44- أسد الغابة في معرفة
الصحابة: ابن الأثير الجزري.
45- الإصابة في تمييز
الصحابة: ابن حجر العسقلاني: القاهرة، 1328 هـ.
46-
إعلام الورى بأعلام
الهدى: الطبرسي (أمين الإسلام الشيخ أبو علي الحسن بن علي)
طهران.
47- الإمامة والسياسة: ابن
قتيبة الدينوري: القاهرة، بتحقيق طه محمد الزيني.
48- أنساب الأشراف:
البلاذري (أحمد بن يحيى).
49- البداية والنهاية: ابن
كثير (أبو الفداء اسماعيل): القاهرة، 1351 هـ.
50- تاريخ ابن خلدون:
مؤسسة الأعلمي للمطلوعات، بيروت، 1971 م.
51- تاريخ الأمم والملوك:
الطبري (أبو جعفر محمد بن جرير): القاهرة، 1357هـ.
52-
تاريخ اليعقوبي:
اليعقوبي (أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب): طهران 1375 هـ.
53- التنبيه والإشراف:
المسعودي (علي بن الحسين بن علي المسعودي الهزلي).
54- تهذيب تاريخ دمشق
الكبير: الشيخ عبد القادر بدران: بيروت، 1399 هـ.
55- السيرة النبوية: ابن
كثير الدمشقي.
56- السيرة النبوية: ابن
هشام: القاهرة، بتحقيق السقا والأبياري والشلبي.
57- الطبقات الكبرى: ابن
سعد (محمد بن سعد كاتب الواقدي): ليدن، هولندا.
58-
الغارات (أو الاستنفار
والغارات): الثقفي (أبو اسحق إبراهيم بن هلال الثقفي الكوفي): بيروت، 1407 هـ. حققه
السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب.
59- كتاب سليم بن قيس
الكوفي: سليم بن قيس الهلالي العامري.
60-
مروج الذهب ومعادن
الجوهر: المسعودي (علي بن الحسين بن علي الهذلي):
1316هـ.
61- مقاتل الطالبيين: أبو
الفرج الأصفهاني.
62- منتهى الآمال: الشيخ
عباس القمي، طهران.
63- وفيات الأعيان: ابن
خلكان: بيروت، بتحقيق د. إحسان عباس.
64- وقعة صفين: أبو الفضل
نصر بن مزاحم المنقري، تحقيق عبد السلام محمد هارون.
65-
إثبات الوصية للإمام
علي بن أبي طالب: المسعودي (علي بن الحسين بن علي المسعودي
الهذلي).
66-
الاحتجاج على أهل
اللجاج: الطبرسي (أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب): طبعة النجف، 1386هـ. أو طبعة
قم، 1413هـ. بتحقيق الشيخ ابراهيم البهادري والشيخ محمد هادي به، بإشراف الشيخ جعفر
السبحاني.
67- تلخيص الشافي: الطوسي
(الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن)
68- ختم نبوت (بالفارسية):
الشيخ الشهيد مرتضى المطهري. طهران.
69-
الصوارم المهرقة في
جواب الصواعق المحرقة: القاضي نور الله الشوشتري الهندي. مطبعة النهضة، طهران (سنة
1367 هـ. ق.)
70-
الطرائف في معرفة
مذاهب الطوائف: ابن طاوس الحلي. مطبعة الخيام، قم، 1400هـ.
ق.
71- الغدير في الكتاب
والسنة والأدب: عبد الحسين الأميني، دار الكتاب العربي، بيروت.
72-
فرق الشيعة: النوبختي
(أبو محمد الحسن بن موسى)، صححه وعلق عليه: السيد محمد صادق آل بحر العلوم: النجف
1355هـ.
73- مجالس المؤمنين:
الشوشتري (القاضي نور الله المرعشي الشوشتري أو التستري الهندي)
74-
المقالات والفرق: سعد
بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي. صححه وعلق عليه د. محمد جواد مشكور:طهران،
1963 م.
75-
نقض مثالب النواصب في
نقض بعض فضائح الروافض: الشيخ عبد الجليل القزويني الرازي، انتشارات أنجمن آثار
ملي.
76- كتب اللغة
77-
التحقيق في كلمات
القرآن الكريم: حسن المصطفوي، بنگاه ترجمة ونشر كتاب، طهران (الطبعة
الأولى).
78- لسان العرب: العلامة
ابن منظور الأفريقي.
+
+
+
(1) مع ذلك ينبغي أن
يُذكَر أن كثيراً من العلماء والمراجع (الإمامية)، يخفّفون من هذه النتيجة اللازمة
القاضية بعدم إمكان نجاة غير الإمامية، بمخارج كمثل أن الإمامة من أصول المذهب لا
من أصول الدين أو بأنه ليس كل حامل لعقيدة كفر بكافر، أو بأن المخالفين معذورون
بالجهل والاستضعاف ولا يكفُر إلا
المعاند منهم، ونحو ذلك من المخارج المستندة لبعض الروايات المروية عن الأئمة من
أهل البيت عليه السلام فيحكمون بإسلام وإمكان نجاة غير الإمامية من المسلمين، طالما
لم يكونوا من المعاندين الذين ظهر لهم الحق فرفضوه، وهذا جهد مشكور منهم لتقريب
القلوب ورأب الصدع، أما مؤلف الكتاب فحله للمسألة مختلف إذ يعالج المشكلة من أساسها
وبشكل جذري. (ت)
(2) تولى لفترة وجيزة
رئاسة أول حكومة إسلامية مؤقتة عقب انتصار الثورة الإسلامية والإطاحة بنظام الشاه
الملكي في إيران في شهر فبراير من عام 1979. (ت)
(3) هذا التزويج
منصوصٌ عليه في كتاب "الإرشاد" للشيخ المفيد، وفي "وسائل الشيعة" للحر العاملي،
وغيرها من المراجع الشيعية المعتبرة. (ت)
(4) اقتباس من
كتاب: آية الله الشيخ علي الطهراني،
الصفحة 32 فما بعد، باختصار وتصرف يسير.
(5) رواه بهذا اللفظ
الترمذي في سننه: كتاب الأمثال / باب رقم 3 ضمن حديث طويل ورواه بألفاظ متقاربة
البخاري ومسلم في صحيحهما وأبو داود في سننه وأحمد في مسنده.
(ت)
(6) رواه بهذا اللفظ
مسلم في صحيحه: كتاب الإمارة /حديث رقم 35 والنسائي في سننه كتاب تحريم الدم /
باب38، والدارمي وأحمد في مسندهما وغيرهم. (ت)
(7) سيد الخزرج وصاحب
راية الأنصار في المشاهد كلها،كان سيداً جواداً يكتب العربية ويحسن العوم والرمي
ولأجل ذلك سمي الكامل وكان كثير الصدقات جداً، أسلم قبل هجرة النبي صلى الله عليه
وآله وسلم إلى المدينة وكان أحد نقباء العقبة، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله عدا
بدر. رفض بيعة أبي بكر رضي الله
عنه وخرج من المدينة، قتل بحوران من
أعمال دمشق في خلافة عمر رضي الله
عنه سنة 14، أو 15، أو 16
هـ.
(ت)
(8) سيرة ابن هشام: ج
4 / ص 332 (من طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد) أو الصفحة 654 من الطبعة التي
حققها مصطفى السقا والأبياري والشلبي، وهي التي سأوثق منها دائما فيما بعد.
(ت)
(9) أنظر مثلا كتاب:
الطبقات الكبير (الكبرى) للمؤرخ الشهير ابن سعد (توفي سنة 230 هـ.) حيث روى بسنده
نفس هذه الرواية ثم روى عدة روايات تؤدي نفس معناها بألفاظ مختلفة ومن وجوه أخرى عن
الشعبي وعن زيد بن أسلم وعن فاطمة
بنت الحسين: ج 2 / القسم الثاني، ص 38، من طبعة ليدن (هولندا). وكذلك انظر تاريخ
الأمم والملوك للطبري:ج 2 / أحداث
سنة إحدى عشرة.(ت)
(10) أنظر سيرة ابن هشام ج 4 / ص 656 (القاهرة، بتحقيق السقا
والأبياري والشلبي) (ت).
(11) أنظر"الإمامة والسياسة" لابن قتيبة، ج 1/ص12 (القاهرة، بتحقيق
الد.طه محمد الزيني) (ت)
(12) المقصود بالمنع هنا الدفاع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وكف أذى الأعداء عنه. (ت)
(13) أعطى المقادة: خضع لحكم المسلمين وقيادتهم له.
(ت)
(14) المرجع السابق،
صفحة 12 - 13. (ت)
(15) الحد: أي كان في خلق عمر حدَّة، كان يسترها عن أبي بكر.
(ت)
(16) أوسط العرب نسبا:
أشرفهم. (ت)
(17) ودارا: بلدا، وهي مكة لأنها أشرف البقاع.
(ت)
(18) سيرة ابن هشام، ج 4 / ص 659.(ت)
(19) تاريخ اليعقوبي: ج 2/ ص 82 ( من طبعة عام 1375 هـ.
)
(20) الإمامة والسياسة: ج 1 / ص 13. (ت)
(21) زارٍ لهم: أي
عائب عليهم ومحقر لهم. (ت)
(22) افتات عليه: طغى على حقه واستأثر به. (ت)
(23) لنعيدنها جزعة: أي نعيد الحرب بيننا وبينكم قوية.
(ت)
(24) عقُّك: مخالفتك لنا، عِقاقٌ: مرٌّ لأن العقاق هو المر.
(ت)
(25) أخضب: الخضاب هو الحناء، والمراد حتى أسيل دمكم على سناني
ورمحي.
(26) أي: وجدوه ناصحا لهم عاملا لخيرهم. (ت)
(27) أي: لا يصلي الجمعة معهم. (ت)
(28) الإمامة والسياسة: ج 1/ ص 14.
(29) حِلَق: جمع حلقة وتقال للقوم المجتمعين المستديرين في اجتماعهم
كالحلقة، وشتى معناها متفرقين.
(30) الإمامة والسياسة: ج 1/ص 17 و18. (ت(
(31) الإمامة والسياسة: ج 1/ص 17 و18. (ت)
(32) المصدر السابق: ج 2 / ص 447 (ت).
(33) التنبيه والإشراف: الصفحات 247 إلى 250.
(ت)
(34) بياض في الأصل.
(35) البعض ينسب هذه الأشعار للفضل بن العباس وبعضهم ينسبها أيضاً
لعبد الله بن سفيان.
(36) هذا المصراع ذكر في كتاب الأخبار الموفقيات على النحو التالي:
أليس أول من صلى لقبلتكم؟
(37) هذا البيت الأخير لم يُذكَر في كتاب "الأخبار
الموفقيات".
(38) جاء في "الأخبار الموفقيات" (ص 583) عند روايته لهذه الحادثة :
«فبعث إليه علي فنهاه وأمره أن لا يعود وقال: سلامة الدين أحب إلينا من
غيره».
(39) بياض في الأصل.
(40) تاريخ اليعقوبي: ج 2 / ص 82 (من طبعة عام 1375
هـ.).
(41) كما نلاحظ، كان علي عليه السلام محباً للأنصار محامياً عنهم،
ولهذا مغزاه الكبير الذي سنشير إليه فيما بعد.
(42) المرجع السابق، الجزء الثاني، فصل أيام أبي بكر.
(ت)
(43) نلاحظ أن حتى هؤلاء الأنصار النادمين على بيعتهم لأبي بكر
والراغبين بخلافة علي لم يشيروا أي إشارة إلى واقعة غدير خم، وهو ما سنبين مغزاه
الكبير عن قريب.
(44) أي افعل فعلا يكون لك منه نصيب فأنت تبايعه اليوم ليبايعك غدا.
(ت)
(45) أرى أن هذا القَسَمَ المنسوب لعليٍّ - في هذه الرواية التي يرويها ابن قتيبة -
لا يصحّ ولعلّه من سهو الرواة أو تخليطاتهم. أولاً: لأنه لم يرو أحدٌ أن علياً لما
بايع أبا بكر في النهاية، كفَّر عن يمينه، وثانياً وهو الأهم: أن هناك رواياتٌ
موثَّقةٌ متعددةٌ تؤكّد أنه كان هناك عهدٌ من عليٍّ (ع) لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه في حال حصول نزاع حول إمارة
المسلمين أن يرضى علي ويبايع من رضيه أكثرية المسلمين وبايعوه. من ذلك ما ورد عن
علي أنه قال متحدثاً عن بيعته لأبي بكر: «.. فنظرتُ في أمري فإذا طاعتي قد سَبَقَتْ
بيعتي وإذا الميثاقُ في عنقي لغيري»
الخطبة رقم 37 من نهج البلاغة. وفي شرحه لكلام الإمام علي (ع) هذا - في
كتابه "كشف المحجة"، طبع النجف - يروي السيد ابن طاووس (من مشاهير علماء الإمامية)
عن علي (ع) حديثاً يقول فيه: «لقد أتاني رهطٌ منهم ابنا سعيد والمقداد بن الأسود
وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي والزبير بن العوام والبراء بن الغازب
(العازب) يعرضون النصر عليَّ، فقلت لهم إن عندي من نبي الله صلى الله عليه وسلم عهداً وله إليَّ وصيَّة ولست أخالف ما
أمرني به»، وفي الكتاب نفسه، وكذلك في مستدرك نهج البلاغة (الباب الثاني، ص 30) جاء
عن علي (ع) أنه قال: «وقد كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم عهد إلي
عهداً فقال: يا ابن أبي طالب! لك ولاء أمتي، فإن ولَّوْك في عافية وأجمعوا عليك
بالرضا فقم في أمرهم وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه، فإن الله يجعل لك مخرجاً».
وكذلك يروي ابن بكار في "الأخبار الموفقيات" إشارةَ الفضل بن العباس لهذا العهد،
خلال حديث يعرب فيه عن استيائه وعدم رضائه عن إعراض الناس عن بيعة علي، فيقول:
«لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا، حسداً منهم لنا وحقداً علينا، وإنا
لنعلم أن عند صاحبنا عهد هو ينتهي إليه». وبناء عليه فلا يمكن أن يُقْسِمَ الإمامُ
على أمر يخالف عهده للنبي صلى الله
عليه وسلم ! أما سبب تأخر الإمام عن البيعة لأبي بكر
فسببه أن الصحابة استعجلوا في رأيه في هذا الأمر ولم يؤدوه على نحو المطلوب - ولعل
الظروف العصيبة التي تلت انتقال النبي
صلى الله عليه وسلم وخشية شر
المرتدين كالأسود العنسي ومسيلمة
والدهشة لوفاته صلى الله عليه
وسلم وخشية وقوع فرقة بين الأنصار
والمهاجرين، هي التي أدت لهذا الاستعجال حتى كانت البيعة السريعة لأبي بكر "فلتةً"
كما وصفها عمر - إذ كان من الواجب أن
يشارك في هذا الأمر الخطير جميع كبار الصحابة وأصحاب السابقة في الإسلام لا سيما آل
النبي صلى الله عليه وسلم الذين في صدرهم الإمام علي ( عليه السلام
) نفسه، وأن لا تتم البيعة إلا بمشورتهم ورأيهم حتى تكون مشروعيتها كاملةً وتمنع
القيل والقال، ولهذا فإن امتناع الإمام عن البيعة في البداية كان اعتراضاً على
الطريقة التي تمت فيها وتنبيهاً على عيبها وتوجيهاً لضرورة اتباع المشورة الكاملة
والإجماع للبيعة الصحيحة، ثم إن الإمام بايع بعد ذلك فرأب الصدع وببيعته أتم النقص
الذي حصل وأكمل مشروعية خلافة أبي بكر على نحو تام. والحقيقة أن أمير المؤمنين
علياً عليه السلام كان شديد الإصرار على رعاية مبدأ الرضا
والشورى الكاملة كمبدأ أساسي لمشروعية الحكم، لذلك لما قُتِلَ عثمان وانهال الناس
عليه ليبايعوه، فإنه - بدلاً من ذكر أي شيء عن كونه منصوصاً عليه من الله - قال لهم: «.. فإن بيعتي لا تكون خفياً ولا
تكون إلا عن رضا المسلمين..» (انظر تاريخ الطبري، طبعة دار التراث، تحقيق محمد أبو
الفضل إبراهيم، ج4/ص 427، وتاريخ ابن أعثم الكوفي: ص 161)، ثم قال لهم قبل أن
يبايعوه: «..فأمهلوا تجتمع الناس ويشاورون..» (تاريخ الطبري: 4/433)، وبدلاً من
الإشارة إلى أن الإمامة السياسية مقامٌ إلهيٌّ غير مفوّض لانتخاب العامة قال: «إنما
الخيار للناس قبل أن يبايعوا» (انظر بحار الأنوار للمجلسي: ج8 / ص 272، طبع تبريز،
والإرشاد للشيخ المفيد: ص 115، طبع 1320، وكتاب مستدرك نهج البلاغة، ص 88) . وقال
كذلك: «أيها الناس عن ملأٍ وأُذُنٍ أمْرُكُم هذا، ليس لأحد حق إلا من أمَّرتم» (
تاريخ الطبري: 4/435، الكامل لابن الأثير: 4/ 127، وبحار الأنوار للمجلسي: ج8/ص367) (م)
(46) إضافةً إلى عدم احتجاج حضرة أمير المؤمنين بحديث غدير خم، فإن
كلام الأنصار هذا نفسه لدليل واضح أن لا أحد منهم كان يرى في خطبة غدير خم نصباً
ونصَّاً إلهياً على إمارة وخلافة علي (ع)، وإلا فمن الواضح من كلامهم أنه لم تكن
لديهم عداوةٌ خاصةٌ ضدَّ عليٍّ تجعلهم يكتمون ذلك النص الإلهي المزعوم ويتعمَّدون
تجاهله، بل من الواضح من كلامهم وموقفهم هذا أنهم مالوا بعد تمام البيعة إلى أن
يكونوا قد بايعوا علياً بدلاً من أبي بكر، مما يوضح أنهم لم يكونوا يأبون إمارة علي
ولا كان عندهم إصرار على عدم انتخابه (م).
(47) الإمامة والسياسة، ج 1/ ص 18. (ت)
(48) الطبرسي هذا هو: الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي المتوفى حوالي
سنة 620 هـ (غير الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان الشهير.) (ت)
(49) سنرى فيما بعد ما يدل بكل وضوح على أن عدداً من هؤلاء الشهود،
خاصةً خزيمة بن ثابت وأبو الهيثم بن التيهان و... لم يكونوا يعتقدون بالنص الإلـهي
على حكومة عليٍّ ولا كانوا يعتبرون هذا الحديث دالاً على ذلك. انظر تفصيل ذلك في
فقرة "عودة لكتاب الاحتجاج ونقد رواياته" من هذا الكتاب.
(50) الاحتجاج على أهل اللجاج، ج 1/ص 96 (طبعة النجف، عام
1386هـ/1966م). (ت)
(51) جمع الأميني في الجزء الأول من كتابه الغدير، روايات استشهاد
أمير المؤمنين بواقعة الغدير: والرواية الثالثة والحادية عشرة منها لا تتضمن كتمان
زيد بن أرقم في حين تتضمن باقي الروايات ذلك. هذا ومن الجدير بالذكر أن بعض رواة
هذه الأخبار لم يكونوا من المعتقدين بالنص على علي، وذلك مثل "ابن عقدة" الذي كان
زيدي المذهب ولم يذكر هذه الرواية إلا كشاهد من الشواهد على أفضليته (عليه السلام)
فقط. (م)
(52) انظر: فقرة "عودة لكتاب الاحتجاج ونقد رواياته" القادمة في هذا
الكتاب لترى دلائل ضعف هذه الرواية.
(53) هو الشيخ محمد باقر المجلسي: من مشاهير علماء ومحدثي الشيعة
الإمامية، وصاحب أكبر موسوعة حديثية للشيعة الإمامية وهو كتابه بحار الأنوار. توفي
سنة 1111هـ (ت)
(54) أشهر كتب العلامة المجلسي سابق الذكر، يُعَد كتابه هذا دائرة معارف أحاديث الشيعة حيث
جمع فيه مؤلفه كل الروايات والكتب والمصنفات الحديثية التي خلفها من سبقه من علماء الشيعة في كتاب ضخم يقع في أكثر من خمسين مجلد من
القطع الكبير (الطبعة الحجرية)، وأكثر من مائة وعشرة مجلدات في الطبعة الحديثة.
(ت)
(55) بحار الأنوار: ج 8/ص 58 (الطبعة الحجرية القديمة في
تبريز).
(56) هو أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي الملقَّب بشيخ الطائفة،
يُعْتَبر من رؤوس علماء ومحدثي الإمامية وأعظم فقهائهم المتقدمين، طرد من بغداد
فهاجر للنجف وتوفي فيها سنة 445 هـ.(ت)
(57) كتاب لخص فيه كتاب "الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامة"
للشريف المرتضى الملقَّب بعلم الهدى المتوفى سنة 436 هـ. (ت)
(58) من طبعة تبريز الحجرية القديمة وهي الطبعة التي كانت بحوزة
المؤلف حيث لم تكن قد صدرت الطبعة الجديدة المحققة بعد. (ت)
(59) ولو اعتبرنا أن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقعت في 12 ربيع الأول (كما يذكر ابن كثير
في كتابه الفصول في سيرة الرسول، طبع 1402هـ، ص 220) فإنه يكون قد مضى على واقعة
الغدير ثلاثة وثمانون يوماً فقط أيضاً.
(60) يذكر العلامة الأميني في الجزء الثاني من كتابه الغدير (الطبعة
الثالثة، ص 34) القصيدة التي قيل أن حسان أنشدها ذلك اليوم أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وقال فيها:
يناديهم يوم الغدير نبيهم
بخم وأسمِع بالرسول مناديا
فقال: فمن مولاكم
ونبيكم
فقالوا، ولم يبدوا هناك التعاميا
: إلـهك مولانا وأنت نبينا
و لم تلق منا في الولاية عاصيا
فقال له : قم يا علـي،
فإنني
رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليـه
فكونوا له أتباع صدق مواليا
هناك دعا : اللهم وال
وليـه
و كن للذي عادى عليّاً معاديا
فينبغي أن نعلم أن لا أثر لهذه القصيدة في
الديوان المعروف والمطبوع لحسان بن ثابت، وأن هذه الأبيات وضعت وصيغت في القرن
الهجري الرابع فما بعد، ذلك أن أول من روى هذه الأبيات - كما صرح بذلك العلامة
الأميني - هو الحافظ: "أبو عبد الله المرزباني محمد بن عمران الخراساني" المتوفى
سنة 378 هجرية، أي بعد حوالي ثلاثمائة عام من رحلة النبي صلى الله عليه وسلم !! وعليه فهناك - في
اصطلاح علم الرواية - انقطاع واضح وكبـير في سند هذا النقل، أي رغم توفر الدواعي
لنقله واشتهاره، مضت قرابة ثلاثة قرون دون أن يكون لأحد من المسلمين خبر عنه!، ومن
البديهي أنه لو قيلت مثل هذه الأبيات في يوم الغدير، لا سيما في ذلك العصر،
لتناقلتها الألسن بسرعة ولحُفِظَت وانتشرت، في حين أنه حتى في آثار أهل البيت عليهم
السلام، وفي أقدم كتب الشيعة الروائية والكلامية، لا يوجد أدنى إشارة أو أثر لهذه
الأبيات مع أنه من المفترض أن يستشهد بها أمير المؤمنين نفسه وأولاده وشيعته،
ويحتجون بها مراراً وتكراراً على مخالفيهم ومنافسيهم. هذا لإضافةً إلى أن سند هذا
الخبر، من ناحية رجاله، متهاو ساقط من الاعتبار لأن أحد رواته "يحيى بن عبد
الحميد"، قال فيه أحمد بن حنبل: «كان يكذب جهاراً!» (أنظر ميزان الاعتدال في نقد
الرجال للحافظ الذهبي، دار المعرفة، بيروت ج 4، ص 392). وراو آخر من رواته: "قيس بن
الربيع" قيل فيه: «لا يكاد يعرف عداده في التابعين، له حديث أنكر عليه..» (ميزان
الاعتدال، 3/393). والراوي الثالث من رواته: "أبو هارون العبدي" واسمه الأصلي
"عمارة بن جوين" قال عنه أحمد بن حنبل: «ليس بشيء» وقال ابن معين: «ضعيفٌ لا يصدق
في حديثه!» وكذلك وصفه النسائي بأنه: «متروك الحديث!» وقال عنه الجوزجاني: «أبو
هارون كذاب مفتر» وقال شعبة: «لأن أُقَدَّم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أحدث عن أبي
هارون» (ميزان الاعتدال، ج3/ ص 173). أما بالنسبة لكتاب "سليم بن قيس الهلالي" فقد
روى عن حسان بن ثابت أبياتا مختلفة مطلعها:
ألم تعلموا أن النبي محمدا لدى دوح خمٍّ حين
قام مناديا
(كتاب سليم بن قيس، منشورات دار الفنون، مكتبة الإيمان، بيروت، ص
229) ومن العجيب أن العلامة الأميني لم يشر إلى أن الأبيات التي نسبها "سليم بن
قيس" في كتابه لحسان بن ثابت غير الأبيات التي أوردها هو في الجزء الثاني من كتابه
"الغدير"! وكتاب "سليم بن قيس" قال عنه العلامة الحلي: «و الوجه عندي الحكم بتعديل
المشار إليه والتوقف في الفاسد من كتابه» ونقل عن ابن عقيل قوله: «و الكتاب موضوع
لا مرية فيه» (انظر خلاصة الأقوال في معرفة الرجال للعلامة الحلي، منشورات رضي، قم،
ص 83). وكذلك قال ابن داوو الحلي:
«سليم بن قيس الهلالي ينسب إليه الكتاب المشهور وهو موضوع بدليل أنه قال إن محمد بن
أبي بكر وعط أباه عند موته وقال فيه إن الأئمة ثلاثة عشر مع زيد وأسانيده مختلفة.
لم يرو عنه إلا أبان بن أبي عياش وفي الكتاب مناكير مشهورة وما أظنه إلا موضوعاً.»
(الرجال، لابن داوود الحلي، المطبعة الحيدرية، النجف، ص 249). وقال المرجع الكبير
السيد أبو القاسم الخوئي زعيم الحوزة العلمية في النجف عن هذا الكتاب: «والكتاب
موضوع لا مرية فيه، وعلى ذلك علامات فيه تدل على ما ذكرناه، منها ما ذكر أن محمد بن
أبي بكر وعظ أباه عند الموت، ومنها أن الأئمة ثلاثة عشر، وغير ذلك. قال المفيد: هذا
الكتاب غير موثوق به، وقد حصل فيه تخليط وتدليس..». (معجم رجال الحديث، طبع قم،
الجزء الثامن/ص 219) (م).
(61) هو محمد بن النعمان العكبري البغدادي، الملقب بالشيخ المفيد
ويعرف بابن المعلِّم، شيخ متكلمي الشيعة الإمامية في عصره، وذا نفوذ كبير على
الشيعة في بغداد وتوفي فيها سنة 400 وقيل 413هـ. (ت)
(62) الاختصاص: صفحة 6 ( طبعة طهران لسنة 1379 هـ.)
(ت)
(63) يضاف إليهم أيضا مالك بن نويرة وأصحابه الذين تعتبرهم كتب
وأدبيات الجدل الشيعية من شيعة علي ومؤيدي خلافته وأنهم إنما منعوا زكاتهم عن أبي
بكر لرفضهم إمامته.(ت)
(64) انظر فقرة "الآيات التي نزلت في مدح أصحاب الرسول" القادمة في
هذا الكتاب.
(65) هو الشيخ أبو العباس أحمد بن علي النجاشي من رجاليي الشيعة
الإمامية القدماء، توفي سنة 405هـ.(ت)
(66) هو زكي الدين المولى عناية الله علي القهبائي من رجاليي الشيعة
الإمامية، توفي سنة 1016 هـ. وقد جمع في كتابه المذكور ما ذكرته الأصول الرجالية
الشيعية القديمة الخمسة أي رجال النجاشي ورجال الكِشِّي ورجال الطوسي وفهرسته ورجال
ابن الغضائري. (ت)
(67) رمز لابن الغضائري، من رجاليي الشيعة القدماء الذي ينقل عنه
القهبائي (ت)
(68) هو جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهَّر الحلي، من أشهر متكلمي
الإمامية وفقهائهم الكبار ومرجع الشيعة في عصره، توفي سنة 726 هـ. (ت)
(69) تقي الدين الحسن بن علي بن داوود الحلي من معاصري العلامة
الحلي ورجاليي الإمامية المشهورين، توفي سنة
707 هـ. (ت)
(70) من شيوخ وأقطاب الشيعة الإمامية المتأخرين، جمع ونقح في كتابه
الرجالي كل ما ذكره من قبله، توفي سنة 1323 هـ. (ت)
(71) السيد مير مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي من علماء الإمامية
في القرن الحادي عشر الهـجري له كتاب قيم في علم الرجال اسمه: " نقد الرجال " توفي
1015 وقيل 1031 هـ. (ت)
(72) من كبار علماء الإمامية في القرن الثاني عشر الهجري وصاحب
كتابٍ جامع في علم الرجال سماه
"منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال
" توفي سنة 1201 هـ. (ت)
(73) الاختصاص: ص 6 (قم، وكذلك بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1402هـ /1982)
(ت)
(74) الكشِّي: محمد بن عمر بن عبد العزيز، من رجاليي الإمامية
القدماء، توفي ما بين 350 إلى 390 هـ. (ت)
(75) أحد الأصول الرجالية الأربعة عند الإمامية، واسم الكتاب
الأصلي:معرفة الناقلين عن الأئمة المعصومين (ت)
(76) رجال الكشي، الصفحة 13 ( طبعة كربلاء )
(ت).
(77) في الصفحات 190 - 193 منه، وهو كتاب للمؤلف (رح)- باللغة
الفارسية - أثبت فيه وجوب الزكاة في كل أنواع الزروع والثمار وفي الأموال الورقية
المتداولة وعدم انحصارها في الأجناس التسعة خلافا للفتوى السائدة لدى فقهاء
الإمامية. (ت)
(78) هو الفقيه محمد بن إدريس الحلي، من كبار فقهاء الإمامية في
القرن السادس الهجري وصاحب كتاب السرائر الذي عُرِفَ فيه بآرائه الجديدة الجريئة في
الفقه وشدة انتقاده لمن سبقه، توفي سنة 598 هـ. (ت)
(79) الواقفة فرقة من الغلاة اعتبرت الإمام موسى بن جعفر آخر الأئمة
واعتقدت أنه حي لم يمت بل غاب واستتر وهو القائم المهدي الذي سيظهر آخر الزمن،
وزعموا أن علي بن موسى الرضا وكل من ادعى الإمامة من بعده مبطل كاذب غير طيب
الولادة!.
(80) فقيه ومرجع كبير
من مراجع الشيعة الإمامية في القرن الماضي، جمع في كتابه الرجالي هذا كل ما جاء في
كتب الرجاليين من قبله، توفي سنة 1350 هـ. (ت)
(81) الناووسية أتباع: "عبد الله بن ناووس البصري" الذي قال أن
الإمام جعفر بن محمد الصادق حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس وهو القائم
المهدي، ولم يعترفوا بإمامة بقية الأئمة بعد الإمام الصادق عليه
السلام.
(82) أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي تلميذ ابن إدريس
الحلي وابن زهرة الحلبي وخال العلامة الحلي الذي سبقت ترجمته، فقيه الإمامية في
عصره وصاحب كتابي شرائع الإسلام والمختصر النافع الشهيرين في الفقه الجعفري، توفي
سنة 676 هـ (ت)
(83) ابن العلامة الحلي وتلميذه وصاحب كتاب إيضاح الفوائد في شرح
مشكلات القواعد،في القواعد الفقهية، شرح فيه كتاب قواعد الأحكام لوالده، توفي سنة
771 هـ. (ت)
(84) انظر رجال الكشي: الصفحة 16 ( طبعة كربلاء
).
(85) التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي: ج 1/ص854 (الطبعة
الحجرية، طهران 1365 هـ.)
(86) أنظر سيرة ابن هشام: ج 1/ص326 والإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر العسقلاني: ج3/ص7 (القاهرة 1328 هـ.) والاستيعاب في معرفة الأصحاب
لابن عبد البر القرطبي: ج2/ص 498. (ت)
(87) أنظر سيرة ابن هشام: ج1/ص327 والإصابة: ج3 /ص599 والاستيعاب:
ج3/ 609(ت)
(88) الإصابة في تمييز الصحابة: ج 2/ ص 317.
(89) المقصود بالطبرسي هنا هو: الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي
المتوفى سنة 620 هـ وهو من المغالين ذوي النزعة الأخبارية الحشوية (وهو غير الطبرسي
صاحب تفسير مجمع البيان الشهير والذي هو من الأفاضل المعتدلين المحققين الأصوليين).
(ت).
(90) البحراني:هو السيد هاشم الحسيني، عالم إمامي أخباري النزعة له تفسير
بالمأثور سماه: البرهان في تفسير القرآن، مليء بالروايات والأخبار الضعيفة السند،
توفي سنة 1107 أو 1109 هـ. (ت).
(91) ولكن ينطبق عليهم قوله تعالى "و الذين اتبعوهم بإحسان"
وبالتالي فهم مشمولون بقوله "رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات....الآية
"
(92) أنظر تفصيل قصة إسلام سلمان رضي الله عنه في سيرة ابن هشام: ج1 / ص
214. (ت)
(93) بما أنه شهد مع رسول الله الخندق ثم شهد عدة غزوات منها حنين
وتبوك لذا يعتبر من الذين قاتلوا وجاهدوا قبل الفتح (باعتبار أن غزوة الخندق كانت
قبل فتح مكة) (م)
(94) انظر الإصابة: ج 4 /ص62، والاستيعاب (المطبوع بحاشية الإصابة):
ج4 /ص 61. (ت)
(95) تاريخ الأمم والملوك: ج 3 / ص 294 - 295، حوادث سنة 23
و"الكامل في التاريخ" لابن الأثير، تحقيق أبي الفداء عبد الله القاضي: الجزء
الثاني/ ص 461. (ت)
(96) ما يريد المصنف قوله أن الآيات التي أوردها تؤكد كمال إيمان
المهاجرين والأنصار واستحقاقهم الغفران والجنة والرضوان، فإذا قيل بارتداد الناس
إلا ثلاثة من الصحابة ثم ثبت أن هؤلاء الثلاثة غير داخلين تحت عنوان المهاجرين
والأنصار (لا سيما الأوَّلَيْن منهم) بقيت جميع تلك الآيات المادحة للأنصار
والمهاجرين بغير مصداق خارجي أصلاً! أو أن أولـئك المشهود لهم بصدق الإيمان
والموعودين بالجنات والغفران صاروا مرتدين!! وكلا الأمرين واضح البطلان فما يؤدي
إليهما باطل بلا ريب. (ت)
(97) التبيان في تفسير القرآن: ج 1 / ص: 863 و864 (من الطبعة
الحجرية، طهران 1365 هـ.)
(98) المصدر السابق: ج 1 / ص 346.
(99) يقول القرآن الكريم عن المهاجرين: ﴿ الذين
أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله... الذين إن مكناهم في الأرض
أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة
الأمور ﴾ الحج/ 41 - 42، هذه
الآيات تمدح الصحابة حتى الذين تولوا الأمر بعد رسول الله بشكل غير مباشر فروحها
يتعارض مع القول بأن أكثرية الصحابة، أي المهاجرين والأنصار، عندما مكنهم الله
تعالى في الأرض، خانوا الله ورسوله وغصبوا الخلافة من صاحبها الشرعي، وأنكروا
الخلافة الإلـهية لعلي، وبدلوا دين الله وتعمّدوا غصب إرث ابنة رسول الله وضربوها! ومن هنا فإن علياً عليه السلام
قال عن الخليفتين اللذين سبقاه: «أحسنا السيرة وعَدَلا في الأمة» (كتاب وقعة صفين،
صفحة 201) فأنصف بحقهما ولم يشطب حسناتهما، كما يغالي البعض ممن ينتسب للتشيع لأمير
المؤمنين علي عليه السلام، فلا يرى فيهما إلا ظالمين غاصبين!
(م)
(100) تفسير التبيان: ج 1 / ص 394 - 395. (ت)
(101) كقوله تعالى: ﴿ لَكِنِ
الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. أَعَدَّ الله
لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ التوبة /88 - 89،
وقوله تعالى: ﴿ وَلاَ
عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا
أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا
أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ﴾ التوبة/ 92، وقوله
سبحانه: ﴿ إِنَّ
الله يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الله لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ
كَفُورٍ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا
رَبُّنَا الله...(إلى قوله) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا
الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ
الْمُنكَرِ وللهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ الحج /38 - 41، وقوله
سبحانه: ﴿ ...لا
يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ
أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا
وَعَدَ الله الْحُسْنَى وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ الحديد/10، وقوله
تعالى:
﴿ وَرَأَيْتَ
النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا ﴾ النصر/2، ومثل ذلك كثير. (ت)
(102) هناك عدة نقاط ينبغي التنبه إليها في موضوع موقف الأنصار في
قضية السقيفة ودلالاته: أولا: لو كان هناك أمر صريح من الله تعالى ورسوله
بخلافة علي (ع)، فلماذا قام الأنصار الذين قال الله تعالى عنهم: ﴿
وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم
مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ الأنفال/74، والذين
قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم
: «لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار، ولولا
الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار» (المصنَّف، عبد الرزاق الصنعاني، تحقيق الأعظمي، ج
11/ ص 62) وقال في شأنهم: «اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء
الأنصار!» (المصنَّف: ج11/ص 62)، لماذا رشحوا "سعد بن عبادة" زعيم الخزرج
للخلافة؟ ألم يسمعوا أمر الله تعالى
ورسوله حول نصب علي (ع)؟! ثانيا:
ولماذا لم يقم الأنصار، بعد هزيمتهم السياسية أمام جناح المهاجرين وبعد انقطاع
أملهم في إحراز منصب الخلافة، لماذا لم يقولوا: إذن على الأقل لنبايع من نصبه الله
تعالى ورسوله إماماً علينا، خاصة أن علياً كان كالرسول من حماة الأنصار ومحبيهم،
وأكثر المهاجرين قرباً منهم؟! ولا
ننسى أن انتخاب الخليفة إنما تمَّ في المدينة، أي في المكان الذي كان فيه المهاجرون
وأهل مكة أقلية تفتقر للشوكة السياسية، فإذا كان التنافس القبلي بين المهاجرين لا
سيما بين الجناح الأموي... وبني هاشم - كما يقال - هو الباعث لسلب الحق الإلهي
لعلي (ع) في الخلافة، فمن البديهي أن الأنصار لم يكن عندهم هذا الدافع وبالتالي
كانوا يستطيعون بكل سهولة أن يوقفوا المهاجرين عند حدهم ويمنعوا حصول مثل تلك
البدعة في الدين!؟ ثالثا: ولماذا اقتصر الكلام في النقاش والتفاوض، الذي تم في
السقيفة، على بيان أفضلية الأنصار على المهاجرين بسبب خدماتهم للإسلام أو بيان
أفضلية المهاجرين على الأنصار لكونهم عشيرة الرسول ومن قريش وأول من آمن به، ولم
يأت أحد على موضوع النص النبوي على الخلافة! وحتى قبيلة الأوس التي لم تكن قد رشحت أحداً للخلافة وكان لسانهم أطول في
مجادلة المهاجرين والانتصار للأنصار، لم يذكروا لدحض ما أراده المهاجرون أي إشارة
للنص على علي (ع)؟! ألا يؤكد كل ذلك بكل وضوح على عدم وجود هذا النص والتعيين
الصريح؟! (م)
(103) راجع ص 42 من هذا الكتاب، وانظر تاريخ الأمم والملوك للطبري:
ج 3 /ص 294-295 (ت)
(104) أخرج الكليني في الكافي روايات عدة عن الصادق وغيره من الأئمة
عليهم السلام تفيد أن شرط قبول الحديث أن لا يخالف القرآن: انظر الحديث رقم 183
والأحاديث من 198 إلى 203 (أصول الكافي: ج 1/ص60، الحديث الخامس، وص 69 الأحاديث من
الأول للسادس) (م)
(105) أسد الغابة في معرفة الصحابة: ج 2 /ص 98 -100، هذا وقد اختصر
المؤلف رحمه الله وتصرف في اقتباسه من هذا المصدر فقدم وأخر، أما أنا فأوردت ما
ذكره المصدر بنفس الترتيب والتفصيل. (ت)
(106) مختصر من أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري: ج
3 / ص 30.
(107) سيرة ابن هشام: ج 2/ص320، و"أُسْد الغابة" لابن الأثير
الجزري، ضمن ترجمة عمار بن ياسر رضي الله عنه. (ت)
(108) الدعاء الرابع من أدعية الصحيفة السجادية: في الصلاة على
أتباع الرسل ومصدقيهم.
(109) ينبغي التنبيه إلى أن مقصودنا من الأصحاب ليس "كل من رأى
النبي ولو لحظة أو سمع منه" -كما هو اصطلاح المحدثين- بل المقصود
خاصة النبي صلى الله عليه وسلم الذين لازموه ونصروه وقاموا معه في أمر
الدين، كما نجد ذلك فيما يرويه ابن هشام في سيرته (ج 2/ص431) إذْ يذكر أنه لما نشب
نزاع بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف فشتمه خالد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مهلاً يا خالد! دع
عنك أصحابي! فوالله لو كان لك أحدٌ ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله، ما أدركت
غدوة رجل من أصحابي ولا روحته» هذا مع أن خالداً كان مسلماً ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم وسمع منه ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ميَّزه عن أصحابه.(م).
(110) كحديث أن الأئمة عليهم السلام: « ..شجرة النبوة وموضع الرسالة
ومختلف الملائكة» (أصول الكافي: كتاب الحجة: ج1 / ص 221 فما بعد)، وأنهم:
«مُحدَّثون يسمعون صوت الملاك ولكنهم لا يرون ولا يعاينون الملاك» (المصدر
السابق: ج1 / 176 - 177)، وأنهم: «خزان علم الله وتراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون
أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة على من دون
السماء وفوق الأرض..» (المصدر السابق: ج1 / ص 269 - 270)، وأن: «روح القدس به حمل
النبوة فإذا قبض النبي (صلى الله عليه وآله) انتقل روح القدس فصار إلى الإمام..»
(المصدر السابق: ج1 /ص 270 فما بعد)، و«إن في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح: روح
القدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة…فبروح القدس عرفوا ما
تحت العرش إلى ما تحت الثرى…» (المصدر السابق: ج1 / ص 271 فما بعد). وأن: «الأئمة لم يفعلوا
شيئا ولا يفعلوا إلا بعهد من الله عز وجل لا يتجاوزونه، وأن الله عز وجل أنزل على
نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) كتابا قبل وفاته فقال: يا محمد هذه وصيتك إلى
النخبة من أهلك…
علي بن أبي طالب وولده عليهم السلام، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب كل إمام يفك
خاتما ويعمل بما فيه ثم يدفعه لمن بعده فيفك خاتما ويعمل بما فيه
…
الحديث» (المصدر السابق: ج1 / ص 279 فما بعد، الحديث 1 و4) . بل في حديث صريح منسوب
للإمام الصادق عليه السلام: «الأئمة بمنزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إلا
أنهم ليسوا بأنبياء ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي، فأما ما خلا ذلك فهم
فيه بمنزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله).» (المصدر السابق: ج1 / ص 270).
(م)
(111) كالأحاديث التي تصف علم الأئمة عليهم السلام بأنهم: «يعلمون
ما كان وما يكون وأنهم لا يخفى عليهم شيء» (أصول الكافي: كتاب الحجة: ج1 / ص
260)، وأنهم: «يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل»
(المصدر السابق: ج1 / ص 255 فما بعد)،
وأن: «الإمام لا يخفى عليه كلام (لغة) أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا
شيء فيه الروح..» (المصدر السابق: ج1 / ص 285)، وأن: «عندهم جميع الكتب التي نزلت
من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها» (المصدر السابق: ج1 / ص
227)، وأن: «أعمال العباد تعرض عليهم
في الصباح والمساء..» المصدر السابق: ج1 / ص 219 فما بعد)، وأن: «عندهم ألواح موسى وعصاه وقميص آدم
(الذي ألقي على وجه يعقوب فارتد بصيراً) وخاتم سليمان (الذي كان يسخّر به الجن
والشياطين)..» (المصدر السابق: ج1 / ص 231 - 232). أو الأحاديث التي تصف خلقتهم
بأوصاف خارجة عن أوصاف سائر البشر مثل أن: «للإمام عشر علامات: يولد مطهرا مختوناً
وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين، ولا يجنب، تنام عينيه ولا
ينام قلبه، ولا يتثاءب ولا يتمطى، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه كرائحة
المسك والأرض موكلة بستره وابتلاعه …
الحديث» (أصول الكافي: كتاب الحجة /باب مواليد الأئمة عليهم السلام، حديث رقم 8،
ج1/ص 385 فما بعد)، ورواية أخرى أن الإمام: «إذا وقع من بطن أمه وقع واضعاً يديه
على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء، فأما وضعه يديه على الأرض فإنه يقبض كل علم للهِ
أنزله من السماء إلى الأرض، وأما رفع رأسه إلى السماء فإن منادياً ينادي من بطنان
العرش من قبل رب العزة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان،
اثبت تثبت، فلعظيم ما خلقتك، أنت صفوتي من خلقي وموضع سري وعيبة علمي وأميني على
وحيي وخليفتي في أرضي... فيجيبه (الإمام المولود) واضعاً يديه رافعاً رأسه إلى
السماء: {شهد الله أن لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله
إلا هو العزيز الحكيم} آل عمران/ 18» (المصدر السابق نفس الكتاب والباب: حديث رقم
1)، وأن الإمام يمكن أن يقوم بالحجة وهو ابن ثلاث سنين! (المصدر السابق: ج1 /ص321،
الأحاديث 10 و13)، وأن: «الله خلقهم من نور عظمته وخلقت أبدانهم من طينة مخزونة لم
يخلق منه أحد إلا الأنبياء .. الحديث» (المصدر السابق: ج1 / ص 389).
(م)
(112) أي مثل كثير من أنبياء بني إسرائيل الذين لم يبعثوا برسالة أو
كتاب جديد، بل كانوا على شريعة التوراة وإنما بعثوا للهداية وإرشاد الخلق وإحياء
التوراة والعمل بالدين ونصرته، مثل يوشع بن نون وصموئيل وحزقيل ودانيال و... وزكريا
ويحيى ومئات الأنبياء الذين كان يبعث العشرات منهم أحيانا في نفس الوقت.
(ت)
(113) كل ما ذكر بين المعقوفتين في الصفحات الثلاث الأخيرة اقتباسات من كتاب "ختم النبوة" للأستاذ
العلامة الشيخ مرتضى مطهري، نشر دار صدرى، طهران.
(114) أرجو أن ينتبه القراء جيداً إلى هذه النقطة، فكما يقول
الأستاذ الشهيد مرتضى المطهري: «لقد كان وضع البشر في الأدوار السابقة يشبه تلميذ
المدرسة الذي يُعطى كتاباً ليتعلَّم منه، فإذا به يحوله إلى مزق بعد عدد قليل من
الأيام!، أما البشرية في العهد الإسلامي (عهد ختم النبوة) فتشبه العالم كبير السن
الذي يعتني بكتبه ويحفظها غاية الحفظ، رغم رجوعه المتكرر إليها». انتهى من كتاب ختم النبوة للأستاذ المرحوم مرتضى
مطهري، ص 49. (م).
(115) تفسير "رَوح الجَنان ورُوح الجِنان" لجمال الدين أبي الفتوح
الرازي، تصحيح علي أكبر غفاري، ج4 / ص 275 إلى 277.
(116) السيد نور الله بن شريف الدين الحسيني المرعشي التستري أو
الشوشتري الهندي، يعرف بالشهيد الثالث، متكلم فقيه إمامي، دافع عن المذهب ورد على
مبطليه في عدة كتب شهيرة، توفي مقتولا سنة 1019 هـ. (ت)
(117) في ذلك أحاديث مشتهرة روتها - إضافة لكتب السيرة - كتب الحديث
من السنن والمسانيد، انظر مثلا: سنن الترمذي: كتاب المناقب/باب مناقب علي بن أبي
طالب، والسنن الكبرى للنسائي / باب مناقب علي، ومقدمة سنن ابن ماجة / باب مناقب علي
بن أبي طالب، ومسند أحمد/ مسند علي بن أبي طالب.. الخ
(118) انظر سيرة ابن هشام ج4/ ص 603، بتحقيق مصطفى السقا وإبراهيم
الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، طبع دار ابن كثير. وانظر المستدرك على الصحيحين
للحاكم النيسابوري : ج3 / 145، ح 4656/252، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم
يخرّجاه. (ت)
(119) أخرج نحوه
الترمذي في سننه: 50- كتاب المناقب/ 20- باب مناقب علي بن أبي طالب، ح 3712،
(5/632) وقال: قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا
مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ. وأخرجه الإمام أحمد في مسنده: 4 / ص 437 –
438. وجملة «وأنت ولي كل مؤمن بعدي) أخرجها أيضاً أبو داوود الطيالسي في مسنده: ح
2752، والنسائي في الخصائص العلوية. (ت)
(120) أخرجه الترمذي
في سننه: 50- كتاب المناقب / 20- باب مناقب علي رضي الله عنه، ح 3713 (5/633) وقال:
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ
مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ الله عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وآله وسلم نَحْوَهُ وَأَبُو سَرِيحَةَ هُو حُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ
الْغِفَارِيُّ صَاحِبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرجه الإمام أحمد في
مسنده من طرق متعددة ومختلفة وعن عدد كثير من الصحابة، مثلا في:ج 1/ص 88، ورقم 670
(ط.شاكر) وعلق عليه القاضي محمد شاكر (محقق مسند أحمد) بقوله: إسناده صحيح. وكذلك
في المسند في: ج1/ص 119 وهو برقم 951 (ط.شاكر)، وفي ج 1/ص 281. قلت: وقد ذكر الأئمة الحفاظ،
الذين أفردوا كتباً خاصة للأحاديث المتواترة، حديثَ: "من كنت مولاه فعلي مولاه" في
الأحاديث المتواترة، منهم الإمام السيوطي في كتابه: "الأزهار المتناثرة في الأخبار
المتواترة"، والإمام المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير"، وشارح المواهب
اللدنية، والفقيه المحدث محمد بن جعفر الحسني الإدريسي الشهير بالكتاني في
كتابه:"نظم المتناثر من الحديث المتواتر". (ت).
(121) وإلا لو كان القصد من التوقف وخطبة الغدير هو إعلان فرض
الإمارة السياسية المباشرة لعلي (ع) فهناك سؤال هام يطرح نفسه تلقائيا وهو أنه
لماذا لم يفعل النبي صلى الله عليه
وسلم ذلك في خطبة حجة الوداع؟؟ وسبب
السؤال هو أولا: أن خطبة حجة الوداع كان يحضرها آلاف المسلمين من مختلف أنحاء
الجزيرة العربية وإعلان مثل هذا الأمر السياسي الخطير أولى أن يتم في مثل ذلك
المقام، وثانيا: لأنه (ص) كان بذلك يطلع جميع أهل مكة على إمارة علي ويقيم عليهم
الحجة بذلك؟! وكذلك يُطرح الإشكال والتساؤل بأنه لماذا على الأقل لم يخطب هذه
الخطبة في المدينة ليطلع عليها ويسمعها جميع أهل المدينة - الذين لعبوا الدور الأول والأساسي في
تولية أبي بكر رضي الله عنه
.
(122) يروي العلامة الأميني في كتابه الغدير (ج1/ص 384، الطبعة
الثالثة) : «عن بريدة قال: غزوت مع علي اليمن، فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عليّاً فتنقَّصته، فرأيت وجه رسول
الله يتغير، فقال: يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول
الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه».
(123) انظر لسان العرب لابن منظور:ج 15 / ص 409 حيث يقول: "والى
فلان فلانا: إذا أحبَّ" ويقول قبل ذلك:"وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) اللهم وال من والاه: أي أحب من
أحبه".
(124) إشارة إلى ما جاء في سورة الكهف/ آية 6: {فلعلك باخع نفسك على
آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} ونحوها في سورة الشعراء/ آية 3. وكذلك قوله
تعالى: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل} النحل/37، وقوله عز من قائل:
{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}
التوبة/ 128. (م)
(125) هذا الغموض كان لدرجة أنه انعكس حتى في روايات المعتقدين
بالإمامة المنصوصة من الله لعلي هم يعترفون بهذا المغموض!! فمن جملة ذلك ما رواه
الطبرسي في "الاحتجاج" أن الأنصار لم يفهموا مراد الرسول من خطبة الغدير!! واضطروا
لأجل ذلك أن يرسلوا شخصا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ليسأله عن
مقصوده من ذلك الحديث، والنبي صلى
الله عليه وسلم - طبق هذه الرواية
- حتى في توضيحه لحديثه لم يستخدم
أيضاً لفظة: "ولي الأمر"؟! وسنتعرض لهذه الرواية بالتفصيل في الصفحات القادمة إن
شاء الله. (م)
(126) يعتقد الإمامية أن مقام " الإمامة" أعلى من مقام "النبوة
والرسالة" أما أنهم كيف إذن لم يعتبروا عليّاً (ع) أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يجمعون على علوّ وأفضلية النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فسببه أنهم يقولون
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حائزاً أيضاً على مقام الإمامة علاوة
على مقام النبوة والرسالة. (م)
(127) صحيح البخاري : كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنى إذا
أحصنت، حديث رقم 6328، وأحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين، أول مسند عمر بن
الخطاب. (ت)
(128) انظر سيرة ابن هشام : ج4 / ص 307.
(129) تذكر كتب التاريخ مثل السيرة النبوية لابن هشام (ج 4/ ص 316)
والكامل في التاريخ لابن الأثير أنه: "لما توفي رسول الله ارتدت العرب واشرأبت اليهودية والنصرانية ونجم النفاق وصار المسلمون
كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم" وتذكر أيضاً: "أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول
الله هموا بالرجوع عن الإسلام وأرادوا ذلك، حتى خافهم عتاب بن أسيد فتوارى، فقام
سهيل بن عمرو فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله وقال إن ذلك لم يزد
الإسلام إلا قوة".(م)
(130) بحار الأنوار ج 33/ ص 143، باب 16- باب كتبه إلى معاوية...
.(طبعة مؤسسة الوفاء – بيروت – 1404 هـ.ق. في 110 مجلدات)
(131) أخرجه مسلم في صحيحه: 44- كتاب فضائل الصحابة/ حديث 172 عن
زيد بن أرقم، والترمذي في جامعه: ج 5/ 3902) عن قتادة. (ت)
(132) أخرجه البخاري في صحيحه (63 - كتاب فضائل الأنصار/ 11 - باب
قول النبي اقبلوا من محسنهم..) ومسلم
في صحيحه (44 - كتاب فضائل الصحابة / ح 176). (ت)
(133) جاء في الخطبة رقم 67 من نهج البلاغة أنه: «لما انتهت إلى
أمير المؤمنين عليه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال عليه السلام: ما قالت
الأنصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير، قال عليه السلام: فهلا احتججتم عليهم
بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وصى بأن يُحسَن إلى محسنهم ويُتَجاوز عن مسيئهم؟ قالوا: وما في هذا من الحجة
عليهم؟ فقال عليه السلام: لو كانت الإمامة فيهم لم تكن الوصية بهم. ثم قال عليه
السلام: فماذا قالت قريش؟ قالوا: احتجت بأنها شجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال عليه السلام:
احتجوا بالشجرة، وأضاعوا الثمرة !». ونلاحظ هنا أيضاً أن عليّاً لم يشر في هذا
المقام إلى موضوع النص عليه في غدير خم، رغم أن المقام كان يوجب الإشارة لذلك
والاحتجاج به، بل كل ما قاله أنه أولى بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه إذا كانت قريش والمهاجرون شجرة
الرسول فهو لب هذه الشجرة وثمرتها. ولا شك أنه لو كان عليه السلام يعتقد بأن الله
تعالى نص عليه فعلا في الغدير، لقال للناس عوضا عن ذلك - من باب الأمر بالمعروف
وإرشاد خلق الله وتذكير الناس بالحق وإتمام الحجة عليهم - : لماذا لم يذكروا أو لم
يحتجوا بخطبة غدير خم؟ ولماذا تخلفوا عن أمر الله تعالى؟ حقا إنه غير قابل للتصديق أن يكتفي علي
عليه السلام ببيان أولويته وأصلحيته، ويسكت عن بيان أمر الله تعالى ونصه
(برقعي).
(134) من الجدير بالذكر أن راوي هذه الخطبة عن علي عليه السلام هو
"عكرمة مولى ابن عباس" وقد قال عنه الممقاني في رجاله: « قال عنه العلامة الحلي في
خلاصة الرجال في القسم الثاني من كتابه المخصص للضعفاء: "إنه ليس على طريقتنا ولا
من أصحابنا ولم يرد فيه توثيق." وأورد الشيخ الكليني في الكافي ضمن حديثٍ: "هذا
عكرمة في الموت! (أي حاله الروائي ميت) وكان يرى رأي الخوارج." (ثم استنتج الممقاني
قائلاً:) "على كل حال فكون عكرمة مولى ابن عباس منحرفا لا يحتاج إلى برهان كما
نبه على ذلك السيد ابن طاووس"» انظر
تنقيح المقال في أحوال الرجال للممقاني: ج2 / ص 256. وهذا ما يجعلنا نتحفظ في صحة
نسبة كل هذه الخطبة لعلي عليه السلام إذ من المحتمل جدَّاً أن يكون عكرمة الخارجي -
والخوارج كانوا ألدّ أعداء علي كما هو معروف وهم الذين قتلوه - نسبها لعلي ليشوهه في نظر المسلمين
ويُعرِّفه لهم على أنه كان كارها لخلافة الشيخين لدرجة أنه لولا ضعف اليد لقام ضدهم
بالقوة، في حين أن التواريخ الشيعية
والسنية أثبتت أن الإمام - حفاظاً على وحدة المسلمين - بايع الخلفاء وصلى وراءهم
وصاهرهم وناصرهم وناصحهم، رغم إيمانه بأولويته لهذا لمقام، هذا والله تعالى أعلم!
(م)
(135) السيد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن طاوس الحلي، متكلم
إمامي مشارك من أشهر كتبه «الإقبال» و«مهج الدعوات». توفي 664هـ
(ت)
(136) رواها عنه المجلسي في بحار الأنوار: تتمة كتاب الفتن، 16 -
باب آخر فيما كتب عليه السلام إلى أصحابه في ذلك تصريحاً وتلويحاً: ج30 / ص 7 – 26.
(طبعة بيروت: مؤسسة الوفاء)
(137) أبو اسحق إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال المعروف بابن هلال
الثقفي الكوفي من علماء القرن الهجري الثالث، كان في أول أمره زيدياً ثم انتقل إلى
القول بالإمامة، نشأ بالكوفة ثم انتقل إلى أصفهان وتوفي فيها سنة 283هـ (ت)
(138) الغارات، أو الاستنفار والغارات: ص 202 (بيروت، دار الأضواء،
1407هـ/ 1987) (ت)
(139) انظر الكلام عليه وعلى كتابه المسوم بـ "أسرار آل محمد" في
فقرة "قول محققي العلماء في سليم بن قيس وكتابه" في الصفحات القادمة من هذا الكتاب.
(ت)
(140) قمت بترتيب هذا الباب واختيار عناوين مناسبة له إذْ كان غير مرتب وبدون عناوين.
(ت)
(141) لقد شهد الله تعالى بالإيمان القلبي الصادق لأهل بيعة الرضوان
الذين يشكلون عمدة أهل الحل والعقد في بيعة السقيفة، وذلك في قوله سبحانه:
﴿ لَقَدْ
رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ
مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً
قَرِيباً ﴾ الفتح/18. (م)
(142) لعله يقصد أبا سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي ذكر القرآن صراحة شركه ونحته للأصنام
وعدم توبته. (ت).
(143) نقله القاضي نور الله الشوشتري في كتابه: الصوارم المهرقة في
جواب الصواعق المحرقة (ص 281، مطبعة النهضة/طهران، 1367 هـ.ق.) عن كتاب الصواعق
المحرقة لابن حجر الهيثمي الذي أورده بقوله: وأخرج الدارقطني وروى معناه من طرق
كثيرة... فذكر الحديث. ورواه المتقي
الهندي في «كنز العمال»: ج5/ص656، حديث رقم 14152، وذكر في بيان مصدره عبارة
(العشاري).
(144) انظر تهذيب تاريخ دمشق الكبير، للشيخ عبد القادر بدران: ج 4 /
ص 169 ط 2 (بيروت، دار المسيرة 1399 هـ / 1979) أو تاريخ مدينة دمشق: لابن عساكر،
دار الفكر، ج13/ص 70 - 71.
(145) الاحتجاج: ج 1 / ص 96 ( طبع قم )، أو ج1/ ص 184 من الطبعة
التي حققها الشيخان إبراهيم البهادري ومحمد هادي به، بإشراف الشيخ جعفر السبحاني
(طبع قم، انتشارات أسوة، 1413 هـ ) وهي الطبعة التي سأوثق منها من الآن فصاعداً
نظراً لأنها المتوفرة لدي حالياً.
(ت)
(146) من ذلك ما ينقله العلامة عبد الحسن الأميني في كتابه "الغدير"
فيقول: «أخرج الحافظ ابن السمان كما في الرياض النضرة ج2/ص170، وذخائر العقبى للمحب
الطبري ص 68، ووسيلة المآل للشيخ أحمد بن باكثير المكي، ومناقب الخوارزمي ص 97،
والصواعق ص 107 عن الحافظ الدارقطني عن عُمَـرَ وقد جاءه أعرابيان يختصمان فقال
لعلي: اقض بينهما، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلبـيـبه
وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس
بمؤمن. وعنه نازعه رجلٌ في مسألة
فقال: بيني وبينك هذا الجالس، وأشار إلى علي بن أبي طالب، فقال الرجل: هذا الأبطن؟
فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلبـيـبه حتى شاله من الأرض ثم قال: أتدري من صغَّرت؟ هذا
مولاي ومولى كل مسلم. وفي
الفتوحات الإسلامية ج2 / ص 307: حكم عليٌّ مرةً على أعرابي بحكم فلم يرض بحكمه
فتلـبَّـبه عمر بن الخطاب وقال له: ويلك إنه مولاك ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وأخرج الطبراني أنه قيل لعمر: إنك تصنع
بعليٍّ - أي من التعظيم - شيئاً لا تصنع مع أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه مولاي. وذكره الزرقاني في شرح
المواهب ص 13 عن الدارقطني.» انتهى من "الغدير" ج1/ص 382 - 383.
(م)
(147) المصدر السابق ج 1 / ص 184 (ت)
(148) المصدر السابق ج 1 / ص 185 ، هذا ويجدر أن نذكر أننا سبق
وأشرنا إلى أن الروايات متضاربة بشأن شهادة أو عدم شهادة زيد بن أرقم فهناك عدة
روايات لا تذكر عنه أنه لم يشهد.
(149) من المفروض -
حسب حديث ارتد الناس إلا ثلاثة - أن يكون سائر هؤلاء الاثني عشر، ما عدا سلمان وأبو
ذر والمقداد ثم عمار، في عداد المرتدين!! ولكنهم هنا في هذه الرواية يقسمون بالله
على أنهم سينزلون أبا بكر عن منبر الرسول أي أنهم غير قابلين لبيعته بل يعتقدون
بخلافة علي وأدوا الشهادة بذلك، فأي الروايات نقبل: رواية أنهم مرتدون أم رواية
أنهم ثابتون مؤمنون ؟؟! أم أنها
أكاذيب وحبل الكذب قصير! (م)
(150) الاحتجاج: ج1 / ص 186 - 187 (ت)
(151) المصدر السابق: ج1 / ص 191- 192. (ت)
(152) في الواقع إن أبا بكر
رضي الله عنه ، مثله مثل علي
عليه السلام ، لم يكن مأموراً
من قبل النبي صلى الله عليه
وسلم بالانضمام لجيش أسامة. يقول ابن كثير في السيرة النبوية (ج4 / ص
441): « ومن قال إن أبا بكر كان فيهم فقد غلط! فإن رسول الله اشتد به المرض وجيش
أسامة مخيم بالجرف وقد أمر النبي صلى
الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي
بالناس، كما سيأتي، فكيف يكون في الجيش؟!». ثم ذكر في الصفحات 459 فما بعد الروايات
العديدة التي تدل على أمر النبيِّ أبا بكر
رضي الله عنه أن يؤم الناس في
الصلاة. (م)
(153) عرفنا مما سبق أن المقداد رضي الله عنه لم يكن يعتقد بالنص على علي عليه السلام ولكن الراوي الغافل اختاره ليجعله
من ضمن المعترضين على أبي بكر رضي
الله عنه . (م)
(154) هل يعقل أن نبي الله لذي أوتي فصاحة البيان وجوامع الكلم يوقف
الناس في الصحراء الحارة ليلقي كلمة هامة ولكنه يعجز عن أن يبين مقصوده منها ويتم
حجته على المستمعين حتى يضطروا أن يرسلوا شخصاً ليسأله عن مقصوده من كلمته ؟!
(م).
(155) أنساب الأشراف، البلاذري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات: تصحيح
محمد باقر المحمودي، ج2/ص31.
(156) المرجع السابق: ج2 / ص 319.
(157) المصدر السابق: ج 1 / ص 199
(ت).
(158) اللكع: اللئيم
والعبد الأحمق. (ت).
(159) المصدر السابق: ج 1 /ص 200 - 201. (ت)
(160) نكرر القول: إذا كان هذا صحيحاً فلماذا قال الغلاة ارتدّ
الناس إلا ثلاثة أو سبعة؟! والحال أن كل هؤلاء رفضوا البيعة واستتروا في بيوتهم وما
أتوها إلا مكرهين، كما تقول هذه الرواية؟! حقاً إن حبل الكذب لقصير!
(ت)
(161) المصدر السابق: ج 1 / ص 201 - 203 ، أو: صفحة 105 من الطبعة
القديمة. (ت)
(162) انظر جامع الرواة، للأردبيلي: ج 1/ص494. (بيروت: دار الأضواء،
1403هـ/ 1983م) (ت)
(163) الاحتجاج: ج 1 / ص 205 من الطبعة المحققة، أو ج 1 / ص 105 من الطبعة القديمة (ت)
(164) انظر "جامع الرواة " للفاضل الأردبيلي: ج 1/ ص74 (بيروت: دار
الأضواء، 1403هـ). (ت).
(165) محمد بن أبي بكر، هو ابن "أسماء بنت عميس" التي كانت من قبل
تحت جعفر بن أبي طالب، ولما استشهد جعفر في غزوة مؤتة سنة ثماني للهجرة، تزوج أبو
بكر من أسماء فولدت له محمد بن أبي بكر هذا، وتوفي عنها أبو بكر في السنة الثالثة
عشرة للهجرة، أي كان عمر ابنه محمد سنتين وعدة أشهر فقط، من هنا استحالة أن يعظ
أباه وهو في هذه السن! (م)
(166) الرجال ، ابن أبي داود الحلي، المطبعة الحيدرية ، النجف، ص
249. هذا وقد قال زعيم الحوزة العلمية في النجف آية
الله السيد أبو القاسم الخوئي عن الكتاب: [ والكتاب موضوع لا مرية فيه وعلى ذلك
علامات فيه تدل على ما ذكرناه، منها أن محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت ومنها
أن الأئمة ثلاثة عشر وغير ذلك، قال المفيد: هذا الكتاب غير موثوق به وقد حصل فيه
تخليط وتدليس] (معجم رجال الحديث ، السيد أبو القاسم الخوئي: قم، ج8/ ص 219)
(م)
(167) أعيان الشيعة للعلامة السيد محسن الأمين العاملي: ج 7/ص 293
(بيروت: دار التعارف، 1403هـ) (ت)
(168) لمزيد من الاطلاع على فساد هذا الكتاب انظر الطبعة الأولى من
كتاب"معرفة الحديث" للشيخ "محمد باقر البهبودي"، طبع "مركز انتشارات علمي وفرهنگي"
( الصفحات: 256 إلى 260) (برقعي).
(169) إرشاد القلوب: ج
2 / ص 58 إلى 63.
(170) بالإضافة لمتن الرواية الذي يشهد وحده بوضعها، فإن التاريخ
أيضاً يؤكد كذبها، لأن أقصى مدة امتناع علي عن بيعة أبي بكر ستـةُ أشهر على قول من يقول أن فاطمة لحقت
بأبيها (صلى الله عليه وآله وسلم )
بعد ستة أشهر من وفاته، أو خمسةٌ وسبعون يوما على قول أكثر روايات الشيعة
التي ترى أنها لحقت به بعد 75 يوما من وفاته فقط، حيث أن الجميع متفق على أن عليّاً
بايع أبا بكر عقب وفاة فاطمة عليها السلام فإذا كانت وفاته (صلى الله عليه وآله
وسلم )، حسب رواية الشيعة، في شهر صفر، فمعنى هذا أن عليّاً بايع أبا بكر قبل
رمضان فكيف أمكن أن تقع هذه الحادثة
في رمضان؟! (برقعي)
(171) حديث متواتر روي عن نيف وعشرين صحابيا،رواه البخاري في صحيحه
وغيره وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي: [ قال ابن عبد البر: تواترت
بذلك الأخبار وهو من أصح الحديث ] (ت).
(172) هل يمكن للعقل والوجدان السليمين أن يقبلا بأن يكون مثل هؤلاء
الصحابة الذين كانوا مؤمنين مطيعين لتعاليم نبيهم ومستسلمين لأوامره إلى هذه الدرجة، أن يكونوا قد سمعوا نصاً
منه (صلى الله عليه وآله وسلم) في تنصيب علي عليهم إماماً أي أميراً وخليفةً ومع
ذلك يكتموا هذا النص ولا يولوه أي عناية؟؟! (م).
(173) الاحتجاج: ج 1 / ص 133 - 162.
(174) لو تأملنا كلام هذا الإمام الهمام بعمق، بعيداً عن أي تعصب
طائفي، لأدركنا أنه عليه السلام لم يرد من كلامه تقرير مبدأ كون القرابة والوراثة
هي الأصل في موضوع تعيين الحاكم والخليفة، بقدر ما أراد، كما سبق
أن أوضحناه، أن يرد على حجة
المهاجرين ويبين أن طريقتهم العجولة في نصب الإمام، قبل اكتمال مجلس أهل الحل
والعقد، لم تكن بالطريقة الصحيحة والسليمة، فكأنه أراد أن يقول إذا كانت مجرد
القرشية والقرابة من الرسول هي المعيار في تعيين الإمام فلقد كنت أولى الناس بذلك
لأنني علاوة على كوني من قريش ومن بني هاشم: أسرة النبي وأشرف بطون قريش وأكرم من
بني تيم بن مرة، فإن لي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قرابة نسبية
وسببية وكنت أقرب الناس إليه: ربيت في حجره منذ نعومة أظفاري وتعلمت وتربيت على
يديه منذ صغري، فإذا كان الهدف من الشجرة هو ثمرتها فكيف احتج المهاجرون بأنهم شجرة
النبي وأضاعوا ثمرة هذه الشجرة ؟! وأما حديث "الأئمة من قريـش" فمعناه أن الإمام
سيكون من قريش وليس معناه أن القرشيين فقط لهم الحق في تعيين الخليفة دون سائر أهل
الحل والعقد من المسلمين لاسيما الأنصار، كما أنني أنا من قريش أيضاً فلماذا لم
أُسـتَـشَـر في الأمر وتم دوني ؟!
فهدف الإمام من اعتراضه ذاك هو في الحقيقة بيان أن تعيين الخليفة ينبغي ألا
يتم إلا بتشاور ورضا جميع أهل الحل والعقد من كبار ووجهاء المسلمين لا أن يفتئت
البعض بالأمر بسرعة دون مشورة وحضور البقية. (م)
(175) رواه أبو نعيم الأصبهاني في الحلية عن جابر رضي الله عنه ، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط أيام التشريق في حجة الوداع، فقال:
"يا أيها الناس! ألا إن ربكم واحد ألا إن ربكم واحد، ألا لا فضل لعجمي على عربي ولا
لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل
بلغت؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "فليبلغ الشاهد الغائب". وكذلك رواه بلفظ
قريب منه المتقي الهندي في كنز العمال: ج3/699، حديث رقم 8502، وعزاه إلى ابن
النجار.
(176) رجال الكشي، ص164 (طبعة النجف). أو اختيار معرفة الرجال، طبعة
مشهد: ص 187، الحديث 329.
(177) أبو هاشم الرماني الواسطي اسمه يحيى توفي سنة 122 وقيل 145هـ.
، وأما قاسم بن كثير فكنيته أبو هاشم ونسبته الخارفي الهمداني بياع السابري روى عنه
سفيان الثوري، لهما ترجمة في التهذيب وهما ثقتان.(ت)
(178) تفسير فرات بن ابراهيم الكوفي (و هو من أعلام الغيبة الصغرى
ومعاصر للمحدث الكليني والحافظ ابن
عقدة، قيل أنه كان زيدياً) ص 474 - 475 (من الطبعة التي حققها محمد كاظم، طبع
طهران،1410ه/ 1990). (ت)
(179) كان علي من الناصحين للخليفتين أيى بكر وعمر وكانا يعملان
بمشورته، فمن ذلك أخذ أبي بكر برأي علي في موضوع مبدأ التأريخ الإسلامي بهجرة
النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن
عمر عمل بنصح ومشورة علي له في موضوع شخوصه لحرب الفرس وحرب الروم (انظر نهج
البلاغة، الخطبتين: 134 ، و146). ولو رجعنا إلى كتاب مسند زيد بن علي عليهما السلام
لوجدنا عدداً من الروايات يقر فيها
الخليفة الثاني بأن عليا أعلم منه ويرجع إليه في حل كثير من الأمور، بل
يحتاط في الإجابة على سؤال رغم أنه سمع جواب مثله من النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه ولكنه مع ذلك يعهد بالإجابة عن
السؤال إلى علي (ع). (انظر مثلاً الحديث السادس في باب الحيض والاستحاضة، من كتاب
الطهارة، والحديث الثالث في باب جزاء الصيد من كتاب الحج)
(برقعي)
(180) لم يكن الأئمة الأربعة أيضاً راضون عن خلفاء عصرهم من بني
العباس، فأحمد بن حنبل أمضى سنوات طويلة في سجونهم مع ضربه بالسياط لحد فقدان الوعي
بسبب رأي كلامي اختلف فيه مع المأمون. ومالك اعتقل بسبب تأييده لثورة العلويين
بقيادة النفس الزكية وإفتائه بجواز نقض البيعة التي تؤخذ بالإكراه، وقد ضرب بالسياط
حتى خلعت كتفه!!، كما روى عن الإمام الصادق (ع) في كتابه الموطأ. وكذلك "الشافعي"
كان محباً ومؤيدا لآل علي (ع) حتى اتهم بالتعاون معهم في اليمن واعتقل لأجل ذلك.
وأشعاره في حب علي وآل النبي مشهورة يعرفها العام والخاص. أما تأييد الإمام أبي
حنيفة لثورات العلويين في عصره، والذي يدل على أنه كان يراهم أولى الأمة بالخلافة
ولم يكن يرى مشروعية خلافة الخلفاء في عصره، فأشهر من أن يذكر، مما حدا ببعض
المؤرخين أن يعتبره شيعياً في ولائه السياسي، وقد سجن أبو حنيفة، بسبب أرائه تلك،
عدة مرات، في زمن المنصور الدوانيقي ورفض أن يستلم أي منصب من المناصب التي عرضت
عليه في عهده حتى توفي آخر الأمر وهو في سجن المنصور. (برقعي)
(181) تعتمد المذاهب السنية الأربعة قاعدتي التعصيب والعول في
الإرث، أما التعصيب فهو أن يُعْطَى ما يتبقى من التركة، بعد أن يأخذ كل ذي فرض
فرضه، لأّوْلى عصبة ذكر، وهم الأبناء ثم الآباء ثم الإخوة ثم أبناءهم ثم الأعمام ثم
أولاد العم، والعباسيون وافقهم هذا الرأي حيث أنه لما لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أبناء (ذكور) ولا آباء أو إخوة، كان ورثته
وعصبته هم أعمامه (العباس) وأبناء عمه (العباسيون)! أما في الفقه الجعفري فلا تعصيب
أصلاً بل يأخذ أصحاب الفروض من الطبقة الواحدة فقط كل التركة ولو كانت بنتا واحدة
فقط، فرضاً ثم ردَّاً. (ت)
(182) هذا من علامات الوضع في هذا الحديث لأن معرفة أسماء الأئمة
"عليهم السلام" الذين اختارهم الله وفرض طاعتهم على العالمين والتي لا نجاة لمسلم
إلا بها أمرٌ ينبغي أن يُعلن ويُنشر
لا أن يُخفى ويُستتر عند فرد !. (ت)
(183) أول ما يتَّجه
من إشكال على صحة هذا الحديث وأمثاله أنه من المتواتر أن عدداً من الأئمة عليهم
السلام لم يكونوا عالمين في بداية الأمر إلى من ستؤول الإمامة من بعدهم، فالصادق
عليه السلام أعلن في البداية أن ابنه الأكبر "إسماعيل" هو الإمام من بعده، لكن
إسماعيل توفي في حياة أبيه!، عندئذ قال الصادق أن الإمام هو "موسى"، وكذلك عين
الإمام الهادي ابنه "محمدا" إماماً بعده لكن محمداً أيضاً توفي في حياة والده! فنقل
الهادي الإمامة من بعده لابنه الآخر" الحسن"، وهذا كله يناقض علمه السابق بأسماء
الأئمة واحداً واحداً. وكذلك يتناقض مع حديث لوح جابر وأمثاله، ما رواه الكليني
نفسه في أصول الكافي: باب "الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا" أن الإمام موسى بن
جعفر عليه السلام لم يكن يعلم إلى مَنْ مٍنْ أولاده ستصير الإمامة من بعده وكان
يميل إلى إمامة ابنه "القاسم" إلى أن رأى في منامه النبي صلى الله عليه وآله وعلياً
عليه السلام فسألهما: "أرنيه أيهما هو؟" ومع أن الإمام علي أشار إلى الرضا إلا أن
الإمام الكاظم لم يطمئن حتى سأل النبي صلى الله عليه وآله فقال: "قد جـمَعْتَـهم لي
- بأبي وأمي - فأيهم هو؟ ". فلو كان
حديث اللوح صادقا لكان حضرة الكاظم عليه السلام قد رآه وعرف منه أسماء الأئمة، فما
مورد هذا التساؤل منه إذن؟! ولقد أحصى كاتب هذه السطور - أثناء مطالعة أصول الكافي
- عدد أصحاب الأئمة بدءًا من الإمام الحسين
عليه السلام وحتى الإمام
الرضا عليه السلام الذين ذكرت روايات الكافي ما يدل على عدم
معرفتهم من سيكون الإمام بعد إمام عصرهم، فوجدت أن عددهم بلغ مائة وأربعة!! فلو صح
حديث لوح جابر ونظائره لكان الأئمة أطلعوا على الأقل أصحابهم المقربين على أسماء
الأئمة أجمعين حتى لا يتيهوا ولا يضطروا للحيرة والبحث عن كل إمام؟! أي
لو كان قول الذين ادعوا أن النبي (صلى الله عليه وآله) عين اثنا عشر إماماً من
بعده، بأسمائهم، صحيحاً، لعرف ذلك الأئمة أنفسهم ولعرف ذلك خلص أصحابهم المقربين،
في أن الواقع خلاف ذلك! (برقعي)
(184) يُراجَع للتأكد
من ذلك الكتب التالية: 1ـ المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري: ص 72. 2ـ فرق
الشيعة للحسن بن موسى النوبختي: ص 82، حيث يذكر الكتابان أن سنة وفاته هي 117 هـ.
3ـ وفيات الأعيان لابن خلِّكان: ج4/ص170. 4ـ بحار الأنوار للمجلسي: ج 14/ ص 44 (من
طبعة تبريز القديمة). 5ـ تاريخ اليعقوبي: ص 52 (طبعة بيروت لعام 1375هـ). 6ـ منتهى
الآمال (في مصائب النبي والآل) لعباس القمي، (بالفارسية): ص 122 (طبع العلمي) 7ـ
الإصابة في تمييز الصحابة: ج1/ص215.
(185) انظر: 1ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر: ج1/ص213.
2ـ أسد الغابة لابن الأثير: ج1/ص258. 3ـ التهذيب ج9/ص 77 (طبع النجف). 4ـ تتمة
المنتهى: ص 69. 5ـ الإصابة: ج1/ص215.
(186) هذا يناقض ما جاء في الرواية السابقة من أن فاطمة رفضت إعطاء
جابر اللوح قائلة أن الله نهى أن يمسه إلا نبي أو وصي أو أهل بيت نبي!
(م)
(187) الشيخ الصدوق في «عيون أخبار الرضا»: ج1/ص48-50 (بيروت: مؤسسة
الأعلمي، 1404هـ/1984). وانظر أيضاً «الكافي» للكليني ( ج1/ص527- 528 ). هذا ويجدر
بالذكر أن المحقق والمحدث المعاصر "محمد باقر البهبودي" صاحب كتاب "صحيح الكافي"
(طبع الدار الإسلامية، بيروت: 1401هـ) الذي نقح فيه كتاب الكافي للكليني فحذف منه
ما رآه غير صحيح وأبقى الصحيح فقط، حذف هذا الحديث معتبراً إياه غير صحيح.
(ت)
(188) من المعروف أنه كان ضريرا لما ذهب لزيارة قبر الإمام الحسين
سنة 61 هـ لذلك طلب من عطية العوفي أن يأخذ بيده ويوصله للقبر.
(برقعي).
(189) عيون أخبار الرضا: ج1/ ص50-51.(ت)
(190) أو ج 1/ص302-303 من الطبعة التي حققها محمدجواد النائيني،
(بيروت:دار الأضواء، 1408) (ت)
(191) هو ابن شيخ النجاشي: الحسين بن عبد الله الغضائري.
(ت)
(192) هو عبد الله بن الإمام جعفر الصادق لقب بالأفطح لأنه كان أفطح
الرأس أو أفطح الرجلين، وقد صار جمع من شيعة جعفر الصادق إلى القول بإمامته بعد
وفاة أبيه وعرفوا لهذا بالفطحية
(ت).
(193) عيون أخبار الرضا: ج1 / ص 51.
(194) انظر قاموس الرجال ج6 / ص 103، وتنقيح المقال: ج2/ص203، ونقد
الرجال: ص204.
(195) عيون أخبار الرضا: الباب السادس، ج1 / ص 60 - 61.
(ت).
(196) لأنه لن يكون في ذلك اليوم أي أثر للات والعزى الصنمين
الجاهليين ولا لعبادتهما، فلا معنى لإخراجهما وحرقهما إلا أن يكون المقصود بالكلام
شيء آخر كما ذكر (م) أي وحاشا أئمة العترة أن يقولوا بمثله (ت)
(197) الواقفة هم الذين وقفوا على إمامة موسى الكاظم وأنكروا إمامة
بقية الأئمة الاثني عشر بعده.(ت)
(198) الرجال للنجاشي: ص 32 (طهران: مركز نشر كتاب)
(ت).
(199) امتدح الله تعالى نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله) بأنه ليس
بخيلا في نشر كل ما أعلن إليه بالوحي من الغيب فقال عز من قائل: (و ما هو على الغيب
بضنين) التكوير/24، بل حرَّم الله تعالى في كتابه كتمان أي أمر من حقائق الدين أشد
التحريم ولعن فاعل ذلك فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ
الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ
أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} البقرة /159، ونحو ذلك
في البقرة/174 وآل عمران/ 187. كما أمر الله تعالى رسوله أن ينذر جميع الناس على
سواء دون تمييز في الإبلاغ فقال: {فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء
...} الأنبياء/109. وكل هذا ينفي بشدة أن يكتم النبي بيان أصول الدين وحقائق
الشريعة التي فيها هداية الناس أو يختص بها بعض الناس دون الآخرين أو أن يأمر
بكتمانها. (برقعي)
(200) انظر المنتظم في تاريخ الأمم لابن الجوزي: ج12/ص305 (بيروت،
1412هـ/1992) (ت)
(201) واصل المؤلف ذكر
انتقادات أخرى طويلة نسبيا لمتن الحديث، رأيت الاكتفاء بما ذكرته، طلبا
للاختصار وابتعادا عن التطويل الممل. (ت)
(202) انظر عيون أخبار الرضا: ج 2/ ص 305 (ت)
(203) أو ج1/ص289 من الطبعة الجديدة المحققة، ترجمة ثابت بن أبي
صفية وهو اسم أبي حمزة الثمالي (ت).
(204) الغيبة للشيخ الطوسي: ص 150، (قم: مؤسسة المعارف الإسلامية،
1411هـ)
(205) رجال النجاشي: ج1 / ص 243. (ت)
(206) انظر ذلك مثلاً في جامع الرواة: ج1/ص 58.
(ت)
(207) وانظرها في أصول الكافي: كتاب الحجة: باب ما يفصل به بين دعوى
المحق والمبطل: ج1/ص351ـ- 352 (ت).
(208) لو كان هذا الحديث من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً لقال هنا عوضاً عن "نعم" "بلى يا أبا
هريرة" (برقعي)
(209) لم أقف على المصدر الذي استقى منه المؤلف هذا الأمر عن محمد
بن الهمام. وما بين يدي من المصادر الرجالية يمدح محمد بن الهمام. والله أعلم.
(ت)
(210) انظر "قاموس الرجال" للعلامة التستري: ج 8 / ص
428.
(211) رجال النجاشي:ج2/ ص225. (ت).
(212) من الجدير بالذكر أن المحدث المحقق محمد باقر البهبودي صاحب
كتاب "صحيح الكافي" لم يعتبر أياً من العشرين حديثاً في هذا الباب صحيحاً.
(برقعي)
(213) نقل هذه الرواية نفسها كل من الشيخ الصدوق في كتبه ومن جملتها
"إكمال الدين" والشيخ الطوسي في كتابه "الغيبة"، ولكنهما جعلا عدد الذين اسمهم علي
"أربعة " خلافا لما ذكره الكليني هنا من أنهم "ثلاثة"!
(214) مناقشة الاستدلال بحديث: "يلي اثنا عشر خليفة من قريش" بطرقه
وألفاظه المختلفة، إضافةٌ من صديق المؤلف العلامة (م) لتدعيم كلامه في الموضوع، وقد
كانت بالحاشية فنقلتها للمتن لطولها. (ت)
(215) هذه الرواية والثلاث التي قبلها في صحيح مسلم: 33-كتاب
الإمارة /1ـ باب الناس تبع لقريش.
(216) جاء عن عبد الله ابن مسعود رواية مشابهة فيها: « يملك هذه
الأمة من الخلفاء اثنا عشر بعدد نقباء بني إسرائيل» رواها أحمد في مسنده: ج1 / ص
398 و406. وفيها نفس إشكال رواية جابر بن سمرة من حيث أنها تبين أن الاثني عشر
يملكون أي يحكمون فعلياً. عدا عن أن مضمونها لا يصح لأن الذين ملكوا الأمة
أكثر بكثير جداً من هذا العدد!
(217) أكد أمير المؤمنين علي عليه السلام نفسه، أكثر من مرة، أن
الشورى حق المهاجرين والأنصار، من ذلك ما جاء في أحد رسائله لمعاوية (كما أوردها
عنه الشريف الرضي في نهج البلاغة، الرسالة رقم 6، ورواها أيضاً نصر بن مزاحم
المنقري في كتابه "صفين" ص 29) أنه عليه السلام قال: «إنه بايعني القوم الذين
بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه. فلم يكن للشاهد أن يختار ولا
للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين الأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً
كان ذلك لِـلَّـهِ رضىً». قلت: وكلام
أمير المؤمنين هذا تؤيده الآية القرآنية الكريمة: ﴿ وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم
بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ ﴾ التوبة / 101، وقد
وصف الله تعالى أولـئك السابقين من المهاجرين والأنصار بأنهم: ﴿ ..وَأَمْرُهُمْ
شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ الشورى/38، فإذا جلس
مجموعة من أهل الجنة ليتشاوروا في أمر الإمارة واختاروا أميراً عليهم أفلن يكون ذلك
حتماً رضىً لِـلَّـه؟؟ وعلاوة على
ذلك فإن عليّاً عليه السلام كان يقول: «والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في
الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها» (نهج البلاغة / الخطبة رقم 196). فهل يعقل أن يكون عليا قد أمر
من قبل الله تعالى بتولي منصب الخلافة، ثم يقول مقسماً بالله أنه ليس له رغبة
بالخلافة ولا إربة بها؟! أليس لعليٍّ رغبة بتنفيذ أمر الله؟! هل يصح القول مثلاً أن رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) لم يكن له رغبة ولا إربة بالنبوة بعد أن حمله الله تعالى
أمانتها؟؟ والعياذ بالله. لو كان علي منصوباً حقاً من قبل الله تعالى لمنصب الخلافة
والإمارة فلماذا قال - عندما هجم الناس على بيته ليبايعوه: «فأقبلتم إلي إقبال
العوذ المطافيل على أولادها، تقولون: البيعة البيعة! قبضت كفي فبسطتموها، ونازعتكم
يدي فجاذبتموها» ( نهج البلاغة / الخطبة 137 و229)، في حين أنه لو كانت خلافته عليه
السلام أمراً إلـهـياً، لوجب عندما وجد المقتضي لاستلامها وانتفى المانع وعاد الحق
إلى صاحبه، لوجب على الأقل ألا يمتنع عنها ويظهر عدم ميله لها، هذا إن لم يجب عليه
الإسراع لأخذها والقيام بأعبائها، لا أن يقول - كما روي عنه في النهج - «دعوني
والتمسوا غيري! أنا لكم وزيراً خيراً لكم مني أميراً، وإن تركتموني فأنا كأحدكم
وأسمعكم وأطوعكم!» (نهج البلاغة/الخطبة 91). ولو أن علياً عليه السلام نُصِّب فعلا
من قبل الله عز وجل لأمر الخلافة، فلماذا بدلاً من تحذيره الناس صبحاً ومساء من
مغبة مخالفتهم لأمر الله تعالى وتذكيرهم صبحاً ومساء بخلافته الإلـهية، وسعيه بكل
جهده لإحراز الخلافة التي أمره اللهُ القيام بأعبائها، وزجره الخلفاء الذين سبقوه
عن غصبهم خلافته، وإعلانه للجميع أن خلافتهم غير مشروعة ومحرمة، أو على أقل تقدير
يمتنع عن تأييدها ويسكت عن مدحها، لماذا نجده عليه السلام، بشهادة آثار قدماء
الإمامية، يثني على الخلفاء الذين سبقوه ويمتدح خلافتهم فيقول عن أبي بكر مثلاً:
«فتولى أبو بكر فقارب واقـتـصد» [كشف المحجة لثمرة المهجة، سيد ابن طاووس، طبع
النجف، 1370هـ، ص 177]، ويقول عن عمر مثلاً: «تولى عمر الأمر فكان مرضي السيرة
ميمون النقيـبة» [الغارات، أبو اسحـق الثقفي، ج1/ص307] ويقول عنهما كليهما في مقام
آخر: «أحسنا السيرة وعدلا في الأمة» [كتاب وقعة صفين، ص 201]، ولماذا رضي أن يصاهره
عمر في ابنته أم كلثوم [انظر منتهى الآمال، للشيخ عباس القمي، ص 186، ووسائل
الشيعة: كتاب الميراث، ج17/ ص 594]، وكان يقتدي بالشيخين في الصلاة [وسائل الشيعة:
كتاب الصلاة، ج 5/ ص 383] وسمى ثلاثة من أولاده بأسماء الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان
[الإرشاد للشيخ المفيد، دار المفيد للطباعة، ج1/ص 354 ومنتهى الآمال، ص 188 و382].
أفتراه فعل ذلك - وهو عليه السلام إمام المتقين وأسوة المؤمنين - لكي يفضح الغاصبين
ويعرف الأمة أكثر بأصول وأحكام الشريعة خاصة أصل الإمامة المنصوص عليها، ويتم الحجة
عليهم في ذلك؟! نترك الإجابة على ذلك
لكل ذي إنصاف. (م)
(218) مروج الذهب: للمسعودي: ج2 / ص 425، وتاريخ الأمم والملوك:
للطبري: ج5/ص 146-ـ 147، والبداية والنهاية: لابن كثير: ج7 / ص 327
.
(219) مروج الذهب: ج 2 /ص 425، والبداية والنهاية: ج 7 /ص323 إلى
324 من عدة طرق. (ت)
(220) وانظره أيضاً في الأصول من الكافي للكليني: كتاب الحجة: باب
ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر
الإمامة، حديث 5، ج1/ ص 348. (ت)
(221) سبق وأوردنا روايته مفصلة في كتابنا هذا
فراجعها.(ت).
(222) الأصول من الكافي: كتاب الحجة: باب ما يفصل به بين دعوى..حديث
16في ج1/ص357 (ت)
(223) الأصول من الكافي: كتاب الحجة: باب ما يفصل به بين دعوى..
ج1/ص363، ح 17. (ت)
(224) فخ: بئر بين التنعيم ومكة، والحسين هذا هو الحسين بن علي بن
الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي عليهما السلام وأمه زينب بنت عبد الله بن الحسن،
خرج في المدينة سنة 199هـ في أيام الخليفة العباسي موسى الهادي بن المهدي بن أبي
جعفر المنصور، وخرج معه جماعة كثيرة من العلويين وبايعوه بإمارة المؤمنين ثم استشهد
بفخ. (ت)
(225) وهو أيضاً في
أصول الكافي:كتاب الحجة: باب ما يفصل به بين دعوى المحق ج1/ص366
(ت)
(226) المصدر السابق: نفس الكتاب والباب: الحديث 19 في: ج1 / ص 366
- 367. (ت)
(227) تتمة نفس الحديث السابق. (ت)
(228) مقاتل الطالبيين: ص 537. (ت)
(229) من الجدير بالذكر أن هذا الإمام الهمام كان من المجاهدين في
واقعة كربلاء تحت راية عمه سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله عليه السلام، وقد سقط
جريحا في تلك المعركة، ولما هجم أوباش يزيد - في آخر المعركة - ليقطعوا رؤوس
الشهداء من أنصار الحسين(ع) البواسل، تشفَّع للحسن المثنى خاله الذي كان في جيش عمر
بن سعد، وأخذه لمنزله وداوى جراحه. هذا وقد كان الحسن المثنى ختنا للإمام الحسين إذ
كان زوجا لابنته "فاطمة حور العين".
(م)
(230) انظر تهذيب تاريخ دمشق، للشيخ عبد القادر بدران: ج 4/ص 169 ط
2 (بيروت، دار المسيرة 1399هـ/1979) أو تاريخ مدينة دمشق: لابن عساكر، طبع دار
الفكر، ج 13 ص170-171.(ت)
(231) انظر: الخرائج للراوندي: ص 202، وبحار الأنوار للمجلسي: ج12/
ص136.
(232) راجع فقرة: "ادعاء النص لم يرد في كلمات أهل بيت النبي
والأئمة من ذريته" في هذا الكتاب. (ت)
(233) كان عبد الله بن جعفر متهما أنه من المرجئة.
(برقعي)
(234) أصول الكافي: كتاب الحجة: باب ما يفصل به بين دعوى المحق..:
ح17:ج1/ص351. (ت)
(235) الأصول من الكافي: كتاب الحجة: باب الإشارة والنص على أبي
محمد عليه السلام ، ح
4.(ت).
(236) الأصول من الكافي: كتاب الحجة: باب الإشارة والنص على أبي
محمد عليه السلام ، ح
5.(ت).
(237) أصول الكافي: كتاب الحجة: باب الإشارة والنص على أبي
محمد عليه السلام ، ح 8.
(ت)
(238) أصول الكافي: كتاب الحجة: باب الإشارة والنص على أبي
محمد عليه السلام ، ح 10.
(ت)
(239) أصول الكافي: كتاب الحجة: باب ما جاء في الاثني عشر والنص
عليهم ، الحديث الأول.(ت)
(240) ذكر المصنف انتقادات لمتن الحديث بين قوسين أثناء ترجمته
للفارسية وقد أطال فيها مما لا طائل تحته فاختصرت نقد المتن بألفاظ من عندي في
هذه الفقرة القصيرة طلباً للاختصار. (ت)
(241) لعل قائل يقول
كيف لم يتنـبّه علماؤنا الأعلام ومحدثونا الكبار أمثال الشيخ الصدوق والشيخ
الطوسي والعلامة المجلسي غيرهم رحمهم الله تعالى، الذين رووا تلك الروايات في
كتبهم لعيوب وعلل أحاديث النص هذه،
بل رووها في كتبهم حتى بنى عليها اللاحقون القول بأن الإمامة من أصول الدين وإنكار
أحد الأئمة كفر مبين؟ فالجواب: أولا أن عادة المحدثين أنهم يروون كل ما يصل إليهم
في كتبهم ثم يتركون لأهل التمحيص والتحقيق مهمة غربلة الأحاديث وتمييز الصحيح من
الموضوع، وثانيا هناك سبب عاطفي وهو أنه لما كان آل محمد صلوات الله تعالى عليهم
ممن ظُلِم واضطُهِد وقُتِل واستشهد ووقع عليه من المظالم ما يفتت الأكباد، مما جعل
قلوب الناس تحبهم وتهفو إليهم وتتعلق بهم، وخاصة مثل أولئك العلماء الأعلام الذين
كانوا، لفرط تعلقهم ومحبتهم بالأئمة من آل محمد صلوات الله عليهم، يحرصون على إثبات
مقاماتهم وإثبات تعيين إلـهي لهم، فكانوا لشدة محبتهم لأئمة الآل وبغضهم لظالميهم
من خلفاء بني أمية أوبني العباس يتساهلون في رواية كل ما يثبت لهم فضلا أو نصا من
الرسول (صلى الله عليه وآله) ولا يجدون في أنفسهم المجال لتمحيص ونقد مثل هذه
الروايات بل يذكرون كل ما وصل إليهم، ثم جاء من بعدهم من العلماء فأخذوا عنهم
رواياتهم اعتمادا على حسن ظنهم بأمثال أولئك الأعلام ولم يتصوروا أن تكون كثير من
الأحاديث التي رووها على هذا القدر من التناقض والتهافت والضعف والسقوط ولا كانوا
قادرين أن يصدقوا أنها من وضع عدة من الغلاة الكذبة الوضاعين للحديث، بل لصدقهم
ونقاوة صدورهم، صدقوا هذه الأحاديث الموضوعة وأدرجوها في كتبهم. وأكثر هذه الأحاديث وضع في القرن الهجري
الثالث، عندما تحددت فرق المسلمين وأخذت شكلها المتميز واشتد الصراع فيما بينها،
واندفع الكثيرون، من باب التعصب لمذهبهم، (كما هو الحال في عصرنا وفي كل عصر)
للدفاع عن عقائدهم وإثباتها بكل ما يتيسر لهم من الوسائل والحجج سواء كانت ضعيفة أو
قوية! لذا كثر وضع الأحاديث من قِبَل كل فرقة للدفاع عن مشربها ومذهبها، هذا والله
تعالى أعلم (برقعي)
(242) المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري: ص2- 9. وفرق
الشيعة للنوبختي: ص1-11.
(243) هذه العناوين بين القوسين ليست لمؤلفَيْ كتب الفرق بل من
عندنا لغرض التوضيح. (ت)
(244) المقالات والفرق: ص 15 إلى 27. وفرق الشيعة: ص 17 إلى
27.(ت)
(245) المقالات والفرق: ص 27 إلى 57. (ت)
(246) علاوة على "عمر بن رياح" فإن سائر أصحاب الأشمة مثل : محمد بن
سالم ومنصور بن حازم، وزياد بن أبي عبيدة، وزرارة بن أعين، ونصر الخثعمي و... واجه
مثل هذه المشكلة وسألوا عنها الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام فسمعوا
منهما أجوبة مختلفة !. (انظر "أصول
الكافي" ج 1: باب "اختلاف الحديث" الأحاديث من 1 إلى 9).
(برقعي).
(247) نهج البلاغة، الخطبة رقم
145.
فهرس
المحتويات
تقديم
سماحة المرجع آية الله العلامة الفـقيه السيد أبو الفضل بن الرضا البرقعي
القمي (رحمه الله) 17
أسباب
وبواعث اختلاف وتفرّق الأمّة الإسلاميّة 34
بحث
عميق في قضية سقيفة بني ساعدة 40
موقف
بقية أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) 58
كيفية
مبايعة أمير المؤمنين علي لأبي بكر 60
بيعة
أمير المؤمنين عليٍّ لأبي بكرٍ كما يرويها ابن قتيبة 72
ما
جاء في هذا الباب في كتبنا الشيعية 79
نظرة
إلى روايات ارتداد جُلِّ أصحاب الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) 87
الآيات
التي نزلت في مدح أصحاب الرسول (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) 100
سِـِيَرُ
الصحابة أيضاً مصدِّقة للآيات ومكذِّبة للروايات.. 125
هل
أُريد بحديث الغدير النص على عليٍّ بالإمارة والخلافة؟ 153
احتجاجات
عليٍّ عَلَى أولويَّتِهِ بالخلافة ليس فيها إشارة لنصٍّ من الله عليه 173
شبهات
المخالفين على الأدلة التي ذكرناها والإجابة عليها 177
شبهة
آية يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك.. 181
شبهة
الاستدلال بالآيات التي تتكلم عن المنافقين. 185
شبهة
الاستدلال بالآيات التي تتحدث عن إمكان ارتداد بعض المؤمنين. 192
عودة
لكتاب الاحتجاج
ونقد
رواياته 198
قول
محققي العلماء في سليم بن قيس الهلالي وكتابه 219
تمحيص
سند خطبة الغـديـر الطويلة 232
ادّعاء
النصّ على عليٍّ لم يَرِدْ في كلمات آل بيت النبيّ وذريته 241
دراسة
وتمحيص أحاديث النص على اثني عشر إمام 254
سِيَرُ
الأئمة بحد ذاتها تنفي وجود أحاديث النص السابق. 231
ثورات
عديد من أئمة آل البيت دليل آخر على
عدم وجود النص على أئمة محددين 236
ادعاء
النص السابق لم يرد في كلمات أهل بيت
النبي والأئمة من ذريته 244
أقرب
أصحاب الأئمة لم يكن لهم علم بمثل هذه النصوص.. 246
مواقف
للأئمة تعكس بوضوح عدم وجود أحاديث النص السابق! 252
افتراق
الشيعة إلى فرق مختلفة عقب وفاة كل إمام
يثبت عدم وجود نصّ سابق على أئمة محدَّدين. 260
فرق
الشـيعة بعـد اسـتشهاد الإمام علي عليه السلام() 269
فرق
الشيعة بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام 274
فرق
الشيعة بعد وفاة الإمام السجّاد عليه السلام 276
فرق
الشيعة بعد وفاة الإمام محمد الباقر عليه السلام 277
فرق
الشيعة بعد وفاة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام 279
فرق
الشيعة بعد وفاة الإمام موسى الكاظم عليه السلام 282
فرق
الشيعة بعد وفاة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام 284
فرق
الشيعة بعد وفاة الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام 286
فرق
الشيعة بعد وفاة الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام 287
فرق
الشيعة بعد وفاة الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام 288
+
+
+
B